الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مُتَحَرِّفاً لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاء بِغَضَبٍ مِّنَ اللهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [الأنفال 15/ 16]، وعَدَّ النبي صلى الله عليه وسلم الفرار من الزحف من السبع الموبقات (1)، كما جاء في الصحيحين.
قال المؤلف رحمه الله: (ويَجُوزُ تَبييتُ الكُفَّارِ، والكِذبُ فِي الحَربِ، والخِدَاعُ)
أما تبييت الكفار فقد تقدم بيانه، وحديثه من حديث الصعب بن جثامة.
وأما جواز الكذب في الحرب؛ فلِما ثبت في الصحيح من حديث جابر عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:«مَنْ لِكَعْبِ بْنِ الأَشْرَفِ» ، فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ: أَتُحِبُّ أَنْ أَقْتُلَهُ؟ قَالَ: «نَعَمْ» ، قَالَ: فَأْذَنْ لِي فَأَقُولَ، قَالَ:«قَدْ فَعَلْتُ» (2)
طلب الإذن أن يخدعه بمقال.
بعض أهل العلم ذهب إلى أن المراد من هذا الكذب التعريض.
قال النووي رحمه الله: وقد صح في الحديث جواز الكذب في ثلاثة أشياء: أحدها: في الحرب، قال الطبري: إنما يجوز من الكذب في الحرب المعاريض دون حقيقة الكذب؛ فإنه لا يحل.
هذا كلامه، والظاهر إباحة حقيقة نفس الكذب، لكن الاقتصار على التعريض أفضل. والله أعلم
وأما الخداع في الحرب فدليل جوازه، حديث الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«الحرب خدعة» (3).
قال النووي: واتقفوا على جواز خداع الكفار في الحرب كيفما أمكن، إلا أن يكون فيه نقض عهد أو أمان فلا يحل. انتهى
العهود المسلمون يتقيدون بها، ولا يخونونها تحت أي ذريعة من الذرائع، حتى إن أحد الصحابة جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم واستأذنه أن يقاتل معه الكفار، وكان أعطى الكفار عهداً أن لا يقاتلهم، فمنعه النبي صلى الله عليه وسلم من قتالهم (4).
فَصلٌ
قال المؤلف رحمه الله: (وما غَنِمَه الجَيشُ؛ كانَ لهم أَربعةُ أَخماسِهِ، وخُمسهُ يَصرِفُهُ الإِمامُ في مَصارِفِهِ، ويَأخذُ الفَارِسُ مِنَ الغَنيمةِ ثَلاثةَ أَسهُمٍ، والرَّاجلُ سَهْماً، وَيَستوِي في ذلك
(1) أخرجه البخاري (2766)، ومسلم (89)
(2)
أخرجه البخاري (3032)، ومسلم (1801)
(3)
أخرجه البخاري (3030)، ومسلم (1739)
(4)
أخرجه مسلم (1787)
القَوِيُّ والضَّعيفُ، ومَن قاتلَ وَمَن لم يُقاتِل)
أصل الغنيمة في اللغة: الربح والفضل - أي الزيادة-.
وفي الاصطلاح: ما أُخذ من أموال المشركين بقتال.
وقد أباحها الله لأمة محمد صلى الله عليه وسلم بعد أن كانت محرمة على مَنْ قبلهم من الأمم، قال النبي صلى الله عليه وسلم:«أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ مِنَ الأَنْبِيَاءِ قَبْلِي: نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ، وَجُعِلَتْ لِي الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا، وَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ فَلْيُصَلِّ، وَأُحِلَّتْ لِي الغَنَائِمُ، وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً، وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً، وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ» (1).
وأما كيفية تقسيم الغنائم، فقد ذكرها المؤلف.
تقسَّم أولاً إلى خمس حصص متساوية، أربعة منها يأخذها الجيش، للفارس ثلاثة أسهم، وللراجل سهم واحد.
الفارس: الذي يقاتل على فرسه، له سهم ولفرسه سهمان.
والراجل: الذي يقاتل على رجليه، لا يركب فرساً، له سهم واحد.
