المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌كتاب الجنائز (الجنائز)، جمع جنازة، يقال جِنازة بكسر الجيم، وجَنازة بفتحها، - فضل رب البرية في شرح الدرر البهية

[علي الرملي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة الشارح

- ‌تعريف الفقه

- ‌‌‌الفقه لغةً‌‌واصطلاحاً:

- ‌الفقه لغةً

- ‌واصطلاحاً:

- ‌فالفقه في الشرع:

- ‌وأما الفقه عند الأصوليين:

- ‌وأما الفقه عند الفقهاء

- ‌ترجمة الشوكاني

- ‌«الدُّرَرُ البَهيَّة» للشوكاني

- ‌كتاب الطهارة

- ‌ باب حكم المياه

- ‌(الماءُ طاهرٌ مُطَهِّرٌ)

- ‌(فصل باب النجاسات)

- ‌(بابُ قضاءِ الحاجةِ)

- ‌(بابُ الوضوءِ)

- ‌(فصل: ويستحبُّ التثليثُ)

- ‌(فصلٌ: وينتقضُ الوضوءُ بما خرجَ من الفَرْجَيْنِ من عَيْنٍ أو ريحٍ)

- ‌(بابُ الغُسْلِ)

- ‌(فصلٌ: والغُسْل الواجب هو: أن يُفيضَ الماءَ على جميع بَدَنِهِ، أو يَنْغَمِس فيه مع المضمضةِ والاستنشاقِ)

- ‌(فصلٌ: ويُشْرَعُ لصَلاةِ الجُمُعة)

- ‌(باب التَّيَمُّمِ)

- ‌(بابُ الحَيْضِ)

- ‌(فصل: والنِّفاسُ أكثرُهُ أربعونَ يوماً، ولا حدَّ لأقلّه وهو كالحيضِ)

- ‌كتابُ الصلاةِ

- ‌(باب الأذان)

- ‌(بابُ شروطِ الصلاةِ)

- ‌(بابُ كيفيةِ الصلاةِ، لا تكونُ شرعيةً إلا بالنيَّةِ)

- ‌(باب متى تبطل الصلاة؟ وعمّن تسقط

- ‌(فصل: وتبطل الصلاة بالكلام)

- ‌(فصل: ولا تجبُ على غَيْرِ مُكَلَّفٍ)

- ‌(بابُ صلاة التَّطَوُّعِ)

- ‌(باب صلاة الجماعة)

- ‌(باب سجودِ السهوِ، وهو سجدتانِ قبل التسليمِ أو بعدهُ، وبإحرامٍ، وتشهدٍ، وتحليلٍ)

- ‌(بابُ القضاءِ للفوائتِ)

- ‌(بابُ صلاةِ الجمعةِ، تَجِبُ على كُلِّ مُكَلَّفٍ إلا المرأةَ والعبدَ والمسافرَ والمريضَ)

- ‌(بابُ صلاةِ العيدينِ)

- ‌(بابُ صلاةِ الخوفِ)

- ‌(باب صلاةِ السَّفَرِ، يَجِبُ القَصْرُ)

- ‌(باب صلاة الكسوفين)

- ‌(باب صلاة الاستسقاء)

- ‌كتاب الجنائز

- ‌(فصلٌ: غسل الميت)

- ‌(فصلٌ: تكفينُ الميت)

- ‌ فصل صلاة الجنازة

- ‌(فصل: ويكون المشي بالجِنازةِ سريعاً)

- ‌(فصلٌ: دَفْنُ الميت، ويجبُ دفن الميتِ في حفرة تَمْنَعُهُ السِّباعَ)

- ‌كتاب الزكاة

- ‌(باب زكاةِ الحيوانِ)

- ‌(فصل: إذا بلغت الإبلُ خمساً، ففيها شاةٌ، ثم في كلِّ خمسٍ شاةٌ، فإذا بلغت خمساً وعشرين، ففيها ابنة مَخاضٍ، أو ابن لبونٍ، وفي ستٍّ وثلاثين ابنة لبون، وفي ستٍّ وأربعين حِقّة، وفي إحدى وستين جَذَعة، وفي ستٍّ وسبعين بنتا لبون، وفي إحدى وتسعين حِقّتان إلى

