المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(فصل باب النجاسات) - فضل رب البرية في شرح الدرر البهية

[علي الرملي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة الشارح

- ‌تعريف الفقه

- ‌‌‌الفقه لغةً‌‌واصطلاحاً:

- ‌الفقه لغةً

- ‌واصطلاحاً:

- ‌فالفقه في الشرع:

- ‌وأما الفقه عند الأصوليين:

- ‌وأما الفقه عند الفقهاء

- ‌ترجمة الشوكاني

- ‌«الدُّرَرُ البَهيَّة» للشوكاني

- ‌كتاب الطهارة

- ‌ باب حكم المياه

- ‌(الماءُ طاهرٌ مُطَهِّرٌ)

- ‌(فصل باب النجاسات)

- ‌(بابُ قضاءِ الحاجةِ)

- ‌(بابُ الوضوءِ)

- ‌(فصل: ويستحبُّ التثليثُ)

- ‌(فصلٌ: وينتقضُ الوضوءُ بما خرجَ من الفَرْجَيْنِ من عَيْنٍ أو ريحٍ)

- ‌(بابُ الغُسْلِ)

- ‌(فصلٌ: والغُسْل الواجب هو: أن يُفيضَ الماءَ على جميع بَدَنِهِ، أو يَنْغَمِس فيه مع المضمضةِ والاستنشاقِ)

- ‌(فصلٌ: ويُشْرَعُ لصَلاةِ الجُمُعة)

- ‌(باب التَّيَمُّمِ)

- ‌(بابُ الحَيْضِ)

- ‌(فصل: والنِّفاسُ أكثرُهُ أربعونَ يوماً، ولا حدَّ لأقلّه وهو كالحيضِ)

- ‌كتابُ الصلاةِ

- ‌(باب الأذان)

- ‌(بابُ شروطِ الصلاةِ)

- ‌(بابُ كيفيةِ الصلاةِ، لا تكونُ شرعيةً إلا بالنيَّةِ)

- ‌(باب متى تبطل الصلاة؟ وعمّن تسقط

- ‌(فصل: وتبطل الصلاة بالكلام)

- ‌(فصل: ولا تجبُ على غَيْرِ مُكَلَّفٍ)

- ‌(بابُ صلاة التَّطَوُّعِ)

- ‌(باب صلاة الجماعة)

- ‌(باب سجودِ السهوِ، وهو سجدتانِ قبل التسليمِ أو بعدهُ، وبإحرامٍ، وتشهدٍ، وتحليلٍ)

- ‌(بابُ القضاءِ للفوائتِ)

- ‌(بابُ صلاةِ الجمعةِ، تَجِبُ على كُلِّ مُكَلَّفٍ إلا المرأةَ والعبدَ والمسافرَ والمريضَ)

- ‌(بابُ صلاةِ العيدينِ)

- ‌(بابُ صلاةِ الخوفِ)

- ‌(باب صلاةِ السَّفَرِ، يَجِبُ القَصْرُ)

- ‌(باب صلاة الكسوفين)

- ‌(باب صلاة الاستسقاء)

- ‌كتاب الجنائز

- ‌(فصلٌ: غسل الميت)

- ‌(فصلٌ: تكفينُ الميت)

- ‌ فصل صلاة الجنازة

- ‌(فصل: ويكون المشي بالجِنازةِ سريعاً)

- ‌(فصلٌ: دَفْنُ الميت، ويجبُ دفن الميتِ في حفرة تَمْنَعُهُ السِّباعَ)

- ‌كتاب الزكاة

- ‌(باب زكاةِ الحيوانِ)

- ‌(فصل: إذا بلغت الإبلُ خمساً، ففيها شاةٌ، ثم في كلِّ خمسٍ شاةٌ، فإذا بلغت خمساً وعشرين، ففيها ابنة مَخاضٍ، أو ابن لبونٍ، وفي ستٍّ وثلاثين ابنة لبون، وفي ستٍّ وأربعين حِقّة، وفي إحدى وستين جَذَعة، وفي ستٍّ وسبعين بنتا لبون، وفي إحدى وتسعين حِقّتان إلى

