الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهذا لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: «الزعيم غارم» .
كِتابُ الصُّلحِ
قال: (وهو جائزٌ بينَ المُسلمينَ؛ إلا صُلحاً أَحلَّ حَرامَاً، أو حرَّمَ حَلالاً)
الصلح بين أي طرفين من المسلمين جائز؛ بشرط أن لا يكون الصلح قائماً على تحريم ما أحل الله أو تحليل ما حرَّم الله، فإذا لم يكن فيه اعتداء على شرع الله فهو صلحٌ جائز.
دليل ذلك قوله تعالى: {لَاّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ} [النساء/114]، وقال تعالى في الإصلاح بين الزوجين:{وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} [النساء/128]، وقال أيضاً:{وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بِيْنِكُمْ} [الأنفال/1]، أي أصلحوا ما بينكم من خلافات.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «الصلح جائز بين المسلمين؛ إلا صلحاً حرَّم حلالاً أو أحلَّ حراماً» (1) أخرجه أبو داود وغيره، وزاد:«المسلمون على شروطهم» .
قال المؤلف رحمه الله: (ويَجوزُ على المَعلُومِ والمَجهولِ؛ بِمَعلومٍ وبمَجهولٍ)
المقصود بالمعلوم هنا أن يكون الخلاف واقعاً بين الطرفين على شيء معلوم غير مجهول؛ كقطعة أرض فلان مثلاً أو وصفها كذا وكذا، أو سيارة وصفها كذا وكذا أو قدرٍ معلومٍ من المال، شيء واضح معلوم ليس فيه جهالة.
(1) أخرجه أحمد (8784)، وأبو داود (3594) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
والمجهول بخلافه لا يُعرف، الشيء المتنازَع عليه غير معلوم؛ كالتنازع على إرثٍ غير معلوم أو على غنيمة لم تقسم فلا يُعرف ما لكل واحد منها، أو مالٍ لا يُعرف جنسه أو قدره.
مثل هذا تنازعٌ على مجهول، فيقول المؤلف: يجوز الصلح عن المعلوم بالمعلوم والمجهول؛ أي إذا كان التنازع في أمر معلوم يجوز أن نصلح بينهم على أمرٍ معلوم أو مجهول، كأن يتنازعوا على سيارة معينة؛ فنصلح بينهم بأن يأخذ هذا نصفها ويأخذ الآخر نصفها الآخر، ونحدد لكل واحد ما له، أو نبيع السيارة ونعطي كل واحد منهما جزء ثمنها.
فهنا النزاع كان على شيء معلوم وهي السيارة، والصلح وقع على شيء معلوم وهو نصف ثمن السيارة لهذا ونصف ثمن السيارة لهذا.
فيقول: يجوز الصلح عن المعلوم بالمعلوم وبالمجهول أيضاً.
فنقول لهم مثلاً الذين تنازعوا مثلاً على سيارة معلومة: كل واحد منكما يكون له نصيبٌ فيها، فلم نحدد ما لكل واحد منها، فصار النصيب مجهولاً فيجوز مثل هذا الصلح على ما ذكر المؤلف.
وكذلك الأمر في المجهول يجوز الصلح فيه بمعلوم ومجهول.
لكون هذه الحقوق حقوق خاصة فمن رضي بالتنازل عن مال له وقبل بغيره فله ذلك؛ لأنه حقه وله التصرف فيه فالعبرة في الصلح بتحقق التراضي بين المتنازعين، فإذا حصل التراضي على أمر ليس فيه ما يخالف الشرع؛ صح الصلح.
قال المؤلف في شرحه على الدرر: وأخرج البخاري من حديث جابر: أن أباه قُتل يوم أحد شهيداً وعليه دَين، فاشتد الغرماء في حقوقهم، قال: فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فسألهم أن يقبلوا ثمر حائطي ويحللوا أبي فأبوا، فلم يعطهم النبي صلى الله عليه وسلم حائطي. وقال «سأغدو عليك» فغدا علينا حين أصبح فطاف في النخل ودعا في ثمرها بالبركة فجددتها فقضيتها وبقي لنا من ثمرها (1).
وفيه جواز الصلح عن معلوم بمجهول. انتهى كلامه رحمه الله.
أقول: المجهول ربما إذا عرف لا يحصل الرضا به بعد معرفته؛ فإذا كان هذا الاحتمال قائماً فلابد من العلم به. والله أعلم
(1) أخرجه البخاري (2601).
قال المؤلف رحمه الله: (وعن الدَّمِ كالمَالِ بأقَلَّ مِنَ الدَّيةِ أو أَكثرَ)
أي وكذلك الصلح عن الدم، كأن يقتل رجلٌ رجلاً فيصطلح مع أولياء المقتول على أن يأخذوا الدية بدل القصاص، ففي هذه الحال يصير الصلح على مالٍ، فحكمه كحكم الصلح على المال المتقدم.
الدية مقدرة في الشرع ولكنها حق لأولياء المقتول، فإذا رضوا بالتنازل عنها أو عن بعضها فلهم ذلك؛ لأن هذا من حقهم ولهم أن يتنازلوا عنه أو عن بعضه؛ لأنها حقوق مادية، العبرة فيها بالتراضي.
قال المؤلف رحمه الله: (ولو عَن إِنكارٍ)
صورة ذلك أن يدَّعي رجل على رجل آخر مائة دينار، فينكره في جميعها.
زيد يقول: لي على عمرو مائة دينار، وعمرو يقول: ليس لك عندي شيء، حصل إنكار من عمر، فيصالحه على النصف من ذلك المقدار.
نقول لهما: زيد أنت تدَّعي بأن لك عند عمرو مائة دينار، وعمرو يدَّعي أنه ليس لك عنده من المال شيء فنصلح بينكما على أن لك منه خمسين ديناراً وننهي هذا الأمر، فإذا اتفقا على ذلك وتراضيا صح ذلك.
فيقول المؤلف: حتى وإن حصل إنكار أصلاً للحق، ولكن استطعنا أن نحقق التراضي بينهما بأن يدفع المنكر شيئاً من المال المدعى وينتهي النزاع، يقول المؤلف: يصح ذلك.