الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
دعا الأنصار ليعطيهم أرضاً في البحرين.
هذه الأحاديث وردت في الأراضي.
وأما الأحاديث التي وردت في المياه والمعادن فلا يصح منها شيء.
وبناءً على ذلك فلا إقطاع في المعادن والمياه؛ كالنحاس والحديد والذهب والبترول والأنهار والعيون؛ لأنه يلحق الضرر بالناس. والله أعلم
بابُ الشَّرِكة
الشركة: هي اختلاط النَّصِيبين فصاعداً، بحيث لا يتميز نصيبُ كل واحد عن الآخر.
ثم أُطلق اسم الشركة على العقد، وإن لم يوجد اختلاط النصيبين.
هذا أصل كلمة الشركة.
اختلاط النصيبين: يعني أن يكون لزيد نصيب ولعمرو نصيب في مالٍ معيَّن، ولكن نصيب زيد غير متميز عن نصيب عمرو، فزيد وعمرو مثلاً يشتركان في بيت، جزء من البيت لزيد وجزء منه لعمرو من غير تحديد للأجراء.
هذا معنى اختلاط النصيبين فصاعداً، سواء نصيبين أو ثلاثة أو أربعة، بحيث لا يتميز نصيب كل واحد عن الآخر.
قال المؤلف رحمه الله (الناسُ شُركاءُ في الماءِ والنّارِ والكَلأِ)
هذا لفظ حديث نبوي: قال صلى الله عليه وسلم: «الناس شركاء في ثلاث: في الماء والكلأ والنار» (1) بهذا اللفظ لا يصح.
الصحيح قوله صلى الله عليه وسلم: «المسلمون شركاء في ثلاث: في الماء والكلأ والنار» (2).
(1) أخرجه الحارث بن أبي أسامة في مسنده، بغية الباحث (494) و (631)، وانظرالبدر المنير (7/ 76)، وإرواء الغليل (1552) للألباني.
(2)
أخرجه أحمد (23082)، وأبو داود (3477)، عن رجل من الصحابة، وعند ابن ماجه (2472)، عن ابن عباس رضي الله عنه.
والفرق بينهما: في الأول: (الناس)، وفي الثاني:(المسلمون)، فعلى الثاني- وهو الصحيح- أن الشراكة حاصلة في المذكورات بين المسلمين فقط، فخرج بذلك الكفار، بخلاف الأول.
والمقصود بالماء هنا: الماء الذي لم يُملك بالحرز، وباق في مكانه؛ كمياه الأنهاروالأمطاروالأودية والعيون، هذه المياه مياه عامة ليست ملكاً لشخص معيَّن، لكن من سبق إليها فهو أحق بها من غيره، يستعمل منها ما يحتاج إليه، وليس له بعد ذلك أن يمنع المسلمين من الماء.
ومعنى بالحرز: بالحفظ، أي الماء الذي لم يملك بالحفظ؛ كمياه الأنهار، هو المقصود هنا، فأخرج مثلاً الماء الذي أُحرِز في الجرار والزجاجات وماشابه، فإذا أحرز الماء في زجاجات مثلاً، أو عبأه في ناقلة ماء؛ فله بيعه؛ لأنه صار ملكاً له بذلك.
والكلأ: معناه العشب الذي ينبته رب العزة تبارك وتعالى في الأرض، ولا يكون للناس فيه سبب، بما أنه عشب نابت وحده ليس لك فيه عمل بحراثة الأرض مثلاً؛ فهذا كلأ عام، يشترك المسلمون فيه، لكن إذا سبقت إليه فأنت أحق به، تأخذ منه ما تحتاج إليه، وما زاد عن ذلك تتركه للمسلمين، لا تمنعهم منه ولا تبيعه.
وفي العشب الذي ينبت في أرض مملوكة لشخص من غير عمل منه؛ خلاف.
والمقصود بالنار: الحطب الذي تُشعل به النار، أو الشعلة شعلة النار التي تكون في طرف العود، لا يجوز منع الناس منه، وأما إذا جمعت الحطب فلك بيعه.
هذه الأشياء من ضروريات الحياة، فيجب أن تبقى عامة مباحة لعامة المنتفعين؛ يشترك فيها الجميع، فبهذا تستقيم أمور الناس، وتصلح الحياة على الأرض.
ثم قال المؤلف رحمه الله (وإذا تشاجرَ المُستحِقّونَ للماءِ كان الأحقُّ به الأعلى فالأعلى، يُمسِكه إلى الكعبين ثم يُرسِله إلى مَن تحته)
اثنان لهما حق في ماء مشترك، ماء عين يجري أو ماء نهر يمر بأرض زيد أولاً، ثم يمر بأرض عمرو ثانياً.
