الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال في «الميزان» بعد أن نقل كلام الدارقطني: قلت: «لا تعرف إلا في حديث مكث المرأة في النفاس أربعين يوماً» .
والذين قالوا بالستين، قالوا: هو أكثر ما وجد من النساء، ولعلّ هذا القول أقرب إلى الصواب. والله أعلم.
وهو قول مالك والشافعي وأحمد في رواية عنه، وفي قول عن مالك، يسأل عن ذلك النساء وأهل المعرفة.
كتابُ الصلاةِ
قال المؤلف رحمه الله: (كتاب الصلاة)
الصلاة لغة: الدعاء، قال تعالى:{وصلِّ عليهم إن صلاتك سكن لهم} أي: ادع لهم.
وقال صلى الله عليه وسلم: «إذا دعي أحدكم، فليجب إن كان مفطراً، وإن كان صائماً، فليصلِّ» أي: فليدعُ. أخرجه مسلم (1).
وأما في الشرع، فهي الأفعال المعلومة التي تبدأ بالتكبير وتنتهي بالتسليم.
والأصل في ذكر الصلاة في الكتاب والسنة أنها بالمعنى الشرعي، وذلك أصل في كل معنى تختلف فيه المعاني اللغوية عن الشرعية.
وحكمها معلوم لا يخفى على أحد، فهي واجبة، وثاني ركن من أركان الإسلام، قال صلى الله عليه وسلم:«بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، وحج البيت وصيام رمضان» وفي رواية: «وصيام رمضان والحج» . متفق عليه (2).
وقال ابن حزم: «لا خلاف من أحد من الأمة أن الصلوات الخمس فرض، ومن خالف ذلك كفر» (3).
ودليل الصلوات الخمس من السنة حديث طلحة بن عبيد الله، قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فإذا هو يسأل عن الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«خمس صلوات في اليوم والليلة» قال: هل عليّ غيرها؟ قال صلى الله عليه وسلم: «لا إلا أن تطَّوّع» متفق عليه (4).
قال ابن المنذر رحمه الله: «ولا اختلاف أن الظهر أربع ركعات، والعصر أربع ركعات، والمغرب ثلاث، والعشاء أربع، والصبح ركعتان، هذا فرض المقيم، وأما المسافر ففرضه ركعتان، إلا المغرب، فإن فرض المسافر فيه كفرض المقيم» (5).
قال المؤلف رحمه الله: (أولُ وقتِ الظُّهْرِ الزَّوالُ، وآخرُهُ مصيرُ ظلِّ الشيء مثلَهُ - سِوى فيءِ الزوالِ - وهو أولُ وَقْتِ العَصْرِ، وآخِرُهُ ما دامتِ الشَّمْسُ بيضاءَ نقيةً)
بدأ المؤلف رحمه الله ببيان مواقيت الصلاة، فالصلاة لها وقت محدد من الشارع، ودخول وقتها، وفعلها في وقتها المحدد لها شرعاً، شرط من شروط صحّة الصلاة.
(1) أخرجه مسلم (1431) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
(2)
أخرجه البخاري (8)، ومسلم (86) عن ابن عمر رضي الله عنه.
(3)
«المحلى» (2/ 4).
(4)
أخرجه البخاري (46)، ومسلم (11) عن طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه.
(5)
«الإقناع» (771) رقم (16).
قال سبحانه وتعالى: {إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً} ، أي مفروضة في أوقات معينة تؤدى فيها من غير تقديم ولا تأخير.
وصلى جبريل بالنبي صلى الله عليه وسلم في أوائل الأوقات وفي أواخرها، ثم قال للنبي صلى الله عليه وسلم:«هذا وقت الأنبياء من قَبْلِك، والوقت فيما بين هذين الوقتين» . أخرجه الترمذي (1).
وقال ابن رشد في «بداية المجتهد» (1/ 138): «اتفق المسلمون على أن للصلوات الخمس أوقاتاً خمساً، هي شرط في صحة الصلاة، وأن منها أوقات فضيلة، وأوقات توسعة، واختلفوا في حدود أوقات التوسعة، والفضيلة» .
وبدأ المؤلف ببيان وقت الظهر، لأن جبريل بدأ به.
وأول وقت الظهر الزوال، قال ابن المنذر:«أجمع أهل العلم على أن أول وقت الظهر زوال الشمس» (2). انتهى
وجاء في ذلك أحاديث كثيرة، منها: حديث ابن عمرو (3)، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وقت الظهر إذا زالت الشمس وكان ظل الرجل كطوله
…
».