- ‌أولاً: الزكاة واجبة في هذه الحيوانات بثلاثة شروط

- ‌ثانياً: كم المقدار الذي يجب أن يخرج إذا بلغت الإبل النصاب

- ‌(فصلٌ: ولا شيء فيما دُونَ الفريضةِ، ولا في الأوْقاصِ)

- ‌(باب زكاة الذهب والفضة)

- ‌(باب زكاة النبات)

- ‌(باب مصارف الزكاة)

- ‌(باب صدقة الفطر)

- ‌كتاب الخُمُس

- ‌كتاب الصيام

- ‌(باب صوم التطوع)

- ‌(باب الاعتكاف)

- ‌كتاب الحج

- ‌شروط الحج:

- ‌(فصل: ولا يَلْبَسُ المُحْرِمُ القميصَ، ولا العمامة، ولا البُرْنُسَ، ولا السراويل، ولا ثوباً مَسّه وَرْس، ولا زعفران، ولا الخُفَّين إلا أنْ لا يجد نعلين، فليقطعهما حتى يكونا أسفل من الكعبين)

- ‌(فصلٌ: وعند قدوم الحاجّ مكة، يطوف للقدوم سبعة أشواط، يَرمُلُ في الثلاثة الأولى، ويمشي فيما بقي، ويُقَبِّل الحجر الأسود أو يستلمه بِمِحْجَنٍ ويُقَبِّل المحجن ونحوه، ويستلم الركن اليماني)

- ‌(فصل: ويسْعى بين الصفا والمروة سبعة أشواط داعياً بالمأثور)

- ‌(فصل: ثم يأتي عرفة صُبح يوم عرفة مُلبياً مُكبراً ويَجمع العصرين فيها، ويخطُب، ثم يُفيض من عرفة بعد الغروب)

- ‌(باب العمرة المفردة)

- ‌كِتابُ النِّكاحِ

- ‌حكم النكاح:

- ‌مسألة:

- ‌بابُ المُحرَّماتِ في النِّكاحِ

- ‌(بابُ العُيُوبِ وَأَنْكِحَةِ الكُفَّارِ)

- ‌بابُ المَهرِ والعِشرَةِ

- ‌كتابُ الطَّلاقِ

- ‌باب الخلع

- ‌باب الإيلاء

- ‌باب الظهار

- ‌بابُ اللِّعَانِ

- ‌بابُ العِدَّةِ والإحدِادِ

- ‌باب استِبْرَاءِ الإِمَاءِ

- ‌بابُ النَّفقةِ

- ‌بابُ الرَّضَاعِ

- ‌بابُ الحَضَانَةِ

- ‌كتابُ البيوعِ

- ‌ باب الربا

- ‌(باب الخِيارَات)

