الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب الأطعِمَة
الأطعمة جمع طعام، والطعام هو المأكول: أي ما يؤكل.
قال المؤلف: (الأصلُ في كلِّ شيءٍ الحِلُّ، ولا يَحرُمُ إلا ما حرَّمهُ اللهُ ورَسولُهُ، وما سَكتَا عنه فهو عَفوٌ) هذه قاعدة عامة في الأطعمة وأيضاً في غير الأطعمة من مسائل العادات والمعاملات، الأصل فيها الحل لقول الله تبارك وتعالى:{هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً} [البقرة/29]، فهذه الآية تدل بعمومها على أن كل شيء على وجه الأرض خلق لمنفعة الإنسان ولا يحرم من ذلك إلا ما دل الدليل الشرعي على تحريمه.
ويدل أيضاً على أن الأصل في الأطعمة الحِل؛ قول الله تبارك وتعالى: {قُل لا أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إلَّا أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَّسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ} [الأنعام/145].
الشاهد قوله تبارك وتعالى: {قُل لَاّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ} ، لم يجد شيئاً حُرِّم من الطعام على شخصٍ يريد أن يأكل إلا ما ذُكر هاهنا، ثم جاءت استثناءات أخرى بأدلة أخرى.
العموم في هذه الآية يقتضي أن الأصل في الأطعمة الحل.
هذه الأدلة هي التي اعتمدها المؤلف رحمه الله مع غيرها أيضاً ذكرها في تقرير القاعدة هذه القاعدة، وهي قاعدة صحيحة.
قال المؤلف رحمه الله: (فيَحْرُمُ: ما في الكِتابِ العَزيزِ)
عندنا عموم أصَّله في البداية وهو الأصل في الأطعمة الحل، إلا ما حرَّمه الله ورسوله، وما سكتا عنه فهو عفوٌ، فما لم يرد فيه تحريمٌ من الله ومن رسوله صلى الله عليه وسلم فهو جائز، وما ورد فيه تحريم فهو محرَّم.
فقال هنا: فيحرم ما في الكتاب العزيز، أي ما نُصَّ على تحريمه في القرآن، وهو ما جاء في قول الله تبارك وتعالى:{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ} [المائدة/3]، هذه الأشياء التي حرمها الله سبحانه وتعالى علينا ذكر تحريمها في كتابه.
فذكر أشياء:
أولاً: الميتة، وهي: كل ما له نفسٌ سائلة من دواب البَرِّ وطيره، مما أباح الله أكلها، أهليَّها ووحشيَّها، فارقتها روحها بغير تذكية.
هذا تعريف الميتة التي حرمها الله في كتابه.
(كل ما له نفسٌ سائلة): يعني ما له دم يسيل، النفس هنا بمعنى الدم.
(من دَوابِّ البَرِّ وطيره): سواء كانت من الدواب التي تمشي على الأرض أو من الطيور التي لها أجنحة.
(مما أباح الله أكلها): من الأشياء المباحة.
(أهليَّها ووحشيَّها): الأهلي الذي يعيش بين الناس، والوحشي الذي يعيش في البر.
(فارقتها روحها بغير تذكية): خرجت منها الروح من غير ذبحٍ شرعي.
هذه الميتة أكلُها محرَّم بنص الآية {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} .
ثانياً: الدم: الدم المقصود هنا: الدم المسفوح، وليس أي دم، جاء التقييد به في الآية التي تقدمت في قول الله تعالى:{قُل لَاّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إلَّا أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَّسْفُوحاً} [الأنعام/145]، المقصود بالدم المسفوح: الدم السائل.
وأما ما صار في معنى اللحم من الدم كالكبد والطحال وما في اللحم؛ فإن ذلك غير محرَّم؛ قال الطبري: لإجماع الجميع على ذلك. انتهى
إجماع العلماء على أن مثل هذا الدم غير محرَّم، يعني الدم الذي صار في معنى اللحم؛ كالكبد والطحال، وغير المسفوح، الذي يكون في قطع اللحم، عندما تطبخ اللحم تجد آثار الدم قد ظهرت، مثل هذا ليس محرَّماً، المحرَّم هو الدم المسفوح أي الذي يسيل.
