الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهو ما قاله مجاهد، إذ قاس التطوع على الصدقة، فإن شاء المتصدق أخرجها وإن شاء لم يخرجها، وكذلك صوم التطوع.
قال المؤلف رحمه الله:
(باب صوم التطوع)
أي صيام النافلة.
قال: (يستحب صيام ست من شوال)
لحديث أبي أيوب الأنصاري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من صام رمضان، ثم أتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر» (1).
ويكون كصيام الدهر لأن الحسنة بعشر أمثالها، فرمضان ثلاثون يوماً وهو الشهر فيكون بعشرة أشهر، والستة أيام بستين يوماً وهي شهران، والسنة أثنا عشر شهراً، فمن صام في كل سنة رمضان ثم الأيام الستة من شوال كان كمن صام كل الدهر، فهذا صيام الدهر كاملاً.
والأفضل أن تصام الستة متوالية وعقب رمضان مباشرة بعد أن تفطر اليوم الأول يوم العيد ثم بعد ذلك تسرد ستة أيام من شوال، لكن إن فرقها فجائز أو أخرها حتى في أواخر شوال أيضاً جائز، لأن كل هذا يشمله قوله صلى الله عليه وسلم:«ثم أتبعه ستاً من شوال» .
قال رحمه الله: (وتِسعِ ذي الحجة)
أي ويستحب صيام تسع ذي الحجة، أي الأيام التسع الأولى من ذي الحجة.
ولم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يصوم هذه الأيام، وإنما ورد حديث عن حفصة قالت:«أربع لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يدعهن: صيام عاشوراء، والعشر، وثلاثة أيام من كل شهر، والركعتين قبل الغداة» (2) أخرجه أحمد والنسائي، وأبو داود بلفظ آخر عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، واختلف فيه اختلافاً كثيراً جداً في متنه وإسناده، فلا يصح، ولا يصح حديث في ذلك.
(1) أخرجه مسلم (1164).
(2)
أخرجه احمد (24668)، والنسائي (2486).
انظر «العلل» (3945) للدارقطني.
والعمدة في ذلك على ما ذكرته عائشة رضي الله عنها وهو في «صحيح مسلم» ، قالت:«ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صائماً في العشر قط» (1)، وفي رواية:«لم يصم العشر» هذا ما ذكرته رضي الله عنها وهذا هو المعتمد في ذلك.
لكن صيام هذه الأيام داخل في العمل الصالح الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: «ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام» - يعني أيام العشر-، قالوا يا رسول الله: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: «ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء» (2).
فيجوز صيام هذه الأيام على أنّ الصيام من العمل الصالح، ومن أراد أن يعمل عملاً آخر غير الصيام ويكتفي به عن الصيام فله ذلك، والأفضل للإنسان في مثل هذه الحالات أن يُرّكز على العمل الذي يجد من نفسه نشاطاً فيه ويتمكن من الإكثار منه في هذه الأيام.
قال رحمه الله: (ومُحَرَّم)
أي، ويستحب صيام محرم - وهو شهر الله المحرم -، لحديث أبي هريرة عند مسلم:«أن النبي صلى الله عليه وسلم سُئل: أي الصيام أفضل بعد شهر رمضان؟ قال: «صيام شهر الله المحرم» (3).
وآكده يوم عاشوراء، فيُستحب صيام يوم عاشوراء.
ويوم عرفة لقوله صلى الله عليه وسلم: «صوم يوم عرفة يُكفر سنتين، ماضية ومستقبلة وصوم عاشوراء يكفر سنة ماضية» (4).
يدل هذا على استحباب صيام هذين اليومين - يوم عرفة التاسع من ذي الحجة، ويوم عاشوراء وهو اليوم العاشر من محرم-.
ويستحب أن يصام اليوم التاسع من المحرم مع اليوم العاشر، مخالفة لليهود، لقوله صلى الله عليه وسلم:«لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع» ، وذلك أنه حين صام رسول الله صلى الله عليه وسلم عاشوراء وأمر
(1) أخرجه مسلم (1176).
(2)
أخرجه البخاري (969).
(3)
أخرجه مسلم (1163).
(4)
أخرجه مسلم (1162).
