الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويستثنى من ذلك، العامل عليها، ومن تقدّم ذكرهم، كالمجاهد في سبيل الله، فإنهم وإن كانوا أغنياء أو أقوياء، فإن الزكاة تحلّ لهم.
ولا تُعْطى الزكاة لمن تجب على المزكي نفقته، كالزوجة والأولاد والآباء، لأن دفع الزكاة لهؤلاء يغنيهم عن النفقة الواجبة عليه، فيحفظ ماله بزكاته، فكأنه لم يزك، ثم إن هؤلاء يعتبرون أغنياء بغناه هو، فكونه هو المنفق عليهم وهو غني فيعتبرون أغنياء مكتفين بنفقته.
وكذلك لا يجوز إعطاؤها للكفار غير المؤلفة قلوبهم، لقوله صلى الله عليه وسلم:«تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم» أي المسلمين، ومن مقاصد الزكاة، إغناء المسلمين لا الكفار.
ولا يجوز إعطاؤها للعبد، فنفقته على سيده، فهو غني بغنى سيده ومكتفٍ باكتفائه، ولأن العبد لا يملك، بل ماله لسيده، لقوله صلى الله عليه وسلم:«من ابتاع عبداً وله مال، فماله للذي باعه، إلا أن يشترط المبتاع» (1).
وأما قوله في الحديث «وله مال» فاللام هنا للاختصاص والانتفاع، أي له مال يختص وينتفع به، وليست لام الملك، كقولنا السرج للفرس، ولو كانت اللام للملك لما كان المال من حق سيده عند بيعه.
قال المؤلف رحمه الله:
(باب صدقة الفطر)
أي الصدقة التي تجب بالفطر من رمضان.
وهي واجبة على كل مسلم صغير وكبير، ذكر وأنثى، حر وعبد.
وأصل وجوبها قول ابن عمر رضي الله عنه: «فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر من رمضان صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير على العبد والحر، والذكر والأنثى والصغير والكبير من المسلمين» (2).
وقوله: «فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم» يدل على أنها فريضة واجبة على كل من ذُكِرَ في الحديث.
(1) أخرجه البخاري (2379)، ومسلم (1543) عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه.
(2)
أخرجه البخاري (1503)، ومسلم (984).
والحكمة من صدقة الفطر، أنها طعمة للمساكين، وطهرة للصائم من اللغو والرفث.
واللغو: هو ما لا فائدة منه من القول والفعل.
والرفث: الكلام الفاحش.
قال ابن عباس رضي الله عنه: «فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين، من أدّاها قبل الصلاة، فهي زكاة مقبولة، ومن أدّاها بعد الصلاة، فهي صدقة من الصدقات» (1).
قال الدارقطني في رجاله: «ليس فيهم مجروح» (2) ولا يلزم من هذا تصحيح الحديث أو توثيق رواته، فقد يكون فيهم المجهول وإن لم يكن مجروحاً.
ولكن هذا الحديث حسن الإسناد.
قال المؤلف رحمه الله: (هي صاع من القوت المعتاد عن كل فردٍ)
هذا هو القدر الواجب في صدقة الفطر، وهو صاع من قوت أهل البلد.
و(الصاع) مكيال يَسَع أربعة أمداد، والمدّ حفنة بكَفَّي الرجل المعتدل الكفين، فلا تكون كفاه كبيرتين ولا صغيرتين بل وسطاً، ولا يضم كفيه كثيراً ولا يبسطهما كثيراً بل يكونان متوسطتين في المد والضم.
و(القوت) هو ما يقوم به بدن الإنسان من الطعام، كالقمح والشعير والأرز والعدس والذرة ونحو ذلك.
وقوله (المعتاد) أي الذي اعتاد أهل البلد أن يكون هو قوتهم، كالأرز عندنا، فإنه قوت بلادنا اليوم، ودليل ذلك حديث أبي سعيد الخدري، قال:«كنا نخرجها في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم صاعاً من طعام، وكان طعامنا يومئذٍ التمر والزبيب والشعير» (3).
فيدل هذا الحديث على أنها تُخْرَج من غالب قوت أهل البلد، وهو في بلدنا هذا الأرز.
(1) أخرجه أبو داود (1609)، وابن ماجه (7827).
(2)
في «سننه» (2067).
(3)
أخرجه البخاري (1510)، ومسلم (1592).
ولا يجوز أخراج القيمة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم عيّن الطعام، فلا عدول عنه إلى غيره إلا بدليل صحيح، وهذا قول جمهور علماء الإسلام.
