الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إذا دخل المسلم استعاذ بالله قبل أن يدخل كي لا تضره الجن. وتقصير الناس بالسنة في هذا الزمن أدى إلى عواقب سيئة، وهي كثرة المتضررين بالجن الموجودين في مثل هذه الأماكن، وقد صار هذا بين الناس اليوم كثيراً جداً، وذلك بسبب تركهم لسنة النبي صلى الله عليه وسلم.
وأما الاستغفار والحمد بعد الخروج فوردا في حديثين ضعيفين،
حديث عائشة: كان صلى الله عليه وسلم إذا خرج من الخلاء قال: «غفرانك» (1) وفيه يوسف بن أبي بردة مجهول.
وأما الحمد فأخرج ابن ماجه من حديث أنس، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خرج من الخلاء قال: «الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني» (2) وهو ضعيف، فيه إسماعيل بن مسلم، نقل في «الزوائد» الاتفاق على تضعيفه.
قال رحمه الله:
(بابُ الوضوءِ)
(الوضوء) لغة: مشتق من الوضاءة، وهي الحسنُ والنظافة والنقاوة.
وفي الشرع: هو التعبد لله بغسل الأعضاء الأربعة على صفة مخصوصة، فماهيَّة الوضوء متركبة من هذه الأعضاء الأربعة فهي أركانه وأساساته كما سيأتي.
وقيل: إيصال الماء إلى الأعضاء الأربعة مع النية.
حكم الوضوء: الوضوء واجب للصلاة، لقوله تبارك وتعالى:{يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤؤسكم وأرجلكم إلى الكعبين} .
والوضوء شرط لا تصح الصلاة إلا به، لقوله صلى الله عليه وسلم:«لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ» (3).
وقال ابن المنذر: «أجمع أهل العلم على أن الصلاة لا تجزئ إلا بطهارة إذا وجد المرء إليها السبيل» (4).
(1) أخرجه أحمد (42/ 124)، وأبو داود (30)، والترمذي (7)، وابن ماجه (300).
(2)
أخرجه ابن ماجه (301).
(3)
أخرجه البخاري (6954)، ومسلم (225) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
(4)
«الإجماع لابن المنذر» (ص 33).
ووجوب الوضوء على المحدث فقط، وأما من لم يحدث فصلاته مقبولة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى يوم الفتح الصلوات كلها بوضوء واحد، وقال:«عمداً صنعته» (1) أي ليبين الجواز.
وجاء عن أنس رضي الله عنه أنه قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ لكل صلاة فقيل له: وأنتم؟ قال: نحن كنا نصلي أكثر من صلاة بوضوء واحد (2) - وهذه سنة تقريرية -.
وإذا أخذنا بالآية - {يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤؤسكم وأرجلكم إلى الكعبين} - هكذا على ظاهرها كان واجباً على كل من أراد أن يصلي أن يتوضأ سواء كان متوضئاً أو غير متوضئ لكن لما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أن هذا ليس بلازم احتجنا إلى تفسير لهذه الآية وصرف لها عن ظاهرها، فقدّر أهل العلم أن معناها:«إذا قمتم إلى الصلاة محْدِثين فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق» .
وهذا تقدير جمهور علماء الإسلام عملاً بجميع الأدلة الواردة في ذلك.
فالوضوء واجب على المحدِث إذا أراد أن يصلي، ومستحب للمتوضئ تجديد وضوئه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ عند كل صلاة كما جاء في حديث أنس (3).
قال المؤلف رحمه الله: (يجبُ على كل مكلَّف أن يسمي إذا ذكر)
يقرر المؤلف رحمه الله هنا وجوب التسمية في الوضوء.
والعلماء تارة يطلقون الوجوب ويريدون الركن الذي لا يصح العمل إلا به، وتارة يطلقون الوجوب الذي يصح العمل مع عدم وجوده، ولكن تاركه يأثم، ويريدون الواجب الذي هو بمعنى ما أمر به الشارع أمراً جازماً.