بصيامه قالوا: يا رسول الله إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى، فقال صلى الله عليه وسلم:«فإذا كان العام المقبل إن شاء الله صمنا اليوم التاسع» ، فلم يأت العام المقبل حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم (1).
فيستحب صيام اليوم التاسع مع اليوم العاشر.
قال رحمه الله: (وشعبان)
أي، ويستحب صيام شعبان لحديث عائشة رضي الله عنها، قالت:«وما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر قط إلا رمضان، وما رأيته في شهر أكثر منه صياماً في شعبان» (2).
قال رحمه الله: (والإثنين والخميس)
لما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يتحرى صوم يوم الإثنين والخميس كما في «سنن أبي داود» والترمذي وغيرهما (3).
قال رحمه الله: (وأيام البيض)
فقد أخرج مسلم في «صحيحه» من حديث أبي قتادة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثلاث من كل شهر ورمضان إلى رمضان فهذا صيام الدهر كله» (4).
وقال صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو: «صم من الشهر ثلاثة أيام فإن الحسنة بعشر أمثالها وذلك صيام الدهر» (5).
وأخرج الترمذي وغيره عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا أبا ذر إذا صمت من الشهر ثلاثة أيام، فصم ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة» (6).
(1) أخرجه مسلم (1134).
(2)
أخرجه مسلم (1156).
(3)
أخرجه أبو داود (2463)، والترمذي (745)، والنسائي (2366)
(4)
أخرجه مسلم (1162).
(5)
أخرجه البخاري (1976)، ومسلم (1159).
(6)
أخرجه أحمد (35/ 263)، والترمذي (761)، والنسائي (2423).
فيستحب صيام هذه الأيام الثلاثة الواردة في حديث أبي ذر أكثر من غيرها، لكن من صام أي ثلاثة أيام من الشهر فقد حصل له الأجر أيضاً، لحديث ابن عمرو وغيره.
قال رحمه الله: (وأفضل التطوع صوم يوم وإفطار يوم)
لحديث عمرو بن العاص رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له:«صم أفضل الصوم صوم داود، صيام يوم وإفطار يوم» (1).
وفي رواية: «وهو أعدل الصيام» (2).
وفي رواية عند البخاري: «لا صوم فوق صوم داود» (3).
فهذه أكمل الصور في صيام التطوع.
قال رحمه الله: (ويكره صوم الدهر)
لما صحَّ عنه صلى الله عليه وسلم أنه نهى عبد الله بن عمرو عن صيام الدهر، وكذلك نهى من أراد أن يصوم ولا يُفطر، وقال صلى الله عليه وسلم:«لا صام من صام الأبد» (4).
ومعنى صيام الدهر المنهي عنه، هو الذي كان يفعله ابن عمرو كما جاء في «الصحيحين» ، «أنه كان يصوم ولا يفطر» (5)، والذي أراد أن يفعله أحد الثلاثة الذين تقالّوا عبادة النبي صلى الله عليه وسلم عندما سألوا عن عبادته، فقال: أحدهم: أمّا أنا فأصوم ولا أفطر
…
(6)، فهذا هو صيام الدهر الذي نهى عنه صلى الله عليه وسلم.
فصيام الدهر هو صيام السنة كلها بلا فطر فيها، وهو محرم مخالف لهدي النبي صلى الله عليه وسلم.
قال المؤلف: (وإفراد يوم الجمعة)
(1) أخرجه البخاري (5052)، ومسلم (1159).
(2)
أخرجه البخاري (3418)، ومسلم (1159).
(3)
أخرجه البخاري (6277)، ومسلم (5063).
(4)
أخرجه البخاري (1977)، ومسلم (1159).
(5)
أخرجه البخاري (1977)، ومسلم (1159).
(6)
أخرجه البخاري (5063)، ومسلم (1401).
فقد جاء في حديث جابر في «الصحيح» أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن صوم يوم الجمعة (1).
وفي حديث أبي هريرة في «الصحيح» أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يصومن أحدكم يوم الجمعة إلّا يوماً قبله أو بعده» (2).
وفي حديث جويرية بنت الحارث أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها يوم الجمعة وهي صائمة فقال: «أصمت أمس؟ » - الخميس - قالت: لا، قال:«تريدين أن تصومي غداً؟ » - السبت -، قالت: لا، قال:«فأفطري» (3).
