المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

ولعل هذا هو الراجح، والله أعلم.   ‌ ‌كتاب الصيام قال رحمه الله: - - فضل رب البرية في شرح الدرر البهية

[علي الرملي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة الشارح

- ‌تعريف الفقه

- ‌‌‌الفقه لغةً‌‌واصطلاحاً:

- ‌الفقه لغةً

- ‌واصطلاحاً:

- ‌فالفقه في الشرع:

- ‌وأما الفقه عند الأصوليين:

- ‌وأما الفقه عند الفقهاء

- ‌ترجمة الشوكاني

- ‌«الدُّرَرُ البَهيَّة» للشوكاني

- ‌كتاب الطهارة

- ‌ باب حكم المياه

- ‌(الماءُ طاهرٌ مُطَهِّرٌ)

- ‌(فصل باب النجاسات)

- ‌(بابُ قضاءِ الحاجةِ)

- ‌(بابُ الوضوءِ)

- ‌(فصل: ويستحبُّ التثليثُ)

- ‌(فصلٌ: وينتقضُ الوضوءُ بما خرجَ من الفَرْجَيْنِ من عَيْنٍ أو ريحٍ)

- ‌(بابُ الغُسْلِ)

- ‌(فصلٌ: والغُسْل الواجب هو: أن يُفيضَ الماءَ على جميع بَدَنِهِ، أو يَنْغَمِس فيه مع المضمضةِ والاستنشاقِ)

- ‌(فصلٌ: ويُشْرَعُ لصَلاةِ الجُمُعة)

- ‌(باب التَّيَمُّمِ)

- ‌(بابُ الحَيْضِ)

- ‌(فصل: والنِّفاسُ أكثرُهُ أربعونَ يوماً، ولا حدَّ لأقلّه وهو كالحيضِ)

- ‌كتابُ الصلاةِ

- ‌(باب الأذان)

- ‌(بابُ شروطِ الصلاةِ)

- ‌(بابُ كيفيةِ الصلاةِ، لا تكونُ شرعيةً إلا بالنيَّةِ)

- ‌(باب متى تبطل الصلاة؟ وعمّن تسقط

- ‌(فصل: وتبطل الصلاة بالكلام)

- ‌(فصل: ولا تجبُ على غَيْرِ مُكَلَّفٍ)

- ‌(بابُ صلاة التَّطَوُّعِ)

- ‌(باب صلاة الجماعة)

- ‌(باب سجودِ السهوِ، وهو سجدتانِ قبل التسليمِ أو بعدهُ، وبإحرامٍ، وتشهدٍ، وتحليلٍ)

- ‌(بابُ القضاءِ للفوائتِ)

- ‌(بابُ صلاةِ الجمعةِ، تَجِبُ على كُلِّ مُكَلَّفٍ إلا المرأةَ والعبدَ والمسافرَ والمريضَ)

- ‌(بابُ صلاةِ العيدينِ)

- ‌(بابُ صلاةِ الخوفِ)

- ‌(باب صلاةِ السَّفَرِ، يَجِبُ القَصْرُ)

- ‌(باب صلاة الكسوفين)

- ‌(باب صلاة الاستسقاء)

- ‌كتاب الجنائز

- ‌(فصلٌ: غسل الميت)

- ‌(فصلٌ: تكفينُ الميت)

- ‌ فصل صلاة الجنازة

- ‌(فصل: ويكون المشي بالجِنازةِ سريعاً)

- ‌(فصلٌ: دَفْنُ الميت، ويجبُ دفن الميتِ في حفرة تَمْنَعُهُ السِّباعَ)

- ‌كتاب الزكاة

- ‌(باب زكاةِ الحيوانِ)

- ‌(فصل: إذا بلغت الإبلُ خمساً، ففيها شاةٌ، ثم في كلِّ خمسٍ شاةٌ، فإذا بلغت خمساً وعشرين، ففيها ابنة مَخاضٍ، أو ابن لبونٍ، وفي ستٍّ وثلاثين ابنة لبون، وفي ستٍّ وأربعين حِقّة، وفي إحدى وستين جَذَعة، وفي ستٍّ وسبعين بنتا لبون، وفي إحدى وتسعين حِقّتان إلى

- ‌أولاً: الزكاة واجبة في هذه الحيوانات بثلاثة شروط

- ‌ثانياً: كم المقدار الذي يجب أن يخرج إذا بلغت الإبل النصاب

- ‌(فصلٌ: ولا شيء فيما دُونَ الفريضةِ، ولا في الأوْقاصِ)

- ‌(باب زكاة الذهب والفضة)

- ‌(باب زكاة النبات)

- ‌(باب مصارف الزكاة)

- ‌(باب صدقة الفطر)

- ‌كتاب الخُمُس

- ‌كتاب الصيام

- ‌(باب صوم التطوع)

- ‌(باب الاعتكاف)

- ‌كتاب الحج

- ‌شروط الحج:

- ‌(فصل: ولا يَلْبَسُ المُحْرِمُ القميصَ، ولا العمامة، ولا البُرْنُسَ، ولا السراويل، ولا ثوباً مَسّه وَرْس، ولا زعفران، ولا الخُفَّين إلا أنْ لا يجد نعلين، فليقطعهما حتى يكونا أسفل من الكعبين)

- ‌(فصلٌ: وعند قدوم الحاجّ مكة، يطوف للقدوم سبعة أشواط، يَرمُلُ في الثلاثة الأولى، ويمشي فيما بقي، ويُقَبِّل الحجر الأسود أو يستلمه بِمِحْجَنٍ ويُقَبِّل المحجن ونحوه، ويستلم الركن اليماني)

- ‌(فصل: ويسْعى بين الصفا والمروة سبعة أشواط داعياً بالمأثور)

- ‌(فصل: ثم يأتي عرفة صُبح يوم عرفة مُلبياً مُكبراً ويَجمع العصرين فيها، ويخطُب، ثم يُفيض من عرفة بعد الغروب)

- ‌(باب العمرة المفردة)

- ‌كِتابُ النِّكاحِ

- ‌حكم النكاح:

- ‌مسألة:

- ‌بابُ المُحرَّماتِ في النِّكاحِ

- ‌(بابُ العُيُوبِ وَأَنْكِحَةِ الكُفَّارِ)

- ‌بابُ المَهرِ والعِشرَةِ

- ‌كتابُ الطَّلاقِ

- ‌باب الخلع

- ‌باب الإيلاء

- ‌باب الظهار

- ‌بابُ اللِّعَانِ

- ‌بابُ العِدَّةِ والإحدِادِ

- ‌باب استِبْرَاءِ الإِمَاءِ

- ‌بابُ النَّفقةِ

- ‌بابُ الرَّضَاعِ

- ‌بابُ الحَضَانَةِ

- ‌كتابُ البيوعِ

- ‌ باب الربا

- ‌(باب الخِيارَات)

