الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يريد المؤلف أن الأمة إن كانت قد تزوجت بعبد مملوك ثم أعتقت صارت من حيث الرق والحرية أعلى منه فهو ليس كفءً لها، فتُخيَّر بين أن تبقى على نكاحها وبين أن تنفصل عنه.
أما إذا كان حرَّاً فليس لها خيارٌ في ذلك؛ لأنه يعتبر كفءً ومساوياً لها.
دليل ما ذكره المصنف رحمه الله -حديث بريرة في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: اشتريت بريرة، فاشترط أهلها ولاءها، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال:«أعتقيها، فإن الولاء لمن أعطى الورق» ، فأعتقتها، فدعاها النبي صلى الله عليه وسلم، فخيرها من زوجها، فقالت: لو أعطاني كذا وكذا ما ثبت عنده، فاختارت نفسها» (1)
قال المؤلف رحمه الله
(بابُ العُيُوبِ وَأَنْكِحَةِ الكُفَّارِ)
عقد المؤلف هذا الباب ليبين حكم العيب الذي يكون في الرجل أو في المرأة ويؤدي إلى نفرة الرجل عن المرأة أو نفرة المرأة عن الرجل، وكذلك عَقَده لبيان حكم أنكحة الكفار.
قال رحمه الله: (وَيَجُوزُ فَسْخُ النِّكاحِ بِالعَيْبِ)
العيب: كل ما يَفُوت به غرض الزوج أو الزوجة من النكاح.
هذا مذهب جمهور علماء الإسلام وهو قول الصحابة؛ يجوِّزون فسخ النكاح بالعيب.
ينقسم العيب إلى قسمين:
فوات صفة كمال، وفوات صفة نقص.
فحُسْنُ الخُلُقِ مثلاً صفة كمال؛ إذا وُجدت في الرجل يعتبر كاملاً، وإذا نقصت يعتبر ناقص الكمال.
لكن الجَبَّ - مثلاً - وهو قطع الذكر؛ صفة نقص مؤثرة في النكاح.
(1) البخاري (2536)، ومسلم (1504).
فالعيب الذي يفوِّت صفة كمال لا خيار فيه إلا بالشرط، أي إلا إذا اشترط في عقد النكاح أن لا يكون.
والعيب الذي يفوت صفة نقص؛ ففيه الخيار للزوج والزوجة؛ فيُفسخ النكاح بسبب هذه الصفة إن أرادا.
وضابط العيب الذي يُفسخ النكاح به؛ هو كل عيبٍ ينفِّر الزوج الآخر منه، ولا يحصل به مقصود النكاح من الرحمة والمودة.
هذا الضابط هو الذي ذكره ابن القيم رحمه الله فيما يوجب الخيار ويجوز به فسخ النكاح.
مثال ذلك:
رجل تزوج امرأة وكان مجبوب الذكر- يعني مقطوع الذكر- فلا قدرة له على الجماع، هذا عيب مؤثر ينفر الزوجة من زوجها، ولا يحصل به مقصود النكاح، فمثل هذا يكون للمرأة فيه الخيار- بعد أن تعلم بالعيب - بين الاستمرار في عقد النكاح وفسخ العقد.
فسخ النكاح؛ هو فك عقدة النكاح.
مثال آخر:
وجود مرض منفر في المرأة، فللرجل أن يفسخ النكاح بعد أن يعلم بالعيب.
وكذا لو كان العيب في الرجل، فللمرأة الفسخ، ولها المهر كاملاً إن دخل بها، ونصف المهر إن لم يدخل بها.
وإذا كان العيب في المرأة فلها المهر كاملاً إن دخل بها، ونصف المهر إن لم يدخل بها؛ إذا لم تكن هي من غشه؛ فإن كانت هي التي غشّته فلا تعطى المهر؛ لأنها هي التي أوقعت الغش عليه فلا حق لها في هذه الحالة.
فإن كان الغش من غيرها؛ فيرجع الزوج على من غشه بالمهر، فتعطى المرأة مهرها، ويستحقه الزوج ويطلبه ممن غشه.
يعني فلنقل بأن الولي هو الذي غش الزوج ففي هذه الحالة يفسخ النكاح، ويعطي المرأة مهرها، ويرجع بالمهر الذي أعطاه للمرأة على الولي الذي غشه، بمعنى أنه يأخذ المهر من الولي الذي غشّه.
والفسخ يكون عن طريق القضاء عند الحاكم.
استدلوا على الفسخ بالعيب في النكاح بحديث ابن عمر أو زيد بن كعب (1) ولا يصح.
ولكنه ثابت عن عمر رضي الله عنه من قوله (2).
قال المؤلف رحمه الله: (ويُقَرُّ مِنْ أَنْكِحَةِ الكُفَّارِ- إِذا أَسْلَمُوا- ما يُوافِقُ الشَّرْعَ)
إذا أسلم زوجان كافران معاً؛ فإن زواجهما جائز إذا لم يكن مخالفاً للشرع.
أما إن كان مخالفاً للشرع- كأن يكون الرجل متزوجاً من أخته - فمثل هذا لا يُقر في شرع الله تبارك وتعالى؛ فيفرّق بينهما، أما إذا كان زواجه زواجاً شرعياً في الإسلام؛ كمن تزوج بأي امرأة غريبة عنه، ثم أسلما مع بعضهما؛ فنكاحهما يُقرُّ ولا يطلب منهما أن يجددا النكاح.
دليل هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يطلب ممن أسلم من الكفار تجديد عقد الزواج.
لكن إذا كان الزواج غير شرعي في الإسلام، أو كان دوامه غير شرعي؛ فلا بد من التفريق بينهما كما لوتزوج أخته أو إحدى محارمه.