و(الزوال): ميل الشمس عن كبد السماء - أي وسطها - إلى جهة الغرب.
وسمي زوالاً، لأنهم كانوا يقدّرون أن الشمس تستقر في كبد السماء ثم تزول - أي تنحط عن كبد السماء إلى جانب المغرب - وذلك لما يحصلُ من بطء حركتها هناك.
واستقرارها المظنون في كبد السماء يسمى استواءً.
وعلامة الزوال: زيادة الظل بعد تناهي نقصانه.
وذلك لأن ظل الشخص يكون في أول النهار طويلاً ممتداً، فكلّما ارتفعت الشمس نقص، فإذا انتصف النهار وقف الظل، فإذا زالت الشمس عاد الظل إلى الزيادة.
والذي يسمى في الجغرافيا (خط العرض)، هو (خط الزوال).
هذا هو أول وقت الظهر.
(1) أخرجه أحمد (5/ 202)، وأبو داود (393)، والترمذي (149) عن ابن عباس رضي الله عنه.
(2)
«الأوسط» (2/ 326)، و «الإجماع» (ص 38).
(3)
أخرجه مسلم (612).
وأما آخره، فقد بيّنته السنة، وهو كما ذكر المؤلف، (مصير ظل الشيء مثله - سوى فيء الزوال).
أولاً: فيء الزوال: هو الظل الذي يكون موجوداً عند الزوال.
وانظر «الأوسط» (2) لابن المنذر، فإنه أسهل وأوضح.
والدليل على أن آخر وقت الظهر ما ذكر المؤلف، حديث جبريل، وفيه أنه صلى لما كان فيء الرجل مثله (3).
وهو أول وقت العصر، دلّ على ذلك حديث ابن عمرو، قال صلى الله عليه وسلم:«ووقت صلاة الظهر إذا زالت الشمس عن بطن السماء ما لم تحضر العصر» (4) ، وهذا يدل على أن آخر الظهر هو أول العصر، وصلى جبريل العصر لما كان فيء الرجل مثله (5).
وقال صلى الله عليه وسلم: «أما إنه ليس في النوم تفريط، إنما التفريط على من لم يصل صلاة حتى يجيء وقت الأخرى» (6).
واختلف أهل العلم في آخر وقت العصر، لاختلاف الأدلة في ذلك، وأصحُّ الأقوال في ذلك: أن وقت العصر لا يخرج بحيث يقال فاتته العصر إلا بغروب الشمس،
(1)«عون المعبود» (3/ 300).
(2)
«الأوسط» (3/ 19).
(3)
أخرجه النسائي (526) عن جابر رضي الله عنه.
(4)
أخرجه مسلم (612) عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه.
(5)
كما في حديث ابن عباس رضي الله عنه المتقدم.
(6)
أخرجه مسلم (681) عن أبي قتادة رضي الله عنه.
لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس؛ فقد أدرك العصر» . متفق عليه (1).
ولكن لا يجوز لأحد أن يداوم على تأخيرها إلى آخر وقتها، لقوله صلى الله عليه وسلم:«ألا أخبركم بصلاة المنافقين، يدع العصر حتى إذا كان بين قرني الشيطان - أو على قرن الشيطان - قام فنقرهن كنقرات الديك لا يذكر الله فيهن إلا قليلاً» (2).
ووقت الاختيار إلى اصفرار الشمس لحديث ابن عمرو، قال صلى الله عليه وسلم:«ووقت صلاة العصر ما لم تصفر الشمس» (3).
وبعد ذلك، إلى الغروب وقت ضرورة، أي من اضطر إلى تأخيرها إلى ذلك الوقت جاز له تأخيرها، كالحائض تطهر، والمجروح يشق عليه أن يصلي قبل الاصفرار، وهكذا.
ومن أخّرها عمداً، فقال بعضهم: يأثم.
وقال البعض الآخر: لا يأثم، ولكنه فعلٌ مكروهٌ، وهذا الظاهر، لقوله صلى الله عليه وسلم:«إنما التفريط على من لم يصل صلاة حتى يجيء وقت الأخرى» (4).
قال المؤلف رحمه الله: (وأولُ وَقْتِ المغْرِبِ غُرُوبُ الشمسِ، وآخرهُ ذهابُ الشَّفَقِ الأحْمَرِ)
يبدأ وقت المغرب بمغيب الشمس، أي باختفاء قرص الشمس، وهذا محل إجماع (5)، والأحاديث تدلّ عليه.
وأما آخره فدليله حديث عبد الله بن عمرو، قال صلى الله عليه وسلم:«ووقت صلاة المغرب إذا غابت الشمس ما لم يسقط الشفق» (6).