اليوم لا يوجد حُصُنْ، حُصُنْ جمع حصان، جمع حصان: يقال: حُصُنْ، وأَحصِنة.
المشهورة عند أهلنا: حصن، فهي عربية صحيحة.
اليوم لا يوجد حُصُنْ، يوجد دبابات وطائرات.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: فإذا قال قائل: فماذا تقولون في حروب اليوم؟ فالناس لا يحاربون على خيل وإبل، بل بالطائرات والدبابات وما أشبهها؟ .
فالجواب: يقاس على كل شيء ما يشبهه، فالذي يشبه الخيل الطائرات؛ لسرعتها وتزيد ـ أيضاً ـ في الخطر، والذي يشبه الإبلَ الدباباتُ والنقلياتُ وما أشبهها، فهذه لصاحبها سهم ولها سهمان، والراجل الذي يمشي على رجله مثل القناصة له سهم واحد.
فإن قال قائل: الطيار لا يملك الطائرة، فهل تجعلون له ثلاثة أسهم؟ .
نقول: نعم نجعل له ثلاثة أسهم؛ سهم له وسهمان للطائرة، وسهما الطائرة يرجعان إلى بيت المال؛ لأن الطائرة غير مملوكة لشخص معين، بل هي للحكومة، وإذا رأى ولي الأمر أن
(1) أخرجه البخاري (438)، ومسلم (521)
يعطي السهمين لقائد الطائرة فلا بأس؛ لأن في ذلك تشجيعاً له على هذا العمل الخطير. انتهى من الشرح الممتع.
أصل هذه القسمة للفارس ثلاثة أسهم وللراجل سهم، حديث ابن عمر رضي الله عنهما، قال: قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر للفرس سهمين وللراجل سهماً (1).
فسَّره نافع عند البخاري-نافع الراوي عن ابن عمر وهو مولاه- قال: فإذا كان مع الرجل فرس، فله ثلاثة أسهم، فإن لم يكن له فرس فله سهم. الحديث متفق عليه.
والجيش كله واحد، لا فرق بين القوي والضعيف، وبين من قاتل ومن لم يقاتل بما أنه من الجيش؛ لحديث مصعب بن سعد قال: رأى سعدٌ أن له فضلاً على مَنْ دونه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«هل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم؟ » (2).
وأخرج أبو داود أن النبي صلى الله عليه وسلم قسم غنائم بدرٍ بالسوية، بعد وقوع الخصام بين من قاتل ومن لم يقاتل، ونزل في ذلك قوله تعالى:{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ} [الأنفال/1](3).
الحديث الأول يدل على عدم الفرق بين الضعيف والقوي، والحديث الثاني يدل على عدم الفرق بين من قاتل وبين لم يقاتل.
وأما تقسيم الغنيمة إلى خمسة أقسام، قسم منها يصرفه الإمام في مصارفه، فدليله قول الله تبارك وتعالى:{وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [الأنفال/41].
فأول شيء الغنيمة تقسم إلى خمسة أقسام: أربعة منها تقسم على الجيش بالقسمة التي تقدمت، والقسم الخامس الذي هو الخُمس، هذا أيضاً يقسم إلى خمسة أقسام:
الأول: لله ولرسوله، هذا القسم يُدخَل في بيت مال المسلمين، يوضع هذا القسم في بيت مال المسلمين وينفق على مصالح المسلمين؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«والذي نفسي بيده مالي مما أفاء الله إلا الخمس، والخمس مردود عليكم» (4) فيرد إلى بيت مال المسلمين. هذا أخرجه أبو داود.
والثاني: لذي القربى، وهم بنو هاشم وبنو المطلب، يقسم بينهم، يعني قرابة النبي صلى الله عليه وسلم الذين هم بنو هاشم وبنو المطلب؛ لحديث جبير بن مطعم عند البخاري: لما كان
(1) أخرجه البخاري (4228)، ومسلم (1762)
(2)
أخرجه البخاري (2896)
(3)
أخرجه أبو داود (2737)
(4)
أخرجه أحمد (6729)، وأبو داود (2694)، والنسائي (3688)
يوم خيبر قسَّم رسول الله صلى الله عليه وسلم سهم ذوي القربى بين بني هاشم وبني المطلب (1).