- ‌باب السَّلَم

- ‌باب القَرْض

- ‌باب الشُّفْعة

- ‌باب الإِجارة

- ‌بابُ الإحيَاءِ والإِقْطَاعِ

- ‌بابُ الشَّرِكة

- ‌بابُ الرَّهْنِ

- ‌بابُ الوَدِيْعَةِ والعَارِيَّة

- ‌بابُ الغَصْبِ

- ‌بابُ العِتْقِ

- ‌بابُ الوقْفِ

- ‌بابُ الهَدَايا

- ‌بابُ الهِبات

- ‌كتاب الأَيمَان

- ‌كتابُ النَّذرِ

- ‌كتاب الأطعِمَة

- ‌بابُ الصَّيدِ

- ‌بابُ الذَّبحِ

- ‌بابُ الضِّيافَةِ

- ‌بابُ آدابِ الأكلِ

- ‌كتابُ الأشرِبةِ

- ‌كتابُ اللِّباسِ

- ‌كتابُ الأُضحِيةِ

- ‌بابُ الوَلِيمةِ

- ‌فصلٌ

- ‌كتابُ الطِّبِّ

- ‌كتابُ الوَكالةِ

- ‌كتابُ الضَّمَانَةِ

- ‌كِتابُ الصُّلحِ

- ‌كتابُ الحَوَالةِ

- ‌كتابُ المُفلسِ

- ‌كتابُ اللُّقطةِ

- ‌كتابُ القَضاءِ

- ‌كِتابُ الخُصُومُةِ

- ‌كِتابُ الحُدُودِ

- ‌بَابُ حَدِّ الزَّانِي

- ‌بابُ حَدِّ السَّرقةِ

- ‌بابُ حَدِّ القَذفِ

- ‌بَابُ حَدِّ الشُّرْبِ

- ‌فَصلٌ

- ‌بَابُ حَدِّ المُحَاربِ

- ‌بابُ مَنْ يَستحقُّ القَتلَ حَدّاً

- ‌كِتابُ القِصاصِ

- ‌كتابُ الدِّياتِ

- ‌بَابُ القَسَامَةِ

- ‌كتابُ الوَصِيَّةِ

- ‌كِتابُ المَوَاريثِ

- ‌كتابُ الجِهادِ والسِّيَرِ

- ‌فَصلٌ

- ‌فصلٌ

- ‌فَصلٌ

- ‌فَصلٌ

الفصل: ولعل هذا هو الراجح، والله أعلم.   ‌ ‌كتاب الصيام قال رحمه الله: -

ولعل هذا هو الراجح، والله أعلم.

‌كتاب الصيام

قال رحمه الله: - (كتاب الصيام)

الصيام لغة، الإمساك.

قال النابغة الذبياني:

خَيْلٌ صِيامٌ وخَيْلٌ غَيْرُ صائِمَةٍ

تَحْتَ العَجاجِ وأخرى تَعْلِكُ اللُّجُما.

والشاهد قوله: (خيل صيام)، أي ممسكة عن الاعتلاف، وقيل ممسكة عن السير، وقيل ممسكة عن الصهيل.

والمهم أنها ممسكة، فأصل الصيام هو الإمساك.

قال تعالى إخباراً عن مريم: {إني نذرت للرحمن صوماً فلن أكلم اليوم إنسيا} أي صمتا وإمساكاً عن الكلام.

قال أبو عبيد - وهو من أئمة اللغة -: كل ممسك عن طعام أو كلام أو سير، صائم.

فهذا أصل الاشتقاق اللغوي للكلمة.

أما في الشرع فالصيام، التعبد لله بالإمساك عن المُفَطِّرات من طلوع الفجر الصادق إلى غروب الشمس.

(التعبد لله)، لا بد أن يكون الإمساك بنية القربة إلى الله تبارك وتعالى.

(بالإمساك عن المُفَطِّرات) أي يجب أن تمسك عن كل المُفَطِّرات من طلوع الفجر الصادق إلى غروب الشمس.

أما حكمه،

فقال المؤلف رحمه الله: (يجب صيام رمضان)

وجوبه ثابت بالكتاب والسنة وإجماع الأمة.

أما الكتاب فقول الله تبارك وتعالى: {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون} [البقرة: 183].

(كتب عليكم): أي فُرِض عليكم.

ص: 206

وقال تعالى: {فمن شهد منكم الشهر فليصمه} ، وهذا أمر والأمر يقتضي الوجوب.

وأما السنة فقول النبي صلى الله عليه وسلم: «بني الإسلام على خمس

» قال منها: «وصيام رمضان» (1).

وفي حديث الأعرابي الذي سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عما يجب عليه، فقال: «

وصيام رمضان»، قال هل علي غيره؟ قال:«لا إلا أن تطّوع» (2).

وأما الإجماع، فقال ابن قدامة في «المغني»:«وأجمع المسلمون على وجوب صيام شهر رمضان» (3).

وقال النووي في «المجموع» : «إن صوم رمضان ركن وفرض بالإجماع» .

وقال: «ودلائل الكتاب والسنة والإجماع متظاهرة عليه، وأجمعوا على أنه لا يجب غيره» (4).

أي لا يجب غير صيام رمضان بغض النظر عن مسألة النذر، فالنذر في أصله ليس واجباً، لكن الشخص الناذر هو الذي أوجبه على نفسه بنذره.

أول ما فُرض من الصيام صيام يوم عاشوراء وكان صيام يوم عاشوراء واجباً على الصحيح وكان في السنة الثانية من الهجرة النبوية.

أخرج الشيخان عن عائشة رضي الله عنها قالت: «كانوا يصومون عاشوراء قبل أن يُفرض رمضان وكان يوماً تستر فيه الكعبة فلما فَرض الله رمضان، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من شاء أن يصومه فليصمه ومن شاء أن يتركه فليتركه» (5)، أي أن عاشوراء كان واجباً إلى أن فُرض صيام شهر رمضان.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في «مجموع الفتاوى» : «وهو صلى الله عليه وسلم لم يصم رمضان إلا تسع مرات، فإنه فرض في العام الثاني من الهجرة بعد أن صام يوم عاشوراء وأمر الناس بصيامه مرة واحدة، فإنه قدم المدينة في شهر ربيع الأول من السنة الأولى وقد تقدم عاشوراء فلم يأمر ذلك العام بصيامه - يعني عاشوراء كان قد سبق مجيئه المدينة -،

(1) أخرجه البخاري (8)، ومسلم (16).

(2)

أخرجه البخاري (46)، ومسلم (11).

(3)

«المغني» لابن قدامة (3/ 104).

