الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بعضِهِنَّ-: لا أقربُهُنّ)
معنى الإيلاء في الشرع أن يحلف الزوج على زوجته قائلا مثلا: والله لن أجامع زوجتي فلانة، أو لن أجامع جميع زوجاتي.
قال المؤلف رحمه الله: (فإن وَقَّتَ بدونَ أربعةِ أشهر؛ اعتزل حتى ينقضيَ ما وقَّت به، وإن لم يوقِّت شيئاً أو وقَّت بأكثر منها؛ خُيِّر بعد مُضيِّها بين أن يفِيءَ أو يُطلِّق)
معنى التوقيت أن يذكر مدة زمنية محددة كشهر أو شهرين، فإن وقَّت عند حلفه، فقال مثلا: لا أجامع زوجتي لمدة شهر أو شهرين أو ثلاثة أشهر؛ فلا يجوز له أن يجامع زوجته حتى تنقضي المدة التي ذكرها، كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيح أنه آلى من نسائه شهراً، ولما انتهى الشهر رجع النبي صلى الله عليه وسلم إلى جماع نسائه (1)، هذا إذا وقَّت مدة أقل من أربعة أشهر، أو أربعة أشهر.
وإذا حلف أن لا يجامع زوجته دون ذكر وقت أصلا، أو بذكر أكثر من أربعة أشهر؛ يخيَّر إذا انتهت الأشهر الأربعة بين أن يطلقها أو يرجع ويكفر عن يمينه.
وهذا دليله قول الله تبارك وتعالى {لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَآؤُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ *وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة 226 و 227]
إذا حلف أن لا يجامع زوجته أكثر من أربعة أشهر؛ فإما أن يرجع عن يمينه فتلزمه كفارة يمين، أو يطلق ولا شيء عليه
باب الظهار
الظهار لغة: مشتق من الظهر، وخصوا الظهر لأن كل مركوب يسمى ظهراً، لحصول الركوب على ظهره في الأغلب، فشبَّهوا الزوجة بذلك.
وعرفه المؤلف شرعاً بقوله: (وهو قول الزوج لامرأته: أنتِ عليّ كظهرِ أمي، أو ظاهرتُكِ، أو نحو ذلك)
هذه صورته، أن يقول الرجل لزوجته: أنتِ عليَّ كظهر أمي، يعني كما أن ظهر أمه محرم
(1) أخرجه البخاري في «صحيحه» (5289) عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: " آلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من نسائه، وكانت انفكت رجله، فأقام في مشربة له تسعا وعشرين ثم نزل، فقالوا: يا رسول الله، آليت شهرا؟ فقال:«الشهر تسع وعشرون» .
عليه، فلا يحل له جماعها، كذلك أنتِ تكونين محرمة علي كما أن أمي محرمة عليّ.
ومثله أن يقول: أنت علي كظهر أختي أو خالتي أو عمتي، إحدى محارمه.
وليس منه أن يقول: أنت محرمة علي. فقط.
والظهار محرم في الشرع لقول الله تعالى {الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ} المجادلة 2
فسماه الله منكراً وزوراً، أي كذبا، ومعناه أن الزوجة ليست كالأم في التحريم.
قال المؤلف رحمه الله: (فيجبُ عليه قبلَ أن يَمَسّها أن يكفِّر: بعتقِ رقبةٍ، فإن لم يجد فليُطعِم ستينَ مسكيناً. فإن لم يجد فصيامُ شهرين مُتتابعين)
إذا حصل الظهار من الزوج، قال لزوجته: أنتِ علي كظهر أمي، ماذا يجب عليه؟ يجب عليه ما ذكره المؤلف رحمه الله وهو المذكور في قول الله عز وجل {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ * فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ} المجادلة [3 و 4].
فمن ظاهر من امرأته وأراد أن يجامعها؛ وجب عليه قبل أن يجامعها أن يعتق رقبة، يعني يحرر مملوكا، وهذا اليوم في الغالب غير متوفر، ففي حال عدم توفره أو القدرة عليه ينتقل إلى التي بعدها: قال الله تبارك وتعالى: {فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا} فعليه صيام شهرين متتابعين أي لا يفرق بينها، قبل أن يمس امرأته، أي قبل أن يجامعها.
فإن لم يستطع الصيام انتقل إلى الإطعام، يطعم ستين مسكيناً؛ لقوله تعالى {فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً} وقدر الإطعام في هذا الباب لم يصح فيه شيء، فيطعم عن كل مسكين ما يشبعه؛ لأن هذا الباب لم يصح فيه شيء نلزم الناس به، وبعض أهل العلم قاسه على فدية ارتكاب المحظور في الحج، يطعم كل مسكين نصف صاع يعني مدين، إن فعل ذلك فهو أحوط وإلا لا نلزمه لأن الله سبحانه وتعالى لم يقيِّد هنا بشيء، إنما يطعم ستين مسكيناً من أوسط طعام أهل البلد، ما يُشبع المسكين هذا الواجب فقط.