فزيد أحق بالانتفاع بالماء فيعمل للماء حاجزا يمسكه في أرضه يسقي، إلى أن يصل الماء إلى كعبي الرجل - تقريبا يرتفع عن الأرض خمسة سنتمتر- ثم يترك الماء يذهب إلى جاره.
هذا الحكم قضى به النبي صلى الله عليه وسلم، فقد جاء في الصحيحين عن عبد الله بن الزبير أنه حدَّث أن رجلاً من الأنصار خاصم الزبير عند النبي صلى الله عليه وسلم في شِراج الحَرَّة- أي مسيل الماء من المرتفع إلى الأسفل- التي يَسْقون بها النخل.
فقال الأنصاري: سَرِّح الماء يمر- الأنصاري يقول للزبير: اترك الماء حتى ينزل ويصلني إلى أرضي- فأبى عليه، فاختصما عند النبي صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «اسقِ يا زبير، ثم أرسل الماء إلى جارك» ، فغضب الأنصاري، فقال: أَنْ كان ابنَ عمتك؟ ! فتلوَّنَ وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال:«اسق يا زبير، ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدار» (1).
أي حتى تروى الأرض ولا تشرب الماء فيرتد الماء إلى الجدار.
فقال الزبير: والله إني لأحب هذه الآية نزلت في ذلك: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} [النساء/65]، قال الزهري: فقدَّرَتِ الأنصارُ والناسُ قولَ النبي صلى الله عليه وسلم: «اسقِ ثم احبس حتى يرجع إلى الجدار» ؛ وكان ذلك إلى الكعبين.
وكان صلى الله عليه وسلم قد أشار إلى الزبير بأمرٍ فيه سعة للطرفين ليصلح بينهما بذلك فلما رفض الأنصاري حكم عليه بالحكم الشرعي، كما جاء في رواية عند البخاري.
ثم قال المؤلف: (ولا يجوزُ منعُ فضلِ الماء ليُمنعَ به الكَلأ)
قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تمنعوا فضل الماء لتمنعوا به الكلأ» (2)، وهو أن يكون بجانب بئر مملوك لشخص مثلاً عشب، وفيه ماء زائد عن حاجته، فإذا منع سقي الدواب؛ منع الاستفادة من العشب الذي يكون حول البئر، فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن منع فضل الماء الذي يوصل إلى منع الكلأ. والكلأ: العشب.
(1) أخرجه البخاري (2362)، ومسلم (2357).
(2)
أخرجه البخاري (2354)، ومسلم (1566).
قال النووي رحمه الله: أما النهي عن بيع فضل الماء ليمنع بها الكلأ؛ فمعناه: أن تكون لإنسان بئر مملوكة له بالفلاة، وفيها ماء فاضل عن حاجته، ويكون هناك كلأ ليس عنده ماء إلا هذه، فلا يمكن أصحاب المواشي رعيه إلا إذا حصل لهم السقي من هذه البئر؛ فيحرم عليه منع فضل هذا الماء للماشية، ويجب بذله لها بلا عوض؛ لأنه إذا منع بذله؛ امتنع الناس من رعي ذلك الكلأ؛ خوفاً على مواشيهم من العطش، ويكون بمنعه الماء مانعاً من رعي الكلأ. انتهى
قال المؤلف رحمه الله: (وللإمامِ أن يَحمِيَ بعضَ المَواضِعِ لِرعْي دوابِّ المسلمينَ في وقتِ الحاجَة)
المقصود من هذا أنه يحق لإمام المسلمين أن يحدد أرضاً معيَّنة فيها عشب، ويمنع الناس من رعي دوابهم فيها، فتكون هذه الأرض خاصة لرعي أموال الزكاة من الإبل والبقر والغنم، وكذلك من الخيل التي يجاهد بها في سبيل الله.
لحديث الصَّعبِ بن جَثَّامة عند البخاري في صحيحه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا حمى إلا لله ولرسوله» (1).
قال الأصمعي: يقال: حَمى فلان الأرض يحميها حِمى؛ إذا منعها من أن تقرب.
وقال الشافعي رخمه الله في تفسير قول النبي صلى الله عليه وسلم (لا حمى إلا لله ولرسوله): كان الشريف من العرب في الجاهلية إذا نزل بلداً في عشيرته استعوى كلباً، فحمى لخاصته مدى عِواء ذلك الكلب، فلم يرعه معه أحد، وكان شريك القوم في سائر المراتع حوله.
