المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(باب مصارف الزكاة) - فضل رب البرية في شرح الدرر البهية

[علي الرملي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة الشارح

- ‌تعريف الفقه

- ‌‌‌الفقه لغةً‌‌واصطلاحاً:

- ‌الفقه لغةً

- ‌واصطلاحاً:

- ‌فالفقه في الشرع:

- ‌وأما الفقه عند الأصوليين:

- ‌وأما الفقه عند الفقهاء

- ‌ترجمة الشوكاني

- ‌«الدُّرَرُ البَهيَّة» للشوكاني

- ‌كتاب الطهارة

- ‌ باب حكم المياه

- ‌(الماءُ طاهرٌ مُطَهِّرٌ)

- ‌(فصل باب النجاسات)

- ‌(بابُ قضاءِ الحاجةِ)

- ‌(بابُ الوضوءِ)

- ‌(فصل: ويستحبُّ التثليثُ)

- ‌(فصلٌ: وينتقضُ الوضوءُ بما خرجَ من الفَرْجَيْنِ من عَيْنٍ أو ريحٍ)

- ‌(بابُ الغُسْلِ)

- ‌(فصلٌ: والغُسْل الواجب هو: أن يُفيضَ الماءَ على جميع بَدَنِهِ، أو يَنْغَمِس فيه مع المضمضةِ والاستنشاقِ)

- ‌(فصلٌ: ويُشْرَعُ لصَلاةِ الجُمُعة)

- ‌(باب التَّيَمُّمِ)

- ‌(بابُ الحَيْضِ)

- ‌(فصل: والنِّفاسُ أكثرُهُ أربعونَ يوماً، ولا حدَّ لأقلّه وهو كالحيضِ)

- ‌كتابُ الصلاةِ

- ‌(باب الأذان)

- ‌(بابُ شروطِ الصلاةِ)

- ‌(بابُ كيفيةِ الصلاةِ، لا تكونُ شرعيةً إلا بالنيَّةِ)

- ‌(باب متى تبطل الصلاة؟ وعمّن تسقط

- ‌(فصل: وتبطل الصلاة بالكلام)

- ‌(فصل: ولا تجبُ على غَيْرِ مُكَلَّفٍ)

- ‌(بابُ صلاة التَّطَوُّعِ)

- ‌(باب صلاة الجماعة)

- ‌(باب سجودِ السهوِ، وهو سجدتانِ قبل التسليمِ أو بعدهُ، وبإحرامٍ، وتشهدٍ، وتحليلٍ)

- ‌(بابُ القضاءِ للفوائتِ)

- ‌(بابُ صلاةِ الجمعةِ، تَجِبُ على كُلِّ مُكَلَّفٍ إلا المرأةَ والعبدَ والمسافرَ والمريضَ)

- ‌(بابُ صلاةِ العيدينِ)

- ‌(بابُ صلاةِ الخوفِ)

- ‌(باب صلاةِ السَّفَرِ، يَجِبُ القَصْرُ)

- ‌(باب صلاة الكسوفين)

- ‌(باب صلاة الاستسقاء)

- ‌كتاب الجنائز

- ‌(فصلٌ: غسل الميت)

- ‌(فصلٌ: تكفينُ الميت)

- ‌ فصل صلاة الجنازة

- ‌(فصل: ويكون المشي بالجِنازةِ سريعاً)

- ‌(فصلٌ: دَفْنُ الميت، ويجبُ دفن الميتِ في حفرة تَمْنَعُهُ السِّباعَ)

- ‌كتاب الزكاة

- ‌(باب زكاةِ الحيوانِ)

- ‌(فصل: إذا بلغت الإبلُ خمساً، ففيها شاةٌ، ثم في كلِّ خمسٍ شاةٌ، فإذا بلغت خمساً وعشرين، ففيها ابنة مَخاضٍ، أو ابن لبونٍ، وفي ستٍّ وثلاثين ابنة لبون، وفي ستٍّ وأربعين حِقّة، وفي إحدى وستين جَذَعة، وفي ستٍّ وسبعين بنتا لبون، وفي إحدى وتسعين حِقّتان إلى