(4)

«المجموع» (6/ 252).

(5)

أخرجه البخاري (1592)، ومسلم (1125).

ص: 207

فلما أهلّ العام الثاني أمر الناس بصيامه، وهل كان أمر إيجاب أم أمر استحباب؟ على قولين لأصحابنا - أي الحنابلة - وغيرهم، والصحيح أنه كان أمر إيجاب، ابتُدئ في أثناء النهار، لم يؤمروا به من الليل - يعني فرض صيامه في أثناء النهار، أي أنهم لم يؤمروا به من الليل ويبيتوا الصيام ثم بعد ذلك صاموا في النهار، بل جاءهم فرضه في أثناء النهار -، فلما كان في أثناء الحول - في أثناء السنة - رجب أو غيره فرض شهر رمضان» (1).

أول ما فُرض صيام شهر رمضان كان الناس مخيرين بين أن يصوموا أو أن يطعموا، ثم نُسخ هذا الحكم وصار صيام رمضان واجباً على القادر.

قال سلمة بن الأكوع: «كنا في رمضان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من شاء صام ومن شاء أفطر فافتدى بطعام مسكين، حتى أنزلت هذه الآية: {فمن شهد منكم الشهر فليصمه} (2) [البقرة: 185]، وفي رواية: «لما نزلت: {وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين}، كان من أراد منا أن يُفطر ويفتدي حتى نزلت هذه الآية التي بعدها فنسختها» (3).

فكانوا في البداية مخيرين، من أراد أن يصوم صام، ومن أراد أن يترك فله ذلك بشرط أن يفتدي ويُطعم مسكيناً عن كل يوم يفطره، ثم بعد ذلك أنزل الله تبارك وتعالى:{فمن شهد منكم الشهر فليصمه} ، فصار صيام رمضان واجباً على الجميع وليس لأحد أن يفتدي ويتركه لغير عذر.

قال المؤلف رحمه الله: - (لرؤية هلاله من عدل)

أي أن وقت بدء صيام رمضان دخول الشهر، والشهر يدخل برؤية هلاله لقوله صلى الله عليه وسلم:«صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته» (4).

أي، صوموا لرؤية الهلال وأفطروا لرؤية الهلال.

والرؤية المقصودة هنا الرؤية العينية، يقدر عليها أي أحد من المسلمين، فإن خطابه صلى الله عليه وسلم لم يكن للمتعلمين والمثقفين، بل كان يُخاطب كل أحد، البدوي والحضري، المتعلم والجاهل، الرجل والمرأة، وليس الخطاب لمن يدرس الحسابات الفلكية، فإنها غير معتبرة، فإن الله تبارك وتعالى إذا وضع علامة من العلامات على وجوب عبادة من العبادات يضع علامة

(1)«مجموع الفتاوى» (25/ 295).

(2)

أخرجه مسلم (1145).

(3)

أخرجه البخاري (4507)، ومسلم (1145).

(4)

أخرجه البخاري (1909)، ومسلم (1081).

ص: 208

واضحة يشترك كل الناس في معرفتها، فالرؤية التي أمر بها النبي صلى الله عليه وسلم ها هنا هي رؤية عينية، حتى جاء في الحديث أنه قال:«إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب الشهر هكذا وهكذا يعني مرة تسعة وعشرين ومرة ثلاثين» (1).

فالاعتماد في رؤية الهلال يجب أن يكون على البصر، على العين، إن رأيناه صُمنا وإن لم نره أكملنا عدة الشهر ثلاثين يوماً كما جاء في الحديث الآخر.

وقوله هنا: (من عدل) أي، يكفي في ثبوت رمضان إخبار عدل واحد مسلم موثوق بدينه بأنه رأى الهلال، فإذا جاء شخص واحد وأثبت هذه الرؤية مباشرة صام الناس جميعاً بناء على رؤيته وعلى خبره، ولا يشترط عدلان، والمسألة فيها خلاف بين أهل العلم،

هل يشترط اثنان لرؤية الهلال أم تكفي شهادة واحدٍ؟

والصحيح أن واحداً يكفي لحديث ابن عمر، قال:«تراءى الناس الهلال فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم أني رأيته فصام وأمر الناس بصيامه» (2).

وقوله «تراءى الناس الهلال» ، أي اجتمعوا لرؤية الهلال.

فثبت عمل النبي صلى الله عليه وسلم برؤية ابن عمر للهلال وهو واحد عدل، وهذا ظاهر ودلالته واضحة إن شاء الله.

قال الترمذي بعد أن ساق حديث الأعرابي أنه شهد عند النبي برؤية هلال رمضان، وأنه عليه السلام أمر أن ينادي بلال بالصيام من الغد (3) - وهو حديث ضعيف -، قال رحمه الله:«والعمل على هذا الحديث عند أكثر أهل العلم، قالوا: تقبل شهادة رجل واحد في الصيام، وبه يقول ابن المبارك، والشافعي، وأحمد، وأهل الكوفة .. » (4) أي يكفي في ثبوت شهر رمضان شهادة رجل واحد وبه يقول ابن المبارك والشافعي وأحمد، وقال النووي وهو الأصح.

قال المؤلف رحمه الله: (أو إكْمال عِدَّةِ شعبان)

يجب صيام رمضان إما برؤية الهلال من عدل أو بإكمال عدة شعبان، فالشهر العربي لا

(1) أخرجه البخاري (1913)، ومسلم (1080).

(2)

أخرجه أبو داود (2342)، والدارمي (1733)، والدارقطني في «سننه» (2146).

(3)

أخرجه الترمذي (691)، وأبو داود (2340).

(4)

«سنن الترمذي» تحت الحديث (691).

ص: 209

يكون إلا تسعة وعشرين أو ثلاثين يوماً، ولا يكون واحداً وثلاثين يوماً أبداً، فإن لم نتمكن من رؤية هلال رمضان أكملنا عدة شعبان ثلاثين يوماً ثم صمنا، لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة:«صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غُمَّ عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين» (1).

«فإن غُّمَ عليكم» أي سُتِرَ وغُطِّيَ بالغيم أو بغيره بحيث أنكم لا تستطيعون رؤية الهلال، فأكملوا عدة الشهر ثلاثين يوماً.

فالشهر يدخل برؤية الهلال، أو بإكمال شهر شعبان ثلاثين يوماً، والرؤية تثبت برؤية عدل واحد من المسلمين.

قال رحمه الله: (ويصوم ثلاثين يوماً ما لم يظهر هلال شوال قبل إكمالها)

أي، يكون انتهاء شهر رمضان برؤية هلال شوال أو بإكمال رمضان ثلاثين يوماً إذا لم نر هلال شوال قبل ذلك، ودليله حديث ابن عمر:«لا تصوموا حتى تروا الهلال، ولا تفطروا حتى تروه، فإن غُمَّ عليكم فاقدروا له» (2)، وفي رواية:«فاقدروا له ثلاثين» ، وفي رواية «فأكملوا العدة ثلاثين» .