القسم الثالث: اليتامى، {فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى} ، اليتيم هو مَنْ فقد أباه، وكان دون سن البلوغ.
الناس اليوم يطلقون اليتيم على من فقد أباه أو أمه، وسواء كان صغيراً أم كبيراً، هذا من التخليط في التسمية، هذا خطأ، اليتيم لا يكون يتيماً إلا إذا اتصف بوصفين: الأول: أن يفقد أباه، من فقد أمه لا يسمى يتيماً من البشر، وأما من الحيوانات والطيور فنعم يسمى يتيماً، أما عند البشر فلا يسمى يتيماً من فقد أمه.
الوصف الثاني: أن يكون تحت سن البلوغ، البالغ لا يسمى يتيماً.
هذا القسم يعطى لليتامى الذين هذا وصفهم، سواء كانوا فقراء أم أغنياء، لم يفصِّل في الآية فيعطى الجميع.
القسم الرابع: المساكين: المسكين هو: الذي لا يملك كفايته، نحن ذكرنا في كتاب الزكاة التفريق بين الفقير والمسكين، هنا ذكر المسكين فقط فهما بمعنى واحد، وهو الذي لا يملك كفايته، ويدخل في ذلك أيضاً المعدم الذي ليس عنده شيء.
القسم الخامس: ابن السبيل: هو المسافر الذي انقطعت به السبل، لا يوجد معه مال، ولا عنده مكان يلجأ إليه، ولا ما يوصله إلى بلاده التي يسكنها، فهذا يعطى من المال ما يبلِّغه المكان الذي يسكنه.
قال المؤلف رحمه الله: (ويَجوزُ تَنْفِيلُ الإِمامِ بَعضَ الجَيشِ)
التنفيل، هو: أن يعطي زيادة على النصيب.
فيجوز للإمام أن يعطي بعض الجيش زيادة على نصيبه؛ لمصلحة يراها الإمام، لا لهوى، بل لمصلحة تعود بالنفع على الإسلام والمسلمين.
لما أخرجه مسلم في صحيحه عن سلمة بن الأكوع قال: أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم سهمين: سهم الفارس، وسهم الراجل، فجمعهما لي جميعاً.
واختلف أهل العلم هل النفل يعطى من أصل الغنيمة، أم من الأربعة أخماس أم من الخمس؟
(1) أخرجه البخاري (4229)
يعني هل يعطى النفل قبل تقسم أي شيء من الغنيمة، فيكون من أصل الغنيمة، أم بعد التقسيم إلى خمسة أقسام.
فقال بعضهم: من أصل الغنيمة، قبل التقسيم، وقال البعض: من الخمس الذي للأصناف التي ذكرناها سابقاً، والبعض قال: من الأربعة أخماس.
وظاهر حديث ابن عمر في الصحيحين أنه بعد التقسيم، لا من أصل الغنيمة.
فقد جاء فيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سرية كان فيها ابن عمر قِبَل نجد، فغنموا إبلاً كثيرة، فكانت سهامهم اثني عشر بعيراً، وَنُفِّلُوا بعيراً بعيراً (1).
قال النووي رحمه الله: فيه إثبات النفل، وهو مجمع عليه.
واختلفوا في محل النفل: هل هو من أصل الغنيمة، أو من أربعة أخماسها، أو من خمس الخمس.
وهي ثلاثة أقوال للشافعي، وبكل منها قال جماعة من العلماء، والأصح عندنا أنه من خمس الخمس، وبه قال ابن المسيب ومالك وأبو حنيفة رضي الله عنهم، وآخرون، وممن قال إنه من أصل الغنيمة: الحسن البصري والأوزاعي وأحمد وأبو ثور وآخرون
…
انتهى
قال المؤلف رحمه الله: (وللإِمامِ الصَّفِيُّ، وسَهمُهُ كَأحدِ الجَيشِ)
الصَّفِي: ما يصطفيه الإمام، يختاره لنفسه من الغنيمة قبل قسمة الغنيمة.
الإمام يختار له شيئاً من الغنيمة: سيفاً، أو فرساً، امرأة، أي شيء ينتقيه ويأخذه له قبل أن تبدأ قسمة الغنيمة.