أو كمن جمع بين أختين فيؤمر أن يترك واحدة منهما، أو جمع بين أكثر من أربع نسوة؛ فيؤمر أن يترك الزيادة على الأربع.
(1) أخرجه أحمد (16032)، وسعيد بن منصور (829)، وأبو يعلى الموصلي (5699)، والبيهقي في الكبرى (7/ 348)، ونقل عن البخاري تضعيفه، انظر إرواء الغليل (1912) للألباني.
(2)
الموطأ (3/ 752) للإمام مالك.
قال المؤلف في شرحه: لحديث الضحاك بن فيروز، عن أبيه، عند أحمد وأهل السنن والشافعي والدارقطني والبيهقي - وحسنه الترمذي، وصححه ابن حبان - قال: أسلمت وعندي امرأتان أختان، فأمرني النبي صلى الله عليه وسلم أن أطلق إحداهما (1).
وأخرج أحمد، وابن ماجه، والترمذي، والشافعي، وابن حبان، والحاكم - وصححاه -، عن ابن عمر، قال: أسلم غيلان الثقفي وتحته عشر نسوة في الجاهلية، فأسلمن معه، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يختار منهن أربعاً (2). انتهى كلامه رحمه الله.
والصحيح أن الحديثين ضعيفان، ضعفهما الإمام البخاري رحمه الله وغيره، وقال ابن عبد البر: الأحاديث التي في تحريم نكاح ما زاد على الأربع معلولة كلها.
وقال الإمام أحمد في حديث غيلان: ليس بصحيح، والعمل عليه.
ولا خلاف في وجوب ترك الأكثر من أربع، قاله ابن قدامة في المغني. والله أعلم
قال المؤلف: (وإِذا أَسْلَمَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ انْفَسَخَ النِّكَاحُ، وَتَجِبُ العِدَّةُ)
يقول المؤلف: إذا أسلم أحد الزوجين انفسخ النكاح.
عندنا ثلاث حالات:
الأولى: أن يكون الزوجان مشركَيْن؛ فإذا أسلم أحدهما ينفسخ النكاح بمجرد إسلام أحد الزوجين.
الثانية: أن يكون الزوجان كتابيين: من اليهود والنصارى؛ فإذا أسلمت المرأة انفسخ النكاح؛ لأن المرأة المسلمة لا يجوز أن تبقى تحت مشرك سواء كان كتابياً أم غير كتابي.
أما إذا أسلم الرجل وكانت المرأة كتابية؛ فلا ينفسخ النكاح؛ لأن في شرعنا يجوز أن يدوم مثل هذا النكاح.
الثالثة: أن يكون أحد الزوجين مشركاً والآخر كتابياً؛ فإذا كان الرجل مشركاً وأسلم فيبقى النكاح لأن المرأة كتابية.
(1) انظر تنقيح التحقيق لابن عبد الهادي (4/ 357).
(2)
انظر تنقيح التحقيق لابن عبد الهادي (4/ 354).
أما إذا كانت المرأة هي المشركة والرجل كتابي ثم أسلم الرجل؛ ينفسخ النكاح؛ لأن نكاح المشركة لا يجوز.
ونعني بالكتابية والكتابي؛ أن يكون من أهل الكتاب: اليهود والنصارى.
وقوله: (وتجب العدة).
العِدَّة هنا عدة الفسخ، ليست عدة الطلاق على الصحيح من أقوال أهل العلم؛ أن الفسخ عدته ليست عدة طلاق.
فلا يُطلب منها أن تعتد عدة طلاق: ثلاث حيضات؛ بل يُطلب منها فقط أن تحيض حيضة واحدةً وتطهر استبراءً للرحم - أي حتى نتحقق من عدم وجود حمل -؛ لأنه ليس طلاقاً وإنما هو فسخ، جاء عن ابن عباس في صحيح البخاري قال:«كان إذا هاجرت امرأة من أهل الحرب لم تُخطب حتى تحيض وتطهر؛ فإذا طهُرَت حَلَّ لها النكاح، وإن جاء زوجها قبل أن تَنكح رُدَّت إليه» (1) أي جاء مسلماً.
يعني إذا كانت المرأة قد أسلمت وكان زوجها مشركاً فلا يخطبها أحد حتى تحيض حيضة وتطهر، ثم بعد ذلك لها أن تتزوج، فإن تزوجت انتهى الأمر حتى وإن جاء زوجها وأسلم فلا ترجع إليه، أما إذا لم تتزوج فيجوز لزوجها أن يرجعها متى جاء مسلماً، ولا تتقيد بعدة ولا غيرها كما سيأتي إن شاء الله.
قال المؤلف: (فَإِنْ أَسْلَمَ وَلَمْ تَتَزَوَّجِ المَرْأَةُ؛ كَانَا عَلَى نِكَاحِهِما الأَوَّلِ، وَلَوْ طالَتِ المُدَّةُ إِذا اخْتَارَا ذَلِكَ)
إذا أسلمت المرأة وبقي الرجل مشركاً فتستبرئ بحيضة، تحيض حيضة ثم تطهر ثم بعد ذلك إذا شاءت تزوجت وإذا شاءت أن تنتظر زوجها حتى يسلم انتظرت، فإن انتظرته ولم تتزوج ثم أسلم وجاء فتُرَد المرأة إليه من غيرعقد جديد ولو طالت المدة، دليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم رَدَّ ابنته زينب على أبي العاص بالنكاح الأول (2) ولم يُحدث شيئاً، وكان ذلك بعد سنتين من إسلامها؛ فقد أسلمت قبل زوجها بسنتين.
(1) أخرجه البخاري (5286)
(2)
أخرجه أحمد (2366)، وأبو داود (2240)، والترمذي (1143)، وابن ماجه (2009) عن ابن عباس رضي الله عنه.