الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أخرجه مسلم في صحيحه (1)، وهذا الحديث اختلفوا في توجيهه، فقال جمهور علماء الإسلام أن هذه الحادثة خاصة بسالم مولى أبي حذيفة، لكن هذا القول خلاف الأصل الذي عندنا، الأصل عدم الخصوصية، والأصل عموم التشريع.
لكن هذا الأصل معارَض بالحديث الذي ذكرناه أولاً؛ وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم «انظرن مَن إخوانكنّ فإنما الرضاعة من المجاعة «، فهذا الحديث وما في معناه يدل على أن الرضاع إنما يكون في العامين الأولين فيعارض حديث سالم، وهذا الذي دفع جمهور أهل العلم إلى القول بأن حديث سالم مولى أبي حذيفة خاص به، وهو الحق إن شاء الله.
بابُ الحَضَانَةِ
الحضانة لغة: تربية الصغير ورعايته، مشتق من الحِضن وهو الجنب، لأن المربي والكافل يضم الطفل إلى جنبه.
والحاضن والحاضنة: الموكلان بحفظ ورعاية الصغير.
وفي الشرع: تربية وحفظ من لا يستقل بأمور نفسه؛ كالطفل والمجنون.
(1) أخرجه مسلم (1453).
والمقصود رعاية شؤونه وتدبير طعامه وملبسه ونومه وتنظيفه وغسله وغسل ثيابه وما شابه من الأمور التي يحتاجها الصغير والمجنون ومن هو مثلهما.
قال المؤلف رحمه الله: (الأَولى بالطفلِ أُمّهُ ما لم تَنكِح)
إذا انفصل الأب عن الأم، طُلِّقا وتنازعا في الولد، الأولى بالطفل أمه ما لم تنكح، ما لم تتزوج، وهذا أصله ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم عند أحمد وأبي داود أن امرأة قالت: يا رسول الله! إن ابني هذا كان بطني له وعاءً، وحجري له حواءً، وثديي له سقاءً، وزعم أبوه أنه ينزعه مني، فقال: «أنتِ أحق به ما لم تنكحي «(1) أي الولد لكِ ما لم تتزوجي، فإذا تزوجتي كان الولد لأبيه.
قال ابن المنذر رحمه الله: » وأجمعوا أن الزوجين إذا افترقا ولهما ولد طفل أن الأم أحق به ما لم تَنكح، وأجمعوا على أن لا حق للأم في الولد إذا تزوجت» (2). انتهى
قال المؤلف رحمه الله: (ثمَّ الخَالةُ ثمَّ الأبُ)
استدل المؤلف على تقديم الخالة على الأب بحديث البراء بن عازب في الصحيح قال: خرج النبي صلى الله عليه وسلم، فتبعته ابنة حمزة، تنادي يا عم يا عم، فتناولها علي فأخذ بيدها، وقال لفاطمة رضي الله عنها: دونك ابنة عمك حملتها، فاختصم فيها علي وزيد وجعفر، قال علي: أنا أخذتها، وهي بنت عمي، وقال جعفر: ابنة عمي وخالتها تحتي، وقال زيد: بنت أخي، فقضى بها النبي صلى الله عليه وسلم لخالتها، وقال:«الخالة بمنزلة الأم» (3).
لهذا قدم المؤلف الخالة على الأب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الخالة بمنزلة الأم، فلما قدم الأم على الأب في الحديث المتقدم، وجعل الخالة بمنزلة الأم في هذا الحديث؛ خلص من ذلك أن الخالة تقدم على الأب.
وهذا الاستدلال فيه نظر، لأن النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث السابق أسقط حق الأم إذا نكحت، وصار الحق للأب، فلم يذكر الخالة مع وجود الأب، ولو كانت أحق منه لقدمها؛ فلا تقدَّم الخالة على الأب.
قال المؤلف رحمه الله: (ثم يُعيِّن الحاكمُ مِنَ القرابةِ مَن رأى فيه صَلاحاً)
الحاكم يعيِّن من قرابة الطفل من يرى فيه صلاحاً ويرى فيه مصلحة للطفل بأن يرعاه هذا بعد الأم والأب والخالة.
(1) أخرجه أحمد (1453)، وأبو داود (2276) وغيرهما عن غير واحد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده.
(2)
انظر «الإجماع «لابن المنذر (ص 84).
(3)
أخرجه البخاري (4251)، وأصل الحديث عند مسلم (1783).
والخلاف بين أهل العلم فيه كبير ولا يوجد دليل يفصل، والنظر إلى مصلحة الطفل أعدل الأقوال فهي المقصودة من الحضانة.
قال المؤلف رحمه الله: (وبعدَ بُلوغِ سِنِّ الاستقلالِ؛ يُخيَّرُ الصبيُّ بين أبيهِ وأمهِ؛ فإن لم يوجَد كَفِلَهُ من كانَ له في كفالتِهِ مصلحةٌ)
بعد سن الاستقلال يعني عندما يستطيع الصبي أن يستقل بنفسه في تنظيف نفسه وغسل ثيابه وإعداد طعامه وما شابه، إذا تمكن من الاستقلال بنفسه يخيَّر بين أبيه وأمه.
يستدلون على ذلك بحديث ورد عند أبي داود قال: قال أبو هريرة: اللهم إني لا أقول هذا إلا أني سمعت امرأة جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنا قاعد عنده، فقالت: يا رسول الله، إن زوجي يريد أن يذهب بابني، وقد سقاني من بئر أبي عنبة، وقد نفعني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم استهما عليه، فقال زوجها: من يحاقني في ولدي؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «هذا أبوك، وهذه أمك فخذ بيد أيهما شئت» ، فأخذ بيد أمه، فانطلقت به (1)
ولكنه حديث ضعيف لا تصح، ولا يصح في هذا الباب شيء، والذي يظهر لي -والله أعلم- أن هذا التخيير عندما تكون مصلحة الولد متوفرة ومرجوة ومتحققة عند الأب وعند الأم، لكن إذا كانت مصلحته متحققة عند أحدهما وغير متحققة عند الآخر فلا ينبغي أن يخَيَّر وهو في هذا السن؛ لأن تخييره لا معنى له، هو صغير ولا يعقل فلا يعرف مصلحته أين تكون، خصوصا إذا كان أحد أبويه كافرا أو فاجرا.
(1) أخرجه أحمد (7352)، وأبو داود (2277)، والترمذي (1357)، والنسائي (3496)، وابن ماجه (2351)، وفي سنده أبو ميمون سليم قال الدارقطني: مجهول يترك. انتهى، ووثقه من عرف بتوثيق المجاهيل.