- ‌باب السَّلَم

- ‌باب القَرْض

- ‌باب الشُّفْعة

- ‌باب الإِجارة

- ‌بابُ الإحيَاءِ والإِقْطَاعِ

- ‌بابُ الشَّرِكة

- ‌بابُ الرَّهْنِ

- ‌بابُ الوَدِيْعَةِ والعَارِيَّة

- ‌بابُ الغَصْبِ

- ‌بابُ العِتْقِ

- ‌بابُ الوقْفِ

- ‌بابُ الهَدَايا

- ‌بابُ الهِبات

- ‌كتاب الأَيمَان

- ‌كتابُ النَّذرِ

- ‌كتاب الأطعِمَة

- ‌بابُ الصَّيدِ

- ‌بابُ الذَّبحِ

- ‌بابُ الضِّيافَةِ

- ‌بابُ آدابِ الأكلِ

- ‌كتابُ الأشرِبةِ

- ‌كتابُ اللِّباسِ

- ‌كتابُ الأُضحِيةِ

- ‌بابُ الوَلِيمةِ

- ‌فصلٌ

- ‌كتابُ الطِّبِّ

- ‌كتابُ الوَكالةِ

- ‌كتابُ الضَّمَانَةِ

- ‌كِتابُ الصُّلحِ

- ‌كتابُ الحَوَالةِ

- ‌كتابُ المُفلسِ

- ‌كتابُ اللُّقطةِ

- ‌كتابُ القَضاءِ

- ‌كِتابُ الخُصُومُةِ

- ‌كِتابُ الحُدُودِ

- ‌بَابُ حَدِّ الزَّانِي

- ‌بابُ حَدِّ السَّرقةِ

- ‌بابُ حَدِّ القَذفِ

- ‌بَابُ حَدِّ الشُّرْبِ

- ‌فَصلٌ

- ‌بَابُ حَدِّ المُحَاربِ

- ‌بابُ مَنْ يَستحقُّ القَتلَ حَدّاً

- ‌كِتابُ القِصاصِ

- ‌كتابُ الدِّياتِ

- ‌بَابُ القَسَامَةِ

- ‌كتابُ الوَصِيَّةِ

- ‌كِتابُ المَوَاريثِ

- ‌كتابُ الجِهادِ والسِّيَرِ

- ‌فَصلٌ

- ‌فصلٌ

- ‌فَصلٌ

- ‌فَصلٌ

الفصل: ‌(فصل باب النجاسات)

(فصل باب النجاسات)

قال رحمه الله: (والنجاساتُ هي غَائِطُ الإنسانِ مطلقاً وَبَوْلُهُ إلا الذكرَ الرَّضيعَ)

تقدم تعريف النجاسة، وأنها في اللغة: القذر.

وفي الشرع: كل عين يجب التطهر منها مثل البول والبراز.

والمؤلف رحمه الله يريد هنا أن يبين لنا النجاسات التي ثبت في الشرع وصفها بذلك.

ولابد أولاً أن نذكر قاعدة في هذا الباب، وهي أن:«الأصل في الأشياء الطهارة، فإذا جاء دليل ناقل عن ذلك الأصل أُخِذ به» .

وقد دلَّ على هذا الأصل كليات وجزئيات في الشريعة.

ونأخذ منه أن أي شخص يدّعي أن عيناً ما نجسة وجَبَ عليه أن يأتي بالدليل على دعواه.

وأول الأشياء التي أثبت المؤلف نجاستها، غائط الإنسان، وهو عند العرب: ما اطمأن من الأرض، أي المنخفض، فكانوا فيما مضى إذا أراد الرجل أن يقضي حاجته طلب الموضع المطمئن من الأرض، لأنه أستر له، فكثر هذا منهم حتى سمّوا الحدث الخارج من الإنسان باسم الموضع.

وقد كان عند العرب أدب في انتقاء الألفاظ والكلمات، فلما كان الخارج من الإنسان مستقذراً، حاولوا أن ينقلوا الاسم إلى شيء قريب كي يكون مقبولاً.

والغائط نجس - كما قال المؤلف - بالاتفاق، أي المسألة محل إجماع (1)،

وإذا كانت المسألة محل إجماع فلا نقاش فيها، لأن الإجماع دليل من أدلة الشرع الصحيحة، ومعرفة الأدلة الشرعية يرجع فيها إلى علم أصول الفقه.

(1). قال ابن حزم في «مراتب الإجماع» (ص 19): «واتفقوا على أن بول ابن آدم إذا كان كثيراً ولم يكن كرؤوس الإبر، وغائطه نجس» .

وانظر «بداية المجتهد» (1/ 83) لابن رشد.

ص: 18

وإذا أقمنا الدليل من الكتاب والسنة مع الإجماع زادت المسألة قوة في النفس، لتعدد الأدلة.