- ‌أولاً: الزكاة واجبة في هذه الحيوانات بثلاثة شروط

- ‌ثانياً: كم المقدار الذي يجب أن يخرج إذا بلغت الإبل النصاب

- ‌(فصلٌ: ولا شيء فيما دُونَ الفريضةِ، ولا في الأوْقاصِ)

- ‌(باب زكاة الذهب والفضة)

- ‌(باب زكاة النبات)

- ‌(باب مصارف الزكاة)

- ‌(باب صدقة الفطر)

- ‌كتاب الخُمُس

- ‌كتاب الصيام

- ‌(باب صوم التطوع)

- ‌(باب الاعتكاف)

- ‌كتاب الحج

- ‌شروط الحج:

- ‌(فصل: ولا يَلْبَسُ المُحْرِمُ القميصَ، ولا العمامة، ولا البُرْنُسَ، ولا السراويل، ولا ثوباً مَسّه وَرْس، ولا زعفران، ولا الخُفَّين إلا أنْ لا يجد نعلين، فليقطعهما حتى يكونا أسفل من الكعبين)

- ‌(فصلٌ: وعند قدوم الحاجّ مكة، يطوف للقدوم سبعة أشواط، يَرمُلُ في الثلاثة الأولى، ويمشي فيما بقي، ويُقَبِّل الحجر الأسود أو يستلمه بِمِحْجَنٍ ويُقَبِّل المحجن ونحوه، ويستلم الركن اليماني)

- ‌(فصل: ويسْعى بين الصفا والمروة سبعة أشواط داعياً بالمأثور)

- ‌(فصل: ثم يأتي عرفة صُبح يوم عرفة مُلبياً مُكبراً ويَجمع العصرين فيها، ويخطُب، ثم يُفيض من عرفة بعد الغروب)

- ‌(باب العمرة المفردة)

- ‌كِتابُ النِّكاحِ

- ‌حكم النكاح:

- ‌مسألة:

- ‌بابُ المُحرَّماتِ في النِّكاحِ

- ‌(بابُ العُيُوبِ وَأَنْكِحَةِ الكُفَّارِ)

- ‌بابُ المَهرِ والعِشرَةِ

- ‌كتابُ الطَّلاقِ

- ‌باب الخلع

- ‌باب الإيلاء

- ‌باب الظهار

- ‌بابُ اللِّعَانِ

- ‌بابُ العِدَّةِ والإحدِادِ

- ‌باب استِبْرَاءِ الإِمَاءِ

- ‌بابُ النَّفقةِ

- ‌بابُ الرَّضَاعِ

- ‌بابُ الحَضَانَةِ

- ‌كتابُ البيوعِ

- ‌ باب الربا

- ‌(باب الخِيارَات)