- ‌أولاً: الزكاة واجبة في هذه الحيوانات بثلاثة شروط

- ‌ثانياً: كم المقدار الذي يجب أن يخرج إذا بلغت الإبل النصاب

- ‌(فصلٌ: ولا شيء فيما دُونَ الفريضةِ، ولا في الأوْقاصِ)

- ‌(باب زكاة الذهب والفضة)

- ‌(باب زكاة النبات)

- ‌(باب مصارف الزكاة)

- ‌(باب صدقة الفطر)

- ‌كتاب الخُمُس

- ‌كتاب الصيام

- ‌(باب صوم التطوع)

- ‌(باب الاعتكاف)

- ‌كتاب الحج

- ‌شروط الحج:

- ‌(فصل: ولا يَلْبَسُ المُحْرِمُ القميصَ، ولا العمامة، ولا البُرْنُسَ، ولا السراويل، ولا ثوباً مَسّه وَرْس، ولا زعفران، ولا الخُفَّين إلا أنْ لا يجد نعلين، فليقطعهما حتى يكونا أسفل من الكعبين)

- ‌(فصلٌ: وعند قدوم الحاجّ مكة، يطوف للقدوم سبعة أشواط، يَرمُلُ في الثلاثة الأولى، ويمشي فيما بقي، ويُقَبِّل الحجر الأسود أو يستلمه بِمِحْجَنٍ ويُقَبِّل المحجن ونحوه، ويستلم الركن اليماني)

- ‌(فصل: ويسْعى بين الصفا والمروة سبعة أشواط داعياً بالمأثور)

- ‌(فصل: ثم يأتي عرفة صُبح يوم عرفة مُلبياً مُكبراً ويَجمع العصرين فيها، ويخطُب، ثم يُفيض من عرفة بعد الغروب)

- ‌(باب العمرة المفردة)

- ‌كِتابُ النِّكاحِ

- ‌حكم النكاح:

- ‌مسألة:

- ‌بابُ المُحرَّماتِ في النِّكاحِ

- ‌(بابُ العُيُوبِ وَأَنْكِحَةِ الكُفَّارِ)

- ‌بابُ المَهرِ والعِشرَةِ

- ‌كتابُ الطَّلاقِ

- ‌باب الخلع

- ‌باب الإيلاء

- ‌باب الظهار

- ‌بابُ اللِّعَانِ

- ‌بابُ العِدَّةِ والإحدِادِ

- ‌باب استِبْرَاءِ الإِمَاءِ

- ‌بابُ النَّفقةِ

- ‌بابُ الرَّضَاعِ

- ‌بابُ الحَضَانَةِ

- ‌كتابُ البيوعِ

- ‌ باب الربا

- ‌(باب الخِيارَات)

