الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأما من أطلق عليه اسم شهيد من غير شهداء المعارك، كالغريق والمبطون - وهو الذي يموت بمرض في بطنه - وصاحب الهدم والمطعون - وهو من مات في الطاعون -، فهؤلاء يغسَّلون ويكفنون ويصلى عليهم بالاتفاق (1).
قال المؤلف رحمه الله:
(فصلٌ: تكفينُ الميت)
التكفين في اللغة: هو التغطية والسَترُ.
ومنه سمي كفن الميت لأنه يستره.
ومنه تكفين الميت أي تغطيته بالكفن.
فالمعنى الاصطلاحي موافق للمعنى اللغوي.
قال المؤلف رحمه الله: (ويجبُ تكفينه)
أي يجب تكفين الميت وجوباً كفائياً، إذا قام به البعض سقط عن الباقين كما في الغَسل تماماً، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر به في حديث المحرم الذي وقصته ناقته - أي كسرته فمات- فقال فيه صلى الله عليه وسلم: «
…
وكفنوه في ثوبين» (2) وهذا أمر، فتكفين الميت واجب.
قال المؤلف رحمه الله: (بما يستره)
وهو أقل ما يكفن به الميت، أن يُكّفن بشيء يستره، فيغطيه تغطية كاملة. والأفضل والأكمل أن يكفن بثلاثة أثواب، فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كُفِّن في ثلاثة أثواب يمانية بيض سحولية من كُرْسُفٍ ليس فيهن قميص ولا عمامة، وهو في الصحيحين (3)، وهو الأكمل.
والرجل والمرأة في ذلك سواء.
وقد فرق بعض أهل العلم بين المرأة والرجل، فقال المرأة تُكفن بخمسة أثواب، لكنهم احتجوا في ذلك بحديث ضعيف لا يصح (4) والصحيح هو ما ذكرناه، وهو أن الرجال والنساء على السواء في التكفين بثلاثة أثواب بيض، وهذا أكمل ما يذكر في تكفين الميت.
(1) انظر «المجموع شرح المهذب» للنووي (5/ 264).
(2)
أخرجه البخاري (1265)، ومسلم (1206).
(3)
أخرجه البخاري (1264)، ومسلم (941) عن عائشة رضي الله عنها.
(4)
وهو حديث ليلى بنت قانف الثقفية، أخرجه أحمد (45/ 106)، وأبو داود في «سننه» (3157) وغيرهما. في إسناده نوح بن حكيم مجهول، وله علة أخرى ذكرها ابن القطان الفاسي، نقلها الزيلعي في نصب الراية (2/ 258).
وأما الإجزاء فيجزئ ولو بثوب واحد يستر الميت كله.
وقوله هنا (بما يستره) جاء في الحديث أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا كَفَّن أحدكم أخاه فليحسن كفنه» (1).
قال العلماء والمراد بإحسان الكفن نظافته وكثافته وستره وتوسطه، وليس المراد السَّرْفُ فيه والمغالاة ونفاسته، بل أن يكون الكفن نظيفاً، كثيفاً يستر الميت، ساتراً مغطيّاً لجميع جسد الميت، فهكذا يكون الكفن حسناً.
ويكون التكفين بأثواب بيض وهو الأفضل، فقد أرشد عليه السلام إلى اللباس الأبيض وقال:«كفِّنوا فيه موتاكم» (2).
ولا يعني ذلك أن غيره لا يجوز لكن الأفضل هو الأبيض.
فأفضل ما يكون التكفين بثلاثة أثواب بيض.
قال رحمه الله: (ولو لم يَمْلِك غيره)
إذا مات الميت ولا يملك إلا قطعة قماش، فيكفن بقطعة القماش تلك، لأن الكفن يكون من رأس مال الميت، أي من ماله الخاص.
ودليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بتكفين مصعب بن عمير في نمرة - وهي ثياب مخططة، كأنها أخذت من النمر - فلم يترك غير هذه النمرة، فيقول خباب بن الأرت راوي الحديث: كنا إذا غطينا بها رأسه كشفت قدماه، وإذا غطينا بها قدميه كشف رأسه، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بتغطية رأسه ووضع الإذخر على قدميه (3).
والإذخر: حشيشة طيبة الرائحة.
قال رحمه الله: (ولا بأس بالزيادة مع التَّمَكُّنِ من غير مُغَالاةٍ)
(1) أخرجه مسلم (943).
(2)
أخرجه أحمد (4/ 94)، وأبو داود (3878)، والترمذي (994)، وابن ماجه (3566) عن ابن عباس رضي الله عنه.
(3)
أخرجه البخاري (3897)، ومسلم (940) عن خباب بن الأرت رضي الله عنه -
أي ولا بأس بالزيادة على ما يستر مع التمكن، أي مع القدرة على وجود الزيادة، من غير مغالاة وغلو في الكفن، فإنه سيدخل في إضاعة المال وقد نهى صلى الله عليه وسلم عن قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال (1).
فالواجب هو ثوب واحد يستر جميع الجسد، والأكمل هو ما كُفِّنَ به النبي صلى الله عليه وسلم، فقد ورد أنه كُفِّنَ في ثلاثة أثواب يمانية بيض سَحُولِيَّةٍ من كُرْسُفٍ ليس فيهن قميص ولا عمامة (2).
واليمانية، هي من صنع اليمن.
والسحولية، أي بيض نقية، وقيل نسبة إلى مدينة في اليمن.
والكرسف، قطن
هذا أكمل شيء، أما مجاوزة الثلاثة في الكفن والزيادة والمغالاة، فإنها من إضاعة المال.
قال: (ويُكَفَّنُ الشهيدُ في ثِيابِهِ التي قُتل فيها)
فقد فعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بشهداء أحد، كفنّهم بثيابهم التي قُتلوا فيها.
قال ابن قدامة في المغني: مسألة؛ قال: (ودفن في ثيابه، وإن كان عليه شيء من الجلود والسلاح نحي عنه) أما دفنه بثيابه، فلا نعلم فيه خلافاً، وهو ثابت بقول النبي صلى الله عليه وسلم:«ادفنوهم بثيابهم» . وروى أبو داود، وابن ماجه، عن ابن عباس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتلى أحد أن ينزع عنهم الحديد والجلود، وأن يدفنوا في ثيابهم، بدمائهم. وليس هذا بحتم، لكنه الأولى
…
انتهى باختصار.
قال رحمه الله: (ونُدِبَ تَطْيِيبُ بَدَنِ الميِّتِ وكَفَنُهُ)
أي ويستحب تطييب جسد الميت وتطييب كفنه إلا إذا كان الميت محرماً، فقد جاء في حديث الذي وقصته ناقته وهو محرم فقتلته، قال:«ولا تمسوه بطيب فإنه يُبعث ملبياً» (3)، فنهى أن يُطيّبوا من كان مُحرِماً، لأن الطيب يَحرُم على المُحرِم، فلا يجوز استخدامه واستعماله له، فإنه سيبعث يوم القيامة ملبياً.
(1) أخرجه البخاري (2408)، ومسلم (593) عن المغيرة بن شعبة، وأخرجه مسلم في «صحيحه» (1715) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
(2)
تقدم تخريجه.
(3)
أخرجه البخاري (1265)، ومسلم (1206).