قال المؤلف رحمه الله: (ويجوزُ للإمام أن يُعينَه من صدقاتِ المسلمينَ؛ إذا كان فقيراً لا يقدرُ على الصوم، وله أن يَصرفَ منها لنفسهِ وعِياله)
يجوز للإمام أن يُعينَ المظاهر من صدقات المسلمين إذا كان فقيراً لا يقدر على الصوم ولا على الإطعام، فإذا وجب عليه الإطعام ولا يقدر عليه وكان فقيراً فللإمام أن يعينه على ذلك كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم مع من جامع في نهار رمضان، أعانه النبي صلى الله عليه وسلم وأعطاه من أموال الصدقات (1).
وقوله: وله أن يصرف منها لنفسه وعياله، له أن يصرف مما أعطاه الإمام لنفسه وعياله.
المؤلف يستدل بحديث سلمة بن صخر في قصة الظهار (2)، هذا الحديث ضعيف أعلَّه البخاري رحمه الله بالانقطاع بين سليمان بن يسار وسلمة بن صخر فلا يعوَّل عليه.
وكذا حديث خولة وابن عباس لا يصحان.
وإذا لم يقدر على الصيام وكان فقيرا ولم يجد من يعينه تبقى الكفارة في ذمته حتى يقدر عليها، وله أن يجامع زوجته.
قال المؤلف رحمه الله: (وإذا كان الظهارُ مؤقّتاً؛ فلا يرفعه إلا انقضاءُ الوقت)
أي إذا قال الرجل لامرأته: «أنتِ علي كظهر أمي شهراً، أو أسبوعا» فقيد بوقت محدد، يقول المؤلف: لا يقرب زوجته حتى ينقضي الشهر، وظاهر كلامه أنه لا كفارة عليه، والذين قالوا بهذا، قالوا: فُرضت الكفارة لأنه يريد أن يعود فيما قال، وهذا إذا وقَّت الظهار بوقت معيَّن وتقيد بما قال؛ لم يعد فيما قال؛ فلا تلزمه كفارة، وهذا القول هو قول ابن عباس وعطاء وقتادة وسفيان وأحمد وإسحاق وهو أحد قولي الإمام الشافعي رحمه الله وهو الصواب؛ لأنه ظاهر كتاب الله تبارك وتعالى.
قال المؤلف رحمه الله: (وإذا وطئَ قبلَ انقضاء الوقت، أو قبل التكفيرِ؛ كفَّ حتى يكفِّر في المطلقِ، أو ينقضيَ وقتُ المُؤقَّت)
إذا جامع المظاهر قبل انتهاء الوقت الذي حدده، إذا كان ظهاره مؤقتاً
(1) متفق عليه، تقدم تخريجه.
(2)
أخرجه أحمد (26/ 347)، وأبو داود (2213)، والترمذي (1200)، وابن ماجه (2062).
قال الترمذي في العلل الكبير (306): فسألت محمداً عن هذا الحديث فقال: هذا حديث مرسل؛ لم يدرك سليمان بن يسار سلمة بن صخر. قال محمد: ويقال: سلمة بن صخر وسلمان بن صخر.
رجل قال لزوجته: أنتِ علي كظهر أمي لمدة شهر، وجامع زوجته قبل انتهاء الشهر؛ وجب عليه أن لا يعود إلى الجماع مرة أخرى، وأن يكف عنه إلى أن تنتهي المدة، هذا ما قاله المؤلف، وظاهر كلامه أنه لا كفارة عليه.
والصحيح تلزمه الكفارة؛ لأنه عاد فيما قال.
والقول بأنه لا تلزمه كفارة مخالف لظاهر الآية.
وقوله: حتى يكفِّر في المطلق، المطلق يعني غير مقيد بوقت، الآية وردت في منع المُظاهر من جماع امرأته إلى أن يكفِّر بعتق رقبة، أو بصيام، فقال بعد ذكر العتق والصيام:{مِن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا} .
فإذا كانت الكفارة عتق أو صيام فيلزمه إذا جامع قبل أن يكفر؛ أن يكف عن الجماع حتى يكفر، ولا شيء آخر عليه سوى التوبة للمخالفة، ولا يوجد دليل يلزمه بكفارة ثانية.
المؤلف استدل بحديث ابن عباس: «لا تقربها حتى تفعل ما أمرك الله» (1) رفعه، وهو ضعيف، أعله أبو حاتم الرازي (2) والنسائي (3) وصححا المرسل، والصواب فيه الإرسال.
أما في الإطعام فلم يذكر بعده ما ذكره بعد العتق والصيام، فلا يشترط تقديم الكفارة على الجماع فيها.
الخلاصة: أنه إذا جامع قبل انتهاء المدة -إذا كان قد حدد مدة معيَّنة- تلزمه الكفارة، وإذا لم تكن المدة محددة؛ تلزمه أيضاً الكفارة، وإذا كانت الكفارة عتق رقبة أو صيام؛ فلا يجوز له أن يجامع حتى يكفّر، وإذا حصل وجامع قبل التكفير فيكف عن الجماع حتى يكفر، وأما إذا كانت الكفارة الإطعام فيجوز أن يجامع ويطعم بعد ذلك على الصحيح. والله أعلم.
(1) أخرجه الترمذي (1199)، والنسائي (3457)، وابن ماجه (2065).
(2)
انظر «علل ابن أبي حاتم» (1294).
(3)
انظر «سنن النسائي» (3459).