الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال شيخ الإسلام: «هذه اللفظة لا يمكن أن تكون من كلامه صلى الله عليه وسلم، فإن الغرّة لا تكون في اليد، لا تكون إلا في الوجه، وإطالته غير ممكنة إذ تدخل في الرأس فلا تسمى تلك غرّة» . انتهى (1).
وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، فإنه لم يرد عنه أنه فعل ما فعله أبو هريرة رضي الله عنه، وإنما الذي ورد أنه شرع في العضد والذراع، أي بدأ بشيء يسير منها، بحيث إنه يستوعب الواجب.
والبياض الذي يكون على المسلم يوم القيامة هو مواضع الوضوء التي شرعها الله سبحانه وتعالى من غير زيادة، ويخشى على من زاد أن يدخل في حديث «هذا وضوئي فمن زاد على ذلك فقد تعدّى وأساء وظَلم» (2).
قال: (وتقديمُ السِّواكِ)
أي، ويستحب تقديم السواك قبل البَدْءِ بغسل أعضاء الوضوء.
لقوله صلى الله عليه وسلم: «لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل وضوء» (3).
قال: (وغَسْلَ اليدينِ إلى الرُّسْغَيْنِ ثلاثاً قَبْلَ الشُّرُوعِ في غَسْلِ الأعضَاءِ المتقدّمةِ)
(الرُّسْغ): مفصل ما بين الكف والساعد.
وغسل اليدين أول الوضوء إلى الرسغين مستحب بالاتفاق، وثابت من فعل النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عثمان (4) وغيره.
قال المصنف رحمه الله:
(فصلٌ: وينتقضُ الوضوءُ بما خرجَ من الفَرْجَيْنِ من عَيْنٍ أو ريحٍ)
بدأ المؤلف رحمه الله هنا ببيان نواقض الوضوء التي يفسد الوضوء بحدوثها، فذكر أولاً:(ما خرج من الفرجين من عين أو ريح).
(1) قاله بمعناه في «المجموع» (1/ 279 - 280).
(2)
أخرجه أحمد (6684)، وأبو داود (135)، والنسائي (140)، وابن ماجه (422) عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده.
(3)
أخرجه البخاري (31) معلقاً، وأخرجه مالك (214)، وأحمد (9928) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
(4)
تقدم تخريجه.
و (الفرجان): القبل والدبر، وهما مخرج البول والغائط، فإذا خرج منهما شيء يُرى بالعين المبصرة، كالبول والغائط والدم والدود، انتقض الوضوء عند المؤلف.
والخارج من السبيلين نوعان:
نوع معتاد الخروج، وهو الغائط والبول والريح، والمَنِيُّ والَمذْيُ والوَدْي، فهذه ستة.
ونوع غير معتاد الخروج، كالدود والحصا والدم والشعر.
أما الدليل على انتقاض الوضوء بخروج الغائط، فقوله تعالى:{وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيداً طيباً} [النساء 43 والمائدة 6].
فقوله: {أو جاء أحد منكم من الغائط} دليل على أن خروج الغائط من البطن ناقض للطهارة ويحتاج للوضوء، فإن لم يوجد فالتيمم.
وأما البول فدليله حديث صفوان بن عسال الذي أخرجه الترمذي وغيره، قال زر بن حبيش أتيت صفوان بن عسال أسأله عن المسح، فقال:«كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا إذا كنّا سَفَراً أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيامٍ ولياليهن إلا من جنابة، ولكن من غائط وبول ونوم» (1).
أي أمرنا إذا انتقض وضوؤنا من هذه الثلاث، واحتجنا أن نتوضأ، ألا ننزع خفافنا، بل نتوضأ ونمسح عليها، لكن من الجنابة ننزع خفافنا.
والشاهد قوله: «إلا من جنابة ولكن من غائط وبول ونوم» ، وهو دليل للبول والغائط أيضاً.
وأما دليل الريح فقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا وجد أحدكم في بطنه شيئاً فأشكل عليه أخرج منه شيء أم لا، فلا يخرج من المسجد حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً» . متفق عليه (2).
وخروج المني كذلك ناقض للوضوء بالإجماع.
قال ابن المنذر رحمه الله في «الإجماع» : «وأجمعوا على أن خروج الغائط من الدبر، وخروج البول من الذكر، وكذلك المرأة، وخروج المني وخروج الريح من الدبر،
(1) أخرجه الترمذي (96)(3535)، والنسائي (126)، وابن ماجه (478) عن صفوان بن عسّال رضي الله عنه.
(2)
أخرجه البخاري (137) و (177)، ومسلم (361).
