الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
البائع والمشتري كلاهما بالخيار، للبائع أن يرجع عن البيع ما داما في نفس المجلس لم يتفرقا، وللمشتري أن يرجع عن الشراء؛ لكن إذا حصلت الفرقة بالأبدان انتهى الخيار، بأن خرج أحدهما من المحل مثلا فتفرقا.
تفضُّلاً بعد ذلك إذا أراد أن يتفضل المشتري أو البائع بالرجوع فله ذلك، لكن الوجوب لا يجب على هذا ولا على هذا.
في رواية للحديث: «البيعان بالخيار ما لم يتفرقا إلا بيع الخيار» (1) أي إلا أن يُخيِّر أحدهما الآخر فيختار إمضاء البيع، فلا خيار بعد ذلك، حتى وإن لم يتفرقا، يعني إذا اشتريت منك وقلت لك: تم البيع لا رجعة، ووافقت أنت على ذلك فلا رجعة لأحدهما في ذلك حتى وإن لم يتفرقا.
وسيأتي أيضاً أنواع الخيار هي سبعة، ذكر المؤلف منها اثنين: خيار الخداع، وخيار المجلس، وسيأتي إن شاء الله الكلام عن البقية.
قال المؤلف رحمه الله:
باب الربا
انتهى من البيوع التي نهي عنها وبدأ بباب هو من أهم أبواب البيوع، وهو الربا.
الربا في اللغة هو: الزيادة، يقال: رَبا الشيء إذا زاد.
قال تعالى: {أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ} أي هي أكثر عدداً.
وقال سبحانه: {فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ} أي زادت ونمت.
وأما في الاصطلاح فمنه ربا قرض، وهذا سيأتي الحديث عنه في باب مستقل إن شاء الله.
ومنه ربا بيع، ربا في البيوع، وهذا المقصود هنا.
وهو قسمان: ربا فضل وربا نسيئة.
ربا الفضل: ربا الزيادة.
وربا النسيئة أي ربا التأخير.
والربا محرَّم في كتاب الله وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وبإجماع أهل الإسلام، بل واليهودية والنصرانية أيضاً.
قال تعالى: {وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} ، وقال سبحانه:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} ، وقال:{الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} أي لا يقومون من قبورهم عند البعث إلا كما يقوم المصروع الذي أصابه الشيطان بالصرع، المس الشيطاني الذي نسميه نحن اليوم: التلبُّس.
ولعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه، وقال:«هم سواء» (2).
(1) أخرجه البخاري (2111)، ومسلم (1531).
(2)
أخرجه مسلم (1598).
وعدّه صلى الله عليه وسلم من السبع الموبقات (1) أي المهلكات، وقال صلى الله عليه وسلم:«رأيت الليلة رجلين أتياني فأخرجاني إلى أرض مقدسة، فانطلقنا حتى أتينا على نهر من دم فيه رجل قائم، وعلى وسط النهر رجل بين يديه حجارة، فأقبل الرجل الذي في النهر، فإذا أراد الرجل أن يخرج، رمى الرجل بحجر في فيه، فرده حيث كان، فجعل كلما جاء ليخرج رمى في فيه بحجر فيرجع كما كان، فقلت: ما هذا؟ فقال: الذي رأيتَه في النهر آكل الربا» (2) نسأل الله العافية، والله المستعان، لا أدري الناس أين هم من هذه النصوص المرعبة، ما أكثر أكلهم الربا في هذه الأيام، لا يكاد يجتنبه إلا من رحم ربك والله المستعان.
والإجماع منعقد على حرمة الربا (3) والربا من كبائر الذنوب.
قال المؤلف رحمه الله: (يَحرُمُ بيعُ الذَّهبِ بالذَّهبِ، والفِضّةِ بالفضّةِ، والبُرِّ بالبُرِّ، والشَّعيرِ بالشَّعيرِ، والتَّمرِ بالتَّمرِ، والمِلحِ بالمِلحِ، إلا مِثلاً بمِثلٍ، يداً بيدٍ)
هذا معنى حديث عبادة بن الصامت، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح؛ مثلاً بمثل، سواء بسواء، يداً بيد، فإذا اختلفت هذه الأصناف، فبيعوا كيف شئتم، إذا كان يداً بيد» (4).
ذكرنا أن ربا البيوع نوعان: ربا فضل وربا نسيئة.