قال النبي صلى الله عليه وسلم «إذا جاء أحدكم إلى المسجد فلينظر، فإن رأى في نعليه قذراً أو أذى، فليمسحه، وليصلِّ فيهما» (1).

وكذلك البول نجس بالاتفاق (2)، وجاء عن أبي هريرة أنه قال: إن أعرابياً بال في المسجد فقام إليه الناس، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم:«دعوه وأهريقوا على بوله ذنوباً من ماء، فإنما بعثتم ميسرين، ولم تبعثوا معسرين» (3).

واختلفوا في بول الذكر الرضيع، والصحيح أنه نجس أيضاً إلا أن الشارع خفف في طهارته تخفيفاً على الأمة، لحديث أم قيس رضي الله عنها:«أنها أتت بابن لها لم يبلغ أن يأكل الطعام فبال في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بماء فنضحه على ثوبه ولم يغسله غسلاً» (4)

ومعنى نضحه: أي رش عليه الماء بدرجة لا تصل إلى الجريان.

وفي حديث علي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يُنضح بول الغلام ويُغسل بول الجارية» (5).

وهذا لا يدل على طهارة بول الغلام، فلو كان طاهراً لما أُمرنا بنضحه، واختلاف كيفية التطهير للنجس غير موجبة لخروجه عن النجاسة، كتطهير النعلين مثلا من الأذى، وتطهير الثوب من دم الحيض، فإنهما لما اختلفا لم يوجب هذا أنهما غير نجسين.

ثم قال المؤلف رحمه الله: (ولُعابُ كلبٍ)

(1) أخرجه أحمد (17/ 242)، وأبو داود (650) وغيرهما.

وأما حديث أبي هريرة رضي الله عنه: «إذا وطئ أحدكم بنعله الأذى فإن التراب له طهور» ، فضعيف؛ رواه جمع عن الأوزاعي قال: نبئت عن سعيد بن أبي سعيد

إلخ، وخالفهم محمد بن كثير فذكر المبهم وهو محمد بن عجلان، ولكن ابن كثير منكر الحديث، فالصواب رواية الجماعة، فالإسناد ضعيف. وله طرق أخرى ضعيفة انظرها في «البدر المنير» (4/ 127).

(2)

قال ابن المنذر: «وأجمعوا على إثبات نجاسة البول» .

«الإجماع» (ص 36)، وتقدم ما قاله ابن حزم في «مراتب الإجماع» (ص 19).

(3)

أخرجه البخاري (220).

(4)

أخرجه البخاري (223)، ومسلم (287) عن أم قيس بنت محصن.

(5)

أخرجه أحمد (2/ 7) رقم (563)، وأبو داود (377)، والترمذي (610)، وابن ماجه (525) عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

ص: 19

لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «طُهُور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبع مرات أولاهن بالتراب» (1).

والصحيح أن لعاب الكلب ليس نجساً، والطهارة المأمور بها هنا لإزالة الجراثيم التي تكون في لعاب الكلب وتختلط بالإناء وما فيه.

وقال مالك: «الأمر تعبُّدي» .

والدليل على طهارة لعاب الكلب، أن الله سبحانه وتعالى أذن في الأكل مما أمسكن علينا، فصيده حلال، فلو كان الكلب نجساً لنجّس الصيدَ بمماسته.

قال الإمام مالك رحمه الله: «يؤكل صيده فكيف يكره لعابه» (2).

ولفظ الطهارة لا تدل على نجاسة الشيء دائماً، فقد تأتي لرفع النجاسة، وقد تأتي لغير ذلك، قال الله تبارك وتعالى {وإن كنتم جنباً فاطّهروا} وهنا أمر بالتطهر، و «المؤمن لا ينجس» كما قال عليه الصلاة والسلام (3).