- ‌باب السَّلَم

- ‌باب القَرْض

- ‌باب الشُّفْعة

- ‌باب الإِجارة

- ‌بابُ الإحيَاءِ والإِقْطَاعِ

- ‌بابُ الشَّرِكة

- ‌بابُ الرَّهْنِ

- ‌بابُ الوَدِيْعَةِ والعَارِيَّة

- ‌بابُ الغَصْبِ

- ‌بابُ العِتْقِ

- ‌بابُ الوقْفِ

- ‌بابُ الهَدَايا

- ‌بابُ الهِبات

- ‌كتاب الأَيمَان

- ‌كتابُ النَّذرِ

- ‌كتاب الأطعِمَة

- ‌بابُ الصَّيدِ

- ‌بابُ الذَّبحِ

- ‌بابُ الضِّيافَةِ

- ‌بابُ آدابِ الأكلِ

- ‌كتابُ الأشرِبةِ

- ‌كتابُ اللِّباسِ

- ‌كتابُ الأُضحِيةِ

- ‌بابُ الوَلِيمةِ

- ‌فصلٌ

- ‌كتابُ الطِّبِّ

- ‌كتابُ الوَكالةِ

- ‌كتابُ الضَّمَانَةِ

- ‌كِتابُ الصُّلحِ

- ‌كتابُ الحَوَالةِ

- ‌كتابُ المُفلسِ

- ‌كتابُ اللُّقطةِ

- ‌كتابُ القَضاءِ

- ‌كِتابُ الخُصُومُةِ

- ‌كِتابُ الحُدُودِ

- ‌بَابُ حَدِّ الزَّانِي

- ‌بابُ حَدِّ السَّرقةِ

- ‌بابُ حَدِّ القَذفِ

- ‌بَابُ حَدِّ الشُّرْبِ

- ‌فَصلٌ

- ‌بَابُ حَدِّ المُحَاربِ

- ‌بابُ مَنْ يَستحقُّ القَتلَ حَدّاً

- ‌كِتابُ القِصاصِ

- ‌كتابُ الدِّياتِ

- ‌بَابُ القَسَامَةِ

- ‌كتابُ الوَصِيَّةِ

- ‌كِتابُ المَوَاريثِ

- ‌كتابُ الجِهادِ والسِّيَرِ

- ‌فَصلٌ

- ‌فصلٌ

- ‌فَصلٌ

- ‌فَصلٌ

الفصل: ‌(باب مصارف الزكاة)

هذه هي الحلول النبوية.

وأخرج مسلم في «صحيحه» من حديث وائل بن حجر، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجل يسأله، فقال: أرأيت إن كان علينا أمراء يمنعونا حقّنا، ويسألونا حقّهم؟ ! قال:«اسمعوا وأطيعوا، فإنما عليهم ما حُمّلوا وعليكم ما حمّلتم» (1)، وهذا أمر من الله سبحانه وتعالى بالصبر، وعدم جواز الخروج على الحاكم بأي نوع من أنواع الخروج، سواء بالكلمة أو بالإضراب أو بغيرها، والسبب المفاسد التي ستترتب على ذلك، من سفك الدماء وانتهاك الأعراض وذهاب الأموال وغيرها من المفاسد العظيمة، وهي تضعف شوكة المسلمين حتى يكونوا لقمة سائغة في أفواه الأعداء.

ولكن من يكون بعيداً عن السياسة والأمور العسكرية وما شابه، لا يدرك أبعاد المخاطر التي يعيش فيها، فتجدهم يتلاعب بهم شخص أو اثنان من أصحاب الأهواء أو من أصحاب المصالح الخاصة، وحقيقة الأمر أن من وراء هذا مكيدة لا يدرون عنها.

ولكن سبحان الله! العامة أتباع كل ناعق وزاعق، وخصوصاً إذا نعق بما يوافق أهواءهم فينبغي أن يكون الشخص فطيناً فهيماً لما يفعل، فلا يضيع نفسه وأهله ومن حوله في لحظة تهوّر.

وهذا يدل على أن كل مسلم سيحاسب على ما أوجب الله عليه، فعليه أن يؤدي ما وجب عليه ولا دخل له بالحاكم، فإنه مسؤول أمام الله عما استرعاه.

ولكن يعطي الزكاة للحاكم إن طلبها الحاكم، وأما إذا لم يطلبها فيصرفها بنفسه إلى من يستحقُّها.

قال المؤلف رحمه الله: ‌

(باب مصارف الزكاة)

المصارف: جمع مَصْرِف، وهي الجهة التي تُعطى لها الزكاة، أي الذين يستحقون الزكاة.

وقد تولّى الله تبارك وتعالى بيانهم في كتابه العزيز، فقال {إنّما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم} [التوبة: 60].

قال المؤلف رحمه الله: (هي ثمانية كما - في الآية -)

(1) أخرجه مسلم (1864).

ص: 193

فهؤلاء الأصناف الثمانية هم الذين يُعْطَون من مال الزكاة

فأما (الفقراء) فهم الذين لا مال لهم ولا حرفة عندهم يقدرون بها على التكسّب.

وأما (المساكين) فهم الذين لهم مال أو حرفة، ولكنهم لا يملكون ما يكفي نفقاتهم ونفقات من يعولون، قال الله عز وجل:{وأما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر} [الكهف: 79]، فهؤلاء ملكوا سفينة ومع ذلك سماهم مساكين.

