الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لكن يعتبر شرط النكاح؛ عند العقد أو قبل العقد، أمّا بعد العقد فلا عبرة به.
فيجب على الزوج الوفاء بالشرط الذي تشترطه الزوجة والعكس، إلّا إذا كان الشرط يُحرِّم حلالاً أو يُحِلّ حراماً، كأن تشترط المرأة أن يطلق الرجل زوجته، فهذا الشرط شرطٌ باطلٌ، لا يجوز للرجل أن يمضيه لها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«لا تشترط المرأةُ طلاق أختها لِتَستفرِغ صَحفَتها، ولتنكح فإنّما لها ما قُدِّر لها» (1).
نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن هذا الشرط فصار شرطاً مُحرّماً فلا يجوز أن يُوفى به.
وكأن تشترط المرأة أن لا يجامعها زوجها، هذا الشرط أيضاً باطل؛ لأنّه مناقض لمقتضى العقد؛ فإن مطلوب عقد النكاح أصلاً هو الجماع، فإذا اشترطت المرأة هذا كان شرطها باطلاً.
ولها أن تشترط أن لا يتزوج عليها، هذا من حقّها؛ لأنّ زواج الثانية أمرٌ مباح؛ فإذا اشترطت فلها شرطها ويجب عليه أن يتقيد بذلك إذا وافق.
ولها كذلك أن تشترط أن لا يُخرجها من بلدها وأن لا تسافر، فإن قال لها: لك شرطك، وجب عليه أن يتقيد بذلك، فإن لم يَفِ بالشرط كان آثماً، ويكون لها الحق في فسخ النكاح، إذا شاءت فسخت وإذا شاءت أن تتنازل تنازلت، لكنّه يكون آثماً لعدم وفائه بشرطه؛ لأن الوفاء بالشرط واجبٌ إذا لم يكن شرطاً مُحرّماً.
بابُ المُحرَّماتِ في النِّكاحِ
(1) أخرجه البخاري (2140)، ومسلم (1408) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
قال المؤلف رحمه الله (بَابُ المُحَرَّمَاتِ في النِّكاحِ)
أي: هذا الباب معقود لبيان النساء اللاتي يحْرُمُ على الرَّجُل الزواج بهن.
قال: (وَيَحْرَمُ على الرَّجُلِ أَنْ يَنْكِحَ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً؛ وَالعَكْسُ)
لقول الله تبارك وتعالى: {الزَّانِي لَا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} [النور 3: ]، فدل قوله: {
…
وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} أن نكاح الزانية ونكاح المشركة حرام، فلا يجوز للرجل أن يتزوج امرأة زانية ولا امرأة مشركة، وكذلك المرأة لا يجوز لها أن تتزوج من رجل مشرك أو زان، إلا أن يتوب الزاني ويؤمن المشرك.
قال رحمه الله (وَمَنْ صَرَّحَ القُرْآنُ بِتَحْرِيمِهِ)
أي: ويحرم أيضاً الزواج ممن صرح القرآن بتحريمه من النساء.
فهؤلاء المذكورات في الآية يحرم الزواج منهن تحريماً مؤبداً.
وتحريم الزواج من المرأة منه ما هو تحريم مؤبد، ومنه ما هو تحريم مؤقت.
فالتحريم المؤبد لا يجوز للرجل أن يتزوج المرأة مطلقاً في أي حال وفي أي وقت.
أما التحريم المؤقت فيجوز له أن يتزوجها في حال دون حال كما سيأتي.
والمحرمات من النساء تحريماً مؤبداً ثلاثة أقسام:
- الأول: المحرمات بالنسب - أي بالقرابة - ليس النسب الذي يعرفه الناس اليوم؛ إذ الناس اليوم يطلقون النسب على المصاهرة، هذا خطأ لغةً، المقصود بالنسب هنا القرابة كما في اللغة.
- والثاني: المحرمات بالمصاهرة، أي بسبب الزواج.
- والثالث: المحرمات بالرَّضاع، أي بسبب الرضاع.