فالطهارة هنا لرفع الجنابة فقط وليست لإزالة النجاسة، فالطهارة إذاً تستعمل لإزالة النجاسة، وتستعمل لغير ذلك.

وقال عليه الصلاة والسلام في الهرة: «إنها من الطوّافين عليكم والطوّافات» (4)، والكلاب كذلك.

وهذا قول الزهري ومالك والأوزاعي وابن المنذر وكثير من المالكية.

ثم قال رحمه الله: (وروثٌ)

الروث هو رجيع ذوات الحوافر.

(1) أخرجه البخاري (172)، ومسلم (279) عن أبي هريرة رضي الله عنه، واللفظ لمسلم، ولفظ البخاري:«إذا شرب الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعاً» .

(2)

«المدونة» (1/ 116).

(3)

أخرجه البخاري (283)، ومسلم (371) عن أبي هريرة رضي الله عنه.

(4)

أخرجه أحمد (37/ 211) رقم (22528)، وأبو داود (75)، والترمذي (92)، والنسائي (68) وابن ماجه (367) عن أبي قتادة رضي الله عنه.

ص: 20

أما روث وبول ما يؤكل لحمه فهو طاهر، يدل على ذلك حديث أنس قال:«قدم أناس من عُكل أو عُرينة فاجتووا المدينة فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بلِقاح وأن يشربوا من أبوالها وألبانها» متفق عليه (1).

والشاهد أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن لهم بالشرب من أبوال الإبل والنجس يحرم شربه.

وكذلك لم يأمرهم صلى الله عليه وسلم بغسل ما يصيبهم منه، ولا بدّ من ذلك.

وصحّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رخّص في الصلاة في مرابض الغنم (2) وهي لا تخلو من روثها وبولها، وغيرُ الإبلِ والغنمِ مما يؤكل لحمه يقاس عليها.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «وبول ما أكل لحمه وروثه طاهر لم يذهب أحد من الصحابة إلى تنجسه، بل القول بنجاسته قول محدث لا سلف له من الصحابة» انتهى (3)

وأما روث ما لا يؤكل لحمه كالبغال والحمير، فنجس عند جمهور العلماء، وهو الصحيح ودليله حديث ابن مسعود، قال:«أتى النبي صلى الله عليه وسلم الغائطَ، فأمرني أن آتيه بثلاثة أحجار، فوجدت حجرين وروثة فأخذ الحجرين وألقى الروثة، وقال: «هذا رجس أو ركس» أخرجه البخاري (4).

ثم قال رحمه الله: (ودمُ حَيْضٍ)

لحديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها قالت: «جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: إحدانا يصيب ثوبها من دم حيض، فكيف تصنع؟ قال: «تحتُّه ثم تقرصه بالماء ثم تنضحه ثم تصلي فيه» متفق عليه (5).

(1) أخرجه البخاري (233)، ومسلم (1671) عن أنس بن مالك رضي الله عنه.

(2)

أخرج مسلم (360) عن جابر بن سمرة، أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم، أأتوضأ من لحوم الغنم؟ قال:«إن شئت فتوضأ، وإن شئت فلا توضأ قال أتوضأ من لحوم الإبل؟ قال: «نعم فتوضأ من لحوم الإبل» قال: أصلي في مرابض الغنم؟ قال: «نعم» قال: أصلي في مبارك الإبل؟ قال: «لا» .

وأخرج البخاري (234)، ومسلم (524) عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي قبل أن يبنى المسجد في مرابض الغنم.

ومرابض الغنم: مأواها، أي المكان الذي تبيت فيه.

(3)

«الفتاوى الكبرى» (5/ 313).

(4)

أخرجه البخاري (156) عن ابن مسعود رضي الله عنه.

(5)

أخرجه البخاري (227)، ومسلم (291) عن أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنها.

ص: 21

فالأمر بغسل دم الحيض والتشديد فيه قبل الصلاة في الثوب، يفيد ثبوت نجاسته، وقد اتفق العلماء على نجاسته (1).