وزوال العقل بأي وجه زال العقل، أحداث ينقض كل واحد منها الطهارة، ويوجب الوضوء» (1).
وأما المذي - وقد تقدم تعريفه - فالدليل على أنه ناقض للوضوء قول النبي صلى الله عليه وسلم عندما سئل عن خروجه: «يغسل ذكره ويتوضأ» (2).
وأما (الودي)، فماء يخرج من الذكر بعد البول، قال ابن المنذر:«وأما الودي فهو شيء يخرج من الذكر على إثر البول، والوضوء يجب بخروج البول، وليس يوجَبُ بخروجه شيء إلا الوضوء الذي وجب بخروج البول» انتهى (3).
وقوله إن شاء الله هو الصواب.
وأما غير المعتاد الخارج من السبيلين، فإن خرج معه بول أو غائط، انتقض الوضوء بالبول والغائط، وإن لم يخرج معه بول ولا غائط فلا ينتقض الوضوء، لأن العلماء أجمعوا على طهارة المتوضئ، وهذه الطهارة لا يجوز دعوى نقضها إلا بدليل صحيح من الكتاب والسنة والإجماع، وقد ذهب بعض أهل العلم إلى أنها نواقض للوضوء واحتجوا بالقياس.
ونحن نقول: القياس هاهنا لا محل له، لأن الطهارات عبادات تعبد الله بها خلقه غير معقولة عللها، وقد يخرج من المخرج الواحد ما يوجب الوضوء وما يوجب الغسل، وما لا يوجب شيئاً، كالبول والمني والحيض والاستحاضة، فليست العلّة هي اتحاد المخرج.
وبعض الفقهاء تجده يتكلف في استنباط واستخراج العلة مما يجعلهم يبتعدون عن الصواب.
قال المصنف رحمه الله: (وبما يُوجِبُ الغُسْلَ)
أي ويجب الوضوء مما يوجب الغسل، كالجماع، وهو التقاء الختانين، ونزول المني، فالتقاء الختانين يوجب الغسل ويوجب الوضوء، وكذلك نزول المني.
(1)«الإجماع» (ص 33).
(2)
أخرجه مسلم (303) عن علي رضي الله عنه.
(3)
«الإجماع» (1/ 26).
فأما نزول المني فتقدم الحديث عنه، وأما التقاء الختانين فقد جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«إذا جلس بين شعبها الأربع ثم جهدها فقد وجب الغسل» (1)، وفي رواية أخرى «إذا مس الختان الختان فقد وجب الغسل» (2).
هذا ما يوجب الغسل إذاً فهو ناقض على ما ذكر المؤلف.
قال المصنف: لا خلاف في انتقاضه به (3)
قال رحمه الله: (ونَوْمُ المُضْطَجِعِ)
الصحيح أن النوم مظِنّة لنقض الوضوء وليس ناقضاً للوضوء، أي أن النوم ليس كخروج البول مثلاً وليس كخروج الغائط، هو نفسه إذا خرج نقض الوضوء، بل احتمالية نقض الوضوء مع النوم واردة، فمن الجائز أن يخرج ريح من النائم، وقد لا يخرج، فينتقض وضوؤه إذا خرج وهو لا يشعر، فلما كان النوم مَظِنة لنقض الوضوء، صار لا بد من الوضوء منه.
دلّ على ذلك حديث صفوان بن عسّال المتقدم: «ولكن من غائط وبول ونوم» .
فهذا يدل على أن النوم ناقض للوضوء
وصحّ عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: «إنهم كانوا ينامون فَتَخْفِقَ رؤوسُهم ثم يصلّون ولا يتوضؤون» (4).
وهذا يدل على أن النوم غير ناقض للوضوء.
فاختلف أهل العلم في طريقة الجمع بين الأحاديث، فبعضهم ذهب إلى ما ذهب إليه المصنف وهو التفريق بين من نام جالساً ومن نام مضطجعاً.
قالوا: من نام جالساً لا يخرج منه الريح بخلاف المضطجع.
(1) البخاري (291)، ومسلم (348) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
(2)
أخرجه مسلم (349) عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه.
(3)
«الدراري المضيئة» (1/ 50) للمصنف.
(4)
أخرجه مسلم (376) عن أنس رضي الله عنه.
والصحيح: أن الجالس إذا كان مستغرِقاً في النوم يخرج منه الريح وهو لا يشعر، وإن كان جالساً.
وبما أن النوم مَظِنة الحدث، فإذا نام بحيث لو انتقض وضوءه شعر بنفسه، فإن وضوءه باق، وإذا نام بحيث لو أحدث لم يشعر بنفسه، فقد انتقض وضوءه، وبهذا تجتمع الأدلة، وبهذه الطريقة جمع شيخ الإسلام ابن تيمية بينها.
