الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اختلف أهل العلم في معنى (لا ضرر)، و (لا ضرار) فقال بعض أهل العلم: المعنى واحد، لا ضرر ولا ضرار بنفس المعنى، الجملة الثانية مؤكدة للجملة الأولى، ومعناهما نفي الضرر في الشرع بغير حق.
وقال آخرون: بينهما فرق، فقالوا: الضرر: أن يُدخِل على غيره ضرراً بما ينتفع هو به، والضرار: أن يُدخل على غيره ضرراً بلا منفعة له به.
وقيل: الضرر: أن يضر بمن لا يضره، والضرار: أن يضر بمن قد أضر به على وجهٍ غير جائز، كأن يتجاوز الحد في الإضرار به.
وعلى كل حال فالنبي صلى الله عليه وسلم إنما نفى الضرر والضرار بغير حقٍّ، فإيقاع الضرر بالآخرين بغير حق محرَّم.
وأما إدخال الضرر على أحدٍ بحقٍ؛ كمن تعدى حدود الله تعالى، فيعاقب على قدر جريمته، أو كونه ظلم غيره، فيطلب المظلوم حقه بالعدل؛ فهذا غير مرادٍ قطعاً؛ كقطع يد السارق، هذا ضرر ولكنه بحق، هذا غير داخل في الحديث بالاتفاق، والأدلة كثيرة على جواز مثل هذا الضرر.
وممن يدخل في هذا الحديث الشركاء، فلا يجوز إيقاع الضرر على الشريك بالتفصيل المتقدم.
ومن أوقع الضرر على شريكه؛ جاز للإمام أن يعاقبه على ذلك، بالطريقة التي يرد بها الحق للمظلوم، وترفع الظلم عنه، وتردع الظالم.
كمن له شجرة في أرض شخص آخر، وصاحب الأرض يتأذى من دخول صاحب الشجرة إلى أرضه، فيلزم صاحب الشجرة ببيعها أو بنقلها، فإن رفض قلعت شجرته لرفع الضرر عن صاحب الأرض، وكذلك لو كان له بدل الشجرة داراً.
وكمن منع جاره غرز خشبة في جداره ولا ضرر عليه من ذلك.
بابُ الرَّهْنِ
الرَّهنُ في اللغة: الثبوت والدوام، يقال: ماء راهن؛ أي راكد، فهو ثابت.
ومن معانيه: الحبس؛ كما في قول الله تبارك وتعالى: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} [المدّثر/38]، أي محبوسة في الموقف حتى تُسأل عن أعمالها في الدنيا.
وأما في الشرع: فهو المال الذي يُجعل وثيقةً بالدَّيْن؛ ليُسْتَوفَى من ثمنه إن تعذر استيفاؤُه ممن هو عليه.
أي حتى يكون ضماناً مالياً للدَّيْن، فإذا لم يستطع صاحب المال استرجاع ماله ممن أقرضه؛ أخذ حقه من الرهينة التي عنده، فيباع الرهن ويأخذ حقه منه، وإذا زاد شيئاً رده لصاحبه.
هذا عند حلول أجل الدين المتفق عليه بينهما، وأما قبل وقت سداد الدين المتفق عليه؛ فتكون الرهينة أمانة في يده لا يحق له التصرف فيها.
كأن يأتي شخص مثلاً يريد من زيد قرضاً مائة ألف دينار، وزيد يخشى إن أعطى الرجل مائة ألف أن لا يرد له ماله، فيقول له: ارهن لي شيئاً عندي، فيرهن له مثلاً بيتاً أو سيارة أو ما شابه.
هذا يسمى رهناً، فيأخذ البيت أو السيارة ويتفقان على مدة معيَّنة، إذا جاء ذاك الوقت رد المال الذي اقترضه ويأخذ ما رهنه عند المرتهن، فإذا لم يحضر المال في الوقت المتفق عليه؛ جاز لزيد أن يرفع الأمر إلى القاضي كي يبيع القاضي البيت أو السيارة ويأخذ زيد حقه منه، وما زاد يرده إلى صاحب البيت أو السيارة.
قال المؤلف: (يَجوزُ رهنُ ما يَملِكُهُ الرَّاهِنُ في دَيْنٍ عَليهِ)
يجوز للذي يريد أخذ دَيْنٍ أن يَرهنَ أيَّ شيءٍ من ماله الذي يملكه، ويقال له:(راهن).
والرهن جائز بالإجماع بالجملة (1)، والنبي صلى الله عليه وسلم مات ودرعه مرهونة عند يهودي بشعير أخذه من اليهودي، كما قالت عائشة رضي الله عنها (2).
(1) مراتب الإجماع لابن حزم (ص 60).
(2)
أخرجه البخاري (2916)، ومسلم (1603).
وهذا دليلٌ على صحة الرهن في الحضر يعني في غير سفر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم رهن درعه ولم يكن مسافراً.
وأما الرهن في السفر؛ فجاء فيه قول الله تبارك وتعالى: {وَإِن كُنتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِباً فَرِهَانٌ مَّقْبُوضَةٌ} [البقرة: 283] فخصه بعض أهل العلم بالسفر.
قال النووي رحمه الله: وفيه جواز الرهن، وجواز رهن آلة الحرب عند أهل الذمة، وجواز الرهن في الحضر، وبه قال الشافعي ومالك وأبو حنيفة وأحمد والعلماء كافة؛ إلا مجاهدًا وداود، فقالا: لا يجوز الرهن إلا في السفر؛ تعلقًا بقوله تعالى {وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبًا فرهان مقبوضة} [البقرة: 283] واحتج الجمهور بهذا الحديث، وهو مقدم على دليل خطاب الآية. انتهى. والله أعلم
قال المؤلف: (والظَّهرُ يُركَبُ، واللَّبنُ يُشرَبُ؛ بنفقةِ المَرهُون، ولا يَغْلَقُ الرَّهنُ بما فيه)
قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي أخرجه البخاري: «الرَّهْنُ يُركب بنفقتهِ إذا كان مَرهُوناً، ولبنُ الدَّرِّ يُشرب بنفقته إذا كان مرهوناً، وعلى الذي يَركب ويَشربُ النفقة» (1).
أي المُرتَهِن-المُرتهِن هو الذي أخذ الرهن- له أن يركب ظهر الدابة المرهونة عنده من فرسٍ أو حمار أو ناقة أو غير ذلك، وله أن يحلب البقرة والشاة وينتفع بلبنها.
هذا مقابل إنفاقه عليها.
فإذا لم تكن في الرهن نفقة؛ فلا يحل له استعمالها، كالسيارة مثلاً، لا تحتاج نفقة؛ فلا يحل له استعملها.
وقد اختلف أهل العلم في جواز انتفاع آخذ الرهن بالرهن بحلبه وركوبه، من غير إذن مالك الرهن، ظاهر الحديث يدل على الجواز، أخذ به أحمد في رواية عنه وإسحاق وغيرهما، وخالفهم الجمهور.
قال أهل العلم: وفيه حجة لمن قال: يجوز للمرتهن الانتفاع بالرهن إذا قام بمصلحته ولو لم يأذن له المالك.
وهو قول أحمد وإسحاق وطائفة، قالوا: ينتفع المرتهن من الرهن بالركوب والحلب بقدر النفقة، ولا ينتفع بغيرهما لمفهوم الحديث.
(1) أخرجه البخاري (2512).