الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بابُ الضِّيافَةِ
الضيافة: إكرام الزائر بالطعام والشراب ونحوه.
قال المؤلف: (يَجبُ على من وَجدَ ما يَقرِي بهِ مَن نَزلَ مِنَ الضُّيوفِ أن يَفعلَ ذلك)
يجب إكرام الضيف على من كان قادراً على ذلك عند المؤلف ومن قال بقوله؛ دليله حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله: إنك تبعثنا فننزل بقومٍ لا يَقرونا، فما ترى؟ قال:«إن نزلتم بقوم فأمروا لكم بما ينبغي للضيف فاقبلوا، وإن لم يفعلوا فخذوا منهم حق الضيف الذي ينبغي لكم» (1) متفق عليه.
جعل النبي صلى الله عليه وسلم قِرى الضيف حقّاً للضيف، فبما أنها حق له صارت واجبة على الذي يَقري الضيف، وأَذِن له أيضاً بأخذها حتى لو لم يأذن صاحب الدار، فهذا يدل أنها صارت حقاً له وأنها واجبة على صاحب الدار.
وقوله: يَقري أي يُضَيِّف.
(1) أخرجه البخاري (6137)، ومسلم (1727).
(وَحدُّ الضِّيافةِ إلى ثلاثةِ أيامٍ، وما كان ورَاءَ ذلك فصدقةٌ)
دليله قول النبي صلى الله عليه وسلم: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه جائزته يوم وليلة، والضيافة ثلاثة أيام فما بعد ذلك فهو صدقة، ولا يحل له أن يثوي عنده حتى يحرجه» (1) متفق عليه من حديث أبي شريح العدوي رضي الله عنه.
أي يعمل جهده في اليوم الأول بالبِرِّ والإلطاف والإحسان إليه من غير أن يشق على نفسه، وفي الثاني والثالث يقدِّم له ما حضر وما وُجد في البيت ولا يزيد على عادته، فإذا مضى الثالث فقد قضى حقه، فما زاد عليها فما يقدمه له يكون صدقة يتصدق بها عليه.
(ولا يَحِلُّ للضَّيفِ أن يَثوِيَ عِندَهُ حتى يُحرِجَهُ)
أي لا يجوز للضيف أن يقيم عند صاحب الدار أكثر من ثلاثة أيام حتى لا يوقع صاحب الدار في الضيق، ودليله حديث أبي شريح السابق.
الحرج: الضيق.
يثوي عنده: يقيم عنده.
قال المؤلف رحمه الله: (وإذا لم يَفعلِ القَادرُ على الضِّيافةِ ما يجبُ عليهِ؛ كان للضَّيفِ أن يَأخذَ مِن مالهِ بقدرِ قِراهُ)
أي بقدر ضيافته، للضيف أن يأخذ من مال صاحب الدار القدر الذي يُكرَم به في العرف السائد، لحديث عقبة المتقدم.
المؤلف ذهب إلى وجوب ضيافة الضيف.
والعلماء اختلفوا في ذلك فذهب أحمد وغيره إلى الوجوب، وذهب الجمهور إلى الاستحباب إلا للمضطر.
قال النووي رحمه الله في شرح صحيح مسلم: هذه الأحاديث متظاهرة على الأمر بالضيافة والاهتمام بها وعظيم موقعها.
وقد أجمع المسلمون على الضيافة وأنها من متأكدات الإسلام، ثم قال الشافعي ومالك وأبو حنيفة رحمهم الله تعالى والجمهور: هي سنة ليست بوجبة، وقال الليث وأحمد: هي واجبة يوماً وليلة، قال أحمد رضي الله عنه: هي واجبة يوماً وليلة على أهل البادية وأهل القرى دون أهل المدن.
وتأول الجمهور هذه الأحاديث وأشباهها على الاستحباب ومكارم الأخلاق وتأكد حق الضيف؛ كحديث غسل الجمعة واجب على كل محتلم، أي متأكد الاستحباب، وتأولها الخطابي رضي الله عنه وغيره على المضطر. والله أعلم.
استدل من قال بعدم الوجوب بقوله صلى الله عليه وسلم في أبي شريح المتقدم: (جائزته) فالجائزة فى لسان العرب: النِّحلة والعطية، وذلك تفضل وليس بواجب.