دليله قول النبي صلى الله عليه وسلم لقومه: «إنكم إن شهدتم أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وأقمتم الصلاة، وآتيتم الزكاة، وأديتم الخمس من المغنم، وسهم النبي صلى الله عليه وسلم الصفي؛ فأنتم آمنون بأمان
(1) أخرجه البخاري (3134)، ومسلم (1749)
الله ورسوله» (1) أخرجه أبو داود.
وعنده عن عائشة، قالت: كانت صفية من الصفي (2).
لكن جمهور العلماء يقولون: إن هذا الصفي خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم وليس لمن بعده من الأئمة، فليس لأي إمام بعده، بل هو للنبي صلى الله عليه وسلم فقط.
قال ابن المنذر: لا أعلم أحداً سبق أبا ثور إلى هذا القول. أي أنه للنبي صلى الله عليه وسلم وللإمام من بعده.
أبو ثور صاحب الشافعي كان يقول بأنه للنبي صلى الله عليه وسلم وللإمام من بعده، فقال ابن المنذر: لا أعلم أحداً سبق أبا ثور إلى هذا القول؛ لأن الجميع عنده يقولون بأنه خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم، فهذا نقلٌ للاتفاق، فهم متفقون على أن الصفي خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم لا لمن جاء بعده.
هذا هو الصواب؛ فلم يرد عن الخلفاء الراشدين الأربعة أنهم كانوا يأخذون الصفي.
قال المؤلف رحمه الله: (وَيَرْضَخُ مِنَ الغَنِيمَةِ لِمَن حَضَرَ)
معناه يعطي عطية قليلة، فالرَّضْخ: العطية القليلة، فيعطي من الغنيمة شيئاً قليلاً لمن حضر.
الجيش قد ذكرنا قسمته، إذاً هؤلاء ليسوا من الجيش، هؤلاء يكونون مع الجيش من النساء والعبيد، إذا حضروا القتال يعطيهم الإمام شيئاً قليلاً من الغنيمة، ولا يعطون سهماً كاملاً كبقية الجيش.
دليله حديث ابن عباس عند مسلم أنه سأله سائل عن المرأة والعبد، هل كان لهما سهم معلوم إذا حضرا البأس؟ -إذا حضرا القتال- فأجاب: أنه لم يكن لهما سهم معلوم، إلا أن يُحذيا من غنائم القوم (3). أي يعطيا من غنائم القوم.
وفي رواية: وَقَدْ كَانَ النبي صلى الله عليه وسلم يَغْزُو بِهِنَّ، فَيُدَاوِينَ الْجَرْحَى، وَيُحْذَيْنَ مِنَ الْغَنِيمَةِ، وَأَمَّا بِسَهْمٍ فَلَمْ يَضْرِبْ لَهُنَّ (4).
النساء كانت تخرج مع النبي صلى الله عليه وسلم لمداواة الجرحى، فالنساء لا قتال عليهن كما تقدم.
(1) أخرجه أحمد (20740)، وأبو داود (2999)، والنسائي (4146)
(2)
أخرجه أبو داود (2994)
(3)
أخرجه مسلم (1812)
(4)
أخرجه مسلم (1812)
سألت عائشة النبي صلى الله عليه وسلم أَعَلى النساء جهاد؟ فقال: جهاد لا قتال فيه؛ الحج والعمرة.
فالنساء لا قتال عليهن، لكن كنَّ يخرجن مع النبي صلى الله عليه وسلم لمداواة الجرحى.
لكن نقلوا الاتفاق على أن المرأة إذا قاتلت جاز، ولكن لا تعطى سهم المقاتل إنما يرضخ لها فقط.
قال المؤلف: (ويُؤْثِرُ المُؤَلَّفِينَ إِنْ رَأَى في ذَلكَ صَلَاحاً)
يؤثر المؤلَّفين: الإيثار هو التقديم، آثره على نفسه: قدَّمه على نفسه.
