الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويحتمل أن يراد: ما إذا كان هناك مضطر إلى شرب لبنها، فيحمل الحديث على هذه الصورة.
وقال ابن بطال: في المال حقَّان: فرض عين وغيره، فالحلب من الحقوق التي هي من مكارم الأخلاق. انتهى.
بابُ الغَصْبِ
الغصب في اللغة: أخذ الشيء ظلماً وقهراً.
وفي اصطلاح الفقهاء: الاستيلاء على حق الغير قهراً بغير حق.
قال المؤلف رحمه الله: (يَأثمُ الغَاصِبُ، ويَجِبُ عليهِ رَدُّ ما أَخذَهُ، ولا يَحِلُّ مال امرِئ مُسلمٍ إلَّا بِطِيبةٍ مِن نفْسِهِ)
الأصل تحريم مال المسلم إلا برضا صاحب المال؛ وذلك لقول الله تبارك وتعالى: {يا أيُّها الَّذِينَ أمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ إلا أنْ تَكونَ تِجَارةً عَن تَرَاضٍ مِنكُم} [النساء: 29]، وقول النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع:«إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام؛ كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا» (1).
وقوله صلى الله عليه وسلم: «لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه» (2). أخرجه أحمد وغيره، هذا الحديث الأخير هو الذي ذكره المؤلف.
فالغصب محرَّم بإجماع علماء المسلمين (3)، والأدلة التي ذكرناها تدل على ذلك.
وإذا أراد الغاصب أن يتوب؛ فيجب عليه رد المغصوب إلى صاحبه، فرد المال إلى صاحبه واجب؛ كي يتخلص الغاصب من إثم فعله بالتخلص من حقوق العباد.
قال صلى الله عليه وسلم: «من كانت له مَظلمةٌ لأخيه مِن عِرضِهِ أو شيءٍ» -أي أنه ظلم أخاه بأخذ شيء من ماله بغير حق، أو بطعنه في عرضه-؛ «فليتحلَّلهُ منه اليومَ قبلَ أن لا يكونَ دينارٌ ولا
(1) أخرجه البخاري (1742)، مسلم (1679).
(2)
أخرجه أحمد (20695)، والدارقطني (2886) والبيهقي (6/ 166) عن أبي حرة عن عمه، وأخرجه ابن حبان والحاكم من وجه آخر. انظر التلخيص الحبير (3/ 101) لابن حجر، وإرواء الغليل (1459) للألباني.
(3)
المغني لابن قدامة (5/ 177).
درهمٌ، إن كان له عمل صالحٌ؛ أُخذ منه بقدر مَظلمَته، وإن لم يكن له حسنات؛ أُخذ من سيئات صاحبه فحُمِل عليه» أخرجه البخاري (1).
يعني: إذا كان لأخيك عليك حق فتخلص من حق أخيك في الدنيا، قبل أن تأتي يوم القيامة فيؤخذ منك الحق هناك، فلا يوجد درهم ولا دينار هناك، الحق يؤخذ بالحسنات والسيئات والحسنات أغلى ما تملك في ذاك الوقت، والسيئات أسوء ما تأخذ، فإذا كانت عندك حسنات؛ أُخذت منك حسنات بقدر ما له حق عليك في الدنيا، وإذا لم تكن لك حسنات؛ أُخذ من سيئاته ووُضع عليك بقدر المظلمة.
لذلك من كان لأخيه عليه حق فليبادر إلى إرجاع حقه إليه في الدنيا.
قال ابن قدامة رحمه الله: أجمع العلماء على وجوب رد المغصوب إذا كان بحاله لم يتغير. انتهى
وكذلك يلزمه رد المغصوب بزيادته؛ لأنها نماء المغصوب، فهي لمالكه كالأصل.
نماء المغصوب: الشيء الذي يُغصب وله فائدة تنتج عنه، هذه الفائدة يجب أن تُرَدَّ مع الأصل إلى صاحبها؛ كأن يكون المغصوب مثلاً بيتاً يُؤجَّر، غصب شخصٌ من آخر بيتاً لمدة سنة مثلاً، والبيت له فائدة، وهي الأجرة التي يدفعها المستأجر، عند رد البيت المغصوب لصاحبه؛ يجب على الغاصب أن يرد البيت وأن يرد أجرة سنة كاملة، لأن هذه الأجرة هي نماء للأصل، الذي هو البيت، والبيت لمالكه؛ فالأجرة أيضاً لمالك الأصل وهو البيت.
