الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتابُ الطِّبِّ
الطب: علاج الداء.
قال المؤلف): يَجوزُ التَّداوِي)
لورود الكثير من الأحاديث التي تدل على جواز التداوي، من ذلك أحاديث وردت أن النبي صلى الله عليه وسلم تداوى وأرشد إلى أنواعٍ من الأدوية.
أخرج مسلم في صحيحه من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لكل داء دواء، فإذا أصيب دواء الداء برأ بإذن الله» (1).
وقال صلى الله عليه وسلم: «ما أنزل الله من داءٍ إلا أنزل له شفاء» (2) أخرجه البخاري، وقال صلى الله عليه وسلم:«الحمى من فيح جهنم فأبردوها بالماء» (3) متفق عليه، وقال:«إن كان في شيء من أدويتكم خيرٌ ففي شرطة محجم أو شربة عسل أو لذعة بنار توافق الداء، وما أحب أن أكتوي» (4) متفق عليه.
وثبت عنه في الصحيحين أنه احتجم (5) وأنه عولج جرحه صلى الله عليه وسلم (6).
فهذا كله يدل على جواز التداوي، واتفق المسلمون على جوازه.
قال المؤلف: (والتَّفوِيضُ أَفضلُ لِمَن يَقدِرُ على الصَّبرِ)
يعني أن يفوض المريض أمره إلى الله ويصبر على ما قدر الله عليه ولا يتداوى؛ أفضل على كلام المؤلف.
يستدل المؤلف ومن ذهب مذهبه بحديثين: الأول حديث ابن عباس في المرأة السوداء التي قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: إني أُصرع وإني أتكشف؛ فادع الله لي. قال: «إن شئتِ صبرتِ ولكِ الجنة،
(1) أخرجه مسلم (2204).
(2)
أخرجه البخاري (5678).
(3)
أخرجه البخاري (5725)، ومسلم (2210).
(4)
أخرجه البخاري (5683)، ومسلم (2205).
(5)
أخرجه البخاري (2103)، ومسلم (1202).
(6)
أخرجه البخاري (5248)، ومسلم (1790).
وإن شئتِ دعوت الله أن يعافيكِ» قالت: أصبر (1). متفق عليه
والحديث الثاني: حديث السبعين ألفاً الذين يدخلون الجنة بغير حساب، وفيه:«وهم الذين لا يكتوون ولا يسترقون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون» (2).
وما ذهب إليه المؤلف هو مذهب جمهور الحنابلة.
وقد اختلف العلماء في حكم التداوي، وأصح الأقوال في ذلك أن التداوي مستحب وهو قول الجمهور؛ إلا إذا غلب على الظن الهلاك وغلب على الظن نفع الدواء عندها يكون واجباً حتى لا يعرِّض الشخص نفسه للهلاك.
والتداوي من قدر الله فيُرَد به قدر الله، وهو من الأسباب التي لا ينافي الأخذ بها التوكل على الله تبارك وتعالى، فالتوكل يكون بالاعتماد على الله والأخذ بالأسباب طاعة لله؛ لأن الله سبحانه وتعالى أمر بالأخذ بالأسباب، والتوكل على الله يكون باعتماد القلب على الله لا بالاعتماد على الأسباب، فيأخذ المرء بالأسباب كما يأخذ بالأسباب لرد الجوع والعطش والزواج والجماع لطلب الولد، يأخذ أيضاً بالأسباب في دفع المضار.
المهم أن تجمع بين اعتمادك على الله لا على الأسباب فلا يلتفت قلبك إلى السبب، وفي نفس الوقت تعمل بالأسباب؛ لأن الله أمر بها وعلق الأشياء بأسبابها لحصولها. والله أعلم
قال المؤلف رحمه الله: (ويَحرمُ بالمُحرماتِ)
يحرم التداوي بما حرم الله، كالخمر مثلاً؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في الخمر:«إنه ليس بدواء، ولكنه داءٌ» (3) أخرجه مسلم، وقال ابن مسعودٍ: إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرَّم عليكم (4). علقه البخاري، وأخرج أبو داود عن أبي هريرة قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدواء الخبيث (5).
ولا يحل ذلك إلا عند الضرورة؛ لقول الله تبارك وتعالى {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} [الأنعام/119]
قال المؤلف رحمه الله: (ويُكرهُ الاكتِوَاءُ)
(1) أخرجه البخاري (5652)، ومسلم (2576).
(2)
أخرجه البخاري (5752)، ومسلم (218).
(3)
أخرجه مسلم (1984).
(4)
علقه البخاري في صحيحه قبل حديث رقم (2204)، وخرجه الحافظ ابن حجر في الفتح (10/ 79) وصحح إسناده.
(5)
أخرجه أحمد (8048)، وأبو داود (3870)، والترمذي (2045)، وابن ماجه (3459)
للحديث المتقدم في صحيح البخاري قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: «وما أحب الاكتواء» ، وفي رواية في الصحيح:«وأنهى أمتي عن الكي» كذلك في حديث السبعين ألفاً المتقدم قال: «الذين لا يكتوون» متفق عليه، وقلنا بالكراهة لا بالتحريم؛ لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كوى بعض أصحابه، من هذه الأحاديث ما هو في صحيح مسلم (1).
قال المؤلف رحمه الله: (ولا بَأسَ بالحِجَامةِ)
الحجامة مأخوذة من الحجم وهو المص، يقال: حجم الصبي ثدي أمه إذا مصه.
وهي إخراج الدم من البدن بواسطة المص بعد الشرط.
