المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ فصل صلاة الجنازة - فضل رب البرية في شرح الدرر البهية

[علي الرملي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة الشارح

- ‌تعريف الفقه

- ‌‌‌الفقه لغةً‌‌واصطلاحاً:

- ‌الفقه لغةً

- ‌واصطلاحاً:

- ‌فالفقه في الشرع:

- ‌وأما الفقه عند الأصوليين:

- ‌وأما الفقه عند الفقهاء

- ‌ترجمة الشوكاني

- ‌«الدُّرَرُ البَهيَّة» للشوكاني

- ‌كتاب الطهارة

- ‌ باب حكم المياه

- ‌(الماءُ طاهرٌ مُطَهِّرٌ)

- ‌(فصل باب النجاسات)

- ‌(بابُ قضاءِ الحاجةِ)

- ‌(بابُ الوضوءِ)

- ‌(فصل: ويستحبُّ التثليثُ)

- ‌(فصلٌ: وينتقضُ الوضوءُ بما خرجَ من الفَرْجَيْنِ من عَيْنٍ أو ريحٍ)

- ‌(بابُ الغُسْلِ)

- ‌(فصلٌ: والغُسْل الواجب هو: أن يُفيضَ الماءَ على جميع بَدَنِهِ، أو يَنْغَمِس فيه مع المضمضةِ والاستنشاقِ)

- ‌(فصلٌ: ويُشْرَعُ لصَلاةِ الجُمُعة)

- ‌(باب التَّيَمُّمِ)

- ‌(بابُ الحَيْضِ)

- ‌(فصل: والنِّفاسُ أكثرُهُ أربعونَ يوماً، ولا حدَّ لأقلّه وهو كالحيضِ)

- ‌كتابُ الصلاةِ

- ‌(باب الأذان)

- ‌(بابُ شروطِ الصلاةِ)

- ‌(بابُ كيفيةِ الصلاةِ، لا تكونُ شرعيةً إلا بالنيَّةِ)

- ‌(باب متى تبطل الصلاة؟ وعمّن تسقط

- ‌(فصل: وتبطل الصلاة بالكلام)

- ‌(فصل: ولا تجبُ على غَيْرِ مُكَلَّفٍ)

- ‌(بابُ صلاة التَّطَوُّعِ)

- ‌(باب صلاة الجماعة)

- ‌(باب سجودِ السهوِ، وهو سجدتانِ قبل التسليمِ أو بعدهُ، وبإحرامٍ، وتشهدٍ، وتحليلٍ)

- ‌(بابُ القضاءِ للفوائتِ)

- ‌(بابُ صلاةِ الجمعةِ، تَجِبُ على كُلِّ مُكَلَّفٍ إلا المرأةَ والعبدَ والمسافرَ والمريضَ)

- ‌(بابُ صلاةِ العيدينِ)

- ‌(بابُ صلاةِ الخوفِ)

- ‌(باب صلاةِ السَّفَرِ، يَجِبُ القَصْرُ)

- ‌(باب صلاة الكسوفين)

- ‌(باب صلاة الاستسقاء)

- ‌كتاب الجنائز

- ‌(فصلٌ: غسل الميت)

- ‌(فصلٌ: تكفينُ الميت)

- ‌ فصل صلاة الجنازة

- ‌(فصل: ويكون المشي بالجِنازةِ سريعاً)

- ‌(فصلٌ: دَفْنُ الميت، ويجبُ دفن الميتِ في حفرة تَمْنَعُهُ السِّباعَ)

- ‌كتاب الزكاة

- ‌(باب زكاةِ الحيوانِ)

- ‌(فصل: إذا بلغت الإبلُ خمساً، ففيها شاةٌ، ثم في كلِّ خمسٍ شاةٌ، فإذا بلغت خمساً وعشرين، ففيها ابنة مَخاضٍ، أو ابن لبونٍ، وفي ستٍّ وثلاثين ابنة لبون، وفي ستٍّ وأربعين حِقّة، وفي إحدى وستين جَذَعة، وفي ستٍّ وسبعين بنتا لبون، وفي إحدى وتسعين حِقّتان إلى

- ‌أولاً: الزكاة واجبة في هذه الحيوانات بثلاثة شروط

- ‌ثانياً: كم المقدار الذي يجب أن يخرج إذا بلغت الإبل النصاب

- ‌(فصلٌ: ولا شيء فيما دُونَ الفريضةِ، ولا في الأوْقاصِ)