- ‌باب السَّلَم

- ‌باب القَرْض

- ‌باب الشُّفْعة

- ‌باب الإِجارة

- ‌بابُ الإحيَاءِ والإِقْطَاعِ

- ‌بابُ الشَّرِكة

- ‌بابُ الرَّهْنِ

- ‌بابُ الوَدِيْعَةِ والعَارِيَّة

- ‌بابُ الغَصْبِ

- ‌بابُ العِتْقِ

- ‌بابُ الوقْفِ

- ‌بابُ الهَدَايا

- ‌بابُ الهِبات

- ‌كتاب الأَيمَان

- ‌كتابُ النَّذرِ

- ‌كتاب الأطعِمَة

- ‌بابُ الصَّيدِ

- ‌بابُ الذَّبحِ

- ‌بابُ الضِّيافَةِ

- ‌بابُ آدابِ الأكلِ

- ‌كتابُ الأشرِبةِ

- ‌كتابُ اللِّباسِ

- ‌كتابُ الأُضحِيةِ

- ‌بابُ الوَلِيمةِ

- ‌فصلٌ

- ‌كتابُ الطِّبِّ

- ‌كتابُ الوَكالةِ

- ‌كتابُ الضَّمَانَةِ

- ‌كِتابُ الصُّلحِ

- ‌كتابُ الحَوَالةِ

- ‌كتابُ المُفلسِ

- ‌كتابُ اللُّقطةِ

- ‌كتابُ القَضاءِ

- ‌كِتابُ الخُصُومُةِ

- ‌كِتابُ الحُدُودِ

- ‌بَابُ حَدِّ الزَّانِي

- ‌بابُ حَدِّ السَّرقةِ

- ‌بابُ حَدِّ القَذفِ

- ‌بَابُ حَدِّ الشُّرْبِ

- ‌فَصلٌ

- ‌بَابُ حَدِّ المُحَاربِ

- ‌بابُ مَنْ يَستحقُّ القَتلَ حَدّاً

- ‌كِتابُ القِصاصِ

- ‌كتابُ الدِّياتِ

- ‌بَابُ القَسَامَةِ

- ‌كتابُ الوَصِيَّةِ

- ‌كِتابُ المَوَاريثِ

- ‌كتابُ الجِهادِ والسِّيَرِ

- ‌فَصلٌ

- ‌فصلٌ

- ‌فَصلٌ

- ‌فَصلٌ

الفصل: ‌ ‌كتاب الجنائز (الجنائز)، جمع جنازة، يقال جِنازة بكسر الجيم، وجَنازة بفتحها،

‌كتاب الجنائز

(الجنائز)، جمع جنازة، يقال جِنازة بكسر الجيم، وجَنازة بفتحها، والكسر أفصح، ومعناها النعش، أو الميت، وتطلق على النعش والميت معا.

قال المؤلف رحمه الله: (مِنَ السنة عيادةُ المريضِ)

(من السنة): أي من طريقة النبي صلى الله عليه وسلم ومن هديه عيادة المريض. ومعنى عيادة المريض زيارته.

ودليل سنية عيادة المريض، قول النبي صلى الله عليه وسلم:«حق المسلم على المسلم خمس: رد السلام وعيادة المريض واتباع الجنائز وإجابة الدعوة وتشميت العاطس» . متفق عليه (1).

وقد ذكرنا معنى المتفق عليه، أي أن هذا الحديث أخرجه البخاري في «صحيحه» وأخرجه مسلم في «صحيحه» .

والشاهد منه قول النبي صلى الله عليه وسلم: «وعيادة المريض» ، فحق المسلم على المسلم عيادة المريض: أي زيارته.

وفي رواية عند مسلم زاد «النصيحة» (2).

وفي رواية أخرى عند البخاري «نصر المظلوم وإبرار القسم» (3).

(1) أخرجه البخاري (1240)، ومسلم (2162) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(2)

(2161) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(3)

(1239) من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه.

ص: 129

وعيادة المريض مشروعة بالاتفاق (1)، ولكن اختلف أهل العلم في حكمها، فقد نقل النووي رحمه الله الإجماع على أنها ليست واجبة وجوباً عينياً (2).

والواجب في شرع الله هو ما أمر به الشارع أمراً إلزامياً، أي أمراً جازماً، أي أن الله سبحانه وتعالى أمرنا بالفعل وألزمنا بفعله فمن لم يفعله فهو مُعِّرض نفسه للعقاب.

والواجب ينقسم إلى قسمين: واجب عيني وواجب كفائي.

ونعني بالواجب العيني، أن كل مسلم مكلف مطلوب منه أن يعمل هذا العمل مثل الصلاة والصيام وغيرها، فهذا يسمى واجباً عينياً.

أما الواجب الكفائي، فنعني به أنه الذي إذا قام به البعض سقط عن الباقين.

أي أن يطلب الله سبحانه وتعالى منا أو يأمرنا بفعل ليس المقصود أن يفعله زيد أو بكر لكن المقصود أن يُفعل هذا الفعل، مثل دفن الميت.

فدفن الميت واجب كفائي، واجب على جميع الأمة أن تدفن هذا الميت، فإذا لم يدفنه أحد أثم كل من علم به ولم يفعله، لكن إذا دفنه واحد سقط هذا الوجوب عن جميع الأمة، فالمطلوب الأساسي من الأمر هو الفعل، أن يُفعل بغض النظر عن فاعله. هذا معنى الواجب الكفائي.

طلب العلم الشرعي ووجود علماء في الأمة واجب كفائي، إذا قام به البعض سقط عن الباقين وإذا لم يقم به أحد أو قام به بعض لا يكفون يبقى هذا الحكم معلقاً في رقاب الأمة حتى يقوموا به وإلا أثموا عند الله تبارك وتعالى.

هذا معنى الواجب الكفائي أنه إذا قام به بعض الأمة سقط عن جميع الأمة.

