الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأما حديث: «إذا انتصف شعبان فلا تصوموا» (1)، فهو حديث ضعيف أعلّه غير واحد من أهل العلم، وحكم عليه الإمام أحمد بالنكارة، وكان عبد الرحمن ابن مهدي لا يحدث به عمداً.
فهذا يدل على أنهم كانوا يستنكرون هذا الحديث ولا يقبلونه، لأنه مخالف لأحاديث أقوى منه وأصح في جواز الصيام بعد النصف من شعبان.
ويخالفه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم شعبان إلا قليلاً كما قالت عائشة رضي الله عنها كما تقدم معنا.
قال المؤلف رحمه الله:
(باب الاعتكاف)
الاعتكاف لغة، هو لزوم الشيء.
وفي الشرع، اللُّبث في المسجد على صفة مخصوصة بنية.
أي، بنية التعبد.
قال رحمه الله: (يشرع - ويَصِحُّ - في كلِّ وقتٍ في المساجد)
لا خلاف بين علماء الإسلام في مشروعية الاعتكاف، وقد ذُكر في كتاب الله تبارك وتعالى، فقال جل في علاه:{ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد} .
وصحَّ عنه صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة أنه اعتكف، منها ما هو في «الصحيحين» .
وأجمع المسلمون على مشروعيته (2)، ولم يصحَّ في فضيلة الاعتكاف شيء.
وقد سئل الإمام أحمد رحمه الله هل تعلم في فضل الاعتكاف شيئاً صحيحاً؟
فقال: «
…
لا إلاً شيئاً ضعيفاً (3)، ونفى أن يَعلم في فضله شيئاً صحيحاً.
(ويصحّ) الاعتكاف (في كل وقت)، لأنه ورد ما يدل على مشروعيته، ولم يأت ما يدل على تخصيصه بوقت معين دون وقت.
(1) أخرجه أحمد (9707)، وأبو داود (2337)، والترمذي (738).
(2)
انظر «الإجماع» (ص 50) لابن المنذر.
(3)
انظر «مسائل الإمام أحمد رواية أبي داود السجستاني» (ص 137).
وأمّا كونه (في المسجد) لا في غيره، فلقول الله تبارك وتعالى {وأنتم عاكفون في المساجد} ، ولفعله صلى الله عليه وسلم حيث كان يعتكف في المساجد، ولم يُنقل عنه أنّه اعتكف في غير مسجد، والعبادات توقيفية، فلا يكون الاعتكاف إلا في مسجد.
قال المؤلف رحمه الله: (وهو في رمضان آكد سيَّما في العشر الأواخر منه)
وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف في العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله تبارك وتعالى كما قالت عائشة رضي الله عنها على ما جاء في «الصحيحين» (1).
لذلك كان الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان آكد من غيره.
ومعنى (سيَّما) أنه الأولى.
وأما زمان الاعتكاف، فليس للاعتكاف وقت محدد، فهو يتحقق في المسجد مع نية الاعتكاف طال الوقت أم قصر،
شروط الاعتكاف، يُشترط في المُعتكِف أن يكون:
- مسلماً، لأن الكافر لا تُقبل منه العبادات حتى يُسلم، والاعتكاف من العبادات.
- مُمَيِّزاً، لأن المميز هو الذي يصح منه التعبد وقصد الطاعة، فلا يصحُّ الاعتكاف من كافر ولا من صبي غير مميز.
- ولا يشترط له الصيام، كما يقول بعض أهل العلم، لأن عمر نذر أن يعتكف ليلة في المسجد فأذن له النبي صلى الله عليه وسلم (2)، ومعلوم أن الليل ليس محلاً للصيام، فيصح الاعتكاف من غير صيام.
أركان الاعتكاف: حقيقة الاعتكاف، هي المكث في المسجد بنية التقرب إلى الله، فلو لم يقع المكث في المسجد، أو لم تحصل نية الطاعة لا ينعقد الاعتكاف.
ويصح الاعتكاف في كل مسجد خُصَّ لإقامة صلاة الجماعة فيه، لقول الله تعالى:{وأنتم عاكفون في المساجد} ، فهذا يشمل كل ما يصح إطلاق المسجد عليه.
(1) أخرجه البخاري (2025)، ومسلم (1171).
(2)
أخرجه البخاري (2032)، ومسلم (1656).
وأما حديث: «لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة» (1)، فضعيف لا يصح.
قال رحمه الله: (ويُستحب الاجتهاد في العمل فيها)
يُستحب الاجتهاد في العمل في الليالي العشر الأواخر من رمضان، لحديث عائشة في «الصحيحين» قالت:«كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر أحيا الليل وأيقظ أهله وجد وشد المئزر» (2)، كناية عن الجدّ والاجتهاد في العبادة.
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقوم العشر الأواخر ويجتهد فيها، لوجود ليلة القدر في هذه العشر الأواخر، ومن أدرك ليلة القدر فقد أدرك خيراً كثيراً.
قال: (وقيام ليالي القدر)
أي ويُستحب قيام الليالي التي يتوقع أن تكون ليلة القدر فيها، وهي ليالي العشر الأواخر من رمضان، لقوله صلى الله عليه وسلم:«من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً، غفر له ما تقدم من ذنبه» (3).
وقال صلى الله عليه وسلم: «تحَرَّوا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان» (4).
والصحيح أنّ ليلة القدر لا تُعرف لها ليلة معينة، فمن أرادها فليتحراها في العشر الأواخر كلها، فمن قام العشر الأواخر من رمضان، فقد أدرك ليلة القدر ولا شك إن شاء الله.
قال رحمه الله تعالى: (ولا يخرج المُعتكِف إلّا لحاجة)
أي لا يجوز للمُعتكِف أن يخرج من المسجد إلّا لحاجة كقضاء حاجته مثلاً، أو الإتيان بطعام أو شراب أو نحو ذلك من الأشياء التي لا بد له منها، أو صلاة الجمعة.
قالت عائشة رضي الله عنها: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يدخل البيت إلا لحاجة إذا كان معتكفاً» (5).
وفي رواية: «إلا لحاجة الإنسان» .
(1) أخرجه عبد الرزاق في «المصنف» (8016)، وابن أبي شيبة في «مصنفه» (9669)، والطبراني في «الكبير» (9510)، وغيرهم والصحيح فيه الوقف عندي، والله اعلم.
(2)
أخرجه البخاري (2024)، ومسلم (1174).
(3)
أخرجه البخاري (1901)، ومسلم (760).
(4)
أخرجه البخاري (2020)، ومسلم (1169).
(5)
أخرجه البخاري (2029)، ومسلم (297).