نبدأ بالقسم الأول، وهن المحرمات بالنسب أي بالقرابة.
النسب لغة: القرابة.
ضبط العلماء ذلك بضابط وضعوه فبينوا به النساء اللاتي يَحْرُمْنَ للقرابة؛ فقالوا:
يَحْرُمُ على الرَّجُلِ أُصولُهُ وفُصُولُهُ، وفُصُولُ أَوَّلِ أُصُولِهِ، وَأَوَّلُ فَصْلٍ مِنْ كُلِّ أَصْلٍ بَعْدَهُ.
وبلفظ آخر أسهل: يَحْرُمُ على الرَّجُلِ أُصُولُهُ وفُرُوعُهُ، وفُرُوعُ أَوَّلِ أُصُولِهِ، وأَوَّلُ فَرْعٍ مِنْ كُلِّ أَصْلٍ بَعْدَهُ.
شرح الضابط المذكور:
(يحرم على الرجل أصوله) الأصول: الأمهات، والمقصود بالأم هنا كل أنثى لها عليك ولادة، يعني: كل أنثى ولدتك إما مباشرة أو بواسطة، فالتي ولدتك مباشرة: أمك، والتي ولدتك بواسطة: جدتك من أي جهة كانت، فتحرم عليك أمك، وتحرم عليك أم أبيك، وتحرم عليك أيضاً أم أمك
…
وأنت صاعد على هذا النحو، هذا معنى قولهم: يحرم على الرجل أصوله.
وكذلك المرأة؛ يحرم عليها أصولها، كل ذكر له عليها ولادة فهو محرم عليها، أبوها وجدّها .. وكل من له عليها ولادة، سواء مباشرة وهو أبوها، أوبواسطة وهم أجدادها من أي الجهات كانوا، هذا معنى تحريم الأصول.
(وفصوله) الذين هم الذرية: الأولاد وأولاد الأولاد وإن نزلوا.
الولد في الكتاب والسنة: كل مولود سواء كان ذكراً أم أنثى.
فالمقصود بالفصول هم الأولاد.
فيحرم على الرجل فصوله، يعني: البنات كلهن؛ سواء كنا بناته القريبات اللاتي أنجبهن هو، أو بنات بناته، أو بنات أبنائه، وأنت نازل على هذا النحو.
فكل من له عليها ولادة - هذا هو الضابط في البنت-؛ فهي محرمة عليه، يعني كل من كنت أنت سبباً في إيجادها، فإذا ولدتها مباشرة تكون بنتك، وإذا ولدتها بواسطة، تكون حفيدتك سواء كانت قريبة أم بعيدة، المهم أن لك سبباً في ولادتها، فأنت ممن ولدها سواء مباشرة أو بواسطة، هذا معنى الفصول.
(وفصول أول أصوله) أول أصول الشخص: أبوه وأمه، وفصولهم: أولادهم، ذريتهم وإن نزلوا، ففصول أول أصولك: أخوتك وأخواتك وذريتهم؛ هؤلاء كلهم محرمون؛ كُلّ مَن لأبيك أو لأمك عليه ولادة فهو من فصولهما، فهو محرم عليك.
(وأول فصل من كل أصل بعده) الأصل الأول هو الأب والأم، ثم كل أصل بعده هم الجد والجدة وإن علوا.
فقوله: وأول فصل من كل أصل بعده، أي يحرم أول فصل فقط من كل أصل بعد الأصل الأول.
الأصل الأول: الأب والأم.
والجد والجدة وإن علوا هم الأصل الذي بعد الأصل الأول.
فالجد والجدة آباء وأمهات الآباء والأمهات هم الأصل الثاني.
وأول فصل لكل أصل بعد الأصل الأول: الأصل الثاني: الجد والجدة، فصولهم أي أبناءهم الذين ولدوهم مباشرة فقط: الأعمام والعمات، والأخوال والخالات.
والجد والجدة الأعلى منهم الذين هم الأصل الثالث، فصولهم: أعمام الأب والأم وعماتهما، وأخوال الأب والأم وخالاتهما
…
وهكذا.