وجميع العلماء على أن هلال شوال يُشترط له عدلان ولا يكفي واحد كما هو الحال في دخول شهر رمضان، إلا أبا ثور، ووافقه ابن المنذر والشوكاني فذهبوا إلى أنه يُكتفى بواحد هنا قياساً على هلال رمضان، واحتج الجمهور بحديث أمير مكة الحارث بن حاطب قال:«عهد إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نَنسُك للرؤية فإن لم نره وشهد شاهدا عدل نسكنا بشهادتهما» (3).

فهذا الحديث يدل على أن الأصل في أمر الهلال شهادة عدلين، وأن المدار فيه على شاهدي عدل، ويستثنى منه هلال رمضان، لحديث ابن عمر المتقدم فمنطوقه أقوى دلالة من مفهوم هذا الحديث فيقدم عليه.

أي أن منطوق حديث ابن عمر يدل على أن الواحد العدل يُكتفى به في إثبات هلال رمضان، وهذا الحديث يُفهم منه بمفهوم المخالفة أن الواحد لا يُكتفى به، فالمنطوق يُقدم على المفهوم عند التعارض، هذا هو الصحيح، والله أعلم.

(1) أخرجه البخاري (1909)، ومسلم (1081).

(2)

أخرجه البخاري (1906) ومسلم (1080).

(3)

أخرجه أحمد (18895)، وأبو داود (2338)، والدارقطني (2191).

ص: 210

قال المصنف: (وإذا رآه أهل بلد لزم سائر البلاد الموافقة)

فإذا رُئي في الأردن هنا مثلاً، لزم جميع دول الإسلام أن تصوم معنا، وإذا رُئي في مصر لزم جميع البلاد أن تصوم معهم، هذا مقتضى كلام المؤلف رحمه الله.

والأحاديث المتقدمة التي فيها الأمر بالصيام والفطر لرؤية الهلال تدل على ما ذكره المصنف، فإن قوله صلى الله عليه وسلم:«صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته» ، خطاب لأمة محمد صلى الله عليه وسلم كلها، فإذا رُئِيَ في أي بلد لزمنا أن نصوم وأن نفطر.

وخالف البعض، فقالوا لكل أهل بلد رؤيتها، واستدل هؤلاء بحديث كُرَيب عند مسلم وغيره:«أنه استهل عليه هلال رمضان وهو بالشام، فرأى الهلال ليلة الجمعة فقدم المدينة فأخبر بذلك ابن عباس، فقال ابن عباس: لكنا رأيناه ليلة السبت فلا نزال نصوم حتى نكمل ثلاثين أو نراه، ثم قال هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم» (1)، أي أن كريباً كان في الشام واستهل عليه الهلال - أي رآه - ليلة الجمعة - أي الخميس ليلاً، وهو ما يسمى ليلة الجمعة، فإن الليل يسبق النهار - فلما أخبر ابن عباس، قال إنا رأيناه ليلة السبت، ففهم البعض من هذا الحديث أن ابن عباس قال: هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي أن كل بلد يعمل برؤيته ولا يلزمه أن يعمل برؤية البلاد الأخرى.

وهذا الحديث ليس فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم بأن لا يعملوا برؤية غيرهم من أهل الأمصار، وكلامه ليس صريحاً أنه من قول النبي صلى الله عليه وسلم، والظاهر أنه استدلال من ابن عباس، فذهب رضي الله عنه إلى أن المراد بالرؤية رؤية أهل المحل.

والظاهر أن قوله «هكذا أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم» إشارة إلى قوله: «فلا نزال نصوم حتى نكمل ثلاثين أو نراه» ، هذا الذي وردت به الأحاديث.

أما الشطر الأول، فلم يرد فيه حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم فحمل كلام ابن عباس في معرفة المرفوع من كلامه على المعنى الأول خطأ، لأن المعنى الثاني هو الذي وردت الأحاديث في تصديق أنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، فحمل الكلام على ما هو موجود ومروي أولى من حمله على شيء محتمل، وإذا ثبت عندنا أن هذا اجتهاد من ابن عباس، فلا يكون محل دلالة، والصحيح هو الأخذ بظاهر الأحاديث المتقدمة «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته» .

(1) أخرجه مسلم (1087).

ص: 211

واحتمال أن يكون عند ابن عباس حديث في المنع من العمل برؤية غيرهم من أهل الأقطار، ضعيف، لأنه لو وجد حديث كهذا لما خفي حتى لا يعلم إلا في كلام محتمل كهذا.

إذن يلزم قول المؤلف أنه (إذا رآه أهل بلد لزم سائر البلاد الموافقة)، وجمهور أهل العلم على هذا.

قال المؤلف رحمه الله: (وعلى الصائم النِّية قبل الفجر)

أي تجب النية على من أراد الصيام قبل طلوع الفجر الصادق، فلا يصح العمل إلاّ بنية لقوله صلى الله عليه وسلم:«إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى .. » (1) الحديث.

والصحيح التفريق في ذلك بين الفريضة والنافلة، فالفريضة يجب أن ينوي لها قبل الفجر، وأما النافلة فيجوز أن ينوي في أثناء النهار بشرط أن لا يكون أكل أو شرب قبل ذلك.

ودليل وجوب تبييت النية في الفريضة، أن جميع الزمان - من أول اليوم إلى آخره - يجب فيه الصوم، والنية يجب أن تكون قبل البدء بالعمل كما في جميع العبادات، فيجب أن تكون النية سابقة للعمل، وبما أن الصيام واجب في كل جزء من أجزاء اليوم، فلا يصح أن تكون النية في أثناء النهار، إذ النية لا تنعطف على الماضي، بمعنى أنك إذا أردت أن تصوم اليوم الأول فيجب أن تبدأ الصيام من أوله، ومن نوى بعد طلوع الفجر لا يقال صام يوماً، هذا ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بالمعنى (2).

وأما ما يستدل به الجمهور الذين يقررون بأن الفريضة يجب أن ينوى لها قبل طلوع الفجر الصادق، وهو حديث حفصة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من لم يُبَيِّتِ الصيام قبل الفجر فلا صيام له» (3) أخرجه أحمد وأبو داود وغيرهما، فَرَجَّح وقفه أبو داود والترمذي والنسائي، رجَّحوا وقفه على حفصة، وضعفه الإمام أحمد والبخاري وغيرهم.