قال: فنهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يُحمى على الناس حِمى كما كانوا في الجاهلية يحمون.
قال: وقوله: (إلا لله ولرسوله) يقول: إلا ما يُحمى لخيل المسلمين ورِكابهم المُرصَدة لجهاد المشركين، والحمل عليها في سبيل الله، كما حَمى عمر النقيع لنعم الصدقة والخيل المعدة في سبيل الله. انتهى من تهذيب اللغة، كلام الشافعي بالمعنى في الأم له.
قال المؤلف رحمه الله: (ويَجوزُ الاشترِاكُ في النُّقُودِ والتِّجارات، ويُقِسَمُ الرِّبحُ على ما تَراضَيا عليهِ)
(1) أخرجه البخاري (2370).
بدأ المؤلف بمسائل الشركة.
اعلم أولاً أن الشركة قسمان: شركة أملاك، وشركة عقود.
شركة الأملاك هي: اشتراك أكثر من شخص في ملك عين أو منفعة، من غير عقد؛ كالاشتراك في الميراث والهبة والوصية.
إذا مات شخص وله قطعة أرض مثلاً، فيكون الورثة شركاء في قطعة الأرض، من غير وجود عقد بينهم على ذلك.
هذا النوع من الشركة لا يترتب عليها أي حكم من أحكام الشركات المعروفة في الفقه الإِسلامي، بل يعتبر كل واحد من الشريكين أجنبيًّا في نصيب صاحبه، فلا يجوز له التصرف فيه بغير إذنه.
ولا تحتاج هذه الشركة إلى عقد، وقد يكون التملك فيها جبرًا كالإرث، أو اختيارًا كالهبة والوصية والخلط ونحو ذلك.
هذا النوع الشراكة حصلت فيه بين الأشخاص للتملك فقط لا للتجارة.
وليست هذه الشركة هي المقصودة معنا هنا، بل المقصودة الثانية: شركة العقود.
أما شركة العقود؛ فهي: أن يعقد اثنان فأكثر عقداً على الاشتراك في مال وما نتج عنه من ربح.
هذه هي الشركات التجارية التي تم فيها العقد بين طرفين فأكثر على التصرف في المال، والربح يقسم بينهم.
وهذه أنواع سيأتي بعضها إن شاء الله.
والشركة سواء كانت شركة أملاك أم عقود جائزة شرعاً، دل على الجواز أدلة الكتاب والسنة والإجماع.
من أدلة الكتاب؛ قوله تعالى: {فَهُمْ شُرَكَاء فِي الثُّلُثِ} [النساء/12]، وقوله تعالى:{وإن كثيرا من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم} [ص/ 24]. والخلطاء، هم الشركاء.
ومن السنة: قال السائب بن أبي السائب للنبي صلى الله عليه وسلم: كنت شريكي في الجاهلية، فكنت خير شريك؛ لا تداريني ولا تماريني (1).
وفي صحيح البخاري: أن زيد بن أرقم والبراء بن عازب كانا شريكين (2).
وذكر ابن المنذر وابن قدامة الإجماع على مشروعية الشركة (3).
والربح في شركة العقود يكون بين المتشاركين على حسب ما وقع الاتفاق والتراضي عليه بينهما.
لقول الله تبارك وتعالى: {إلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ} [النساء/29]، ولا يوجد ما يدل على أمرٍ زائد على التراضي، والأصل في المعاملات الحل.
قال المؤلف رحمه الله: (وتَجوزُ المُضارَبةُ ما لم تَشتمِل على ما لا يَحِل)
المضاربة نوع من أنواع شركة العقود.
المضاربة: هي دفع المال من الدراهم أو الدنانير إلى من يعمل فيه، على أنَّ ربحه بينهما على ما شرطا.
عند زيد مال، وعرف خبير بالتجارة، فيعطي زيد عمراً ماله كي يتاجر فيه، والربح يكون بينهما على حسب اتفاقهما.
بنسبة معينة النصف أوالثلث أو الربع مثلاً، والخسارة في المال يتحملها صاحب المال، وصاحب العمل يخسر عمله ولا يأخذ مقابله شيئاً.
هذه تسمى شركة مضاربة، زيد يشارك بماله وعمرو يشارك بعمله.
التسمية مأخوذة من الضرب في الأرض، وهوالسير فيها، سميت بها؛ لأن المضارب يضرب في الأرض غالبا للتجارة؛ طالباً الربح في المال الذي دُفع إليه.
وحكمها الجواز؛ لأنه الأصل، الأصل جواز المعاملات: البيع والشراء وما شابه حتى يأتي دليل يدل على التحريم.
