الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال المؤلف رحمه الله:
(بابُ شروطِ الصلاةِ)
أما الشرط، فلغة: العلامة.
واصطلاحاً: ما يلزم من عدمه العدم، ولا يلزم من وجوده وجود.
كالوضوء للصلاة، فإنه لا يلزم من وضوئك أن تصلي، ويلزم من عدم الوضوء بطلان الصلاة.
والفرق بينه وبين الركن، أن الركن جزء من حقيقة الشيء فهو داخل في الشيء، بخلاف الشرط، فإنه ليس جزءاً من الشيء، ولكن كلاهما إذا لم يوجد لا يوجد الشيء.
فعلى ذلك، فإن ما سيذكره المؤلف، هي شروط للصلاة بمعنى أنه يجب أن تتحقق عند الصلاة وإلا تسببت ببطلان الصلاة.
قال رحمه الله: (ويجبُ على المصلّي تطهيرُ ثوبهِ وبدنهِ ومكانهِ من النجاسةِ)
يجب على المصلي تطهير ثلاثة أشياء من النجاسات قبل الدخول في الصلاة:
1.
ثوبه الذي سيصلي فيه.
2.
بدنه أي جسده.
3.
المكان الذي سيصلي فيه.
فأما وجوب طهارة الثوب، فلقول الله تبارك وتعالى {وثيابك فطهر} على أحد التفاسير لهذه الآية.
وكذلك حديث أبي سعيد الخدري عند أحمد وأبي داود أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في نعليه ثم خلعهما وهو في الصلاة، وقال:«إن جبريل أتاني فأخبرني أن فيهما قذراً - أو قال: أذى - وقال: «إذا جاء أحدكم إلى المسجد فلينظر فإن كان في نعليه قذراً أو أذى فليمسحه وليصل فيهما» (1).
وكذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم الحائض التي أصاب ثوبها دم الحيض بغسله (2).
(1) أخرجه أحمد (11153)، وأبو داود (650) وغيرهما عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
(2)
أخرجه البخاري (227)، ومسلم (291) عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما.
وأما البدن فلما ورد من أدلة تدل على وجوب التنظف من النجاسات، كحديث الذي يعذب في قبره، لأنه لا يستنزه من البول، وأحاديث الأمر بالاستنجاء والاستجمار، وغيرها من الأحاديث، وتنظيفه أولى من تنظيف الثوب.
وأما وجوب نظافة المكان، فلأمر النبي صلى الله عليه وسلم بسكب الماء على بول الأعرابي الذي بال في المسجد (1).
ولكن، لا يخفى أن هذه الأدلة تدل على وجوب التطهر من النجاسات للصلاة، وأما الشرطية فأمر زائد على الوجوب لا يثبت بمجرد الأمر.
والفرق بينهما، أننا إذا قلنا بالوجوب وليس بالشرطية فنقول من صلى في النجاسة فصلاته صحيحة ولكنه آثم مع علمه بها.
وأما إذا قلنا بالشرطية فتكون صلاته باطلة.
والشيء إذا كان شرطاً دل على الوجوب وزيادة، وما دل على الوجوب فلا يدل على الشرطية.
وتثبت الشرطية، بدليل يدل على أن المشروط يعدم بعدمه، كمثل نفي القبول في قوله صلى الله عليه وسلم:«لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ» (2).
أو بنفي ذات العبادة مثل قوله «لا صلاة بغير طهور» (3)، وقولنا مثلاً: لا صلاة لمن صلى في مكان متنجس، فإن فيه نفياً للصلاة.
أو بنهي خاص بالصلاة.
أو إجماع على الشرطية.
ولا يوجد شيء من ذلك في هذا الباب يدل على شرطية طهارة الثوب أو البدن أو المكان في الصلاة، بل حديث أبي سعيد المتقدم يدل على صحة صلاة من صلى في نعل متنجّس وهذا يدل على عدم الشرطية، ولو كان شرطاً لما أثر عدم علمه بالحكم، والمالكية على ما ذكرنا.