- ‌(باب زكاة الذهب والفضة)

- ‌(باب زكاة النبات)

- ‌(باب مصارف الزكاة)

- ‌(باب صدقة الفطر)

- ‌كتاب الخُمُس

- ‌كتاب الصيام

- ‌(باب صوم التطوع)

- ‌(باب الاعتكاف)

- ‌كتاب الحج

- ‌شروط الحج:

- ‌(فصل: ولا يَلْبَسُ المُحْرِمُ القميصَ، ولا العمامة، ولا البُرْنُسَ، ولا السراويل، ولا ثوباً مَسّه وَرْس، ولا زعفران، ولا الخُفَّين إلا أنْ لا يجد نعلين، فليقطعهما حتى يكونا أسفل من الكعبين)

- ‌(فصلٌ: وعند قدوم الحاجّ مكة، يطوف للقدوم سبعة أشواط، يَرمُلُ في الثلاثة الأولى، ويمشي فيما بقي، ويُقَبِّل الحجر الأسود أو يستلمه بِمِحْجَنٍ ويُقَبِّل المحجن ونحوه، ويستلم الركن اليماني)

- ‌(فصل: ويسْعى بين الصفا والمروة سبعة أشواط داعياً بالمأثور)

- ‌(فصل: ثم يأتي عرفة صُبح يوم عرفة مُلبياً مُكبراً ويَجمع العصرين فيها، ويخطُب، ثم يُفيض من عرفة بعد الغروب)

- ‌(باب العمرة المفردة)

- ‌كِتابُ النِّكاحِ

- ‌حكم النكاح:

- ‌مسألة:

- ‌بابُ المُحرَّماتِ في النِّكاحِ

- ‌(بابُ العُيُوبِ وَأَنْكِحَةِ الكُفَّارِ)

- ‌بابُ المَهرِ والعِشرَةِ

- ‌كتابُ الطَّلاقِ

- ‌باب الخلع

- ‌باب الإيلاء

- ‌باب الظهار

- ‌بابُ اللِّعَانِ

- ‌بابُ العِدَّةِ والإحدِادِ

- ‌باب استِبْرَاءِ الإِمَاءِ

- ‌بابُ النَّفقةِ

- ‌بابُ الرَّضَاعِ

- ‌بابُ الحَضَانَةِ

- ‌كتابُ البيوعِ

- ‌ باب الربا

- ‌(باب الخِيارَات)