وقد انتشر اليوم القول الآخر، وهو جواز إخراج القيمة، وهو قول أبي حنيفة، لضعف تعظيم السنة والحديث عند كثير من المفتين في هذا الزمن، فأخذوا يفتون بآرائهم، وصار عندهم المعتمد هو ما ترجِّحُه عقولهم لا ما يرجّحه الدليل من الكتاب والسنة.
إنما يفعلون هذا بدعوى أنها مصلحة الفقير.
ويرد عليهم، بأن المعتبر في زكاة الفطر هي مصلحة الفقير في الإشباع فقط، وليست مصلحة الفقير مطلقاً، وجاء هذا في قوله صلى الله عليه وسلم:«وطعمة للمساكين» (1) فيدل هذا على أن المراد من صدقة الفطر، هو عدم حاجته للطعام، وهذه المصلحة تتحقق بإخراج القوت.
أما مصلحة الفقير العامة، فهي متحققة بإخراج زكاة المال وغيرها من الصدقات، وفي وجوب النفقات على من تجب عليهم، فلا داعي للتوسّع الذي لا معنى له، ومصلحته متحققة في إخراج صدقة الفطر طعاماً وإخراجها هكذا يغنيه عن طلب الطعام في ذلك اليوم.
وهذا هو قول أئمة الإسلام وأهل الحديث، وإنما خالف في هذا أهل الرأي.
وقوله (عن كل فرد) أي صاعاً عن كل واحد ممن تجب عليه نفقته.
أي إذا كان رب العائلة ينفق على خمسة أولاد، فيجب عليه أن يخرج صدقة الفطر عن نفسه وعن هؤلاء الخمسة.
قال رحمه الله: (والوجوب على سيد العبد، ومِنْفِقِ الصغير ونحوه)
قوله (والوجوب على سيد العبد) أي أن وجوب صدقة الفطر على سيد العبد، لأن العبد - كما قدّمنا - لا يملك، والذي يجب أن ينفق عليه هو سيده.
قوله (ومنفق الصغير) أي تجب صدقة الفطر على من ينفق على الصغير، إذا لم يكن له مال، فتجب صدقة الفطر على من وجبت عليه النفقة.
(1) سبق تخريجه.
وقوله (ونحوه) كالزوجة، لأن نفقتها على الزوج فتجب على زوجها، هذا إذا لم يكن للزوجة مال خاص، فإن كان لها مال فصدقة الفطر عليها.
قال: (ويكون إخراجها قبل صلاة العيد)
بدأ المؤلف رحمه الله بوقت إخراج صدقة الفطر.
الأصل في وقت إخراجها أنه من غروب شمس ليلة الفطر، لأنه وقت الفطر من رمضان إلى صلاة العيد، لحديث ابن عباس المتقدم معنا:«فمن أدّاها قبل الصلاة» أي صلاة العيد «فهي زكاة مقبولة، ومن أدّاها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات» ، أي ليست صدقة الفطر وإنما صدقة مطلقة.
وقال البعض: وقت وجوبها من طلوع الفجر، ولكن الأول أقوى عندي والله أعلم.
مسألة: هل يجوز تعجيل صدقة الفطر قبل وقتها.
اختلف العلماء في ذلك، فجمهور العلماء على جواز تعجيلها قبل العيد بيوم أو يومين، لأن ابن عمر كان يؤدّيها قبل ذلك بيوم أو يومين (1).
وهذا هو السبب الذي جعلهم يجيزون إخراجها قبل وقتها.
ثم إنه في كثير من الأحيان لا يكفي الوقت لمن أراد إخراجها في وقتها المعيّن.
وإذا أخّرها عن وقت صلاة العيد، فهي صدقة من الصدقات ولا تكون صدقة فطر.
قال رحمه الله: (ومن لا يجدُ زيادةً على قوتِ يومِهِ وليلتِهِ فلا فطرةَ عليه)
على من تجب زكاة الفطر؟
هي واجبة على كل من وجد قوت يومه وليلته من يوم العيد.
فمن زادت نفقته أو طعامه الذي عنده عن قوت يومه وليلته، فقد وجبت عليه الزكاة، فهذا هو الضابط، أن تزيد عن طعامه ونفقته، وإذا لم تزد عليه ولم يملك إلا قوت يومه وليلته أوأقل من ذلك من يوم العيد، فلا صدقة فطر عليه.
(1) أخرجه البخاري (1511) عن ابن عمر رضي الله عنه.