ثم قال رحمه الله: (ولحمُ خنزيرٍ)

والدليل على نجاسته قوله تعالى {قل لا أجد فيما أُوحي إليّ مُحرّماً على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دماً مسفوحاً أو لحم خنزير فإنه رجس} أي نجس، ونقل بعض أهل العلم الاتفاق على نجاسة لحمه، وكذلك لحم الميتة (2).

ثم قال رحمه الله: (وفيما عدا ذلك خلاف)

اختلف أهل العلم في أشياء هل هي نجسة أم لا؟

من ذلك (المَذْيُ): وهو ماء أبيض رقيق لزج، يخرج عند شهوة، لا بشهوة ولا يعقبه فتور، وربما لا يشعر بخروجه، ويكون ذلك للرجل والمرأة.

كذا قال النووي في «شرح مسلم» .

وهو نجس على الصحيح، لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بغسل الذكر منه كما جاء في حديث علي في «الصحيحين» ، قال: كنت رجلاً مذّاءً، وكنت أستحيي أن أسأل النبي صلى الله عليه وسلم لمكان ابنته، فأمرت المقداد بن الأسود فسأله، فقال:«يغْسِلُ ذكَرَه ويتَوَضّأ» (3).

وأما (المني) الذي يكون منه الولد، وهو سائل أبيض ثخين، وينزل عند اكتمال الشهوة وشدتها، ويكون بعده فتور وارتخاء، وهذا الماء طاهر على الصحيح وليس بنجس، بناء على الأصل في الأشياء، ولم يصح دليل يدل على نجاسة المني.

وكذلك (الخمر) ليس بنجس على الصحيح، وليس كلُّ محرَّمٍ نجساً، بينما كلُّ نجسٍ محرَّمٌ.

(1) انظر «المجموع» (2/ 557) للنووي، و «بداية المجتهد» (1/ 83) لابن رشد، و «مراتب الإجماع» (19) لابن حزم، و «نيل الأوطار» للمؤلف (1/ 58).

(2)

قال ابن حزم: «واتفقوا أن لحم الميتة وشحمها وودكها وغضروفها ومخها، وأن لحم الخنزير وشحمه وودكه وغضروفه ومخه وعصبه، حرام كله، وكل ذلك نجس» «مراتب الإجماع» (ص 23).

والودك: دسم اللحم ودهنه الذي يستخرج منه، والغضروف هو كل عظم يؤكل كرؤوس الأضلاع، فيكون بين اللحم والعظم.

(3)

أخرجه البخاري (269)، ومسلم (303).

ص: 22

ثم قال رحمه الله: (والأصلُ الطهارةُ)

أي الأصل في الأشياء طهارتها.

قال: (فلا يَنْقُلُ عنها إلا ناقلٌ صحيحٌ لم يُعَارِضْهُ ما يساوِيه أو يقدَّم عليه)

والناقل الصحيح دليل من الكتاب أو السنة، أو الإجماع، أو قياس صحيح - على من يقول به في هذا الموطن -، لم يعارضه ما يساويه أو يقدم عليه في القوة.

قال الشوكاني رحمه الله: «لأن الأصل الطهارة وهذا معلوم من كليات الشريعة المطهرة وجزئياتها، ولا ريب أن الحكم بنجاسة شيء يستلزم تكليف العباد بحكم من أحكام الشرع، والأصل البراءة من ذلك، ولا سيّما من الأمور التي تعم بها البلوى

إلخ (1).

قال رحمه الله: (فصل)

الفصل لغة: الحجز بين الشيئين، ومنه فصل الربيع، لأنه يحجز بين الشتاء والصيف، وهو في كتب العلم كذلك، لأنه يحجز بين أجناس المسائل وأنواعها.

أو يقال في تعريفه: هو اسم لجملة مختصة من الباب.