فكل أصل بعد الأصل الأول هم جدك وجدتك وأنت صاعد، أبناءهم المباشرون الذين أنجبوهم بلا واسطة هم المحرمون عليك فقط.
أما الفصل الثاني وما بعده للأصل الذي بعد الأصل الأول وهم أبناء العمات وأبناء الخالات فليس بداخل معنا فليسوا محرمين عليك.
إذا لم تفهم القاعدة وصعبت عليك، فلك أن تحفظ الآية مع فهمها فهماً صحيحاً:{حرمت عليكم أمهاتكم} الأم هي: كل أنثى لها عليك ولادة وإن علت {وبناتكم} هي كل أنثى لك عليها ولادة وإن نزلت، {وأخواتكم} أي الأخت التي هي بنت الأب أو بنت الأم أو الأخت الشقيقة: بنت الأب والأم، {وعماتكم وخالاتكم} أي عماتك وخالاتك وعمات الآباء وعمات الأمهات وخالات الآباء وخالات الأمهات وعمات وخالات الأجداد والجدات {وبنات الأخ وبنات الأخت} بنات الأخ كل أنثى لأخيك عليها ولادة مباشرة أو بواسطة، وبنات الأخت كل أنثى لأختك عليها ولادة مباشرة أو بواسطة. والله أعلم
قال المؤلف رحمه الله: (وَالرَّضاعُ كَالنَّسَبِ)
في التحريم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» (1)
والرضاع الذي يحصل به التحريم:
خمس رضعات مشبعات، لما جاء في حديث عائشة رضي الله عنها:«خمس رضعات معلومات يُحرِّمن» (2).
(1) أخرجه البخاري (2645) ومسلم (1447).
(2)
أخرجم مسلم (1452).
وأن يكون الرضاع في العامين الأولين من عمر الرضيع، وهو سن المَجَاعة، أما إذا كان في العام الثالث أو الرابع فلا يؤثر؛ لقول الله تبارك وتعالى:{وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} [البقرة 233: ].
ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما الرَّضاعة من المجاعة» (1)، وسن المجاعة العامان الأولان.
ثانياً: المحرَّمات من الرضاع: الأم، والأخت، والبنت، والعمة، والخالة، وبنت الأخ، وبنت الأخت؛ لأنهن محرمات من النسب، فكل ما ذكرناه في النسب ينطبق على الرضاع، هذا معنى قول المؤلف: الرضاع كالنسب.
لكن كيف يكون التحريم بالرضاع؟
فلنفرض أن زيداً رضع من خديجة، وهما غريبان تماماً عن بعضهما، زيد من عائلة مستقلة وخديجة من عائلة مستقلة، فأرضعت خديجة زيداً رضاعاً محرِّماً بشروطه المعروفة، عائلة زيد لاعلاقة لها بهذا الرضاع بتاتاً، القضية تتعلق بزيد فقط، والتأثير يحصل في زيد وفي عائلة خديجة، دخل زيد الراضع في عائلة خديجة المرضعة؛ فإنها لمّا أرضعته صارت أمًّا له؛ فيحرم عليه ما يحرم على ابنها -على ابن خديجة الذي ولدته هي - فيصير زيد هذا ابناً لخديجة، وزوج خديجة صاحبُ اللبن يصير أباه، وأولاد خديجة يصيرون إخوة لزيد، وأخوات خديجة خالاته، وأخوات زوج خديجة عماته،
وهكذا، فتكون خديجة كأنها أنجبت زيداً، وصار محرّماً على هذه العائلة كأنه واحد من أولاد خديجة؛ هذا لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» (2).
واختلف أهل العلم، هل يحرم من الرضاع ما يحرم من المصاهرة؟
الصحيح الذي عليه الجمهور أنه يحرم من الرضاع ما يحرم من المصاهرة.
ثالثاً: المحرَّمات بالمصاهرة
أولاً: زوجات الأصول، أي: زوجات الأب وزوجات الجد وأنت صاعد، لقول الله تبارك
(1) أخرجه البخاري (2647)، ومسلم (1455) من حديث عائشة رضي الله عنها.