ويؤثر المؤلفين: أي يقدمهم في العطاء، والمؤلَّفون هم إما من الكفار يُرجى خيرهم أو دفع شرهم، أو من المسلمين إيمانهم ضعيف، يُعطَون لتقوية إيمانهم، ولتثبيتهم عليه.
هؤلاء قال: يقدَّمون، فيُعطَوْن من الغنيمة أكثر من غيرهم، وأَوْلى من غيرهم في العطاء؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قسم الغنائم في أشراف قريش تأليفاً لهم، وترك الأنصار والمهاجرين (1). كما في الصحيح. وهذا الحكم باقٍ عند الحاجة إليه كأيامنا هذه.
قال المؤلف: (وإذا رَجعَ ما أَخذَهُ الكُفارُ مِنَ المُسلمينَ كانَ لِمَالِكِهِ)
إذا وصل مال من أموال المسلمين إلى الكفار، سواء كان بقتال أو بغيره، مثلاً إذا غزا الكفار قرية من قرى المسلمين، وأخذوا بعض أملاك المسلمين، ثم المسلمون غلبوهم واستردوا هذه الأملاك، يقول المؤلف: وإذا رجع ما أخذه الكفار من المسلمين كان لمالكه، يعني أنه لا يكون من ضمن الغنائم، فلا يقسَّم على الجيش، بل يُرجع إلى صاحبه؛ لأن مالكه معروف.
هذا بناءً على أن ما يأخذه الكفار من المسلمين لا يكون ملكاً لهم، لا يتملكونه، أخذوه من غير وجه حق فلا يتملكونه، فإذا أعيد يُرجَع إلى صاحبه.
دليل ذلك حديث ابن عمر: أنه ذهب فرسٌ له فأخذه العدو، فظهر عليهم المسلمون، فرُدَّ عليه في زمن النبي صلى الله عليه وسلم (2)، ظهر عليهم المسلمون أي غلبهم المسلمون، فأخذوا الفرس، فرُد إلى ابن عمر. أخرجه البخاري في صحيحه.
(1) أخرجه البخاري (3146 و 3147)، ومسلم (1059)
(2)
أخرجه البخاري (3067)
وفي صحيح مسلم: أن امرأة من المسلمين هربت من الكفار على العضباء ناقة النبي صلى الله عليه وسلم، وكان أخذها الكفار، فنذرت إن نجاها الله عليها أن تنحرها، أن تنحر العضباء ناقة النبي صلى الله عليه وسلم، فقال صلى الله عليه وسلم:«لا وفاء لنذرٍ في معصية الله، ولا فيما لا يملك ابن آدم» (1) فهذه العضباء ما جعلها ملكاً لها أنها هربت عليها، فهذا أيضاً يدل على أن الشيء إذا أُخذ من المسلمين ورجع إليهم أنه يأخذه صاحبه وهو حق لصاحبه.
قال المؤلف رحمه الله: (ويَحرُمُ الانتِفَاعُ بِشَيءٍ مِنَ الغَنيمةِ قبلَ القِسمةِ إلا الطَّعامَ والعَلفَ)
لحديث رويفع بن ثابت عند أبي داود وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَرْكَبْ دَابَّةً مِنْ فَيْءِ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى إِذَا أَعْجَفَهَا رَدَّهَا فِيهِ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَلْبَسْ ثَوْبًا مِنْ فَيْءِ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى إِذَا أَخْلَقَهُ رَدَّهُ فِيهِ» (2) أعجفها: أضعفها، أتعبها. أي بعد أن يستغلها ويضعفها من العمل عليها يعيدها.
وفي رواية عنده: «ولا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخرأن يبيع مغنماً حتى يقسم»
وأخرج البخاري من حديث ابن عمر قال: كنا نصيب في مغازينا العسل والعنب فنأكله ولا نرفعه (3).
وأخرج مسلم من حديث عبد الله بن مغفل قال: أصبت جراباً من شحمٍ يوم خيبر، فالتزمته-يعني ضمه إليه-فقلت: لا أعطي اليوم أحداً من هذا شيئاً، فالتفتُّ فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم متبسماً (4).
الحديث الأول يدل على أنه لا يحل للمقاتلين أن يأخذوا شيئاً من المغنم، لا ملابس ولا أحصنة ولا غير ذلك.