- ‌باب السَّلَم

- ‌باب القَرْض

- ‌باب الشُّفْعة

- ‌باب الإِجارة

- ‌بابُ الإحيَاءِ والإِقْطَاعِ

- ‌بابُ الشَّرِكة

- ‌بابُ الرَّهْنِ

- ‌بابُ الوَدِيْعَةِ والعَارِيَّة

- ‌بابُ الغَصْبِ

- ‌بابُ العِتْقِ

- ‌بابُ الوقْفِ

- ‌بابُ الهَدَايا

- ‌بابُ الهِبات

- ‌كتاب الأَيمَان

- ‌كتابُ النَّذرِ

- ‌كتاب الأطعِمَة

- ‌بابُ الصَّيدِ

- ‌بابُ الذَّبحِ

- ‌بابُ الضِّيافَةِ

- ‌بابُ آدابِ الأكلِ

- ‌كتابُ الأشرِبةِ

- ‌كتابُ اللِّباسِ

- ‌كتابُ الأُضحِيةِ

- ‌بابُ الوَلِيمةِ

- ‌فصلٌ

- ‌كتابُ الطِّبِّ

- ‌كتابُ الوَكالةِ

- ‌كتابُ الضَّمَانَةِ

- ‌كِتابُ الصُّلحِ

- ‌كتابُ الحَوَالةِ

- ‌كتابُ المُفلسِ

- ‌كتابُ اللُّقطةِ

- ‌كتابُ القَضاءِ

- ‌كِتابُ الخُصُومُةِ

- ‌كِتابُ الحُدُودِ

- ‌بَابُ حَدِّ الزَّانِي

- ‌بابُ حَدِّ السَّرقةِ

- ‌بابُ حَدِّ القَذفِ

- ‌بَابُ حَدِّ الشُّرْبِ

- ‌فَصلٌ

- ‌بَابُ حَدِّ المُحَاربِ

- ‌بابُ مَنْ يَستحقُّ القَتلَ حَدّاً

- ‌كِتابُ القِصاصِ

- ‌كتابُ الدِّياتِ

- ‌بَابُ القَسَامَةِ

- ‌كتابُ الوَصِيَّةِ

- ‌كِتابُ المَوَاريثِ

- ‌كتابُ الجِهادِ والسِّيَرِ

- ‌فَصلٌ

- ‌فصلٌ

- ‌فَصلٌ

- ‌فَصلٌ

الفصل: ‌ فصل صلاة الجنازة

وفي هذا إشارة إلى أنهم كانوا يستعملون الطيب للميت.

فمن هنا أخذ المؤلف الكلام الذي ذكر.

وقد ورد فيه حديث آخر، ولكنه ضعيف، وهو قوله:«إذا جمرتم الميت فأجمروه ثلاثاً» (1).

ويُستحب وضع الإذخر في القبر، لقول العباس لما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن قطع ما ينبت في مكة من الأعشاب والأشجار، قال العباس: إلا الإذخر يا رسول الله فإنّا نجعلها في بيوتنا وقبورنا، فقال صلى الله عليه وسلم:«إلا الإذخر إلا الإذخر» (2).

والإذخر: حشيشة طيبة الرائحة.

قال المؤلف رحمه الله:‌

‌ فصل صلاة الجنازة

.

قال: (وتجِبُ الصلاةُ على الميِّتِ)

وجوباً كفائياً، فقد أمر بها صلى الله عليه وسلم في غير ما حديث، قال لأصحابه:«صلّوا على صاحبكم» (3)، وثبت في «الصحيح» أن الصحابة صلّوا على المرأة التي كانت تقم المسجد، ولم يُعلموا النبي صلى الله عليه وسلم (4). فدلّ ذلك على أن هذا الواجب كفائي إذا قام به البعض سقط عن الباقين ولا يجب على جميع من سمع به أن يصلي عليه.

قال المؤلف: (ويقومُ الإمامُ حِذاءَ رأسِ الرَّجلِ ووَسَطِ المرأةِ)

أي أن الإمام عندما يريد أن يصلي على الميت، فإن كان الميت رجلاً، فيقوم الإمام عند رأسه، وإن كانت امرأة فيقوم عند وسطها، لحديث أنس أنه صلى على جنازة رجل فقام عند رأسه، فلمّا رُفعت أُتي بجِنازة امرأة فقام عند وسطها، فلمّا سألوه عن فعله هذا، وقالوا

(1) أخرجه أحمد (2/ 411)، والحاكم في «المستدرك» (1/ 506)، وابن حبان في «صحيحه» (3 - 20) وغيرهم عن جابر رضي الله عنه.

وأخرجه البيهقي (3/ 568)، وروي عن عباس بن محمد، قال: سمعت يحيى بن معين، وذاكرته يعني هذا الحديث، فقال يحيى: لم يرفعه إلا يحيى بن آدم، قال يحيى: ولا أظن هذا الحديث إلا غلطاً.

(2)

أخرجه البخاري (112)، ومسلم (1353).

(3)

أخرجه البخاري (2289)، ومسلم (1619).

(4)

أخرجه البخاري (458)، ومسلم (956).

ص: 143

له أهكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم من الرجل حيث قمت، ومن المرأة حيث قمت؟ قال: نعم (1).

وفي حديث سمرة بن جندب، أن امرأة ماتت في بطن، فصلى عليها النبي صلى الله عليه وسلم فقام وسطها (2).

فدلّ ذلك على أن هذا الفعل سنة عن النبي صلى الله عليه وسلم.

قال المؤلف رحمه الله: (ويُكَبِّرُ أربعاً أو خمساً)

الصحيح الثابت عنه صلى الله عليه وسلم هو ما ذكره المؤلف فقط لا زيادة وهو التكبير أربعاً أو خمساً.

أما الأربع فأحاديثها في «الصحيحين» (3).

وأما الخمس فورد فيه حديث عن زيد بن أرقم في «صحيح مسلم» أنه كان يُكبر على الجنائز أربعاً، قال: ثم إنه كبر على جنازة خمساً، فسُئل عن ذلك فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُكبرها (4).