وقد اتفق أهل العلم على جوازها (4).
(1) أخرجه أحمد (15505)، وأبو داود (4836)، وابن ماجه (2287)، اختلفوا في شريك النبي صلى الله عليه وسلم لاختلاف الروايات فيه، فرجح أبو حاتم في العلل أنه السائب، وأعله ابن عبد البر بالاضطراب في الشريك.
(2)
أخرجه البخاري (2497).
(3)
الإجماع لابن المنذر (ص 100)، والمغني لابن قدامة (5/ 3).
(4)
الإجماع لابن المنذر (ص 102)، والمغني لابن قدامة (5/ 19).
قال ابن قدامة: فصل في شركة المضاربة
فصل: القسم الثالث، أن يشترك بدن ومال. وهذه المضاربة، وتسمى قِراضاً أيضاً، ومعناها: أن يدفع رجل ماله إلى آخر يتجر له فيه، على أن ما حصل من الربح بينهما حسب ما يشترطانه.
فأهل العراق يسمونه مضاربة، مأخوذ من الضرب في الأرض، وهو السفر فيها للتجارة، قال الله تعالى:{وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله} [المزمل: 20].
ويحتمل أن يكون من ضرب كل واحد منهما في الربح بسهم.
ويسميه أهل الحجاز القراض .... وأجمع أهل العلم على جواز المضاربة في الجملة، ذكره ابن المنذر. انتهى باختصار (1).
ما لم تشتمل على ما لا يحل: كأن يشترط صاحب المال مثلاً ربحاً مقطوعاً محدداً، يُدفع له كل شهر أو كل سنة مثلاً، إذا اشتُرط هذا الشرط حرُمت؛ لأن في ذلك ضرراً على أحد الطرفين، ربما يربح ربحاً كبيراً فلا يأخذ منه صاحب المال إلا القليل، وربما لا يربح فيدفع العامل من ماله. فلذلك حرُم مثل هذا الشرط، فإذا قام عقد المضاربة على هذا فهو محرم غير جائز.
قال ابن تيمية رحمه الله: كما لو شرط في المضاربة لرب المال دراهم معينة؛ فإن هذا لا يجوز بالاتفاق؛ لأن المعاملة مبناها على العدل وهذه المعاملات من جنس المشاركات؛ والمشاركة إنما تكون إذا كان لكل من الشريكين جزء شائع كالثلث والنصف، فإذا جُعل لأحدهما شيءٌ مُقدّر لم يكن ذلك عدلاً؛ بل كان ظلماً. انتهى من مجموع الفتاوى.
واشترط أهل العلم في المضاربة أن تكون في النقد فقط، رأس المال يجب أن يكون نقداً.
فالمضاربة الأصل فيها الجواز إلا إذا دخلها محرم؛ فتحرم. والله أعلم
ثم قال المؤلف: (وإذا تَشاجرَ الشُّركاءُ في عَرضِ الطَّريقِ؛ كانَ سبعةَ أَذْرُعٍ)
اثنان اشتركا في أرض مَوات: لم يُبنَ عليها ولم تُزرع، فأراد كل واحد منهما أن يبني على أرضه وأرادا أن يكون بين الأرضَيْن طريق، ولكنهما اختلفا في عرض الطريق كم يكون، وتنازعا في ذلك.
(1) المغني لابن قدامة (5/ 19).
قال أهل العلم: تُجعل سبعة أذرعٍ، إذا حصل النزاع بينهما.
الذراع: نصف متر تقريباً، فتُجعل الطريق ثلاثة أمتارٍ ونصف تقريباً.
وذلك لقول أبي هريرة رضي الله عنه: «قضى النبي صلى الله عليه وسلم إذا تشاجروا في الطريق بسبعة أذرعٍ» هذا لفظ البخاري، ولفظ مسلم:«إذا اختلفتم في الطريق جُعل عَرضه سبعُ أذرعٍ» (1).
وأما إذا اتفقا على جعلها أقل أو أكثر فلا بأس، لكن إذا حصل الخلاف بينهم تكون سبعة أذرع.
قال النووي رحمه الله: هكذا هو في أكثر النسخ: سبع أذرع، وفي بعضها: سبعة أذرع، وهما صحيحان، والذراع يذكر ويؤنث والتأنيث أفصح.
وأما قدر الطريق؛ فإن جَعل الرجل بعض أرضه المملوك طريقاً مُسبلةً للمارين؛ فقدرها إلى خيرته، والأفضل توسيعها. وليست هذه الصورة مرادة الحديث.