ولا بأس بها: أي هي مشروعة لأن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم كما جاء في الصحيحين (2)، وقال صلى الله عليه وسلم:«الشفاء في ثلاث: في شربة عسل، وشرطة محجم، وكية نار، وأنهى عن الكي» (3) أخرجه البخاري، وقال صلى الله عليه وسلم:«إن أمثل ما تداويتم به الحجامة والقسط البحري» (4) متفق عليه.
والحجامة علاج وهي مباحة، ومستحبة عند الحاجة إليها.
ولا يصح في توقيتها شيء، لا في وقت استحبابها ولا في وقت كراهيتها.
قال البَرْذَعِيّ: شهدت أبا زرعة- الرازي- لا يثبت في كراهة الحجامة في يومٍ بعينه، ولا في استحبابه في يومٍ بعينه؛ حديثاً.
وقال ابن الجوزي: هذه الأحاديث ليس فيها شيء صحيح.
وقال العقيلي: وليس يثبت في التوقيت في الحجامة شيء في يومٍ بعينه، ولا في الاختيار في الحجامة والكراهية شيء يثبت.
وقال ابن عبد الهادي: ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء إلا أنه أمر بها.
وقال الحافظ ابن حجر: ولِكَوْنِ هذه الأحاديث -أي أحاديث التوقيت- لم يصح منها شيء؛ قال حنبل بن إسحاق: كان أحمد يحتجم أيَّ وقتٍ هاج به الدم، وأيَّ ساعة كانت.
هذه نقول عن غير واحد من علماء الحديث من أئمة هذا الشأن يضعِّفون جميع الأحاديث التي وردت في التوقيت في الحجامة، وأكثرت من النقل لأن أحاديث التوقيت انتشرت بين المسلمين اليوم وهي ضعيفة لا يحتج بها كما علمتم.
(1) أخرجه مسلم (2207).
(2)
تقدم تخريجه.
(3)
تقدم تخريجه.
(4)
أخرجه البخاري (5696)، ومسلم (1577).
قال المؤلف رحمه الله: (وبالرُّقيةِ بما يَجوزُ مِنَ العَينِ وغِيرِهَا)
الرقية هي العُوذة التي يُرقى بها صاحب الآفة، كالحمى والصرع وغير ذلك.
والعوذة: بمعنى التعويذ.
فالرقية: كلمات تُقرأ وتقال على المريض وغيره؛ لدفع الضرر أو رفعه.
وهي قسمان: الأول: ما كان خالياً من الشرك؛ كالرقية بالقرآن والسنة، هذه جائزة فالنبي صلى الله عليه وسلم رقى ورُقي، وقال:«لا بأس بالرقى ما لم تكن شركاً» (1).
والقسم الثاني: ما فيه شرك، كالرقى بأسماء الجن والملائكة والأنبياء.
هذا منهي عنه محرم؛ للحديث الذي ذكرناه: «لا بأس بالرقى ما لم تكن شركاً» ، وقوله أيضاً:«إن الرقى والتمائم والتِّوَلة شرك» (2).
قال السيوطي: وقد أجمع العلماء على جواز الرقى عند اجتماع ثلاثة شروط: أن تكون بكلام الله، أو بأسمائه وصفاته، وأن تكون باللسان العربي وما يُعرف معناه.
وأن يُعتقد أن الرقية لا تؤثر بذاتها بل بتقدير الله تعالى. انتهى كلامه رحمه الله.
وتكون الرقية من العين وغيرها؛ للأحاديث التي وردت في الصحيحين وغيرهما وقد تقدم بعضها.
وأما حديث «لا رقية إلا من عينٍ أو حُمَة» (3)؛ فقال أهل العلم: معناه: لا رقية أشفى وأولى من رقية العين والحُمَة.
الحُمَة: سُم العقرب وشابهها.
والذي جعل العلماء يفسرون الحديث على هذا المعنى هو أنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيحين وغيرهما أنه رَقى ورُقي من غير العين والحمة، رقى من المرض ومن السحر ومن غير ذلك.
(1) أخرجه مسلم (2200).
(2)
أخرجه أحمد (3615)، وأبو داود (3883)، وابن ماجه (3530)
(3)
أخرجه البخاري (5705) موقوفاً على عمران بن حصين، وأخرجه مسلم (220) موقوفاً على بريدة بن حصيب، وأخرجه أحمد (19908)، وأبو داود (3884)، والترمذي (2057)، وابن ماجه (3513) عنهما مرفوعاً.
ومن الرقى التي ثبتت عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: «أَذْهِبِ الْبَاسَ، رَبَّ النَّاسِ، وَاشْفِ أَنْتَ الشَّافِي، لَا شِفَاءَ إِلَّا شِفَاؤُكَ، شِفَاءً لَا يُغَادِرُ سَقَمًا» (1) متفق عليه.
ومنها: «بِسْمِ اللَّهِ، تُرْبَةُ أَرْضِنَا، بِرِيقَةِ بَعْضِنَا، يُشْفَى سَقِيمُنَا، بِإِذْنِ رَبِّنَا» (2) متفق عليه.
وكان صلى الله عليه وسلم إذا اشتكى نفث على نفسه بالمعوذات ومسح عنه بيده (3) متفق عليه.
هذا بعض ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في الرقية.
(1) أخرجه البخاري (5675)، ومسلم (2191).
(2)
أخرجه البخاري (5745)، ومسلم (2194).
(3)
أخرجه البخاري (4439)، ومسلم (2192).