ومعلوم أن الأحكام الشرعية واجبة على المكلّفين، أما غير المكلّف فلا تجب عليه، لأن القلم مرفوع عنه.
و(المكلّف): هو البالغ العاقل.
(1) أخرجه مسلم (277) عن بريدة رضي الله عنه.
(2)
أخرجه البخاري (214).
(3)
تقدم قبل قليل.
وأما التسمية في الوضوء، فاختلف أهل العلم في حكمها، فقال بعضهم بالوجوب وقال البعض بالاستحباب، وقال البعض بالبدعية، وسبب الخلاف صحة الأحاديث التي وردت فيها وفهمها.
فمن قال بالوجوب كما قال المؤلف، احتج بقول النبي صلى الله عليه وسلم:«لا صلاة لمن لا وضوء له، ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه» أخرجه أبو داود وغيره (1).
وهذا الحديث يدلّ على أن التسمية شرط في الوضوء لا يصحّ الوضوء إلا بها.
واستثنى رحمه الله الناسي، للأدلة الواردة التي تدل على أن الناسي غير مؤاخذ.
لكن هذا الحديث ضعيف ضعّفه جمع من علماء العلل المتقدّمين، بل قال الإمام أحمد رحمه الله:«لا أعلم في هذا الباب حديثاً له إسناد جيد» .
وفي رواية عنه: «ليس فيه حديث يثبت» ، فضعّف بذلك جميع الأحاديث التي تدل على ما دل عليه هذا الحديث.
فإذا لم يصح فيه شيء فلا معنى لإبطال عبادة الناس بغير دليل صحيح.
بل لو كانت البسملة مستحبة في هذا الموضع لنقل إلينا ذلك، فالأحاديث التي رواها عثمان وعلي وأبو هريرة وغيرهم من الصحابة التي فيها دقائق أفعال الوضوء ليس في شيء منها ذكر البسملة بإسناد يعتمد عليه. والله أعلم.
قال رحمه الله: (ويتمضمضَ ويستنشقَ)
ذهب المؤلف رحمه الله إلى وجوب المضمضة والاستنشاق في الوضوء.
و(المضمضة) معروفة، وهي أن يجعل الماء في فمه ثم يديره ثم يمجّه.
و(الاستنشاق): إدخال الماء في الأنف.
و(الاستنثار): إخراج الماء من الأنف.
(1) أخرجه أحمد (15/ 243)، وأبو داود (101)، وابن ماجه (399) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
أعلّه البخاري بالانقطاع، وله طرق كلها معلّة. انظرها في «البدر المنير» (2/ 69).
واستدل من قال بالوجوب بقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا توضأ أحدكم فليجعل في أنفه ماء ثم لينتثر» (1) متفق عليه.
وأخرج أصحاب السنن عن لقيط بن صَبِرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «وبالغ في الاستنشاق، إلا أن تكون صائماً» (2).
وكذلك قالوا أمر الله تعالى في كتابه بغسل الوجه في الوضوء، والفم والأنف من جملة الوجه.
والصحيح أن المضمضة والاستنشاق سنتان في الوضوء والغسل، لقوله تعالى:
…
{فاغسلوا وجوهكم} .
قالوا: الفم والأنف من الوجه، قلنا: لا نسلّم لكم بهذا، لأن الوجه عند العرب ما حصلت به المواجهة، والفم والأنف إدخال الماء فيهما، وليس مما هو مواجه، فالأنف من الخارج من الوجه، والفم من الخارج من الوجه، وأما من الداخل، فلا.
وقال بالذي قلناه، الإمام الشافعي والحسن البصري والزهري والحكم وقتادة ومالك والأوزاعي والليث بن سعد ورواية عن الإمام أحمد.
وأما ما ذكروا من أحاديث، فهي على الاستحباب، والذي صرفها عن الوجوب ما جاء في الآية، فإنها مُبَينة ليس فيها إجمال ولا تحتاج إلى بيان، فذَكر الله سبحانه وتعالى فرائض الوضوء فيها ولم يذكر المضمضة والاستنشاق.