وإن كان الطريق بين أرض لقوم وأرادوا إحياءها؛ فإن اتفقوا على شيء فذاك، وإن اختلفوا في قدره؛ جعل سبع أذرع. وهذا مراد الحديث.
أما إذا وجدنا طريقا مسلوكاً، وهو أكثر من سبعة أذرع؛ فلا يجوز لأحد أن يستولي على شيء منه وإن قل، لكن له عمارة ما حواليه من الموات، ويملكه بالإحياء، بحيث لا يضر المارين
…
انتهى.
ثم قال المؤلف رحمه الله: (ولا يَمنعُ جارٌ جارَه أن يَغرِزَ خشبةً في جدارِهِ)
هذا لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يمنع جار جاره أن يغرز خشبه في جداره» (2) متفق عليه.
قال بعض العلماء: هو على الوجوب إذا لم يكن في ذلك مضرة على صاحب الجدار.
وذهب بعض أهل العلم إلى الاستحباب، لكن الأصل الوجوب، فمن قال بالاستحباب لزمه دليل صارف، فقالوا: الصارف: تحريم مال المسلم، وأنه لا يجوز لأحد أن يكره أحداً على
(1) أخرجه البخاري (2473)، ومسلم (1613).
(2)
أخرجه البخاري (2463)، ومسلم (1609).
أن يفعل في ملكه ما يضر به، أو أن يستعمل ملك الغير إلا بطيب نفسه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفسه» (1).
قال ابن عبد البررحمه الله في التمهيد: واختلف الفقهاء في معنى هذا الحديث، فقال منهم قوم: معناه الندب إلى بر الجار والتجاوز له والإحسان إليه، وليس ذلك على الوجوب، وممن قال ذلك مالك وأبو حنيفة، ومن حجتهم: قوله صلى الله عليه وسلم «لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس منه» .... قال: وقال آخرون: ذلك على الوجوب إذا لم تكن في ذلك مضرة على صاحب الجدار، وممن قال بهذا: الشافعي وأحمد بن حنبل وداود بن علي وأبو ثور وجماعة من أهل الحديث، وحجتهم: قول أبي هريرة: والله لأرمين بها بين أكتافكم، وأبو هريرة أعلم بمعنى ما سمع، وما كان ليوجب عليهم غير واجب، وهو مذهب عمر بن الخطاب، وحكى مالك عن المطلب -قاض كان بالمدينة- كان يقضي به، ومن حجتهم أيضاً أن قالوا: هذا قضاء من رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمرفق، وقوله صلى الله عليه وسلم «لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس منه» إنما هو على التمليك والاستهلاك وليس المرفق من ذلك، وكيف يكون منه والنبي صلى الله عليه وسلم فرق بين ذلك فأوجب أحدهما ومنع من الآخر؟ ! انتهى باختصار. والمِرفَق أو المَرفِق: من الارتفاق هو الانتفاع.
ثم قال المؤلف رحمه الله: (ولا ضَررَ ولا ضِرارَ بين الشُّركاءِ، ومَن ضارَّ شرِيكَه؛ جازَ للإمامِ عُقُوبتُه بقلعِ شجرِهِ أو بَيعِ دارِه)
جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا ضرر ولا ضرار» (2)
هذا الحديث بمجموع طرقه صحيح إن شاء الله، وهو قاعدة شرعية عظيمة أُخذت منه قاعدة: الضرر يُزال يعني يرفع ولا يبقى، مأخوذة من هذا الحديث، وهي قاعدة متفق عليها بين الفقهاء.
(1) صحيح، تقدم تخريجه.
(2)
أخرجه مالك في موطئه مرسلاً (2/ 745)، وأحمد (5/ 55)، وابن ماجه (2341) عن ابن عباس.
وأخرجه أحمد (37/ 438)، وابن ماجه (2340) عن عبادة بن الصامت.
وله طرق ذكرها الزيلعي في نصب الراية (4/ 384) والألباني في الصحيحة (رقم 250) وابن رجب في جامع العلوم والحكم (2/ 207)، وقال ابن رجب: وقد استدلَّ الإمام أحمد بهذا الحديث، وقال: قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: «لا ضرر ولاضرار» .
وقال أبو عمرو بن الصلاح: هذا الحديثُ أسنده الدارقطنيُّ من وجوه، ومجموعها يُقوِّي الحديثَ ويُحسنه، وقد تقبَّله جماهيرُ أهلِ العلم، واحتجُّوا به، وقولُ أبي داود: إنَّه من الأحاديث التي يدورُ الفقه عليها؛ يُشعِرُ بكونه غيرَ ضعيفٍ. والله أعلم. انتهى.