فعمل زيد بن أرقم من تكبيره خمساً، يدل على أن هذا الحكم غير منسوخ وإنما هو سنة ثابتة، لأن زيد بن أرقم علم الأربع وعلم الخمس، فدلّ ذلك على أنه من اختلاف التنوع الذي يفعل تارةً على صورةٍ، وتارةً على صورةٍ ثانيةٍ.

أما الست والسبع فلم يرد فيها حديث مرفوع، بل وردت بعض الموقوفات عن بعض الصحابة منها ما هو صحيح ومنها ما ليس بصحيح، والحجة فيما فعله صلى الله عليه وسلم لا فيما فعله غيره.

وأما الثمان فلا أعرف شيئاً يثبت فيها.

وأما التسع فورد فيها حديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على حمزة بتسع تكبيرات (5).

(1) أخرجه أحمد (20/ 380)، وأبو داود (2194)، والترمذي (1034)، وابن ماجه (1494) وغيرهم.

(2)

أخرجه البخاري (332)، ومسلم (964).

(3)

ومنها حديث أبي هريرة رضي الله عنه الذي أخرجه البخاري (1333)، ومسلم (951)، انه كبّر على النجاشي أربعاً.

(4)

أخرجه مسلم (957).

(5)

أخرجه الطحاوي في «معاني الآثار» (2887)، من رواية يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه يعني عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنه.

وأخرجه ابن شاهين في كتابه: من حديث ابن إسحاق، عن يحيى بن عباد، عن أبيه، أن الزبير رضي الله عنه قال:"صلى النبي صلى الله عليه وسلم على حمزة فكبر سبعًا"، وقال البغوي: حفظي أنه قال: عن عبد الله بن الزبير. كذا في نخب الأفكار لبدر الدين العيني.

وله شاهد من حديث ابن عباس ضعيف، انظر تحقيق القول في الأحاديث التي أثبتت الصلاة على حمزة في البدر المنير (5/ 243) لابن الملقن.

ص: 144

لكن أحاديث الصلاة على حمزة قد استنكرها غير واحد من العلماء، ذكروا أنها منكرة مخالفة لما هو أصح منها، فلا يصح في التكبيرات إلا الأربع والخمس فقط.

قال المؤلف رحمه الله: (ويقرأُ بعد التكبيرةِ الأولى الفاتحة وسورة)

أما قوله (الفاتحة) فنعم، فقد ورد فيها حديث عن ابن عباس أنه صلى على جِنازة فقرأ بفاتحة الكتاب وقال بعدما قرأها: ليعلموا أنها سنة (1)، أي سنة عن النبي صلى الله عليه وسلم، فيكبر المرء التكبيرة الأولى ويقرأ بعدها فاتحة الكتاب.

وأما قوله (وسورة)، فلا يصحُّ فيها شيءٌ، جاء ذكرها في حديث ابن عباس السابق في «صحيح البخاري» الذي فيه ذكر قراءة الفاتحة، جاءت رواية خارج «صحيح البخاري» قال فيها:«إنه قرأ فيها بفاتحة الكتاب وسورة وجهر» ، قال البيهقي رحمه الله: ذكر السورة غير محفوظ - أي هي زيادة شاذة - أي أنها شاذة - والصواب خلافها.

وكذلك قوله في نفس هذا الحديث: «وجهر» أي جهر بفاتحة الكتاب ، وهي أيضا زيادة غير محفوظة.

والمحفوظ هو الذي في «الصحيح» : «أن ابن عباس قرأ بفاتحة الكتاب وقال: ليعلموا أنها سنة» .

قال رحمه الله: (ويدعو بين التكبيرات بالأدعية المأثورة)

انتقل المؤلف رحمه الله من التكبيرة الأولى مع الفاتحة إلى التكبيرات الثلاث مع ذكر الدعاء، إشارة منه إلى أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم لا تثبت في هذا الموضع، ولذلك لم يذكرها أصلاً، وهذا محل خلاف بين أهل العلم.

(1) أخرجه البخاري (1335).

ص: 145

والصحيح إن شاء الله أنها ثابتة لحديث أبي أمامة: «أن السنة في الصلاة على الجنازة أن يُكبر الإمام، ثم يقرأ بفاتحة الكتاب بعد التكبيرة الأولى سراً في نفسه، ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ، ويُخلص الدعاء للجنازة في التكبيرات الثلاث، لا يقرأ في شيء منهن، ثم يسلم سراً في نفسه» (1).