المقصود بربا الفضل: ربا الزيادة، وهذا يكون في الأصناف التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم وما يُلحق بها، أي ما في معناها.
المراد من ذلك أنك إذا أردت أن تبيع ذهباً وتشتري ذهباً، يجب أن يكون الذهب الذي تدفعه مثل الذهب الذي تشتريه: غراما بغرام، وعشرة بعشرة، هذا معنى (مِثلاً بمثل (.
يعني إذا دفعت لمشتري الذهب منك الذي تريد أن تأخذ منه ذهباً مقابله، إذا دفعت له مائة غرام من الذهب، يجب أن تأخذ منه مائة غرام من الذهب، لا تزيد ولا تنقص، إذا دفعت له نص كيلو تأخذ منه نص كيلو مثلاً بمثل، هذا معنى مثلاً بمثل، سواءً بسواء.
(يداً بيد) يعني: لا يجوز تأخير التقابض بل يجب الاستلام والتسليم في نفس المجلس.
الأول الذي هو ربا الفضل لا يجوز أن يكون فيه فضل، أي زيادة، فإذا كان فيه فضل فهو ربا الفضل.
وإذا كان مثلا بمثل، ولكنك أخّرت القبض، دفعت له مائة غرام وقلت له: سآتيك بعد شهر آخذ منك مائة غرام، هذا ربا النسيئة.
(1) أخرجه البخاري (2766)، ومسلم (89).
(2)
أخرجه البخاري (2085).
(3)
نقل الإجماع ابن حزم في «مراتب الإجماع» (ص 89) وغيره.
(4)
أخرجه مسلم (1587).
أو كما يفعل الناس اليوم مع محلات الذهب، يشتري المشتري من صاحب المحل ذهبا ويؤجل الدفع هذا ربا نسيئة أي ربا تأخير.
والأصناف الربوية التي يُشترط فيها الشرطان - شرط التماثل وشرط التقابض في المجلس-: الذهب والفضة والقمح والشعيروالتمروالملح، هذه المنصوص عليها في الحديث.
بقوله (مثلاً بمثل (منع التفاضل فلا يجوز كيلو بكيلوين مثلا من نفس الصنف، وبقوله (يداً بيد (منع التأخير، فيجب التقابض في المجلس ولا يجوز تأخير القبض لا من البائع ولا من المشتري، الأول يسمى ربا الفضل، والثاني يسمى ربا النسيئة.
قال المصنف: (وفي إلحاقِ غيرِها بها خِلافٌ)
هذه الأصناف المذكورة اتفق أهل العلم على أنها أصناف ربوية، أي الربا يجري فيها.
ولكن اختلفوا هل المقصود من ذكر هذه الأصناف بالذات في الحديث هو عين هذه الأصناف أم المقصود الأوصاف التي فيها فيقاس عليها غيرها؟
إذا كان المقصود العين فإنه لا يُلحق بها غيرها، وإذا كان المقصود الوصف الذي فيها فيُلحق بها كل ما شاركها في هذا الوصف الذي لأجله جُعلت من الربويات.
الذين قالوا بأن المقصود به العين - يعني نفس الأصناف المذكورة فقط- طائفتان:
الأولى: أهل الظاهر الذين لا يرون القياس.
لأن إلحاق غيرها بها قياس، غير منصوص عليها، فالذين لا يرون القياس ويقولون ما في قياس أصلاً في الشريعة؛ يقتصرون على الأصناف المنصوص عليها.
والطائفة الثانية يقولون بالقياس إلا أنهم قالوا: المقصود هنا هي هذه المذكورة فقط، وليس المقصود الوصف.
وخالفهم جمهور أهل العلم.
فقالوا: المقصود الأوصاف وليس الأعيان.
ثم اختلفوا في العلة
وأصح الأقوال أن علة الذهب والفضة الثمنية، أي كون الذهب والفضة أثماناً للأشياء فيُلحق بهما الأوراق النقدية، فالأوراق النقدية أيضاً من الربويات بناءً على أن العلة في الذهب والفضة هي الثمنية.
وقد اتفق أهل العلم على أن علة الذهب والفضة تختلف عن علة البر وما معه من أصناف.
واختلفوا في العلة في البُرّ والشعير والتمر والملح، هم جميعاً قالوا: الذهب والفضة لهما علة، والبقية لهما علة أخرى، لكن اختلفوا في هذه الأربعة أكثر من خلافهم في الذهب والفضة، فالبعض قال: العلة الطُعم، أي كون هذه الأربعة طعاماً فأجرى الربا في كل الأطعمة، وهذا المذهب الأخير عند الشافعية.