(1) أخرجه البخاري (579)، ومسلم (608) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
(2)
أخرجه مسلم (622) عن أنس رضي الله عنه.
(3)
أخرجه مسلم (612) عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه.
(4)
سبق تخريجه.
(5)
انظر «الإجماع» (ص 38) لابن المنذر.
(6)
أخرجه مسلم (612).
والصحيح من أقوال أهل العلم أن الشفق هو الحمرة وليس البياض، صحّ عن ابن عمر أنه قال: الشفق الحمرة، وهو أعلم بذلك (1).
قال المؤلف رحمه الله: (وهو أولُ العشاءِ وآخرهُ نصفُ الليلِ)
أي آخر وقت المغرب الذي يكون بذهاب الشفق الأحمر، هو أول وقت العشاء لحديث بريدة، أن النبي صلى الله عليه وسلم علَّم رجلاً أوقات الصلاة بفعله، «فأمر بالعشاء حين وقع الشفق» ، وهو في الصحيح (2)، فبانتهاء المغرب يبدأ العشاء.
وأما آخره، فورد في ذلك حديث عبد الله بن عمرو:«ووقت صلاة العشاء إلى نصف الليل» (3).
ونصف الليل يحسب من غروب الشمس إلى الفجر الصادق، ثم منتصف هذا الوقت هو نصف الليل، وهذا وقت الاختيار.
وأما وقت الضرورة، فإلى طلوع الفجر الصادق، ودليل هذا الوقت حديث أبي قتادة المتقدم وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم:«إنما التفريط على من لم يصل صلاة حتى يجيء وقت الأخرى» ، ولا يستثنى من هذا إلا الفجر بالإجماع.
وقد صحّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أخّر العشاء إلى شطر الليل، فإذا خرج نصف الليل فيكون صلى بهم بعده (4).
ثم قال المؤلف رحمه الله: (وأولُ وَقْتِ الفَجْرِ إذا أنشقّ الفَجْرُ وآخِرهُ طُلُوعُ الشَّمْسِ)
أجمع أهل العلم على أن أول وقت صلاة الصبح طلوع الفجر، كذا قال ابن المنذر (5)، والأحاديث في «الصحيحين» تدلّ على ذلك.
وقال: وأجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن من صلى الصبح بعد طلوع الفجر قبل طلوع الشمس، فقد صلاها في وقتها (6).
(1)«مصنف عبد الرزاق» (2122)، و «مصنف ابن أبي شيبة» (3362)، «سنن الدارقطني» (1057).
(2)
أخرجه مسلم (613) عن بريدة رضي الله عنه.
(3)
وقد سبق تخريجه.
(4)
أخرجه البخاري (572)، ومسلم (640) عن أنس رضي الله عنه.
(5)
«الأوسط» (2/ 347)، «الإجماع» (ص 38).
(6)
«الأوسط» (2/ 347)، «الإجماع» (ص 38).
وقال صلى الله عليه وسلم: «من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح» . متفق عليه (1).
وفي حديث عبد الله بن عمرو: «ووقت صلاة الصبح من طلوع الفجر ما لم تطلع الشمس» (2).
والفجر فجران، فجر كاذب وفجر صادق، والفجر الذي ينتهي به وقت العشاء الضروري ، ويبدأ به وقت صلاة الصبح هو الفجر الصادق.
وبين الفجر الصادق والفجر الكاذب ثلاثة فروق، ذكرها العلماء، هي:
1.
الفجر الكاذب ممتد من الشرق إلى الغرب، وأما الصادق فمعترض من الشمال إلى الجنوب.
2.
الفجر الكاذب تتبعه ظلمة فيضيء مدة قصيرة ثم يظلم، والفجر الصادق يضيء ويزداد نورا.
3.
الفجر الكاذب بينه وبين الأفق ظلمة، والصادق متصل بالأفق ليس بينه وبين الأفق ظلمة.
والفجر الكاذب لا يترتب عليه أحكام شرعية، فالأحكام الشرعية تترتب على الفجر الصادق.
قال رحمه الله: (ومن نامَ عن صلاتِهِ أو سَهَا عنها فوقْتُهَا حينَ يَذْكُرُهَا)
فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها متى ذكرها» متفق عليه (3).
وقال: (ومن كان معذوراً وأدركَ من الصلاةِ ركعةً فقد أدركها)
لقوله صلى الله عليه وسلم: «من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح، ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر» . متفق عليه (4)
(1) أخرجه البخاري (556)، ومسلم (607) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
(2)
سبق تخريجه.