ثالثاً: لحم الخنزير: وكل شيء من الخنزير حرام، سواء كان من اللحم أو غيره.
والخنزير حيوان معروف منه بري ومنه أهلي وكله محرم، وتخصيص اللحم بالذكر لأنه المقصود الأعظم منه.
رابعاً: ما أُهِلّ لغير الله به: أي ما ذُكر عليه اسمٌ غير اسم الله تبارك وتعالى عند ذبحه.
خامساً: المنخنقة: التي تموت خنقاً. أحياناً بعض الناس يربط الشاة في رقبتها فيرجع إليها فيجدها قد خنقت في رباطها فماتت خنقاً.
هذه المنخنقة، وبأي صورة من صور الخنق ماتت؛ حرمت، إذا ماتت مخنوقة فهي منخنقة فتدخل في المحرمات.
سادساً: الموقوذة: التي تُضرب حتى الموت، أي ماتت ضرباً.
سابعاً: المترديَّة: التي تتردى عن الجبل أي تسقط، الساقطة التي تسقط عن مرتفع؛ كرأس الجبل أو عمارة أو غير ذلك.
ثامناً: النَّطِيحة: التي تنطحها أخرى فتموت نطحاً من غير تذكية.
تاسعاً: ما أكل السَّبُع: أي الذي يقتله السبع ويأكل منه، فهذا لا يجوز أكله.
إلا ما ذكيتم: أي إلا ما أدركتم ذكاته قبل خروج الروح من هذا كله الذي ذُكر، يعني من المنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع، إذا أدركتم ذكاته قبل أن تخرج الروح منه وذبحتموه ذكيتموه فيجوز أكله.
قال أهل العلم: ضابط ذلك أن يُدرَك وهو يتحرك منه شيء، إما ذَنَب أو قدم أو عين، مثل هذه تعتبر قرائن على أن روحه لم تخرج بعد.
عاشراً: ما ذُبِحَ على النُّصُب: النصب حجارة تُجمع في موضع وتُنصب نصباً، ليست أصناماً، ولكنها أوثان يتقربون لها، كان المشركون يتقربون لها ويذبحون عليها، فهذه النصب ما ذُبح عليها فهو محرَّم.
هذه الأشياء حُرِّمت في كتاب الله فهي محرَّمة.
قال المؤلف: (وكلُّ ذِي نابٍ مِنَ السِّباع)
بدأ المؤلف بما حُرِّم بسنة النبي صلى الله عليه وسلم، ما تقدم كله حُرِّم بالقرآن.
الناب: أحد الأسنان، الذي يكون رأسه رفيعاً كرأس القلم، في كل فكٍ نابان.
والسبع: المفترس من الحيوان.
وصفان لا بد أن يوجدا في الحيوان حتى يَحرُم: الأول: أن يكون من ذوات الأنياب، أي له ناب.
والثاني: أن يكون حيواناً مفترساً؛ كالذئب والأسد والفهد والنمر والكلب والهر والثعلب .. وما أشبه ذلك.
ودليل تحريم ذلك حديث أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن أكل كل ذي نابٍ من السباع» (1) متفق عليه، وفي حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«كل ذي نابٍ من السباع فأكله حرام» (2) أخرجه مسلم.
(1) أخرجه البخاري (5530)، ومسلم (1932).
(2)
أخرجه مسلم (1933).
وجاء أيضاً عن ابن عباس وغيرهم بمعنى هذه الأحاديث.
يستثنى من ذلك الضَّبُع، الضبع يحل أكله، استثنيناه لوجود دليل يدل على ذلك وهو حديث جابر، سئل جابر بن عبد الله رضي الله عنه: الضبع صيد هي؟ قال: نعم. قيل له: آكلها؟ قال: نعم. قيل له: أقاله رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: نعم. (1) أخرجه أبو داود والترمذي وهو حديث صحيح.
فقوله: «الضبع صيد» أي يجوز اصطياده وأكله.