فأي طعام يكون من الربويات، بناءً على ذلك لا يجوز بيع التفاح بالتفاح إلا بشرطين: المماثلة والتقابض.
بما أن الإسم واحد والمنفعة واحدة فهو نوع واحد، هذا هو الضابط في عد الشيء صنفا أو صنفين.
التفاح اسمه واحد ومنفعته واحدة فالأحمر والأصفر واحد، فبناءً على القول بأن العلة الطُعم تكون هذه كلها من الربويات.
وإذا كانا صنفين ولكن العلة واحدة؛ كالقمح والشعيرصنفان علتهما واحدة وهي الطعم؛ فيشترط عند بيع القمح بالشعير شرط واحد فقط، وهو التقابض في المجلس.
بيع التفاح بالبيض كبيع البُرِّ بالشعير، تجوزالمفاضلة ولا يجوز التأخير.
قال المصنف: (فإنِ اختلفتِ الأجناسُ جازً التفاضلُ إذا كان يداً بيد)
إذا اختلفت الأجناس جاز التفاضل إذا كان يداً بيد، الكلام كله دائر في حلقة واحدة وهي الربويات فقط، ما ليس ربوياً يجوز أن تبيعه كما تشاء، هذه الأحكام فقط في الأصناف الربوية وما يلحق بها.
الربويات إذا اختلفت الأجناس، يعني تريد أن تبيع ذهبا بفضة، الذهب جنس والفضة جنس آخر، أو تريد أن تبيع قمحا بشعير، القمح جنس والشعير جنس آخر، يقول المؤلف هنا: إذا اختلفت الأجناس جاز التفاضل، يعني يجوزأن تبيع كيلومن الذهب بكيلوين من الفضة أو ثلاثة، الزيادة والنقص جائز، كذلك القمح والشعير، تبيع صاعا من القمح بصعين أو أكثر من الشعير ما في بأس، ولكن يُشترط شرط واحد، إذا كانت الأجناس متحدة يُشترط شرطان، إذا كانت الأجناس مختلفة وكلها من الربويات يشترط شرط واحد وهو التقابض في المجلس.
بقيت صورة أخيرة وهي أننا ذكرنا الذهب والفضة علتهما الثمنية، والبر والشعير والبقية علتها الطعم.
إذا أردت أن تبيع وتشتري ذهبا بشعير لاحظ صنفان ربويان ولكنهما مختلفان في العلة، في هذه الحالة لا يشترط لا التقابض ولا التماثل، فيجوز البيع متفاضلا ومؤجلا، فتبيع صاعا من الشعير بما تشاء من الذهب ولك أن تؤجل أحد الصنفين.
فنقول في الربويات:
ذهب بذهب يجب التقابض والتماثل.
ذهب بفضة يجب التقابض فقط.
ذهب بشعير يجوز التقابض والتماثل.
ثم قال: (ولا يجوزُ بيعُ الجنسِ بجنسهِ مع عدم العلم بالتساوي، وإن صحِبَه غيرُه)
لا يجوز بيع الجنس بجنسه، مثل بيع الذهب بالذهب، مع عدم العلم بالتساوي، ذكرنا يشترط شرطان في هذه الحالة أحدهما المماثلة التي عبر عنها المؤلف بالتساوي.
وإن صحبه غيره، مثل أن تبيع قلادة من الذهب فيها خرز، تأتي للصائغ وتقول له: أريد أن أبيع هذه وآخذ بدلها ذهبا.
فهنا لا بد من التساوي، القدر الذي يعطيكه من الذهب الخالص من غيرالخرز مثل الذهب الذي سيأخذه منك من غيرالخرز الموجود في العِقد الذي عندك، الصافي من الذهب بالصافي من الذهب، لا بد أن يكونا متماثلين.
يشير المؤلف إلى حديث ورد عند مسلم حديث فضالة بن عبيد قال: اشتريت قلادة يوم خيبر باثني عشر ديناراً -الدينار عندهم كان من الذهب- فيها ذهب وخرز، ففصّلتها فوجدت فيها أكثر من اثني عشر ديناراً، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال:«لا تُباع حتى تُفصل» (1).