وفي «صحيح مسلم» عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تختصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي ولا تخصوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام إلاّ أن يكون في صوم يصومه أحدكم» (4).
وخلاصة هذه الأحاديث كلها أنّه لا يجوز إفراد يوم الجمعة بصيام إلاّ إذا كان في صوم كان يصومه أحدنا، أي، إلا إذا كان معتاداً على صيام معين كمن اعتاد أن يصوم يوماً ويفطر يوماً، فجاء من هذه الأيام التي اعتاد صيامها يوم جمعة، فيجوز له حينئذ أن يصوم.
أو جاء يوم عرفة في يوم جمعة فيجوز له أن يصومه من غير أن يصوم معه يوماً قبله أو يوماً بعده، لأنه اعتاد هذا الصيام ولم يتعمد تخصيص يوم الجمعة بصيام.
ويجوز صيامه مع يوم الخميس أو مع يوم السبت.
أما تخصيص الجمعة بصيام فيحرم، وكذلك صيام الدهر، لا مجرد الكراهة، فالنهي واضح ولا صارف.
أمَّا صيام يوم السبت فلم يصحَّ في النهي عن صيامه حديث، ورد فيه حديث قال فيه الإمام النسائي رحمه الله: وهو حديث مضطرب، وكذلك وافقه الحافظ ابن حجر على ذلك وضعفه غير واحد من علماء الإسلام والحق معهم، فالحديث لا يصح، فيجوز صيام يوم السبت مطلقاً كبقية الأيام.
(1) أخرجه البخاري (1984)، ومسلم (1143).
(2)
أخرجه البخاري (1985)، ومسلم (1144).
(3)
أخرجه البخاري (1986).
(4)
أخرجه مسلم (1144).
قال رحمه الله: (ويَحرم صوم العيدين)
لحديث أبي سعيد في «الصحيحين» : «أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن صيام يومين، يوم الفطر ويوم النحر» (1)، والمقصود اليوم الأول فقط ليوم الفطر ويوم النحر، فهذان العيدان فقط، وليس بعدهما عيد.
وأما يوم النحر فبعده ثلاثة أيام - وهي أيام التشريق -، أما يوم الفطر فهو واحد فقط.
قال رحمه الله: (وأيام التشريق)
أي، ويَحرم أيضاً صيام أيام التشريق وهي اليوم الثاني والثالث والرابع التي هي بعد عيد الأضحى يوم النحر، وذلك لنهيه صلى الله عليه وسلم عن هذا الصيام بقوله صلى الله عليه وسلم:«أيام التشريق أيام أكل وشرب» (2).
وفي «صحيح البخاري» عن عائشة وابن عمر قالا: «لم يُرخّص في أيامِ التشريق أن يُصَمْنَ إلا لمن لم يجد الهدي» (3).
فلا يجوز أن يُصام في هذه الأيام.
قال رحمه الله: (واستِقْبالُ رمضانَ بيومٍ أو يَوْمَين)
أي ويَحرم استقبال رمضان بيوم أو يومين، فيَحرم أن نصوم قبل أن يثبت هلال رمضان اليوم الذي يُشك فيه، لقوله صلى الله عليه وسلم:«لا تقدّموا رمضان بصوم يوم أو يومين، إلا أن يكون رجل كان يصوم صوماً، فليصمه» (4).
يعني إذا جاء اليوم الأخير من شعبان - الذي يُشك أهو من شعبان أم من رمضان - إذا جاء في يوم اعتدت أن تصوم في مثله، فلك أن تصوم.
أمّا أن تتقصد أن تصومه احتياطاً لرمضان فلا يجوز، لما قاله عمَّار صلى الله عليه وسلم:«من صام اليوم الذي يُشك فيه فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم» (5).
(1) أخرجه البخاري (1995)، ومسلم (1138).
(2)
أخرجه مسلم (1141).
(3)
أخرجه البخاري (1997).
(4)
أخرجه البخاري (1914)، ومسلم (1082).
(5)
أخرجه أبو داود (2334)، والترمذي (686)، والبخاري تعليقاً.