وورد حديث يدل على عدم جواز أكله ولكنه حديث ضعيف لا يقوى على مخالفة هذا الحديث. فالحديث الصحيح يُخصِّص عموم النهي في قوله صلى الله عليه وسلم: «كل ذي نابٍ من السِّباع أكله حرام» .
وأما من قال بأن الضبع ليس له ناب فهو مخطئ.
ومن قال بأنه ليس من السباع كذلك مخطئ، بل له ناب وهو من السباع فهو من الحيوانات المفترسة، ولكنه قد استُثني بالسنة الصحيحة.
قال الترمذي رحمه الله: هذا حديث حسن صحيح، وقد ذهب بعض أهل العلم إلى هذا، ولم يروا بأكل الضبع بأساً، وهو قول أحمد وإسحاق.
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث في كراهية أكل الضبع، وليس إسناده بالقوي.
وقد كره بعض أهل العلم أكل الضبع، وهو قول ابن المبارك .... انتهى مختصراً.
قال المؤلف: (وكُلُّ ذِي مِخلَبٍ مِنَ الطَّير)
المِخلَب، قال النووي رحمه الله: قال أهل اللغة: المراد به ما هو في الطير بمنزلة الظفر للإنسان.
فمخالب الطير، أظافر عند الإنسان، ما هي عند الطير مثل الأظافر عند الإنسان هذه تسمى مخالب. والمراد أن يكون الطير له مخلب قوي يعدو به على غيره أويصطاد به؛ كالنسر والصقر وما شابه، فهذا أيضاً يحرم أكله؛ لحديث ابن عباس في صحيح مسلم قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل ذي ناب من السباع، وعن كل ذي مِخلَبٍ من الطَّير (2).
قال المؤلف: (والحُمُرُ الإِنسيِّةُ)
(1) أخرجه أحمد (14425)، وأبوداود (3801)، والترمذي (851)، والنسائي (2836)، وابن ماجه (3236).
(2)
أخرجه مسلم (1934).
الحُمُر جمع حمار، يوجد فرقٌ بين الحُمُر والحُمْر، بتسكين الميم وضمها، الحمُر بضم الميم جمع حمار، والحُمْر بتسكين الميم جمع أحمر، لذلك جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حُمْر النَّعم» (1)، بالميم الساكنة، جمع أحمر.
أما هنا فنقول: الحمُر الإنسية؛ لأنها جمع حمار.
والإنسية التي تعيش بين الناس، ويقال لها أيضاً: الأهلية؛ لأن لها أهلاً ترجع إليهم وهم مُلّاكها، أي الذين يملكونها، فتسمى أهلية وتسمى إنسية.
وبقول المؤلف: الحمُر الإنسية أخرج الحمر الوحشية؛ لأن من الحمير ما هو إنسي ومنها ما هو وحشي، الحمار الوحشي الحمار المخطط الذي يعيش في الغابات.
الحمار الوحشي أكله جائز فقد اتفق أهل العلم على إباحته، وورد فيه حديث في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم إليه وما منعه أن يأكل منه إلا أنه كان مُحرِماً صلى الله عليه وسلم.
وأما دليل تحريم الحمار الأهلي فهو أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر (2) كما صح بذلك عن غير واحد من الصحابة وأحاديثهم في الصحيحين وأكثر أهل العلم على تحريمها.
قال المؤلف رحمه الله: (والجَلَّالَةُ قَبلَ الاستِحَالةِ)
أيضاً مما حرَّمه الله ورسوله: الجلالة قبل أن تستحيل.
الجلّالة هي: الدابة التي تأكل الجُلَّة وهي البعر من الإبل وغيرها.
إذا كان غالب أكل الحيوان من البعر والقاذورات والنجاسات سُمي جلالة فيحرم أكله وركوبه وشرب لبنه.
دليل تحريمها حديث ابن عمر قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل الجلالة وألبانها.
وجاء في رواية النهي عن ركوبها أيضاً، الحديث عند أحمد وأبي داود وغيرهما (3) وله شواهد وهو صحيح.
وقول المؤلف: قبل الاستحالة؛ أي قبل أن تتحول من حالٍ إلى حال آخر، هذا معنى الاستحالة وهو التحول من حال إلى حال آخر.