(3)
أخرجه البخاري (537)، ومسلم (684) عن أنس رضي الله عنه.
(4)
سبق تخريجه.
فمن أدرك ركعة من الصلاة في الوقت فقد أدركها بدلالة هذا الحديث.
وقال رحمه الله: (والتوقيتُ واجبٌ)
وقد بيّنا ذلك في بداية كتاب الصلاة، فأداء الصلاة يجب أن يكون في وقتها الذي وقّته الله سبحانه لها.
قال: (والجمعُ لِعُذْرٍ جائزٌ)
الجمع بين الصلاتين هو أن تصلي الصلاتين في وقت واحدة منهما، كأن تصلي الظهر والعصر في وقت الظهر، وهذا يسمى جمع تقديم، أو تصلي الظهر والعصر في وقت العصر فيسمى جمع تأخير.
ولا يكون الجمع إلا بين الظهر والعصر أو بين المغرب والعشاء، وهذا الجمع الذي ذكرناه هو الجمع الحقيقي.
وهناك جمع عند بعض أهل العلم اسمه الجمع الصوري، أي صورته صورة جمع، ولكن حقيقته ليس بجمع، وذلك بأن تأخر الظهر إلى آخر وقتها وتقدم العصر إلى أول وقتها، وكذلك تفعل في المغرب والعشاء.
وحقيقة هذا ليس جمعاً ولا يصح أن تحمل عليه أحاديث الجمع.
والجمع يجوز لعذر السفر والمرض والمطر، وما كان مثلها من الأعذار، لأحاديث وردت تدل على جواز الجمع.
منها، حديث ابن عباس في الصحيح، ولفظه:«صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر والعصر جميعاً بالمدينة في غير خوف ولا سفر» ، قال ابن عباس:«أراد ألا يحرج أحداً من أمته» (1).
وفي رواية عند مسلم: «جمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالمدينة في غير خوف ولا مطر» .
(1) أخرجه البخاري (543)، ومسلم (705) عن ابن عباس رضي الله عنه واللفظ لمسلم.
وفي رواية عنده: «قال عبد الله بن شقيق: خطبنا ابن عباس يوماً بعد العصر حتى غربت الشمس وبدت النجوم، وجعل الناس يقولون: الصلاة الصلاة، قال: فجاءه رجل من بني تميم لا يفتر ولا ينثني: الصلاة الصلاة، فقال ابن عباس: أتعلمني بالسنة لا أم لك؟ ثم قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء» قال عبد الله بن شقيق: فحاك في صدري من ذلك شيء، فأتيت أبا هريرة فسألته فصدق مقالته» (1).
ثم قال رحمه الله: (والمُتَيَمِّمُ وناقِصُ الصَّلاةِ أو الطَّهارَةِ يُصَلّونَ كغيرِهِم من غيرِ تأخيرٍ)
ناقص الصلاة كالذي به مرض يمنعه من القيام مثلاً.
وناقص الطهارة كالذي لا يتمكن من غسل يده مثلاً أو رجله أو لا يتمكن من المسح على رأسه، أو كالمتيمم.
فهؤلاء يصلون الصلاة في وقتها كبقية المصلين، لأنه لم يرد ما يدل على تخصيصهم بأوقات أخرى، ومن أوجب عليهم تأخير الصلاة عن أول وقتها لم يأت بدليل صحيح في ذلك.
ثم قال: (وأوقاتُ الكراهةِ - في غيرِ مكةَ - بعد الفجرِ حتى ترتفعَ الشمسُ، وعند الزوالِ - في غير يوم الجمعة - وبعد العصر حتى تَغْرُبَ)
ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في «الصحيحين» وغيرهما أنه نهى عن الصلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس، وبعد العصر حتى تغرب الشمس، وعند الزوال (2).
وجاء في حديث عقبة بن عامر ما يبين أن المراد من ذلك وقت طلوع الشمس ووقت غروبها لا جميع الوقت بعد الفجر وبعد العصر.
قال عقبة بن عامر: «ثلاث ساعات كان ينهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نصلي فيهن، أو نقبر فيهن موتانا، حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع قدر رمح، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل الشمس، وحين تضيّف الشمس حتى تغرب» (3).
(1) أخرجه مسلم (705).
(2)
أخرجه البخاري (584)، ومسلم (826) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
(3)
أخرجه مسلم (831) عن عقبة بن عامر رضي الله عنه.
قوله (حتى ترتفع)، أي قدر رمح كما جاء في بعض الروايات، يعني قدر متر في رأي العين، وهي قدر عشر دقائق.