لا يجوز أن تبيعها وأنت لا تدري كم فيها من الذهب، لا تباع حتى يفصل الخرز عن الذهب وينظر كم فيها من الذهب.
وبإمكناك أن تبيع قلادتك بالأوراق النقدية، وتشتري بأوراق نقدي إذا كان فصل الخرز عن الذهب يفسد القلادة، ويشترط في هذه الحالة شرط واحد وهو التقابض في المجلس.
مسألة الأوراق النقدية:
إذا ثبت عندنا بالقياس أن الأوراق النقدية من الربويات، فهل تعتبر جميع الأوراق النقدية صنفاً واحداً؟ أم تختلف على حسب اختلاف جهة الإصدار؟
حصل خلاف كبير بين العلماء في هذه المسألة، وهي محررة في بحوث هيئة كبار العلماء
وأرجح الأقوال فيها:
أن الأوراق النقدية تختلف على حسب جهة الإصدار، فالدينار الأردني مثلاً يختلف عن الريال السعودي، فالريال السعودي جهة إصدره من السعودية وقيمته تختلف عن قيمة الدينار الأردني الذي جهة إصداره الأردن وهذا يختلف عن الدولار والدولار يختلف عن اليورو، وهكذا.
فإذا اعتبرنا الأوراق النقدية مختلفة في الأجناس، عاملناها معاملة الذهب مع الفضة.
ففي حال تريد أن تصرف ديناراً أردنياً بريال سعودي يشترط شرط واحد وهو التقابض
فإذا أردت أن تصرف ديناراً أردنياً بدينارٍ أردني فيشترط شرطان: التقابض والمماثلة، أي
(1) أخرجه مسلم (1591).
عدم التفاضل في القيمة أي مائة دينار بمائة دينار. والله أعلم
قال المؤلف: (ولا بيعُ الرَّطْبِ بما كان يابساً إلا لأهلِ العَرَايا)
لا يجوز بيع الرطب بما كان يابساً إلا لأهل العرايا، الرَّطب من الربويات لا يجوز بيعه بما كان يابساً، الثمار التى تكون رطبة ثم تيبس من الربويات لا يجوز بيع الرطب منها باليابس.
مثال ذلك:
الرُّطب بالتمر، الرطب من ثمار النخل، قبل أن تكون الثمرة تمراً تكون رطباً.
والرطب طري، بينما التمر يابس.
فلا يجوز بيع الرُّطب بالتمر
لأن الرطب عندما ييبس ينقص وزنه فيختلف.
ويجب التماثل فيهما، والتماثل هنا لا يمكن حصوله لأن الرطب إذا يبس قَلَّ.
جاء في ذلك حديث عن سعد بن أبي وقاص في موطآ مالك قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يُسأل عن شراء التمر بالرطب؟ فقال صلى الله عليه وسلم: «أينقص الرُّطب إذا يبس» فقال: نعم، فنهى عن ذلك (1).
قال الخطابي رحمه الله وهذا الحديث أصلٌ في أبواب كثيرة من مسائل الربا، وذلك أن كل شيءِ من المطعوم مما له نداوة ولجفافه نهاية، فإنه لا يجوز رَطِبه بيابسه؛ كالعنبِ والزبيب، واللحم النيء بالقديد- يعني المجفف- ونحوهما. انتهى
والعلة في ذلك أنه ينقص، أن الرطب منه ينقص عندما ييبس فلا تتحقق المماثلة.
أما قوله: (إلا لأهل العرايا)
فأهل العرايا هم الفقراء الذين لا نخل لهم، فهؤلاء رخص لهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يشتروه من أهل النخل رُطباً يأكلونه وهو على شجره، فيشترونه بخَرْصه تمراً، يعني يأتي المشتري إلى من عنده نخل وعليها رطب وليس عند المشتري إلا التمر ما عنده شيء آخر يدفعه، ويريد
(1) أخرجه مالك (2/ 624)، وأحمد (1552)، وأبو داود (3359)، والترمذي (1225)، والنسائي (4545)، وابن ماجه (2264).
أن يأكل رطباً، فيأتي إلى صاحب النخل فيقدر ما على النخلة من رطب كم قدره، فإذا كان يساوي خمسة أوسق فما دون فهنا يجوز له أن يبيع الرطب للمحتاج مقابل التمر مع أن بيع الرطب بالتمر منهي عنه كما تقدم، ولكن هذه رخصة.