قال المؤلف رحمه الله: (وليسَ لعِرْقٍ ظالمٍ حَقٌ، ومَن زرعَ في أرضِ قومٍ بغيرِ إذنِهِم؛ فليسَ له من الزَّرعِ شيءٌ، وله نفقته، ومن غَرسَ في أرضِ غيره غرساً؛ رَفَعَه)
إذا غصب شخص أرضاً، وبنى عليها، أو زرع فيها زرعاً، أو غرس فيها شجراً؛ لزمه هدم البناء وإزالته، وقلع الغراس إذا طلب ذلك صاحب الأرض.
لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من أحيا أرضاً ميتة؛ فهي له، وليس لعرقٍ ظالمٍ حق» (2). أخرجه أبو داود وغيره، والصحيح فيه الإرسال، فهو ضعيف.
قال الخطابي: هو: أن يغرس الرجل في غير أرضه بغير إذن صاحبها، فإنه يؤمر بقلعه؛ إلا أن يرضى صاحب الأرض بتركه.
وللغاصب نفقته التي أنفقها على الزرع.
الزرع لا يمكن قلعه، فهو حبوب تزرع في الأرض؛ كالقمح والشعير.
(1) أخرجه البخاري (2449).
(2)
أخرجه أحمد (37/ 438)، وأبو داود (3073)، والترمذي (1378)، موصولاً، وروي مرسلاً، وصحح المرسل الدارقطني، وابن عبد البر، وأشار إلى ذلك أبو حاتم والبزار.
فيبقى، ويستحق الغاصب النفقة التي أنفقها على الزرع من مؤنة السقي وثمن البذور وغير ذلك، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«من زرع في أرض قومٍ بغير إذنهم؛ فليس له من الزرع شيء وله نفقته» (1). أخرجه أبو داود وغيره.
هذا قول من أقوال أهل العلم، وهو قولٌ ناشئ عن صحة الحديث الذي ذكرناه، ولكن الحديث ضعيف.
والذي عليه عامة الفقهاء: أن الزرع لصاحب البَذر.
وعلى الغاصب كراء الأرض فيدفع أجرتها، أي يبقى الزرع للغاصب، ولكنه يدفع أجرة الأرض التي استعملها، إن رضي صاحب الأرض، وأما إذا لم يرض؛ أُمر الغاصب بإخراج البذر منها، ويتحمل تكاليف أي نقص يحدث في الأرض.
فالبناء يهدم، والشجر يقلع، والزرع يلزم الغاصب بدفع أجرة الأرض إلى أن يحصد زرعهإن رضي صحاب الأرض، وإلا أمر بإخراج بذره، وتحمل تكليف أي نقص يحصل على الأرض.
قال ابن المنذر في الإشراف: وقال أحمد بهذا الحديث ما دام الزرع قائماً في الأرض، فإذا حُصِد فإنما لهم الأجر.
وفي قول الشافعي: إذا أدرك الزرع قبل أن يَشتَدّ؛ قلع، وعليه كراء المثل فيما مضى، وإن لم يدرك زرعاً حتى يُحصد، كان الزرع لصاحب البذر، وعليه كراء مثل الأرض في المدة التي أقامت في يده.
قال المؤلف: (ولا يَحِلُّ الانتفاعُ بالمَغصُوبِ، ومَن أتلفَهُ فعليهِ مثلُهُ أو قِيمته)
لا يحل الانتفاع بالمغصوب لما تقدم من الأدلة، فهي تدل على تحريم مال المسلم إلا بإذنه.
فإذا غصب أحد سيارة مثلاً، وأخذها من صاحبها بغير إذنه، لا يحل له استعمال السيارة؛ لأنها ملك لغيره، وغيره لم يأذن له في استعمالها، فمنفعة هذه السيارة محرمة عليه.
وأما من أتلف المغصوب فعليه مثله أو قيمته.
ما كان له مثلٌ في السوق من غيرفارق يعتد به؛ فيجب عليه أن يعوض صاحب المال بمثله.
وما ليس له مثل؛ يعوضه بقيمته.
يُنظر كم يساوي في السوق ويَدفع له الثمن.
لحديث أنس: أن عائشة كسرت إناءَ إحدى زوجات النبي صلى الله عليه وسلم وفيه طعام؛ فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: «طعام بطعام وإناء بإناء» (2).
(1) أخرجه أحمد (28/ 507)، وأبو داود (3403)، والترمذي (1366)، وابن ماجه (2466)، وبين البيهقي ضعفه في السنن الكبرى (6/ 225)، ومعرفة السنن والآثار (8/ 289).
(2)
أخرجه الترمذي (1359) بهذا اللفظ، وأصله في الصحيح.