والفقير والمسكين كلمتان إذا اجتمعتا افترقتا وإذا افترقتا اجتمعتا، وبعبارة أسهل، فإن كلمة الفقير تطلق تارة ويراد بها معنى غير معنى المسكين، وتطلق تارة أخرى ويراد بها نفس معنى المسكين، فكما قال الله في هذه الآية {إنما الصدقات للفقراء والمساكين .. } فلما اجتمعت في هذه الآية كلمتا الفقير والمسكين، دلّ هذا على أنه يوجد فرقٌ بينهما في المعنى، فكان الفقير هو المُعْدَمُ الذي لا مال عنده، والمسكين الذي عنده أصل المال ولكنه لا يكفيه، كأصحاب السفينة في سورة الكهف، فإن الله قد ذكر أنهم كانوا يملكون سفينة يتكسّبون بها، ولكنها لا تكفيهم، فوصفهم الله بأنهم مساكين.

أما لو ذكر الفقير وحده، أو المسكين وحده كان المعنى واحداً، وهو من لا يملك كفايته، سواء عنده أصل المال أو لا.

وقال بعض أهل العلم: إن المسكين هو المعدم، والفقير من لا يملك كفايته، وهو عكس القول السابق، والصواب هو أن الفقير المعدم والمسكين من لا يملك الكفاية.

هل هناك درجة وسطى بين الفقير والغني، أم أنه من ليس بفقير فهو غني، ومن ليس بغني فهو فقير؟

اختلف أهل العلم في ذلك، فقال البعض ضابط الفرق بين الغني والفقير «ملك النصاب» ، فإذا ملك النصاب فهو غني تجب عليه الصدقة، وإذا لم يملك النصاب فهو فقير تجوز عليه الصدقة.

والصحيح، والذي عليه الجمهور، أن هناك درجة وسطى ما بين الفقير والغني، فإما فقير يستحق الصدقة، أو غني تجب عليه الصدقة - وهو الذي ملك النصاب -، أو مكتف وهو المالك للكفاية، وهذا لا تجب عليه الزكاة ولا تجوز له الزكاة.

ص: 194

والدليل على هذا الصنف، أنه قد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في أكثر من حديث أنه كان يستعيذ من الفقر (1) وفي نفس الوقت كان يدعو ويقول:«اللهم اجعل رزق آل محمد قوتاً» (2) وفي رواية: «كفافاً» ، والرواية عند مسلم (3)، والمعنى كما قال أهل العلم:«ما يسد الرمق» ، وقالوا: هو ما تُكَفُّ به الحاجات ويَدْفَعُ الضرورات والفاقات، ولا يلحق بأهل الترفهات، فلا يكون فيه فضول يخرج إلى الترف.

فاستعاذته صلى الله عليه وسلم من الفقر مع طلب الكفاية يدل على أن من ملك الكفاية ليس بفقير.

فأثبتنا بذلك درجة وسطى ما بين الفقير والغني.

فالضابط عندنا في الفقير الذي تجوز عليه الزكاة، هو من لم يملك كفايته.

هل يجوز أن يكون الشخص له راتب مقداره أربعمائة أو خمسمائة دينار، ويكون مسكيناً مستحقاً للزكاة؟

نعم يجوز، فإن من أرباب العائلات من يتقاضى مثل هذا الراتب ولكنه لا يساوي شيئاً بالنسبة لحاجات عائلته، فهذا يُعطى من الزكاة.

فالضابط إذن ليس بالقدر الذي يتقاضاه الشخص، ولكن الضابط بالكفاية حسب العرف.

أي لا يصح للشخص أن يبذر ويسرف ثم يقول ليس عندي كفايتي، ولكن ينظر مثله كم ينفق عادة، ويحدد على حسبه.

(والعاملين عليها) وهم العاملون على الزكاة كما قال الله تعالى في الآية، وهم الذين يوليهم الإمام أو نائب الإمام جمع الزكاة أو صرفها في مصارفها، فإنهم يُعْطَون أجرة عملهم وهو جمعهم للزكاة، سواء كانوا أغنياء أو فقراء.

(والمؤلفة قلوبهم) وهم قوم يراد جمع قلوبهم على الإيمان، إما أن يكونوا ضعاف الإيمان وفي تقوية إيمانهم خير ومنفعة للإسلام، أو أن يكونوا فقراء كفاراً وفي إيمانهم خير للإسلام والمسلمين، فيعطون من هذه الزكاة لتأليف قلوبهم للإسلام.