فهنا نقل النووي رحمه الله الاتفاق على أن عيادة المريض ليست واجباً عينياً، يعني إذا سمعنا بأن فلاناً مريض، فلا يجب على كل واحد منا أن يذهب ليزوره، فلو ذهب واحد وزاره سقط هذا الواجب لأن الصحيح أنه واجب كفائي.

هذا من حيث الوجوب، لكن إذا ذهب جمع فهو مستحب لا بأس به، فهو واجب كفائي لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعله من حقوق المسلم على المسلم، فمن حق المسلم على المسلم، أن يزوره

ص: 130

بعض المسلمين.

والمراد بالمريض هنا الذي مرض مرضاً يحبسه عن الخروج إلى الناس، ليس الذي جرحته مثلاً زجاجة أو ما شابه.

فالسنة في مثل هذا المرض عيادة صاحبه، لأن المراد بالعيادة هو مواساة المريض وأن يستأنس بالناس ولا يشعر بالوحدة والانقطاع عنهم وتذكيره بالصبر على البلاء إلى أن يرفع عنه وهذا يحصل برؤيته.

قال المؤلف رحمه الله: (وتلقين المحتضَر الشهادتين)

(التلقين): تقول لقّنْتُه الشيء فتلقنه إذا أخذه من فيك مباشرة، فهو إعطاؤه الشهادتين مشافهة تقول له يا فلان: قل لا إله إلا الله محمد رسول الله، هذا معنى التلقين.

و(المحتَضَر) بفتح الضاد الذي حضره الموت فهو في النزع.

(الشهادتين) أي أن تقول له: قل: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله.

بعض الناس يقول لك: لا تقل له: «قل» ، بل نقول له:«قل» ، فهكذا علمنا النبي صلى الله عليه وسلم وهكذا فعل، فقد قال لأحد من كان على وشك الموت:«قل لا إله إلا الله» (1)، لكن لا ترددها عليه، فإذا قالها فاسكت، فإن عاد وتكلم فأعدها عليه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة» (2).

فنحن عندما نلقن هذا المحتضَر الشهادتين نريد أن يكون آخر كلامه لا إله إلا الله كي يكون من أهل الجنة فإذا قالها تسكت، وإذا بقي عليها فلا تعيدها عليه، لكن إن عاد وتكلم بكلام آخر تعيدها عليه كي تكون آخر ما يقول.

فتلقين المحتضر سنة ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال أبو سعيد الخدري، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«لقنوا موتاكم لا إله إلا الله» (3).

ومعناه من حضره الموت لا الميت، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لقّن من حضره الموت لا الميت.

قال رحمه الله: (وتَوْجيهُهُ)

أي ومن السنة توجيه المحتَضر إلى القبلة، ولكن هل هذا من السنة كما قال المؤلف أم لا؟

(1) قاله النبي صلى الله عليه وسلم لعمه أبي طالب، أخرجه البخاري (1360)، ومسلم (24).

(2)

أخرجه أحمد في «مسنده» (22034)، وأبو داود (3116) وغيرهما من حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه.

(3)

أخرجه مسلم (916) من طريق أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.

ص: 131

في المسألة خلاف بين أهل العلم، فبعضهم يقرر ما قرره المؤلف ويقول إنه من السنة، لكنهم يعتمدون على أحاديث ضعيفة لا يصح منها شيء، ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث صحيح أنه كان يوجه المحتضر إلى القبلة، وهو حديث عبيد بن عمير عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وقد سأله رجل عن الكبائر، قال:«هي تسع» يعني الكبائر، وذكر منها «استحلال البيت الحرام قبلتكم أحياء وأمواتاً» (1)

قالوا: قال: «قبلتكم أحياءً وأمواتاً» ، فمن أراد أن يموت نستقبل به القبلة.

وهذا خطأ، خطأ من ناحية أن الحديث نفسه ضعيف لا يصح.

والأمر الثاني: قوله أمواتاً، فالمحتضر ليس ميتاً ما زال حياً فلا يدخل فيه.

وإنما المقصود أنكم تستقبلون البيت في الصلاة، وكذلك أمواتاً في القبر، فالميت في قبره يكون متجهاً إلى القبلة.