ثم قال رحمه الله: (ويُطَهّرُ ما يتنجّس بغَسْلِهِ، حتى لا يبقى لها عينٌ، ولا لونٌ، ولا ريحٌ، ولا طعمٌ، والنعلُ بالمسحِ)

اعلم علمني الله وإياك، أن نجاسة الشيء إما أن تكون حكمية، كالبول إذا وقع على الثوب، فيوصف الثوب بأنه نجس، ويحكم عليه بذلك شرعاً، بسبب البول الذي وقع عليه، فإنه لم يكن في الأصل نجساً بل صار كذلك بعد أن وقع البول عليه، وصار متنجّساً.

وإما أن تكون عينيّة، أي عين الشيء نجسة، كالروث الذي هو براز ما لا يؤكل لحمه.

فأما النوع الأول من النجاسة فيطهّر بالكيفية التي وردت في الشرع، ذلك لأنه إن ورد في الشرع كيفية تطهير معينة وجب الالتزام بها والاقتصار عليها، دون مخالفة بزيادة أو نقصان، كما ورد في النعل إذا تلوّث بالنجاسة طهُر بمسحه بالتراب.

(1)«الدراري المضيئة» (1/ 33).

ص: 23

وقد تقدم هذا الحديث، وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا جاء أحدكم المسجد فليقلب نعله، فلينظر فيها، فإن رأى بها خبثاً فليمسحه بالأرض ثم ليصلِّ فيهما

» أخرجه أحمد وغيره.

وكذا بالنسبة لذيل المرأة إذا مشت وأصابته نجاسة طهره ما بعده من تراب (1).

وكذلك دم الحيض، فإنه يطهّر بالكيفية التي وردت في السنة، سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: المرأة يصيب ثوبها من دم الحيضة، كيف تصنع به؟ قال:«تحتّه، ثم تقرصه بالماء، ثم تنضحه ثم تصلي فيه» (2).

و(تحتّه) أي تحكّه لإزالة عين الدم.

(تقرصه) أي تدلك الدم بأطراف الأصابع، ليتحلّل ويخرج ما شربه الثوب منه.

(تنضحه) أي تغسله بالماء.

أما بول الذكر الرضيع فبالنضح كما تقدم.

وأما ما ورد عن الشارع أنه نجس ولم يرد فيه بيان كيفية تطهيره، فالواجب التخلص من العين النجسة حتى لا يبقى لها ريح ولا لون ولا طعم، لأن الشيء الذي يجد الإنسان ريحه أو طعمه، فقد بقي فيه جزء من العين، وإن لم يبقَ جرْمُها أو لونها، إذ وجود الرائحة لا يكون إلا عن وجود النجاسة التي وجدت رائحتها، وكذلك وجود الطعم لا يكون إلا عن وجود النجاسة التي وجد طعمها.

وهذا كله في كيفية تطهير النجاسة الوصفية، وأما العينية،

فقد قال المؤلف رحمه الله: (والاستِحَالَةُ مُطَهِّرةٌ لعدم وجود الوصف المحكوم عليه)

(الاستحالة): هي التحوّل، أي تغيّر الشيء عن طبعه ووصفه، فيصير شيئاً آخر كتحوّل العَذِرَة إلى رماد، وتحوّل الخنزير إلى ملح.

فالنجاسة العينية لا تطهر إلا بالاستحالة، وهي أن تتحوّل إلى شيء آخر مخالف للشيء الأول في حقيقته، كاستحالة العَذِرَة رماداً.

(1) لحديث أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن امرأة سألتها: إني أطيل ذيلي وأمشي في المكان القذر، فقالت أم سلمة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يطهِّره ما بعده»

أخرجه أحمد (44/ 283) رقم (26686)، وأبو داود (383) وغيرهما.

(2)

أخرجه البخاري (227)، ومسلم (291) عن أسماء.

ص: 24