(2)
تقدم تخريجه.
وتعالى: {وَلَا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاء إِلَاّ مَا قَدْ سَلَفَ} [النساء: 22]، هذه الآية تدل على أن زوجة الأب محرَّمة، سواء كان أباً مباشراً أو أباً بواسطة - أي أحد الأجداد - فزوجات الأصول محرمات.
ثانياً: زوجات الفروع؛ لقوله تبارك وتعالى: {وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ} [النساء: 22] فالابن سواء كان الابن المباشرأو الابن الذي هو أدنى من المباشر؛ زوجاتهم محرمات على الآباء.
ثالثاً: أصول الزوجة من النساء، كلُّهنَّ محرمات على الزوج، أصول الزوجة: أمها، وأم أمها، وأم أبيها مهما علت؛ لقوله تعالى:{وَأُمَّهَاتُ نِسَآئِكُمْ} [النساء: 23].
والتحريم الذي تقدّم كله يَثبت بالعقد وإن لم يدخل بها.
رابعاً: فروع الزوجة من النساء؛ أي بناتها وبنات بناتها، وبنات أبنائها.
يحرمن على الرجل، لكن بشرط الدخول بالأم، ولا يحرمن بمجرد العقد.
فإن بنات المرأة وبنات بناتها وبنات أولادها الذكور يبقين غير محرمات على زوج أمهن ما دام لم يدخل بها ولو كان عاقداً عليها؛ حتى يدخل بأمهن؛ فلابد من شرط الدخول؛ لقول الله تبارك وتعالى: {وَرَبَائِبُكُمُ اللَاّتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَآئِكُمُ اللَاّتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ فَإِن لَّمْ تَكُونُوا دَخَلْتُم بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} [النساء: 23]
فلم يذكر قيد الدخول إلا في هذا الموضِع، دل ذلك على أنه حكم خاص بفروع الزوجة من النساء.
ثم قال المؤلف: (والجّمْعُ بَيْنَ المَرْأَةِ وَعَمَّتِها، أَو خَالَتِها)
أي ويحرم على الرجل الجمع في الزواج بين المرأة وعمتها وبين المرأة وخالتها، وكذلك بين المرأة وأختها، لقول الله تبارك وتعالى:{وَأَن تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إَلَاّ مَا قَدْ سَلَف} [النساء: 23] ولما جاء في الصحيحين: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يجمع بين المرأة وعمتها، ولا بين المرأة وخالتها» (1)
وقد وضع العلماء ضابطاً يضبط مسألة من لا يحل جمعهن من النساء؛ فقالوا:
كل امرأتين يحرم التناكح بينهما بنسب أو رضاع إن قُدِّر أن أحدهما رجل.
(1) أخرجه البخاري (5109)، ومسلم (1408) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
فإنه يحرم الجمع بينهما
مثلاً: جعفر يريد أن يتزوج من شقيقتين، تطبيقاً للقاعدة نريد أن نعرف هل يجوز له الجمع بين الشقيقتين أم لا؟
نقدر إحدى الشقيقتين ذكراً، ونرى هل يجوز لهذا الذكر أن يتزوج البنت الثانية أم لا يجوز؟
فلنقل بأن الأختين فاطمة وخديجة، ونقدر فاطمة ذكراً، وهما أختان؛ فهل يجوز لفاطمة التي قدرناها ذكراً أن تتزوج خديجة؟
الجواب: لا؛ لأنه أخوها، فالنتيجة: لا يجوز لجعفر أن يجمع بين فاطمة وخديجة.
مثال آخر: فلنقل: إن فاطمة خالة خديجة، وأراد جعفر أن يجمع بينهما، نقدر أن فاطمة هذه ذكرٌ، وخديجة ابنة أختها؛ فهل يجوز لفاطمة أن تتزوج خديجة في حال قدرناها ذكراً؟
الجواب: لا يجوز لأنها ابنة أخته، فلا يجوز لجعفر أن يجمع بينهما.