واستدلوا أيضاً بحديث عند الحاكم عن أبي قتادة أن البراء بن معرور أوصى أن يوجه إلى القبلة إذا احْتُضِر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«أصاب الفطرة» ، وهو حديث ضعيف، فهو مرسل وفيه نعيم بن حماد، وهو ضعيف (2).

وكان سعيد بن المسيب وهو أحد أئمة التابعين الكبار من فقهاء المدينة السبع يُنكر هذا الفعل، فقد وجهوه إلى القبلة وكان يحتضر فلما استيقظ قال من فعل بي ذلك، قالوا فلان فأنكره وقال: أليس الميت أمرأً مسلماً، فلماذا توجهونه إلى القبلة (3).

فالعبرة بالدليل على كل حال، وبما أنه لم يرد في السنة شيء صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك، فليس هذا من السنة وخاصة أنه قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه حضر أكثر من واحد كانوا يحتَضَرون ومع ذلك لم يثبت عنه في حديث واحد أنه أمر بهم أن يوجهوا إلى القبلة، فالصحيح إذاً أن هذا الفعل ليس من السنة.

(1) أخرجه أبو داود (2875) عن عبيد عن جده، ولجده صحبة.

في سنده عبد الحميد بن سنان، قال البخاري: في حديثه نظر. انتهى قلت: يعني هذا الحديث. وقال الذهبي: لا يعرف، وقد وثقه بعضهم. انتهى. قلت: كأنه يشير إلى ذكر ابن حبان له في الثقات. .

وله شاهد من حديث ابن عمر لا يقويه؛ ففي سنده أيوب بن عتبة ضعيف، واختلف عليه فيه، وشيخه طيسلة مجهول الحال.

(2)

أخرجه الحاكم في «المستدرك» (1305)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (6604) عن أبي قتادة رضي الله عنه.

(3)

أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (2/ 447).

ص: 132

قال رحمه الله: (وتَغْمِيِضُهُ إذا مات)

أي من السنة تغميض عيني الميت إذا مات، لحديث أم سلمة قالت دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي سلمة وقد شق بصره فأغمضه النبي صلى الله عليه وسلم، أي بعدما مات فتح أبو سلمة عينيه فأغمضه النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال:«إن الروح إذا قبض تبعه البصر» فضجّ ناس من أهل أبي سلمة، فقال:«لا تدعوا على أنفسكم إلا بخير فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون» (1).

فليكن العبد حذراً في هذه اللحظة أن يدعو على نفسه بشيء فيهلك في دنياه وآخرته فإن الملائكة تؤمن على ما يقول، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«اللهم اغفر لأبي سلمة وارفع درجته في المهديين وأخلفه في عقبه في الغابرين واغفر لنا وله يا رب العالمين وافسح له في قبره ونور له فيه» .

وشاهِدنا من الحديث قول أم سلمة: أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على أبي سلمة وقد شق بصره فأغمضه يعني فأغمض عينيه.

قال المؤلف: (وقراءة يس عليه)

أي من السنة أن تقرأ سورة يس على الميت، بعد موته وقبل وضعه في القبر. واستدل المصنف رحمه الله بعد أنّ ذكر هذا بقوله صلى الله عليه وسلم:«اقرأوا على موتاكم يس» (2). أخرجه أبو داود وغيره، وضعفه الدارقطني، وقال:«لا يصح في هذا الباب حديث» ، وضعفه ابن القطان الفاسي وغيرهما.

وقد ذكرنا فيما مضى أن أي حديث تذكره تذكر مصدره الأساسي، من خرّج هذا الحديث من كتب السنة المعتمدة، ثم إذا كان خارج «الصحيحين» يلزمك أن تذكر من صححه أو ضعفه من العلماء، لأن أحاديث «الصحيحين» قد اتفق علماء الإسلام على صحة ما فيهما إلا أحاديث يسيرة صححها البخاري وصححها مسلم، أما ما كان خارج «الصحيحين» ، فنحتاج إلى معرفة مصدر الحديث ومعرفة من صححه أو ضعفه.

(1) أخرجه مسلم (920) عن قبيصة بن ذؤيب عن أم سلمة رضي الله عنها.

(2)

أخرجه أحمد في «المسند» (20301)، وأبو داود (3121)، وابن ماجه (1448) من حديث معقل بن يسار رضي الله عنه.