(1) أخرجه البخاري (219)، ومسلم (285) عن أنس رضي الله عنه.
(2)
أخرجه البخاري (6954)، ومسلم (225) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
(3)
أخرجه مسلم (524) عن ابن عمر رضي الله عنه.
قال المؤلف رحمه الله: (وسَتْرُ عَوْرَتِهِ)
العورة لغة، مأخوذة من العور وهو النقص والعيب، وسميت بذلك، لقبح ظهورها ولِغَضِّ الأبصار عنها.
وشرعاً، ما يطلب ستره.
وأما حدّها، فاتفق العلماء على أن الفرج - وهو القُبُل - والدبر عورة.
قاله ابن حزم في «مراتب الإجماع» .
واختلفوا فيما بين السرّة والركبة للرجل هل هي عورة أم لا؟
فالذين قالوا ما بين السرّة والركبة عورة، احتجوا بحديث ابن عباس وجرهد ومحمد بن جحش وغيرهم (1)، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«الفخذ عورة» ، وفي رواية:«ما بين السرّة والركبة عورة» .
فأما حديث «ما بين السرّة والركبة عورة» ، فضعيف لا يصحّ (2).
وأما بقية الأحاديث التي فيها ذكر الفخذ، فصحيحة بالجملة.
فعلى ذلك، فالسرّة والركبة ليستا عورة على الصحيح، فيبقى الفخذ.
حديث جرهد يدل على أن الفخذين عورة، خالفه حديث أنس المتفق عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان راكباً وكذا أنس وأبو طلحة، فحسر النبي صلى الله عليه وسلم عن فخذه، قال أنس: حتى أني لأنظر إلى بياض فخذ نبي الله صلى الله عليه وسلم (3).
قال البخاري: «حديث أنس أسند وحديث جرهد أحوط» ليخرج من اختلافهم.
(1) أخرجه الترمذي (2796)، والبيهقي (3231) عن ابن عباس، وأخرجه أحمد في «مسنده» (299) عن محمد بن جحش، وأخرجه الترمذي (2797) عن جرهد الأسلمي.
وهي عند البخاري عنهم جميعاً معلقة.
(2)
أخرجه أبو داود (496) من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وأخرجه الحاكم في المستدرك (3/ 568)، والطبراني في «المعجم الأوسط» (7761) عن عبد الله بن جعفر، وأخرجه الحارث بن أبي أسامة (البغية 143) عن أبي سعيد الخدري. لمعرفة علة الأحاديث انظر البدر المنير (4/ 158).
(3)
أخرجه البخاري (371)، ومسلم (1365) عن أنس رضي الله عنه في حديث طويل.
وروت عائشة وغيرها في «الصحيح» وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم كان جالساً وهو كاشف عن فخذه فدخل أبو بكر وعمر وهو كذلك، فلما دخل عثمان جلس وسوّى ثيابه فغطى فخذه وقال:«ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة» (1).
وشك في رواية الفخذ أم الساق، وفي غيرهما الجزم بالفخذ.
فاختلف أهل العلم في طريقة الجمع بين هذه الأحاديث، وأرجح الأقوال عندي، الذي فيه العمل بجميع الأدلة، أن يقال: إن العورة منها ما هو مغلظ يحرم كشفه وهما السوءتان، ومنها ما هو مخفف يكره كشفه وهما الفخذان، والله أعلم.
وأما عورة المرأة فجميع بدنها ما عدا الوجه والكفين.
وهذا قول مالك والشافعي ورواية عن أحمد والأوزاعي وأبو ثور وهو قول جمهور العلماء.
وزاد بعض أهل العلم القدمين أيضاً، فقالوا ليستا بعورة.
وفي رواية عند أحمد، أن المرأة كلها عورة.
وسبب هذا الاختلاف، فهم معنى قوله تبارك وتعالى {ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها} فقوله هنا {إلا ما ظهر منها} ، هل المقصود به الثياب الظاهرة كما قال ابن مسعود، فيكون المقصود ما لا يملك ظهوره، أم الوجه والكفين كما قال ابن عباس، فيكون المقصود أعضاء محدودة؟
وقول الجمهور هو الصواب، والدليل عليه أن بعض النساء كن يكشفن وجوههن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولم ينكر عليهن.