(1) أخرجه أحمد في «مسنده» (8053)، وأبو داود (1544)، والنسائي (5460)، وابن ماجه (3842) عن أبي هريرة رضي الله عنه.

(2)

أخرجه البخاري (6460)، ومسلم (1055) عن أبي هريرة رضي الله عنه.

(3)

أخرجها مسلم (1055).

ص: 195

(وفي الرقاب) أي في العتق، والمراد العبد المسلم أو الأمة يُشترى ويعتق، أو يكون مكاتباً، فيعطى من مال الزكاة ما يسدُّ به كتابته ليصير حرّاً.

والمكاتب هو الذي يكاتب سيده، أي يعقد عقداً مع سيده بأن يدفع له مبلغاً من المال مقابل أن يتحرّر، فبعد أن يدفع العبد المبلغ كاملاً لسيده يصير حراً.

وفي جعل الله عز وجل العبد والأمة المكاتبين من مصارف الزكاة، دليل على تشوّف الإسلام للعتق وتحرير الناس من الرِّقّ، فإن الإسلام عندما جاء وجد باب الرق مفتوحاً بشكل كبير، فضيّق سبله ووسّع سبل العتق، ولكن ليس على الإطلاق بالصورة التي توجد اليوم عند الناس.

ولكن لو قال قائل: لماذا لم يُغلَق باب الرق بالكليّة؟

قلنا لأن هناك مصلحة في صورة معيّنة، لا بد أن تبقى، وهي محقّقة في قول النبي صلى الله عليه وسلم «عجب ربنا من أناس يُقادون إلى الجنة بالسلاسل» (1).

صورة الرق الباقية هي في الجهاد، فعند القتال يؤخذ النساء والصبيان رقيقاً، فما المصلحة في ذلك:

أولاً: إدخالهم في الإسلام وهي أعظم مصلحة، فيكسبون برقهم في الدنيا آخرتهم فَرِقٌّ في الدنيا يقابل سعادة الآخرة الأبدية لاشيء.

ثانياً: حفظهم في الدنيا، ففي حال الحروب والقتال فإن أكثر من يضيع النساء والأطفال، جوع وقتل وعذاب واعتداء، وصف ما تشاء في النساء والأطفال. فإذا أخذوا رقيقاً حفظوا، فقد جعل الشارع لهم حقوقاً، فلا يجوز الاعتداء عليهم بأي نوع من أنواع العذاب ولا الإهانة، ويجدون لهم مكاناً يحفظهم ويؤويهم، فيأكلون ويشربون وينامون ويستريحون ولا يشرّدون ويضيعون كالحال الموجود اليوم، والمصالح كثيرة هذه منها.

(والغارمين) جمع غارم، وهو الذي تحمّل ديناً من غير معصية، سواء كان تحمّله هذا لنفسه أو لغيره، كإصلاح بين الناس، فيعطى الغارم من الزكاة ليسد دينه.

(وفي سبيل الله) وهذا المصرف قد توسّع فيه بعض الناس ليبيحوا لأنفسهم التصرّف في أموال الله، فجعلوا في سبيل الله كلمة واسعة يدخل تحتها أي شيء أرادوه، وزعموا أنه لله،

(1) أخرجه البخاري (3010).

ص: 196

وهذا الزعم باطل، لأنه لو كان هذا صحيحاً لما احتيج أن يذكر من ذكر من الأصناف، لأنهم كلهم في سبيل الله، ولما قال الفقراء والمساكين وغيرهم، ولقال من أول الأمر في سبيل الله.

ولكن (في سبيل الله) هنا كما فسّرها السلف قاطبة، هو الجهاد في سبيل الله، أي المجاهدون في سبيل الله، سواء كانوا المحاربين أو طلبة العلم الشرعي فكله جهاد في سبيل الله، فهؤلاء يجاهدون بالسيف، وطلبة العلم الشرعي جهادهم جهاد في سبيل الله باللسان والقلم، ولا يقلُّ فضله ومكانته عن الجهاد بالسيف، ويحتاج لصبر وهمم عالية، وهو أعظم الجهادين على الصحيح.