والحديث الثاني والثالث يدلان على أن ما كان طعاماً يجوز أكله قبل أن يدخل إلى الغنائم، لذلك قال المؤلف: ويحرم الانتفاع بشيء من الغنيمة قبل القسمة إلا الطعام والعلف.
(1) أخرجه مسلم (1641)
(2)
أخرجه أحمد (16990)، وأبو داود (2708)
(3)
أخرجه البخاري (3154)
(4)
أخرجه البخاري (5508)، ومسلم (1772)
قال المؤلف رحمه الله: (ويَحرُمُ الغُلُولُ)
الغلول: هو السرقة من مال الغنيمة قبل القسمة، وهو محرم؛ لحديث أبي هريرة في الصحيحين، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَى خَيْبَرَ، فَفَتَحَ اللهُ عَلَيْنَا فَلَمْ نَغْنَمْ ذَهَبًا وَلَا وَرِقًا، غَنِمْنَا الْمَتَاعَ وَالطَّعَامَ وَالثِّيَابَ، ثُمَّ انْطَلَقْنَا إِلَى الْوَادِي، وَمَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَبْدٌ لَهُ، وَهَبَهُ لَهُ رَجُلٌ مِنْ جُذَامٍ يُدْعَى رِفَاعَةَ بْنَ زَيْدٍ مِنْ بَنِي الضُّبَيْبِ، فَلَمَّا نَزَلْنَا الْوَادِيَ، قَامَ عَبْدُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَحُلُّ رَحْلَهُ، فَرُمِيَ بِسَهْمٍ، فَكَانَ فِيهِ حَتْفُهُ، فَقُلْنَا: هَنِيئًا لَهُ الشَّهَادَةُ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«كَلَّا وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، إِنَّ الشِّمْلَةَ لَتَلْتَهِبُ عَلَيْهِ نَارًا أَخَذَهَا مِنَ الْغَنَائِمِ يَوْمَ خَيْبَرَ لَمْ تُصِبْهَا الْمَقَاسِمُ» ، قَالَ: فَفَزِعَ النَّاسُ، فَجَاءَ رَجُلٌ بِشِرَاكٍ أَوْ شِرَاكَيْنِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَصَبْتُ يَوْمَ خَيْبَرَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«شِرَاكٌ مِنْ نَارٍ أَوْ شِرَاكَانِ مِنْ نَارٍ» (1).
عبد كان في الجيش فأصابه سهم فمات، فقال الصحابة: هنيئاً له الشهادة يا رسول الله.
فقال: كلا، والذي نفس محمد بيده إن الشملة لتلتهب عليه ناراً، أخذها من الغنائم يوم خيبر لم تصبها المقاسم، يعني لم تدخل في الغنيمة حتى تقسم، أخذها قبل القسمة، فهي تلتهب عليه ناراً. الشملة: كساء يُلبس. قال: ففزع الناس، فجاء رجلٌ بشراكٍ أو شراكين، فقال: يا رسول الله أصبت هذا يوم خيبر. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «شراك من نار أو شراكان من نار» .
نقل النووي رحمه الله الإجماع على أنه من الكبائر.
قال المؤلف رحمه الله: (ومِن جُملةِ الغَنيمةِ الأَسرَى، ويَجوزُ القَتلُ، أو الفِداءُ، أو المَنُّ)
المَنّ: المن عليهم يعني يطلقهم بدون أي مقابل.
ما تقدم من حكمٍ، في أموال الغنيمة.
الآن الحكم في الأنفس، الأسرى من الناس، هُمْ صنفان: صنف لا يقاتل؛ كالصبيان والنساء والشيوخ؛ هؤلاء يكونون أَرِقّاء عبيد بسبب السَّبي، فبمجرد أخذهم يكونون أرقاء، لا يخيَّر فيهم الإمام، وإذا كانوا أرقاء صاروا تبع الغنيمة، فيقسَّمون مع الغنائم.
وأما البالغ المقاتل فإن الإمام يخيَّر فيه، إمام المسلمين يخيَّر في المقاتل بين أمورثلاثة:
(1) أخرجه البخاري (6707)، ومسلم (115)