وقوله (قائم الظهيرة)، أي حال استواء الشمس، أي حين لا يبقى للقائم في الظهيرة ظل في المشرق والمغرب.
وقوله (حين تضيّف)، أي حين تميل.
وقوله (حتى تغرب)، قال ابن عثيمين:«يجعل قدر رمح كالشروق» .
والذي يدل على ما ذكرنا أنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيح أنه صلى بعد العصر (1)، فيكون النهي خاصاً بالأوقات التي ذكرها عقبة.
وقد كان عمر رضي الله عنه يضرب على الصلاة بعد العصر، كي لا تؤدي إلى الصلاة في وقت النهي، وبيّن عمر نفسه سبب ضربه عليها، وثبت عن جمع من الصحابة أنهم كانوا يصلون بعد العصر.
وأما استثناء مكة، فلما ورد في السنن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«يا بني عبد مناف من ولي منكم من أمر الناس شيئاً فلا يمنعنّ أحداً طاف بهذا البيت وصلى أية ساعة شاء من ليل أو نهار» (2).
وأما الجمعة، فقد استدلوا بحديث سلمان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«لا يغتسل رجل يوم الجمعة ويتطهّر ما استطاع من طهر ويدّهن من دهنه أو يمس من طيب بيته ثم يخرج فلا يفرّق بين اثنين ثم يصلي ما كتب له ثم ينصت إذا تكلم الإمام إلا غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى» (3).
واستدلّوا بأحاديث أخرى،
(1) أخرجه البخاري (233)، ومسلم (834).
(2)
أخرجه أبو داود (1894)، والترمذي (868)، والنسائي (585)، وابن ماجه (125) من حديث جبير بن مطعم رضي الله عنه.
(3)
أخرجه البخاري (883) عن سلمان رضي الله عنه.
منها، حديث أبي هريرة:«كان رسول الله ينهى عن الصلاة نصف النهار إلا يوم الجمعة» . وهو حديث ضعيف (1).
وعن أبي قتادة: «كره النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة نصف النهار إلا يوم الجمعة، وقال إن جهنم تسجّر إلا يوم الجمعة» وهو ضعيف أيضاً (2).
قال البيهقي رحمه الله: «واعتمادي في المسألة على حديث أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «من اغتسل يوم الجمعة فصلى ما قدّر له ثم أنصت حتى يفرغ الإمام
…
إلخ» (3)، وحديث أبي سعيد وأبي هريرة، «من اغتسل يوم الجمعة، واستاك ولبس أحسن ثيابه وتطيّب بطيب إن وجده ثم جاء ولم يتخط الناس فصلى ما شاء الله أن يصلي فإذا خرج الإمام سكت فذلك كفارة إلى يوم الجمعة الأخرى» (4) رواته كلهم ثقات.
قال: ووجه الاستدلال أن النبي صلى الله عليه وسلم استحب التبكير وندب إلى الصلاة إلى أن يخرج الإمام، فدل ذلك على جواز فعل الصلاة نصف النهار إذ لو كان ممنوعاً منه لما مدّه إلى خروج الإمام.
وقال الصنعاني بعدما ذكر حديث أبي قتادة المتقدم: «ضعّفه أبو داود إلا انه أيّده فعل أصحاب رسول الله، فإنهم كانوا يصلون النهار يوم الجمعة
…
» (5).
ثم ذكر ما استدل به البيهقي.
وأفضل وقت تؤدّى فيه الصلاة هو أول وقتها كما صحّ عن النبي صلى الله عليه وسلم، إلا الظهر في شدة الحر، لقوله صلى الله عليه وسلم:«أبردوا بالظهر، فإن شدّة الحرِّ من فيح جهنم» (6)، والعشاء إلى ثلث
(1)«مسند الشافعي» (408)، «المعجم الأوسط» (8950) ولم يذكر يوم الجمعة.
فيه إبراهيم بن يحيى الأسلمي متروك، وفي طريق أخرى الواقدي متروك أيضاً، وفي طريق أخرى راوٍ مجهول.
(2)
أخرجه أبو داود (1083)، والطبراني في «المعجم الأوسط» (7725)، والبيهقي في «السنن الصغرى» (932) و «الكبرى» (4121).
قال أبو داود: هو مرسل، أبو الخليل لم يسمع من أبي قتادة.
قلت: وليث بن أبي سليم ضعيف.
(3)
أخرجه مسلم (857).
(4)
أخرجه أحمد (18/ 292)، وأبو داود (343) وغيرهما.
(5)
«سبل السلام» (1/ 169) للصنعاني.
(6)
أخرجه البخاري (538) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.