من ذلك حديث الخثعمية في الحج، عن عبد الله بن عباس أنه قال: كان الفضل بن عباس رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءته امرأة من خثعم تستفتيه فجعل الفضل ينظر إليها وتنظر إليه فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يصرف وجه الفضل إلى الشق الآخر، قالت يا رسول الله: إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبى شيخاً كبيراً لا يستطيع أن يثبت على الراحلة أفأحج عنه قال: «نعم» . وذلك في حجة الوداع (2).
(1) أخرجه مسلم (2401).
(2)
أخرجه مسلم (1335).
وقد كان هذا بعد نزول الحجاب، والمرأة منهية عن لبس القفازين والنقاب في الحج.
ومنها حديث جابر في صلاة العيد، قال شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة يوم العيد فبدأ بالصلاة قبل الخطبة بغير أذان ولا إقامة ثم قام متوكئاً على بلال فأمر بتقوى الله وحث على طاعته ووعظ الناس وذكرهم، ثم مضى حتى أتى النساء فوعظهن وذكرهن فقال:«تصدقن فإن أكثركن حطب جهنم» ، فقامت امرأة من سطة النساء سفعاء الخدين، فقالت: لم يا رسول الله؟ قال: «لأنكن تكثرن الشكاة وتكفرن العشير» قال: فجعلن يتصدقن من حليهن يلقين في ثوب بلال من أقرطهن وخواتمهن (1).
والحاجة تدعو إلى كشف الوجه والكفين لتسهيل البيع والشراء والأخذ والإعطاء.
والدليل على أن القدمين عورة، قول النبي صلى الله عليه وسلم:«من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة» قالت أم سلمة: فكيف يصنعن النساء بذيولهن؟ قال «يرخين شبراً» ، فقالت: إذا تنكشف أقدامهن، قال:«فيرخينه ذراعاً لا يزدن عليه» .
رواه ابن عمر وأم سلمة (2).
ثم بعد ذلك، هل ستر العورة التي قررناها آنفاً واجب أم شرط؟
اختلف أهل العلم في ذلك، والراجح أنه واجب وليس شرطاً.
ودليل الوجوب قول الله تبارك وتعالى {خذوا زينتكم عند كل مسجد} .
قال غير واحد من السلف: هو ستر العورة، وسبب نزول الآية يدل على ذلك.
ودليل عدم الشرطية:
حديث عمرو بن سلمة أنه أمَّ بقومه وهو صغير، فإنه كان أقرأهم لكتاب الله وعليه بردة صغيرة إذا سجد تكشفت عورته، حتى قالت امرأة من النساء: واروا عنا عورة قارئكم فاشتروا له قميصاً (3).
فهذا قد تكشَّفَت عورته في الصلاة ولم يأت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمرهم بإعادة الصلاة.
(1) أخرجه البخاري (958)، ومسلم (885) عن جابر رضي الله عنه، واللفظ لمسلم.
(2)
أخرجه الترمذي (1731)، والنسائي (5336).
(3)
أخرجه البخاري (4302).
وكذلك كان حال بعض الصحابة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فدلّ ذلك على عدم الشرطية، وإن كان واجباً.
قال المؤلف رحمه الله: (ولا يَشْتَمِلُ الصَّمَّاءَ، ولا يَسْدِلُ، ولا يُسْبِلُ، ولا يَكْفِتُ ولا يُصَلي في ثَوْبِ حريرٍ، ولا ثوبِ شُهْرَةٍ، ولا مَغْصُوبٍ)
في هذه الفقرة عدة مسائل:
- جاء في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن اشتمال الصماء (1)، وهي أن يأخذ الثوب ويلف نفسه به ولا يخرج يديه منه، فإذا تحرك أو أراد أخذ شيء ظهرت عورته، وسميت صماء لأنها لا منفذ لها، فإذا لف نفسه بالثوب من غير ربط ربما تظهر عورته، فلا يجوز التلفف بالثوب الواحد على وجه يخشى منه ظهور العورة.