(1) أخرجه البخاري (6135)، ومسلم (48).
ثم قال المؤلف: (ويَحرُمُ أكلُ طعامِ الغيرِ بغيرِ إذنِهِ، ومِن ذلك حَلبُ ماشِيتهِ، وأَخذُ ثَمرَتهِ وزرعِهِ، لا يَجوزُ إلا بإذنِهِ، إلَّا أن يَكونَ مُحتاجاً إلى ذلك؛ فلينادِ صاحبَ الإِبلِ أوِ الحَائطِ، فإنْ أجَابَهُ وإلَّا فليشرَبْ وليأكلْ غيرَ مُتَّخذٍ خُبنةً)
الأصل تحريم أموال المسلمين، هذا أصل متفق عليه دلت عليه الأدلة وذكرناها فيما تقدم، ومنها قول النبي صلى الله عليه وسلم:«فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام» (1) متفق عليه.
ومن هذه الأموال: الحليب الذي في ضروع الأنعام، وكذلك الثمار التي على الشجر المملوكة للناس، وكذلك الزروع كالقمح والشعير وما شابه؛ فلا يجوز أخذ شيء من ذلك إلا بإذن مالكه، كما دلت عليه الأدلة العامة في تحريم أموال المسلمين.
وجاء في الصحيحين حديث خاص بحليب المواشي، عن ابن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَا يَحْلُبَنَّ أَحَدٌ مَاشِيَةَ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِهِ، أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تُؤْتَى مَشْرُبَتُهُ، فَتُكْسَرَ خِزَانَتُهُ، فَيُنْتَقَلَ طَعَامُهُ؟ إِنَّمَا تَخْزُنُ لَهُمْ ضُرُوعُ مَوَاشِيهِمْ أَطْعِمَتَهُمْ، فَلَا يَحْلُبَنَّ أَحَدٌ مَاشِيَةَ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِهِ» (2)
مشروبته: غرفة تخزين الطعام.
فتُكسر خزانته فيَنتقل طعامه؟ يعني يحب أحدكم أن يدخل عنده شخص ويكسر الخزينة التي عنده ويأخذ الطعام ويخرج؟
إنما تَخزُن لهم ضروع مواشيهم أطعمتهم أي هذه ضروع المواشي هي عبارة عن خزين تخزن لهم الحليب الذي هو ملكهم، فهذه جعلها النبي صلى الله عليه وسلم كدار الخزين للطعام.
فلا يحلبن أحد ماشية أحد إلا بإذنه.
كما أن أحدكم لا يحب أن يدخل عنده أحد ويكسر دار الخزين ويأخذ ما فيها من طعام، كذلك لا يذهب إلى ضرع شاة يملكها شخص ويأخذ الحليب الذي فيها؛ لأن هذا الضرع هو خزين لهذا الحليب لمالكه.
ويستثنى من ذلك المحتاج، فهذا إذا جاء إلى مزرعة أو إلى مواش، قال المؤلف: فلينادِ على صاحبها فإن أجابه استأذن صاحب الماشية في حلبها أو صاحب الزرع في الأخذ من زرعه أو من ثماره، وإن لم يأته، له أن يأكل ويشرب.
ولكن ليس له أن يأخذ خُبنة، الخبنة: معطف الإزار أو طرف الثوب، يعني ليس له أن يجعل في طرف ثوبه يعني يملأ ثوبه أو يملأ كيساً ويحمل معه، له أن يأكل ويشرب بالقدر الذي يكفيه ثم يخرج، أما يحمل معه فلا.
دليل ذلك حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال: سُئِلَ النبي صلى الله عليه وسلم عَنِ الثَّمَرِ الْمُعَلَّقِ، فَقَالَ: «مَنْ أَصَابَ بِفِيهِ مِنْ ذِي حَاجَةٍ غَيْرَ مُتَّخِذٍ خُبْنَةً، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَمَنْ خَرَجَ بِشَيْءٍ مِنْهُ فَعَلَيْهِ
(1) تقدم تخريجه.
(2)
أخرجه البخاري (2435)، ومسلم (1726).