وقد حصلت قصة طريفة مع أحد العلماء الذين قالوا بقول المصنف، فقد كان في مجلس وكان بجانبه أحد الطلبة نائماً فأخرج هذا الطالب ريحاً وهو جالس، فجاء وقت الصلاة، فقال هذا العالم لذاك الرجل: قم فتوضأ، قال له الطالب: - وهو يدرس عنده يعني أخذ مذهبه-: لقد كنت جالساً متمكناً، قال له: قُم فقد سمعت وشممت، وإني أُشهدكم أني رجعت عن قولي.
قال رحمه الله: (وأكْلُ لَحْمِ الإبِلِ)
وأكل لحم الإبل ينقض الوضوء، لحديث جابر بن سمرة، أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أأتوضأ من لحوم الغنم؟ قال: «إن شئت، فتوضأ، وإن شئت فلا توضأ» قال: أتوضأ من لحوم الإبل؟ قال: «نعم، فتوضأ من لحوم الإبل» قال أصلي في مرابض الغنم؟ قال: «نعم» ، قال أصلي في مبارك الإبل؟ قال:«لا» (1).
فرّق النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث بين أكل لحم الغنم وأكل لحم الإبل، مما يدل على أن هذا الحديث جاء بعد نسخ الوضوء مما مسَّت النار.
وبعض أهل العلم يقول: الوضوء مما مست النار مرّ بمرحلتين:
المرحلة الأولى: كان واجباً عليهم أن يتوضأوا إذا أكلوا ما مسته النار، كاللحم مثلاً.
ثم بعد ذلك نسخ هذا الحكم، فجاء في الحديث أنه كان آخر الأمرين عدم الوضوء مما مسته النار.
فقال بعض أهل العلم هذا الأمر بالوضوء من لحم الإبل من المنسوخ.
(1) أخرجه مسلم (360).
فرد عليهم المخالفون، وقالوا: لقد فرق النبي صلى الله عليه وسلم بين الأكل من لحم الغنم والأكل من لحم الإبل، فلو كان الأمر كما قلتم فكيف أباح النبي صلى الله عليه وسلم الأكل من لحم الغنم وهو أيضا مما مست النار؟ !
فقولهم هذا ضعيف مخالف للدليل.
وأسعد الناس بهذا الحديث أهل الحديث، فإنهم هم الذين يُفتون بما يقتضيه.
وقد قال الإمام الشافعي رحمه الله: «إن صح الحديث بذلك قلت به» ، وقد صح، وهو في «صحيح مسلم» .
قال رحمه الله: (والقَيْءُ ونَحْوِهِ)
(القيء): ما قذفته المعدة ونحوه: كالقَلَس، والقَلَس: هو ما خرج من الجوف ملء الفم أو دونه، وليس بقيء وهو ما يشعر به الإنسان أحياناً من خروج عصارة المعدة. وكالرعاف، وهو الدم يخرج من الأنف.
احتج المؤلف رحمه الله على أن هذه الأشياء ناقضة للوضوء بما أخرجه الترمذي وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قاء فتوضأ (1)، وبحديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«من أصابه قيء أو رعاف أو قَلَس أو مَذْي فليتوضأ» أخرجه ابن ماجه وغيره (2).
والحديثان ضعيفان، فيبقى الأصل قائماً، والصحيح أنه لاشيء مما ذكرنا في قوله:(والقيء ونحوه) ينقض الوضوء.
قال: (ومسِّ الذَّكَرِ)
وردَ في مس الذكر أحاديث متعارضة،
منها: حديث بسرة بنت صفوان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من مسّ ذكره فليتوضأ» (3)، وحديث طلق بن علي:«إنما هو بِضْعةٌ منك» (4).
(1) أخرجه أحمد (21701)، والترمذي (87) عن أبي الدرداء رضي الله عنه. أعله البيهقي في «الخلافيات» بالاضطراب ويعيش بن الوليد. انظر «البدر المنير» (5/ 663).
(2)
أخرجه ابن ماجه (1221)، والبيهقي في «الكبرى» (669)، وفي «المعجم الأوسط» للطبراني (5429)، وهو غير محفوظ كما قال البيهقي.
(3)
أخرجه أبو داود (181)، والترمذي (82)، والنسائي (163)، وابن ماجه (479).
(4)
أخرجه أبو داود (182)، والترمذي (85)، والنسائي (165)، وابن ماجه (483). انظر أقوال العلماء في حديثي بسرة وطلق في «البدر المنير» (2/ 451).