والصحيح أنه من قول حفصة، صح عنها وصح أيضاً عن ابن عمر من قوله، وهو قول صحيح، لكنه ليس مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

(1) أخرجه البخاري (1)، ومسلم (1907).

(2)

«مجموع الفتاوى» لشيخ الإسلام ابن تيمية (25/ 120).

(3)

أخرجه أحمد (26457)، وأبو داود (2454)، والترمذي (730)، والنسائي (2331).

ص: 212

وأما دليل صحة النية في أثناء النهار في النافلة فحديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها فقال: «هل عندكم شيء؟ » ، قالت: قلنا: لا، قال:«فإني إذاً صائم» (1).

وتجويز عقد نية صيام النافلة في أثناء النهار توسيع على العباد للإكثار من التطوع.

مسألة: هل تكفي نية واحدة من أول شهر رمضان إلى آخره أم يجب لكل يوم نية؟

اختلف أهل العلم في ذلك، والراجح - إن شاء الله - أنها تكفي بشرط أن لا ينقطع الصيام في أثناء الشهر لعذر ما، فإذا انقطع الصيام في أثناء الشهر وجب تجدد النية.

ودليل جواز عقد نية واحدة للشهر كله أن شهر رمضان بالكامل عبادة واحدة فيكفي له نية واحدة.

والدليل على أن شهر رمضان ككل عبادة واحدة قول الله تبارك وتعالى: {فمن شهد منكم الشهر فليصمه} [البقرة: 185] والشهر اسم زمان لشيء واحد فكان الصوم من أوله إلى آخره عبادة واحدة كالصلاة والحج.

وتظهر فائدة هذه المسألة في صورة رجل نام في نهار يوم من أيام رمضان، ولم يستيقظ إلا في اليوم التالي في النهار، فعلى قول من قال تجب لكل يوم نية مستقلة، فهذا صيامه لليوم الثاني غير صحيح، لأنه لم ينو قبل الفجر الصادق.

وأما على قولنا - وهو الصحيح إن شاء الله - فصيامه صحيح، لأن نيته من أول الشهر تكفيه.

وهذه مسألة فرعية متفرعة عن الأصل الذي ذكرناه.

قال المؤلف رحمه: (يبطل بالأكل والشرب)

يبطل الصيام بالأكل والشرب عمداً لقوله تعالى: {وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل} [البقرة: 187] الشاهد قوله: {وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود} أي كلوا واشربوا إلى أن يتبين لكم الفجر الصادق، فإذا تبيّن الفجر الصادق فلا تأكلوا ولا تشربوا.

وقال صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي: «يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلي» (2).

(1) أخرجه مسلم (1154).

(2)

أخرجه البخاري (1894)، ومسلم (1151).

ص: 213

فالصيام يقتضي أن تدع الطعام والشراب، فإن لم تدعهما فصيامك غير صحيح.

والأكل هو إدخال الشيء إلى المعدة عن طريق الفم، فيشمل ما ينفع وما يضر،

وما لا ينفع ولا يضر، فكل هذا يسمى أكلاً.

أما من أكل أو شرب ناسياً فصيامه صحيح لا يبطل ويجب عليه أن يُمسك بقية يومه لقوله صلى الله عليه وسلم: «من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليُتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه» (1)، فهو رزق من الله تبارك وتعالى، ولا يُفسد ذلك عليه صيامه فصيامه صحيح، فالأكل أو الشرب نسياناً لا يُفسد الصيام.

ولكن على من أكل أو شرب ناسياً أن يمسك عن الأكل أو الشرب حين تَذَكُّرِهِ.

قال الترمذي رحمه الله: والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم وبه يقول سفيان الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق (2).

ومن أكل أو شرب عمداً بَطُلَ صومه ووقع في إثم عظيم لا ينفعه معه القضاء، إنما تنفعه التوبة الصادقة فقط، فلا تنفعه كفارة ولا يقبل منه قضاء.

وبعدم القضاء قال الإمام الشافعي والأوزاعي ومِن قبلهما علي وابن مسعود وأبو هريرة.

وبعدم الكفارة قال الشافعي وهي إحدى الروايتين عن أحمد وهو الصحيح إن شاء الله.

قال المؤلف رحمه الله: (والجِماعُ)

أي والجماع يُبطل الصيام لقوله تعالى: {أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم} فأحل الرفث إلى النساء في ليلة الصيام، وأمّا في نهاره فلا.

وكذلك جاء في الحديث القدسي: «يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلي» (3).

قال ابن قدامة: «لا نعلم بين أهل العلم خلافاً في أن من جامع في الفرج فأنزل أو لم يُنزل أو دون الفرج فأنزل أنه يفسد صومه إذا كان عامداً، وقد دلّت الأخبار الصحيحة على ذلك» (4). انتهى

(1) أخرجه البخاري (1933)، ومسلم (1155).

(2)

«سنن الترمذي» (973).

(3)

تقدم تخريجه.

(4)

«المغني» لابن قدامة المقدسي (3/ 134).

ص: 214

فالذي يُفسد الصيام أن يُجامع في الفرج بغض النظر عن الإنزال أو عدمه، فمجرد الجماع في الفرج يفسد الصيام، ثم إن جامع خارج الفرج وأنزل يفسد صيامه أيضاً، فيفسد في حالتين الإنزال والجماع سواء أنزل أو لم ينزل.

وسيأتي حديث من جامع في نهار رمضان وأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالكفارة على فعله مما يدل على أن الجماع يفسد الصيام، بالكتاب والسنة والإجماع.

مسألة: إذا جامع شخص في نهار رمضان وهو صائم وجبت عليه الكفارة الواردة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه: قال إن رجلاً وقع بامرأته في رمضان فاستفتى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «هل تجد رقبة؟ » قال: لا، قال:«هل تستطيع صيام شهرين؟ » قال: لا، قال:«فأطعم ستين مسكيناً» (1)

وفي رواية قال: «اجلس» ، فجلس، فأُتيَ النبيُ صلى الله عليه وسلم بعَرَقٍ فيه تمر - والعَرَق: المِكْتَلُ الضخم -، قال:«خذ هذا فتصدق به» قال: أعلى أفقر مني يا رسول الله، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجِذُهُ، ثم قال:«أطعمه عيالك» (2).

«العرق» هو المكتل، يسع خمسة عشر صاعاً فيكون لكل مسكين مد من تمر.

هذا هو القَدْرُ الذي يجب عليه في إطعام الستين مسكيناً.

وقوله (أعلى أفقر مني): أي، لمن أطعمه وهل يوجد أفقر مني، فإني أفقر الموجود.