- وأما السدل، فلما جاء عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن السدل في الصلاة. وهو حديث ضعيف (2)
والسدل هو أن يرسل الثوب حتى يصيب الأرض، فعلى هذا التفسير يدخل في النهي عن الإسبال الآتي.
وقال بعضهم، هو أن يرسل طرفي الثوب ولا يضمهما، فينكشف بطنه وتنكشف عورته، فعلى ذلك يكون النهي لستر العورة.
- وأما الإسبال، فهو أن يرخي إزاره أو ثوبه حتى يجاوز الكعبين، وقد صح النهي عنه في الصلاة وغيرها، ومنها قوله عليه السلام:«ما أسفل من الكعبين من الإزار ففي النار» (3).
- وأما كفت الثوب والشعر في الصلاة، فقد صحّ النهي عنه في «الصحيحين» عن ابن عباس، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أمرت أن أسجد على سبعة أعظم، على الجبهة - وأشار بيده على أنفه واليدين والركبتين وأطراف القدمين - ولا نكفت الثياب والشعر» (4).
(1) أخرجه البخاري (367)، ومسلم (2099) عن جابر رضي الله عنه.
(2)
أخرجه أبو داود (643)، والترمذي (378) وغيرهما. انظر علته في نصب الراية للزيلعي (2/ 96)، والأحكام الوسطى للإشبيلي (1/ 317).
(3)
أخرجه البخاري (5787) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
(4)
أخرجه البخاري (812)، ومسلم (490) عن ابن عباس رضي الله عنه.
وكفت الثوب، هو أن يأخذ طرف الثوب ويرفعه إلى الأعلى، أو يقلبه قلباً أو يشمِّر أكمامه.
وأما كفت الشعر فأن يأخذ خصلة مرخية منه فيربطها بخيط في الأعلى أو نحو ذلك.
- ولا يجوز للرجل أن يصلي في ثوب الحرير، لأنه منهي عن لبس الحرير.
- ولا يجوز لبس ثوب الشهرة لقوله صلى الله عليه وسلم: «من لبس ثوب شهرة في الدنيا، ألبسه الله ثوب مذلّة يوم القيامة» (1).
وهو حديث ضعيف سيأتي بيانه في كتاب اللباس، وعلى ذلك فيجوز لبسه.
وثوب الشهرة هو الثوب يشتهر بين الناس إما للونه أو لصفته أو لغير ذلك.
- وكذلك لا يجوز للمصلي أن يصلي في ثوب مغصوب، لأن الثوب المغصوب ليس ملكاً لغاصبه، بل هو ملك لغيره فلا يجوز له استعمال مال الغير إلا بإذنهم.
والغصب هو أخذ مال الغير قهراً أو عدواناً بغير وجه حق.
ولكن كل ما ذكره المؤلف هنا لا يعتبر من شروط الصلاة، لأن منها ما يتعلق بستر العورة، وهذا حكمه أنه يتبع حكم ستر العورة، كالنهي عن اشتمال الصماء والسدل في أحد تفاسيرهما.
ومنها ما لا يختص بالصلاة، وهذا لا يبطلها إذا فعل كلبس الحرير والإسبال والغصب.
ومنها ما يختص بالصلاة كالكفت، ولكن أجمع العلماء على أن المرء إذا صلى كذلك فلا إعادة عليه، قد نقل هذا الإجماع الإمام الطبري.
ونقل عن الحسن البصري أن عليه الإعادة (2).
وصحّ عن ابن مسعود أنه رأى رجلاً يصلي وهو عاقص شعره فلم يأمره بإعادة الصلاة ونهاه عن ذلك (3).
(1) أخرجه أبو داود (4029)، وابن ماجه (3606) عن أبي ذر رضي الله عنه.
(2)
انظر «شرح صحيح مسلم» للنووي (4/ 209).
(3)
أخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (8046)، وعبد الرزاق في «مصنفه» (2996)، وابن المنذر في «الأوسط» (1465) وغيرهم.