رخص للذين لا يجدون إلا التمر ويريدون أن يأكلوا الرطب رخص لهم مثل هذه، ولكن في حدود الخمسة أوسق لا زيادة.
الوسق: ستون صاعاً، فالقدر المرخص فيه ثلاثمائة صاع.
جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص في العرايا أن تباع بخرصها كيلاً. وهو في الصحيح (1).
وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: رخص النبي صلى الله عليه وسلم في بيع العرايا بخرصها من التمر، فيما دون خمسة أوسق، أو في خمسة أوسق (2).
والخرص: حِزر الشيء، يقال خَرَصْت النخلة أي حَزَرت ثمرها، يعني قدرت ما عليها من ثمر.
قال المؤلف رحمه الله: ولا بيعُ اللّحمِ بالحيوانِ، ويجوزُ بيعُ الحيوانِ باثنينِ أو أكثرَ مِن جِنسهِ)
النهي عن بيع اللحم بالحيوان ورد فيه حديث خاص ولكنه ضعيف، أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع اللحم بالحيوان (3).
(1) أخرجه البخاري (2192)، ومسلم (1539).
(2)
أخرجه البخاري (2382)، ومسلم (1541).
(3)
أخرجه مالك (2/ 655)، وأبو داود في المراسيل (178)، والحاكم في المستدرك (2/ 41)، والبيهقي (5/ 483) عن سعيد بن المسيب مرسلا، وقال البيهقي: هذا هو الصحيح، ورواه يزيد بن مروان الخلال ، عن مالك ، عن الزهري ، عن سهل بن سعد ، عن النبي صلى الله عليه وسلم وغلط فيه. انتهى، وروي من حديث ابن عمر، ولا يصح.
واختلف العلماء في ذلك على حسب العلة التى يذهبون إليها في الربويات، فمن عد اللحم من الربويات قال بعدم الجواز مع تفصيل لهم إن كان اللحم من جنس الحيوان أم ليس من جنسه، وإن كان الحيوان مراداً للحم أم ليس مراداً للحم، تفصيلات كثيرة في هذا الموضوع فمن قال مثلا
بأن علة تحريم البر والشعير
…
إلخ هو الطعم كونها طعاماً، ونظر إلى اللحم فوجد فيه العلة؛ فاللحم من الربويات عنده، فإذا كان المقصود مثلاً بالخروف الذي تريد شراءه هو الطعام فيكون الخروف أيضاً من الربويات فلا يجوز بيع اللحم بالحيوان؛ لأن المساواة والتماثل فيهما أمر لا يمكن تحققه، لذلك منع من هذا البيع.
وأما بيع الحيوان باثنين أو أكثر من جنسه، الذي قال فيه المؤلف: ويجوز بيع الحيوان باثنين أو أكثر من جنسه.
كبيع الناقة بناقتين، بيع الناقة بناقتين بيع الحيوان بجنسه متفاضلاً.
فهذا نصَّ المؤلف رحمه الله على جوازه وهو قول الجمهور؛ لورود حديث في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث جابر في صحيح مسلم: أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى عبداً بعبدين (1).
وأخرج مسلم أيضاً من حديث أنس: رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى صفية بسبعة أرؤس من دحية الكلبي (2).
قال المؤلف رحمه الله: (ولا يجوزُ بيعُ العِينَة)
لحديث ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلا لاينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم» (3).
وبيع العينة: بيع التاجر لشخص سلعته بثمن إلى أجل، ثم يشتريها منه بأقل من ذلك الثمن.
مثاله: هي عبارة عن حيلة على الربا، فيأتي عمرو يريد أن يقترض مثلاً من زيد من الناس مبلغاً من المال قدره ألف دينار وهذا زيد لا يريد أن يُقرضه بدون فائدة، فيتحايل على الشرع للتخلص من الحرام بزعمه.
يقول لعمروالذي يريد القرض، عندي هذه السيارة اشتريها مني بـ بألف وخمسمائة دينار في
(1) أخرجه مسلم (1602)، عن جابر، قال: جاء عبد فبايع النبي صلى الله عليه وسلم على الهجرة، ولم يشعر أنه عبد، فجاء سيده يريده، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:«بعنيه» ، فاشتراه بعبدين أسودين، ثم لم يبايع أحدا بعد حتى يسأله:«أعبد هو؟ » .
(2)
أخرجه مسلم (1365).
(3)
أخرجه أحمد (5007)، وأبو داود (3462).