لكن لو فرضنا أن فاطمة بنت خالة خديجة؟ هل يجوز لجعفر أن يجمع بينهما؟ نعم يجوز؛ لأننا لو قدرنا فاطمة ذكراً، وأراد الزواج من ابنة خالته، ابنة الخالة جائز أن يتزوجها؛ فيجوز لجعفر أن يجمع بينهما.
هذا هو ضابط هذه المسألة.
قالوا: العلة في ذلك أن طبيعة النساء تكون منهن غيرة شديدة تؤدي إلى العداوة والبغضاء بينهن فيؤدي ذلك إلى قطيعة الرحم، فلو تزوج شخص بأختين مثلاً؛ سيؤدي ذلك إلى وجود شحناء وبغضاء بين الأختين ثم قطيعة الرحم بينهن، لذلك حافظ الشارع على هذه العلاقة فحرَّم الجمع بين الأختين.
قال رحمه الله: (وَمَا زَادَ عَلَى العَدَدِ المُباحِ لِلحُرِّ وَالعَبْدِ)
ويحرم على الرجل إذا كان حراً أن يتزوج أكثر من أربع نسوة، ويحرم على العبد أن يتزوج أكثر من زوجتين فقط.
أما تحريم ذلك على الحر فلقول الله تبارك وتعالى {فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَاّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 3] ففي هذه
الآية أباح الشارع أن يتزوج الرجال اثنين اثنين أو ثلاثة ثلاثة أو أربعة أربعة، وانعقد الاتفاق على عدم جواز الزيادة على أربع نسوة.
وأما زيادة النبي صلى الله عليه وسلم على الأربع فهي خِصِّيصة له؛ خصه الله تبارك وتعالى بها.
أما أمته صلى الله عليه وسلم فلا يجوز لأحد أن يزيد على أربع نسوة، فالزيادة على الأربع محرمة بالاتفاق (1).
وأما العبد- الذي هو المملوك - فذكرنا أنه لا يحل له أن يجمع أكثر من امرأتين.
قال الحَكم: «أجمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن المملوك لا يجمع من النساء فوق اثنتين» (2)
فهذا الإجماع هو الحجة في هذه المسألة إن صح، فبعضهم ينقل الخلاف.
واحتجوا أيضا بالقياس على طلاقه وحدوده.
قال المؤلف رحمه الله: (وَإِذَا تَزَوَّجَ العَبْدُ بِغَيْرِ إِذْنِ سَيِّدِهِ؛ فَنِكَاحُهُ باطِلٌ)
إذا تزوج العبد من غير أن يأذن له سيده بالزواج؛ فنكاحه يكون باطلاً.
نقلوا الاتفاق على أن العبد لا يجوز له النكاح إلا بإذن سيده، وورد حديث ضعيف يدل على بطلان نكاحه (3).
قال المؤلف رحمه الله: (وإِذا أُعْتِقَتِ الأَمَةُ مَلَكَتْ أَمْرَ نَفْسِها، وخُيِّرَتْ في زَوْجِها)
الأمة: هي المملوكة.
(1) انظر "مراتب الإجماع"(ص 63) لابن حزم.
(2)
أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف"(3/ 465) ومن طريقه البيهقي (7/ 256) عن الليث بن أبي سليم عنه. والليث ضعيف؛ فالأثر ضعيف.
وفي "البدر المنير"(7/ 621) لابن الملقن، قال: وروى الشافعي بإسناده الصحيح عن عمر أنه قال: "يَنكِح العبدُ امرأتين " ثم رواه عن علي وعبد الرحمن بن عوف، ثم قال: ولا يعرف لهم من الصحابة مخالف، وهو قول الأكثر من المفسرين بالبلدان.
(3)
أخرجه أبو داود (2079) عن ابن عمر، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«إذا نكح العبد بغير إذن مولاه فنكاحه باطل» ، وقال أبو داود: هذا حديث ضعيف، وهو موقوف، وهو قول ابن عمر رضي الله عنه.