ثم يدعو بعد ذلك بما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم.

فقول أبي أمامة هنا «ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم» ، أُخذ منه أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد التكبيرة الثانية مسنونة وتفعل، خلافاً لما ذهب إليه المؤلف رحمه الله ، ثم بعد ذلك في التكبيرة الثالثة والرابعة والخامسة - إن كبّرها - يكون الدعاء.

وأفضل الدعاء، الدعاء بما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم، والحديث الوارد في ذلك حديث عوف بن مالك، وهو قوله صلى الله عليه وسلم:«اللهم اغفر له وارحمه وعافه واعف عنه وأكرم نزله ووسع مدخله واغسله بالماء والثلج والبرد ونقه من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس وأبدله داراً خيراً من داره وأهلاً خيراً من أهله وزوجاً خيراً من زوجه وأدخله الجنة وأعذه من عذاب القبر وعذاب النار» (2).

وأما الأدعية الواردة في أحاديث أخرى، فقال الإمام البخاري رحمه الله:«حديث أبي هريرة وأبي قتادة وعائشة غير محفوظ ، وأصح شيء في الباب حديث عوف بن مالك» (3).

أي أنها أحاديث ليست بصحيحة، وحديث عوف بن مالك هو الحديث الذي قدمناه.

وإن دعا بما فتح الله عليه فلا بأس إن شاء الله.

قال المؤلف رحمه الله: (ولا يُصلَّى على الغّال)

الغّال: هو الذي سرق من الغنيمة - غنائم الحرب - قبل قسمتها على أصحابها.

(1) أخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (2/ 490)، وعبد الرزاق في «مصنفه» (3/ 489)، والحاكم في «المستدرك» (1331)، وأصله عند النسائي في «سننه» (1989)، وزيادة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فيه محفوظة.

(2)

أخرجه مسلم (963).

(3)

انظر «السنن الكبرى» للبيهقي (4/ 68).

ص: 146

ورد في ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم امتنع من الصلاة على الغّال في غزوة خيبر، وهذا الحديث هو الذي استدل به المؤلف على ما ذكر.

لكن في نفس الحديث قال صلى الله عليه وسلم: «صلوا على صاحبكم» (1) ، فيدل هذا على أن الغّال لا تترك الصلاة عليه مطلقاً، بل لابد أن يُصلى عليه كبقية المسلمين، بل أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالصلاة عليه.

وأما امتناعه صلى الله عليه وسلم من الصلاة عليه، فيُدل على أنه يشرع في هذه الحالة للإمام أو لمن كانت له مكانة في نفوس الناس أن يترك الصلاة على الغّال وعلى من فعل كبيرة من الكبائر ومعصية من المعاصي وبقي عليها، ليكون زاجراً لغيره عن هذا الفعل، فإذا عُرف أن مثل هذا الإمام أو الرجل الصالح لم يُصلِ عليه ولم يدعُ له بعد موته، فربما يكون هذا زاجراً لغيره عن فعلته.

قال: (وقاتلِ نفسه).

لما أخرجه مسلم في «صحيحه» : «أن النبي صلى الله عليه وسلم ، أُتي برجل قتل نفسه بمشاقص فلم يُصلِّ عليه» (2).

المشاقص، جمع مِشْقَص: وهي نصل السهم، أي الحديدة التي هي رأس السهم الجارح.

وهذا كالذي قبله تماماً، فإن قاتل نفسه مسلم - وإن كان قتل نفسه - ولكنه ارتكب عظيمة من العظائم، وجريمة كبيرة في حق نفسه، وإثم عظيم عند الله ، وقد توعَّد الله فاعل ذلك بعذاب جهنم.

وورد في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من قتل نفسه بشيء عُذب به يوم القيامة» (3).

وقال في حديث آخر: «من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوّجأ بها في بطنه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً» (4).

(1) أخرجه أحمد (36/ 9)، ومالك (2/ 458)، وأبو داود (2710)، والنسائي (1959)، وابن ماجه (2848) وغيرهم.

(2)

(978).

(3)

أخرجه البخاري (6047)، ومسلم (110).

(4)

أخرجه البخاري (5778)، ومسلم (109).