مسألة: وهل على هذا الذي جامع زوجته في نهار رمضان قضاء ذلك اليوم؟

اختلف أهل العلم في ذلك، والصحيح أنه لا قضاء عليه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمره بذلك، وإن ورد ذلك في رواية ضعيفة لا تصح، فكونها ضعيفة وكونه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث صحيح أنه أمره بالقضاء مع عدم جواز تأخير البيان عن وقت الحاجة، كل هذا يدلّ على أنه لا قضاء عليه مع الكفارة، وهو الصحيح إن شاء الله.

مسألة: وهل على زوجته كفارة مثله؟

الصحيح أنَّ عليها كفارة إذا كانت صائمة ولم تكن مكرهة، بل كانت راضية ومطاوعة له على فعله، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمرها بذلك، وكما تقدم قلنا لا يجوز تأخير البيان عن وقت

(1) أخرجه البخاري (6821)، ومسلم (1111).

(2)

أخرجه البخاري (6709)، ومسلم (1111).

ص: 215

الحاجة، والصحيح أن عليها الكفارة إن كانت راضية، لأن الرجل سأل عن نفسه ولم يسأل عن المرأة ولا جاءت هي وسألت عن نفسها، والاحتمال في حقها قائم فربما تكون هي أصلاً ليست صائمة، بل مفطرة لعذر من الأعذار ويُحتمل أن تكون صائمة ولكنها معذورة بالإكراه مثلاً، ويُحتمل أيضاً أن تكون صائمة وغير معذورة وراضية مطاوعة، فالاحتمالات قائمة، فكون الاحتمالات قائمة وهي لم تأت وتسأل إذن لا يجب على المفتي أن يفتي في أمرها، إذ هناك فرق بين المفتي والقاضي، فالقاضي لا يجوز له أن يقضي في مسألة حتى يعرف ما يحوط بها، أمّا المفتي فلا.

والنبي صلى الله عليه وسلم عندما جاءته هند وقالت له إن أبا سفيان رجل شحيح فقال لها صلى الله عليه وسلم: «خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف» (1) هل دعا أبا سفيان وحقق معه في الأمر ونظر أدعواها صحيحة أم لا؟ لا، لأنه الآن مفتٍ وليس قاضياً، ولو كان قاضياً ما جاز له أن يحكم لها دون أن يسمع من أبي سفيان ودون أن يتحقق من دعواها. فوضع المفتي يختلف عن وضع القاضي.

قال رحمه الله: (والقيء عمداً)

القيء خروج ما في المعدة من طعام أو شراب عن طريق الفم.

والأحاديث الواردة في هذا الباب، حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«من ذرعه القيء فليس عليه قضاء ومن استقاء عمداً فليقض» (2).

أخرجه أبو داود، وأحمد والبخاري في «التاريخ الكبير» وضعفاه، فالحديث ضعيف لا يصح.

ومعنى قوله: «من ذرعه القيء» ، أي من غلبه القيء، فخرج دون إرادته.

قوله: «استقاء عمداً» ، أي أخرج القيء عامداً بإرادته.

فمعنى الحديث من غلبه القيء وخرج رغماً عنه فليس عليه قضاء، وصيامه صحيح، ومن أخرج القيء عامداً متعمداً، فيجب عليه القضاء.

(1) أخرجه البخاري (5364)، ومسلم (1714).

(2)

أخرجه أحمد (10462)، وأبو داود (2380)، والترمذي (720)، والبخاري في «التاريخ الكبير» (1/ 92).

قال البخاري: لا أراه محفوظاً. نقله الترمذي في العلل الكبير (198).

ص: 216

وهذا ما دلّ عليه الحديث، ولكنه ضعيف كما ذكرنا.

وجاء عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثلاث لا يفطّرن: القيء والحجامة والاحتلام» (1).

وعن أبي الدرداء: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاء فأفطر» (2).

وهو صحيح إن شاء الله على اختلاف في إسناده.

إذن لا يصح في هذا الباب إلا حديث أبي الدرداء.

قال ابن المنذر: «وأجمعوا على أنه لا شيء على الصائم إذا ذرعه القيء وأجمعوا على إبطال صوم من استقاء عمداً» (3).

فابن المنذر الآن نقل الاتفاق على أن من غلبه القيء فلا قضاء عليه.

وهو ما دلّ عليه حديث أبي هريرة، فإنه وإن كان ضعيفاً، إلا أن الإجماع منعقد على معناه كما قال ابن المنذر رحمه الله. -

وكذلك قال الخطّابي: «لا أعلم خلافاً بين أهل العلم في أن من ذرعه القيء فإنه لا قضاء عليه، ولا في أن من استقاء عمداً فعليه القضاء» (4).

فالحكم ثابت على ما ذكرنا، أن من أخرج القيء بإرادته (برغبته)، كأن يدخل مثلاً أصبعه في فمه إدخالاً شديداً حتى يخرج ما في بطنه فمثل هذا يجب عليه القضاء، أمّا من غلبه القيء وخرج منه من غير إرادته فهذا لا قضاء عليه.

قال رحمه الله: (ويحرم الوصال)

الوصال، هو صوم يومين فصاعداً من غير أكل أو شرب بينهما.

حكمه أنه محرم، كما قال المؤلف رحمه الله.

ودليل تحريمه حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوصال، فقال رجل من المسلمين: فإنك تواصل يا رسول الله، فقال: «وأيكم مثلي إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني

(1) أخرجه الترمذي (719)، والدارقطني (2269)، وهو ضعيف. انظر ضعيف أبي داود (409) للألباني.

(2)

أخرجه أحمد (21701)، وأبو داود (2381)، والترمذي (720).

(3)

«الإجماع» لابن المنذر (ص 49)

(4)

«معالم السنن» للخطابي (2/ 112).

ص: 217

» فلما أبَوا أن ينتهوا عن الوصال واصل بهم صلى الله عليه وسلم يوماً ثم يوماً ثم رأوا الهلال، فقال:«لو تأخر الهلال لزدتكم» كالمُنَكِّلِ لهم حين أبوا أن ينتهوا» (1).

أي النبي صلى الله عليه وسلم كان يريد أن يواصل ويواصل ويواصل، عقاباً لهم لأنهم ما أطاعوا نهيه، فأراد أن يعاقبهم على ذلك فواصل بهم يوماً ويوماً ولكن انتهى شهر رمضان بظهور الهلال، فقال:«لو تأخر الهلال لزدتكم» كالمعاقب لهم لعدم طاعة نهيه صلى الله عليه وسلم.

و«التنكبل» العقوبة

وفي رواية في «الصحيح» : «أما والله لو تمادَّ لي الشهر لواصلت وصالاً يدع المتعمقون تعمقهم» (2).

وفي هذا الحديث دليل على تحريم التعمق والغلو في العبادات، ويدل على أن جواز الوصال خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم.