انظر الضعيفة للألباني (5861) لمعرفة علته.

ص: 133

فالحديث السابق ضعيف وإذا كان ضعيفاً فلا يعمل به، لأن العمل لا يكون إلا بالحديث الصحيح، والحديث الصحيح هو ما ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله، أما الحديث الضعيف فأنه ما لم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله.

فهذا الحديث، ضعفه الدارقطني وهو إمام كبير من علماء الحديث ومتخصص في علم العلل، وكذلك ضعفه ابن القطان الفاسي وهو من علماء هذا الشأن الكبار.

فقراءة سورة يس على الميت لا تصح، لأنه قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه حضر أقواماً يحتضرون ومع ذلك لم يصحّ عنه أنه قرأ القرآن عليهم ولا أمر بذلك ولا رغب فيه.

قال المؤلف رحمه الله: - (والمبادَرَةُ بتَجْهيِزِهِ إلا لتَجْويزِ حياته)

أي من السنة الإسراع في تجهيز الميت بتغسيله وتكفينه ودفنه إلا إذا احتملنا أن يكون حيّاً، ولم نتأكد من موته، فلا نسرع في تجهيزه لئلا ندفنه وهو حي.

والأحاديث التي استدل بها المؤلف ضعيفة لا تصح، ولا يحتج بها، ضعفها الترمذي والحافظ وغيرهما.

ولكن الإسراع بتجهيزه أفضل خشية أن يتغير الميت.

وأصح ما استدل به من قال بسنية الإسراع قول النبي صلى الله عليه وسلم: «أسرعوا بالجنازة» ، والمراد بذلك عند حمله والذهاب به إلى قبره لا الإسراع من البداية وإن كان الحديث يحتمل ذلك، لكن سياقه يدل على أن المراد من الإسراع بالجنازة بعد حملها على الرقاب فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«فإنه إما أن يكون خيراً فتقدمونها إليه أو أن يكون شراً فتضعونه عن رقابكم» (1)، فقوله تضعونه عن رقابكم» قرينة تدل على أن الأمر بالإسراع عند الحمل على الرقاب.

وهذا المعنى هو الذي ذكره القرطبي والنووي.

قال المؤلف رحمه الله: (والقضاءُ لدينه)

أي من السنة أيضاً المبادرة بالقضاء لدينه لأن النبي صلى الله عليه وسلم امتنع من الصلاة على الميت الذي عليه دين حتى التزم بذلك بعض الصحابة فصلى عليه، كما جاء في حديث سلمة بن الأكوع في «الصحيح» قال: كنا جلوساً عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ أُتي بجنازة فقالوا: صلِّ عليها، فقال:«هل عليه دين؟ » قالوا: لا، قال:«فهل ترك شيئاً» قالوا: لا، فصلى عليه، ثم أُتي بجنازة

(1) أخرجه البخاري (1315)، ومسلم (944) عن أبي هريرة رضي الله عنه.

ص: 134

أخرى فقالوا: يا رسول الله صلِّ عليه، قال:«هل عليه دين؟ » قيل: نعم، قال:«فهل ترك شيئاً؟ » قالوا: ثلاثة دنانير، فصلى عليه.

لأنه وإن كان عليه دين لكن وجِد ما يقضى به دينه.

ثم أتي بثالثة فقالوا: صلِّ عليها، قال:«هل ترك شيئاً؟ » ، قالوا: لا، قال:«فهل عليه دين؟ » قالوا: ثلاثة دنانير - أي عليه ثلاثة دنانير-، قال:«صلوا على صاحبكم» ، قال أبو قتادة: صلِّ عليه يا رسول الله، وعليّ دينه، فصلى عليه صلى الله عليه وسلم (1).

فمن هذا الباب قال المؤلف رحمه الله من السنة المبادرة لقضاء دين الميت حتى يرفع عنه الإثم وتبرأ ذمته منه.

وقد كان هذا في أول الأمر، ولما فتح الله على رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:«أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فمن توفي من المؤمنين فترك ديناً، فعليّ قضاءه، ومن ترك مالاً فلورثته» (2).

فيستحب الإسراع بقضاء دين الميت عنه.

قال المؤلف رحمه الله: (وتَسْجِيَته)، أي تغطيته.