قال رحمه الله: (ثم يغسلُ جميعَ وجهِهِ)
غسل الوجه ركن من أركان الوضوء لا يصح إلا به، فهو مذكور في الآية.
والوجه في اللغة: ما حصلت به المواجهة.
وحدّه من أعلى الجبهة، من منبت الشعر إلى منتهى الذقن طولاً، ومن شحمة الأذن إلى شحمة الأذن الأخرى عرضاً، وأجمع العلماء على وجوب غسله (3).
(1) أخرجه البخاري (161)، ومسلم (237) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
(2)
أخرجه أحمد (26/ 309)، وأبو داود (142)، والترمذي (788)، والنسائي (87)، وابن ماجه (407).
(3)
انظر «بداية المجتهد» لابن رشد (1/ 36).
لكن كما هو معلوم فإن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، ولن تتمكن من غسل جميع الوجه الذي أُمرت بغسله إلا بغسل شيء من الشعر وقليل من أسفل الذقن.
ثم قال رحمه الله: (ثم يَدَيْهِ مع مِرْفَقَيْهِ)
أي يغسل بعد وجهه يديه مع المرفقين، والمرفقان، هما المفصلان بين العضد والذراع، وهو الموضع التي ينثني عندك في نصف اليد تقريباً، والذي يُسَهِّلُ عليك ثني اليد.
والوارد في الآية {فاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} ، وكلمة «إلى» في اللغة تدل على غاية الشيء، لكن هل هذا الشيء الذي انتهينا إليه يدخل فيما أُمرنا به أم لا يدخل؟
في دخوله احتمال، لكن وردت السنة ببيان أنه داخل، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغسلهما في وضوئه، وورد عن نُعيم أنه قال: رأيت أبا هريرة يتوضأ قال: «فغسل يده اليمنى حتى أشرع في العضد وغسل يده اليسرى حتى أشرع في العضد» (1)، يعني حتى بدأ بغسل العضد.
إذاً دخل المرفق في الغسل، فتبين لنا بهذا أن غسل اليدين يكون مع المرفقين.
ومهم أيضاً أن ننبِّه على أن غسل اليدين يبدأ من الأصابع من البداية إلى المرفقين، وليس من الرسغ، وكثير من الناس يبدأ بالرسغ ويُكمل إما لجهله بوجوب غسل اليدين، أو اعتماداً على غسل الكفين في بداية الوضوء، وهذا خطأ، فاليد التي ذُكرت في الآية تشمل الكف.
فالغسل يجب أن يبدأ من رؤوس الأصابع إلى المرافق.
ثم قال رحمه الله: (ثم يمسحُ رأسَهُ)
وهذا أيضاً من أركان الوضوء لا خلاف في وجوبه، والخلاف حاصل في وجوب مسحه كله، أم بعضه؟
الرأس هو ما اشتملت عليه منابت الشعر المعتاد.
وهذه التعريفات الدقيقة توصلك إلى معرفة الواجب بسهولة.
(1) أخرجه مسلم (246)، وقال في آخره:«هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ» .
هل الواجب مسح جميع الرأس أم مسح بعضه؟
اختلف أهل العلم في ذلك، وسبب الاختلاف هو اختلافهم في فهم آية {وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ} هل الباء هذه باء زائدة أم تبعيضية أم للإلصاق؟
الآية تحتمل هذا وهذا، وأما السنة فلم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه مسح بعض رأسه إلا مع العمامة.
والمسح يكون بالبدء بمقدم الرأس إلى أن يصل بيديه إلى القفا، ثم يرجع بهما إلى مقدّم رأسه، كما ورد في الأحاديث (1).
والمرأة كالرجل في مسح رأسها، وإذا كان لها ذيل فلا يجب عليها أن تمسح ذيلها.
قال رحمه الله: (مع أذنيه)
أي يمسح أذنيه مع رأسه، ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم (2).