فالأصل عموم الشريعة وأن ما يفعله النبي صلى الله عليه وسلم عام، فللجميع أن يفعل وأن يتأسّى به، لذلك حين رأى الصحابة النبي صلى الله عليه وسلم يواصل واصلوا.

لكن إذا جاء دليل يدلّ على الخصوصية فلا يجوز لأحد أن يفعله ويبقى الأمر خاصاً بالنبي صلى الله عليه وسلم كالحالة التي بين أيدينا.

مسألة: وهل يجوز الوصال إلى السَّحر فقط؟

اختلف أهل العلم أيضاً في ذلك، والراجح الصحيح جواز الوصال إلى السَّحر مع أن الأولى تركه، لأن المستحب تعجيل الإفطار كما سيأتي.

ودليل جواز الوصال إلى السَّحر قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تواصلوا» ، وهذا نهي عن الوصال قال:«فأيكم أراد أن يواصل فليواصل حتى السحر» (3) مع قوله صلى الله عليه وسلم: «لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر» (4)، إذن يدلّ ذلك على أن الأفضل والأحسن هو تعجيل الإفطار لا الوصال، مع ذلك جائز إلى السَّحر، لكن لا يجوز لك أن تبقى صائماً إلى أن يدخل

(1) أخرجه البخاري (1965)، ومسلم (1103).

(2)

أخرجه البخاري (7241)، ومسلم (1104).

(3)

أخرجه البخاري (1963).

(4)

أخرجه البخاري (1957)، ومسلم (1098).

ص: 218

الفجر الصادق، بل يجب عليك أن تُفطر قبل دخول الفجر الصادق لليوم التالي، وبهذا الذي ذكرناه تجتمع جميع الأدلة الواردة في هذا الباب، والله أعلم.

قال رحمه الله: (وعلى من أفطر عمداً كفارة ككفارة الظِّهارِ)

أما كفارة الظهار، فهي عتق رقبة فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين فإن لم يجد فإطعام ستين مسكيناً كما تقدم في الحديث المتقدم.

لكن كلام المؤلف ليس على إطلاقه فقد قال: (وعلى من أفطر عمداً كفارة ككفارة الظهار) فيدخل في ذلك من أفطر بالأكل والشرب، لكن هذا الكلام غير صحيح ولا مُسلَّم، فالذي ورد في هذه الكفارة إنما هو من أفطر بالجماع، ولم يرد أن من أفطر بالأكل والشرب أن عليه كفارة كتلك الكفارة.

أما الذين قالوا بذلك وتبعهم عليه الشوكاني رحمه الله فاعتمدوا في قولهم هذا على القياس، فقاسوا المفطر بالأكل والشرب عمداً على المجامع في نهار رمضان.

ولسنا نُسلِّم به، فقد أجاب بعض أهل العلم، بأن هذا قياس في العبادات والقياس في العبادات غير صحيح.

هذا مذهب من لم يرَ القياس داخلاً في العبادات أصلاً.

وبعض الذين يرون بأن القياس داخل في العبادات قالوا هنا القياس غير صحيح، لأن انتهاك حرمة شهر رمضان بالجماع ليس كانتهاك حرمة شهر رمضان بالأكل والشرب، فالجماع أعظم من الأكل والشرب.

وقد بين الفرق بين الأكل والشرب الإمام الشافعي رحمه الله في كتابه «الأم» وأن الجماع أعظم من الأكل والشرب، فلا يُقاس الأكل والشرب على الجماع في الكفارة (1).

فالكفارة التي ذكرها المؤلف إنما تجب على من جامع في نهار رمضان عامداً، أما من أكل أو شرب عامداً فهذا لا كفارة عليه لكنه أتى ذنباً عظيماً تجب فيه التوبة الصادقة إلى الله سبحانه وتعالى.

قال المؤلف رحمه الله: (ويُنْدَبُ تعجيلُ الفِطْرِ وتأخيرُ السَّحورِ)

(1)«الأم» للشافعي (2/ 110).

ص: 219

(يُندب) أي يستحب تعجيل الفطر وتأخير السّحور، لقوله صلى الله عليه وسلم:«لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر» (1) متفق عليه.

وقيل لعائشة رضي الله عنها: «رجلان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أحدهما يُعَجِّلُ الإفطار ويعجل الصلاة والآخر يُؤخر الإفطار ويؤخر الصلاة، قالت: أيهما الذي يعجل الإفطار ويعجل الصلاة، قالوا: عبد الله بن مسعود، قالت: كذلك كان يصنع رسول الله صلى الله عليه وسلم» (2).

وعن أنس قال: «إن النبي صلى الله عليه وسلم وزيد بن ثابت تسّحرا فلما فرغا من سحورهما قام نبي الله صلى الله عليه وسلم إلى الصلاة فصلى، قلنا لأنس: كم كان بين فراغهما من سحورهما ودخولهما في الصلاة؟ قال: قدر ما يقرأ الرجل خمسين آية» (3) متفق عليه من حديث زيد بن ثابت.

فهذا كله يدلّ على أنه يُستحب تأخير السّحور وتعجيل الإفطار.

قال: (يجب على من أفطر لعذرٍ شرعي أن يَقْضِيَ)

أصل ذلك قول الله تبارك وتعالى: {فمن كان منكم مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر} أي، من كان منكم مريضاً أو على سفر - أي معذوراً بالمرض أو السفر - فأفطر فيجب عليه أن يقضي مكان الأيام التي أفطرها أياماً أخرى.

أمّا من أفطر لغير عذر فهذا لا ينفعه وإن صام الدهر كله، فلا ينفعه القضاء، وإنما عليه أن يستغفر الله ويتوب إليه (4).

قال المؤلف رحمه الله: (والفِطْرُ للمسافرِ ونحوهِ رخصةٌ، إلا أن يخشى التَّلَفَ أو الضَّعْفَ عن القتالِ فَعَزِيَمةٌ)

يريد المؤلف رحمه الله بالرخصة هنا التخيير بين الفعل والترك، أي إن المسافر مخير بين أن يفطر أو أن يصوم، ولكن إن خشي على نفسه الضرر الشديد، أو الضعف عن

(1) سبق تخريجه.

(2)

أخرجه مسلم (1099).

(3)

أخرجه البخاري (1921)، ومسلم (1097).

(4)

ذكره البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً في كتاب الصيام، باب إذا جامع في رمضان.

ص: 220

القتال للمجاهد، فيجب عليه أن يفطر ليتقوَّى على الجهاد ويُبْقي على نفسه ويدفع الضرر عنها.

مسألة: هل الأفضل للمسافر الفِطر أم الصيام؟

حصل خلاف شديد بين أهل العلم بسبب اختلاف الأحاديث الواردة في ذلك.