ويسن تغطيته بعد أن تخرج روحه بثوب يستر جميع بدنه، إلا إذا كان محرماً، لحديث عائشة:«أنه عليه السلام حين توفي سُجِّي ببردة حبرة» (3) وهي ثوب يماني مخطط.

وأما المحرم فقد قال عليه السلام: «ولا تخمروا رأسه ووجهه فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا» (4).

يعني لا تغطوا وجهه ولا رأسه فإنه يبعث يوم القيامة ملبياً

وقوله (وجهه) انفرد بها مسلم.

قال المؤلف رحمه الله: - ويجوز تقبيله)

أي يجوز تقبيل الميت ففي «الصحيح» أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه قبّل النبي صلى الله عليه وسلم بعد موته (5).

(1) أخرجه البخاري (2289)، عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه.

(2)

أخرجه البخاري (3443)، ومسلم (1619) عن أبي هريرة رضي الله عنه.

(3)

أخرجه البخاري (5814)، ومسلم (942) عن عائشة رضي الله عنها.

(4)

أخرجه البخاري (2714)، ، ومسلم (1256) عن ابن عباس رضي الله عنه.

(5)

أخرجه البخاري (4455) عن عائشة وابن عباس رضي الله عنهما.

ص: 135

قال المؤلف رحمه الله: (وعلى المريض أن يُحْسِنَ الظَّنَّ بربِّهِ)

وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا يموتَنَّ أحدُكُم إلا وهو يحسن الظن بربه» (1).

وذلك - أي إحسان الظن بالله - بأن يوقن بأن الله تبارك وتعالى لا يظلم أحداً، وأنه إذا تاب ورجع إلى الله تبارك وتعالى أن الله سيقبل توبته، وأن الله غفور رحيم، ولا يقنط من رحمة الله فهي واسعة تسعُه وتَسعُ غيره.

قال المؤلف: (ويتوب إليه)

التوبة لغة: الرجوع، وفي الشرع: الرجوع عن معصية الله تعالى إلى طاعته.

ولها شروط:

الشرط الأول: الإخلاص، بأن تكون التوبة ابتغاء وجه الله تبارك وتعالى.

والثاني: الندم، أي أن يندم على فعل ما مضى من معاصٍ وذنوب.

والثالث: الإقلاع عن الذنب الذي تاب منه، فلا تنفع توبة وأنت باق على فعل الذنب، فمن كان يشرب الخمر ويقول أستغفر الله وأتوب إليه، فلا يصلح منه ذلك وإنما يجب ترك هذا الذنب، ورد الحقوق لأصحابها إن كانت معصيتك هذه بسرقة أو غصب أو ما شابه، فوجب عليك أن ترد الحقوق لأصحابها لتقبل التوبة.

والرابع: العزم على عدم العودة إلى هذا الذنب.

والخامس: أن تكون توبته في زمن قَبول التوبة، فإن لها زمناً تقبل فيه، زمن عام يشترك الناس جميعاً فيه وهي أن تطلع الشمس من مغربها، ، كما قال صلى الله عليه وسلم (2)، ووقت خاص بكل عاصٍ ومذنب وهو قبل الغَرْغَرَةِ - أي عند خروج الروح - فإذا وصل العبد إلى درجة الغرغرة لا تُقْبَل منه توبة كما جاء في الأحاديث الصحيحة (3).

قال المؤلف رحمه الله: (ويَتَخَلَّصُ عن كُلِّ ما عليه)

أي يتخلص من كل ما عليه من حقوق، من دَين أو وَدِيعَةٍ أو غَصْبٍ أو غيرها من حقوق العباد، يتخلص منها كلها، إما برَدِّها مباشرة إلى أصحابها أو بكتابة وصية بذلك، فإن لكل شخص حقّاً سيطالب به أمام الله تبارك وتعالى فلابد إذن من التخلص من الحقوق لتبرأ ذمتك ولا يطالبك أحد بشيء بين يدي الله تبارك وتعالى.

(1) أخرجه مسلم (2877) عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه.

(2)

أخرجه مسلم (2703) عن أبي هريرة رضي الله عنه.

(3)

أخرجه أحمد في «مسنده» (6160)، والترمذي (3537)، وابن ماجه (4253) عن ابن عمر رضي الله عنه.

ص: 136