ص: 147

ومعنى يتوجأ - أي يطعن -.

فقاتل نفسه لا يزال يعذب في جهنم بما قتل نفسه به ، ومن تردَّى من جبل فقتل نفسه فهو يتردى في جبل في نار جهنم ويعذب فيه خالداً مخلداً فيها أبداً - نسأل الله العافية والسلامة.

فهذه جريمة عظيمة ينبغي أن يكون الناس على حذر منها.

ولكن قاتل النفس يبقى مسلماً فالصلاة عليه واجبة كبقية المسلمين ، ولكن - كما ذكرنا في الغال - من كان إماماً أو رجلاً صالحاً معروفاً بين الناس وله مكانة في نفوس الناس ، فهذا يشرع له أن يترك الصلاة على هذا الشخص كي يكون ذلك رادعاً لغيره.

قال المؤلف رحمه الله: (والكافرِ)

أي ولا تجوز الصلاة على الكافر ، فالصلاة عليه غير مشروعة ، إذ لا تشرع إلا على المسلم فقط ، قال الله تبارك وتعالى:{ولا تصلِّ على أحد منهم مات أبداً ولا تقم على قبره} ، فهذا نهي من الله تبارك وتعالى عن الصلاة على غير المسلم، وكذلك الترحم عليه والاستغفار له محرم أيضاً لقوله تعالى:{ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم} ، فالكافر لا يجوز الاستغفار له ولا الترحم عليه بنص هذه الآية ، ولا يجوز أيضاً أن نصلي عليه، فالصلاة عليه فيها استغفار وترحم على الكافر، والكافر لا يجوز الترحم عليه ولا الاستغفار له.

وأما اليوم فهناك تجاوزات شديدة جداً في هذه المسائل، نسأل الله عز وجل السلامة والعافية.

قال رحمه الله: (والشهيدِ)

أي ولا يُصلى أيضاً على الشهيد.

ص: 148

لكن هناك فرق بين عدم الصلاة على هذا وعدم الصلاة على الذي سبق، فهذا لا يصلى عليه لعظيم منزلته ولمكانته الرفيعة العالية ، ولعدم حاجته لشفاعة أحدٍ، فهو الذي يشفع في الناس، وذاك لا يُصلى عليه لخسة منزلته وقلتها، وليكون ترك الصلاة عليه رادعاً له.

والصلاة هي شفاعة من المصلين للمُصلَّى عليه وترحم له، والشهيد هو الذي يَشفع في الناس، وليس بحاجة لشفاعتهم.

ولا يُصلى على الشهيد، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يُصل على شهداء أحد (1).

قال رحمه الله: (ويُصَلَّى على القبرِ وعلى الغائبِ)

المقصود بالصلاة على القبر هنا صلاة الجنازة، وأما الصلاة التي نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن صلاتها إلى القبر، إنما هي تلك الصلاة المعروفة، التي هي الأفعال والأقوال المخصوصة التي تؤدى في أوقات مخصوصة، صلاة الظهر أو العصر أو غيرها من الصلوات التي فيها ركوع وسجود، فهذه لا يجوز أن تُصلى لا على قبر ولا إلى قبر ولا في مقبرة كل ذلك قد نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم ، وكفى نهياً في ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم:«لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» (2).

أما صلاة الجنازة فصلاة أخرى ليس فيها ركوع ولا سجود، وهذه تُشرع على القبر لأن النبي صلى الله عليه وسلم ثبت عنه في «الصحيحين» (3) أنه صلى على قبر المرأة التي كانت تقمُّ المسجد - أي تنظفه - وكان الصحابة قد دفنوها بليل وكان عليه السلام يريد الصلاة عليها ، وكان نائماً، فخشي أصحابه أن يزعجوه لو أيقظوه، فتركوه نائماً وصلوا عليها في الليل ودفنوها ، فلما علم النبي صلى الله عليه وسلم ذهب وصلى على قبرها، وقد صحّ عنه ذلك في الصحيحين وغيرهما، وصلى معه أيضاً بعض الصحابة كما جاء في أحاديث أخرى (4).

(1) أخرجه البخاري (1343).

(2)

أخرجه البخاري (435)، ومسلم (529).

(3)

أخرجه البخاري (460)، ومسلم (956).

(4)

انظر «السنن الكبرى» للبيهقي (40/ 79).

ص: 149