وأصح الأقوال - إن شاء الله - أنه ينظر إلى الأخف والأيسر عليه فيفعله.

ومما ورد في ذلك، قوله صلى الله عليه وسلم لمن قال له يا رسول الله أجد مني قوة على الصوم فهل عليَّ جناح؟ فقال:«هي رخصة من الله تعالى، فمن أخذ بها فحسن ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه» (1).

وأخرج مسلم في «صحيحه» عن أبي سعيد قال: «سافرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة ونحن صيام فقال صلى الله عليه وسلم: «إنكم قد دنوتم من عدوكم والفطر أقوى لكم» ، قال أبو سعيد: فكانت رخصة، فمنا من صام، ومنا من أفطر، ثم نزلنا منزلاً آخر فقال:«إنكم مصبحو عدوكم، والفطر أقوى لكم فأفطروا» فكانت عزيمة ثم لقد رأيتنا نصوم بعد ذلك مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر» (2).

وقول المؤلف: (ونحوه) أي - نحو المسافر -، الحُبلى والمرضع من النساء، فالفطر للحُبلى والمرضع رخصة لهما فلهما أن يفطرا ولهما أن يصوما، إلا إن كان في صيامهما ضرراً عليهما أو على الجنين أو الصغير، فيجب الفطر والقضاء بعد ذلك.

ولا إطعام عليهما على الصحيح من أقوال أهل العلم، وإن كان خالف البعض إلاّ أنه لا دليل عنده على إلزامهما بالإطعام، وهما كالمريض لا يجب عليهما سوى القضاء فقط.

والدليل على أن الصيام في حق الحبلى والمرضع رخصة قوله صلى الله عليه وسلم: «إن الله وضع عن المسافر الصوم وشطر الصلاة، وعن الحبلى والمرضع الصوم» (3).

قال رحمه الله: (ومن مات وعليه صوم صام عنه وليه)

(1) أخرجه مسلم (1121).

(2)

«صحيح مسلم» (1120).

(3)

أخرجه احمد (19047)، وأبو داود (2408)، والترمذي (715)، والنسائي (2315)، وابن ماجه (1667).

ص: 221

لقوله صلى الله عليه وسلم: «من مات وعليه صيام صام عنه وليه» (1).

أي، فليصم عنه وليه، فهو أمر للولي بالصيام عن وليه الميت، ولكنه أمر استحباب عند جمهور علماء الإسلام.

والصوم المقصود في الحديث، صوم النذر والقضاء، ولا يختص بصوم النذر- كما قاله بعض أهل العلم - إذ ليس في الحديث تخصيص بصوم النذر، فكلمة (صيام) التي في الحديث نكرة في سياق الشرط، فتفيد العموم، فيبقى على عمومه، ولا دليل على تخصيصه بنوع من أنواع الصيام، والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، مع قوله صلى الله عليه وسلم:«فدين الله أحق أن يقضى» (2).

والعموم مقدم على القياس.

والمراد بالولي القريب.

قال المؤلف رحمه الله: (والكبير العاجز عن الأداء والقضاء يُكَفِّر عن كل يوم بإطعام مسكين)

قوله (الكبير) هو الكبير في السن الذي لا يستطيع صيام رمضان ولا قضاءه فيما بعد.

قال المؤلف: (يُكَفِّر عن كل يوم بإطعام مسكين) أي يُطعم عن كل يوم أفطره مسكيناً، يُطعمه مداً من طعام.

ولكن ما الدليل على هذا الإطعام؟

يستدلون بقول ابن عباس في قوله تعالى: {وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين} ، قال ابن عباس:«ليست هذه الآية منسوخة هي في الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة لا يستطيعان أن يصوما، فيطعمان مكان كل يوم مسكيناً» (3).

هذا ما اعتمدوا عليه في إلزام الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة اللذين لا يستطيعان الصوم بالإطعام.

(1) أخرجه البخاري (1952)، ومسلم (1147).

(2)

أخرجه البخاري (1953)، ومسلم (1148).

(3)

أخره البخاري (4505).

ص: 222

ولكن خالف ابن عباس في قوله هذا سلمة بن الأكوع، قال سلمة:«كان من أراد أن يُفطِر ويفتدي حتى نزلت الآية التي بعدها فنسختها» (1)، أي، كان الصيام بالخيار ما بين أن تصوم أو أن تفدي فتطعم مسكيناً عن اليوم، ثم نسخ حكم التخيير بالآية التي بعدها وهي قول الله {فمن شهد منكم الشهر فليصمه} .

وظاهر الآية مع سلمة وليس مع ابن عباس، لأن الله سبحانه تعالى قال:{وعلى الذين يطيقونه} ، ولم يقل: على الذين لا يطيقونه، وفرق بين الأمرين.

لكنَّ ابن عباس يستدل بقراءة له هي قراءة شاذة «وعلى الذين يطوقونه» ، أي الذين يصعب عليهم الصيام، وهي قراءة شاذة، وكما تقرر في أصول الفقه أن القراءة الشاذة لا يُعتمد عليها، إنما الاعتماد يكون على القراءة المتواترة.

فعلى ذلك فالإطعام حكم منسوخ فلا يكون عندهم حجة على إلزام الكبير الذي لا يقدر على الصيام أو المريض الذي لا يُرْجى برؤه، بالإطعام.

لكن إن أطعم خروجاً من الخلاف فأفضل ولا نلزمه بذلك.

وهذا الذي ذهبنا إليه هو مذهب الإمام مالك - إمام دار الهجرة - وقول للإمام الشافعي.

قال المؤلف: (والصائم المتطوع أميرُ نَفْسِهِ، لا قضاء عليه ولا كفارة)

أي أن الذي يصوم صيام نافلة متطوعاً له أن يُكمل صيامه وله أن يُفطر قبل أن يكمله، فله أن ينقضه ويتركه وله أن يُكمل الصيام، ودليل ذلك حديث عائشة رضي الله عنها قالت:«دخل عليَّ النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم فقال: «هل عندكم شيء؟ » ، فقلنا: لا، قال:«فإني إذن صائم» ، ثم أتانا يوماً آخر فقلنا: يا رسول الله أهدي لنا حَيْسٌ، فقال:«أرينيه فلقد أصبحت صائماً» فأكل»، قال طلحة:«فحدثت به مجاهداً - مجاهد بن جبر -، فقال: ذاك بمنزلة الرجل يُخرج الصدقة من ماله فإن شاء أمضاها وإن شاء أمسكها» (2).

فكان النبي صلى الله عليه وسلم قد أصبح صائماً ثم أكل وترك صيامه، فدلَّ ذلك على أن المتطوع أمير نفسه.

(1) أخرجه البخاري (4507)، ومسلم (1145).

(2)

أخرجه مسلم (1154).

ص: 223