ومما يدل على أن هذا جهاد، قول الله عز وجل:{وجاهدهم به جهاداً كبيراً} [الفرقان: 53]، ومعناه جاهدهم بالقرآن، أي بالعلم الشرعي، فهو إذن جهاد، فطالب العلم الشرعي يُعطى كفايته من مال الزكاة ليستمر في طلبه، ولا يشغل نفسه في طلب الرزق وليتمكن من نصرة دين الله بالعلم الشرعي.

وقد نص على هذا غير واحد من العلماء، كالنووي وغيره.

(وابن السبيل) وهو المسافر المنقطع عن بلده وأهله وماله، الذي يحتاج المال، فيُعطى ما يوصله إلى بلده إذا لم يجد من يقرضه.

أما إذا وجد من يقرضه، فهو غني بهذا القرض، وعندما يرجع يرد القرض.

ولا يجب أن تصرف الزكاة في كل هذه الأصناف، فلو كان لشخص ألف دينار زكاة ماله، فلا يجب عليه أن يبحث عن شخص من كل صنف من هذه الأصناف لينفق عليهم من مال زكاته فلا يوجد دليل على ذلك، ولو أنه صرفها في صنف واحد لجاز وأجزأت عنه.

والآية بينت جنس من يستحق الزكاة فقط، فهؤلاء من يستحقون الزكاة، فلك أن تنفق زكاتك في الصنف الأول أو الثاني أو الثالث، إلى آخره.

وفي حديث معاذ: «تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم» دليل على ما قلنا، فإنه لم يذكر كل الأصناف.

ص: 197

وقال صلى الله عليه وسلم لقبيصة: «أقم عندنا حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها» (1)، فكان يريد صلى الله عليه وسلم أن يأمر بالصدقة كلها لقبيصة، فإنه هنا صرفها في مصرف واحد، وهذا يدل على جواز صرفها في مصرف واحد.

قال المؤلف رحمه الله: (وتحرم على بني هاشم ومواليهم)

بنو هاشم الذين منهم النبي صلى الله عليه وسلم، تحرم عليهم زكاة الأموال، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«إنها لا تحلّ لمحمد ولا لآل محمد، إنما هي أوساخ الناس» (2).

وأدخل بعض أهل العلم بني المطلب مع بني هاشم في تحريم الزكاة عليهم، لقول النبي صلى الله عليه وسلم فيهم بعد أن أعطاهم سهم ذوي القربى، قال:«لا نفترق في جاهلية ولا في إسلام» (3) أي بني هاشم وبني المطلب.

أما بنو هاشم، فقد أجمع العلماء على تحريم الزكاة عليهم (4).

وأما (مواليهم) فهم عتقاءهم، وهم العبيد الذين يكونون عندهم ثم يعتقونهم، فيسمون موالي، فتحرم عليهم أيضاً، لقوله صلى الله عليه وسلم:«إن الصدقة لا تحل لنا، وإن موالي القوم من أنفسهم» (5).

ومعنى من أنفسهم أي كأنهم منهم، فحكمهم كحكمهم.

قال المؤلف رحمه الله: (وعلى الأغنياء، والأقوياء المكتسبين)

أي وتحرم زكاة المال على الغني، وكل من وجد كفايته، لقوله صلى الله عليه وسلم:«لا حظ فيها لغني ولا لذي مرة سوي» (6) وفي رواية: «ولا لقوي مكتسب» (7).

و(المِرَّة) هي القوة وشدة العقل.

(1) أخرجه مسلم (1044) عن قبيصة بن مخارق رضي الله عنه.

(2)

أخرجه مسلم (1072) عن عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث رضي الله عنه.

(3)

أخرجه البخاري (3140)، وأبو داود (2980) واللفظ لأبي داود عن جبير بن مطعم رضي الله عنه.

(4)

انظر «المجموع» (6/ 227) للنووي، و «اختلاف العلماء» (1/ 223) لابن هبيرة.

(5)

أخرجه أحمد (23872)، وأبو داود (150)، والترمذي (657) عن أبي رافع رضي الله عنه.

(6)

أخرجه أحمد (6530)، وأبو داود (1634)، والترمذي (652) عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه.

(7)

أخرجه احمد (17972)، وأبو داود (1633)، والنسائي (2598)

ص: 198