فإذا أُطعمت الجلّالة الشيء الطاهر حتى زالت رائحة النجاسة ولونها وأثرها جاز أكلها؛ لأن علة النهي عن أكلها تغيُّر لحمها ولبنها بالقاذورات والنجاسات، فإذا زالت العلة جاز أكلها.
وقد صح عن ابن عمر أنه كان يحبس الدجاجة الجلالة ثلاثة أيام (4).
يحبسها ويعلفها العلف الطيب لمدة ثلاثة أيام حتى يذهب أثر القاذورات التي كانت تأكلها.
(1) أخرجه البخاري (3009)، ومسلم (2406) من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه.
(2)
أخرجه البخاري (5521 فما بعده)، ومسلم (1407 فما بعده).
(3)
أخرجه أبو داود (3785 و 2558 و 3787)، والترمذي (1824)، وابن ماجه (3189) من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.
(4)
أخرجه عبد الرزاق (8717)، وابن أبي شيبة (5/ 148).
قال المؤلف: (والكِلابُ والهِرُّ)
الكلاب جمع كلب معروف.
والهر هو القط، الكلاب والقطط يحرم أكلها أيضاً؛ لأنها داخلة في قوله صلى الله عليه وسلم:«كل ذي نابٍ من السباع فأكله حرام» (1).
قال المؤلف: (وما كانَ مُستَخْبَثاً)
يعني ما كان خبيثاً يقذره الناس، كالحشرات مثلاً القذرة، الأشياء التي يستخبثها الناس.
يستدلون على ذلك بقوله تعالى: {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ} [الأعراف/157]
قالوا: ما استخبثه الناس فهو من الخبائث.
والبعض الآخر من أهل العلم قال: هذا لا يصلح ضابطاً، فالناس يختلفون في ذلك، فيستخبث البعض شيئاً لا يستخبثه الآخر، بل المراد بالخبائث هنا كل ما حرَّمه الله وحرَّمه رسوله صلى الله عليه وسلم، فما حُرِّم بالدليل الشرعي فهو خبيث وما لم يُحرَّم فليس بخبيث.
ومن العلماء من حرَّم أيضاً ما نهي عن قتله أو أُمر بقتله من الحيوانات، ما أمر بقتله كالحية والوزغ، وما نهي عن قتله كالضفدع والهدهد، فمن أهل العلم - كالإمام الشافعي رحمه الله مَنْ حرَّم أكل هذه الأشياء واستدل بأن ما نهي عن قتله حَرُم لأنه لو حل أكله لما نهي عن قتله والذبح قتل.
وأما ما أُمر بقتله من الحيوان فقال: لأنه خارج من الصيد الذي منع الله المحرم صيده وهو محرِم، وقد أذن له أن يقتل الفواسق الخمسة فهو ممنوع من الصيد وإذا كان ممنوعاً من الصيد وأُذن له أن يقتل الفواسق الخمس فقد استثنيت من الصيد الممنوع فلا تكون هي من الصيد الذي يجوز له أكله.
هكذا استدل الإمام الشافعي رحمه الله وقد نازعه العلماء في هذا الاستدلال.
قال المؤلف: (وما عَدا ذلك فهو حَلالٌ)
وما عدا ما ذكره من المحرمات فهو حلالٌ، بناءً على الأصل الذي تقدم معنا، ومن ذلك لحوم الخيل فهي تدخل في العموم، بل قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم فيها حديثٌ خاص فقد جاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه رخص في لحوم الخيل وهو حديث متفق عليه (2).
وفي رواية (3) قال جابر رضي الله عنه: أكلنا زمن خيبر الخيل وحمر الوحش، ونهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحمار الأهلي.
وفي رواية عندهما (4) من حديث أسماء نحرنا فرساً على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكلناه.
(1) تقدم تخريجه.
(2)
أخرجه البخاري (5520)، ومسلم (1941) من حديث جابر رضي الله عنه.
(3)
أخرجه البخاري (5524)، ومسلم (1941) من حديث جابر رضي الله عنه.
(4)
أخرجه البخاري (5510)، ومسلم (1942).