ويحتج من يقول بوجوب مسح الأذنين بقول النبي صلى الله عليه وسلم: «الأذنان من الرأس» (3)، وهو حديث مختلف فيه.
ومسح الأذنين يكون بمسح ظاهرهما وباطنهما، كما صحّ عن المقدام بن معدي كرب قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم مسح برأسه وأذنيه ظاهرهما وباطنهما (4).
وطريقة المسح، أن تضع إبهام اليد خلف الأذن، والسبابة في داخلها، وتبدأ من الأسفل وترتقي إلى الأعلى ثم ترجع إلى الأسفل، فهذه هي الكيفية التي أخذناها عن علمائنا.
وهل مسح الأذنين واجب كوجوب مسح الرأس أم لا؟ حصل في هذا نزاع بين أهل العلم، وسبب النزاع، هل مسح بعض الرأس يكفي أم لا؟ فالذي قال بأن مسح بعض الرأس يكفي لم يقل بوجوب مسح الأذنين.
وكذلك حديث «الأذنان من الرأس» أيضاً كان سبباً في هذا الخلاف.
(1) أخرجه البخاري (185)، ومسلم (235) عن عبد الله بن زيد رضي الله عنه.
(2)
أخرجه أحمد (28/ 425)، وأبو داود (121) وغيرهما عن معدي كرب رضي الله عنه.
(3)
أخرجه أحمد (36/ 613)، وأبو داود (134)، والترمذي (37)، وابن ماجه (444) وغيرهم عن أبي أمامة رضي الله عنه.
(4)
تقدم تخريجه، وانظر طرقه في «البدر المنير» (2/ 207).
والخلاف قوي في صحة حديث: «الأذنان من الر أس» . والله أعلم
ثم قال رحمه الله: (ويجزئ مسح بعضه)
يرى المؤلف أن مسح بعض الرأس مجزئ، لكن كما ذكرنا فإنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه مسح بعض رأسه إلا مع العمامة، فنتقيد بفعل النبي صلى الله عليه وسلم.
ثم قال رحمه الله: (والمسح على العمامة)
أي ويجوز المسح على العمامة، والعمامة: ما يُلفُّ على الرأس.
وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه مسح على العمامة (1)، وصحّ عنه أنه مسح على ناصيته - أي مقدّم رأسه - وعلى العمامة (2).
قال رحمه الله: (ثم يغسل رجليه مع الكعبين)
غسل الرجلين وارد في الآية، وهو ركن من أركان الوضوء، وغسل الرجلين مع الكعبين هو الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم (3).
قال عبد الله بن عمرو: تخلّف عنّا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سَفْرَةٍ، فأدركَنا وقد أرهَقَنا العصر، فجعلنا نتوضأ ونمسح على أرجلنا فنادى بأعلى صوته:«ويل للأعقاب من النار» مرتين أو ثلاثاً. متفق عليه (4).
و(العقب): مؤخر القدم، والكعبان: العظمان الناتئان عند مفصل الساق والقدم.
والحديث يدلّ على وجوب غسل جميع القدم.
وأما دليل غسل الكعبين مع الرجلين، فحديث أبي هريرة، قال نعيم: رأيت أبا هريرة يتوضأ فغسل وجهه فأسبغ الوضوء، ثم غسل يده اليمنى حتى أشرع في العضد، ثم يده اليسرى حتى أشرع في العضد، ثم مسح رأسه، ثم غسل رجله اليمنى حتى أشرع في
(1) أخرجه البخاري (205) عن عمرو بن أمية رضي الله عنه.
(2)
أخرجه مسلم (274) عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه.
(3)
فائدة: قال ابن حزم: «واتفقوا أن إمساس الرجلين المكشوفتين الماء لمن توضأ فرض، واختلفوا أتمسح أم تغسل. «مراتب الإجماع» (ص 19).
(4)
أخرجه البخاري (60)، ومسلم (141) عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه.