الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويشمل الغنم، الماعز والضَّأن. والماعز ما له شعر أسود، وأما الضَّأن فهو الخروف ذو الصوف الأبيض.
وهكذا يكون قد انتهى من ذكر نِصابِ الإبل والبقر والغنم وذكر المقادير.
قال رحمه الله: (ولا يُجْمَعُ بين مُفْتَرِق من الأنعام، ولا يُفَرّق بين مجتَمِعٍ، خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ)
يعني بذلك أن يكون لزيد أربعون رأساً من الغنم، ولعمرو أربعون رأساً، ولبكر أربعون رأساً، وهي متفرّقة، فكل واحد من هؤلاء عليه شاة في الصدقة، فيجمعون شياههم، فيصير عددها مائة وعشرين رأساً، والمائة وعشرون هذه فيها شاة واحدة، فيسقطون عن أنفسهم شاتين، وهذا تحايل على شرع الله ولهذا نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم.
وأما الصورة الثانية، وهي تفريق المُجْتَمِعِ، أن يكون لك عشرون شاة ولي عشرون شاة مجتمعة، فتكون زكاتُها مجتمعة شاة واحدة، فإذا فرَّقناها لم يكن على أي منا شيء، وهذا منهِيٌّ عنه أيضاً.
فما كان مجتمعاً فلا يفرَّق خشية الصدقة وما كان مفرَّقاً فلا يجمع خشية الصدقة، وقد جاء هذا في «صحيح البخاري» من حديث أنس قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«ولا يَجْمَعَ بين متفرّق، ولا يُفَرّقُ بين مجتمع خشية الصدقة، وما كان من خليطين فيتراجعا بالسوية» (1) والجملة الأخيرة سيأتي الحديث عنها من كلام المؤلف، وسيأتي ضابط الاجتماع والتفريق، متى تكون مجتمعة ومتى تكون مفترقة.
وأما قول المؤلف: (ولا يجمع بين مفترق من الأنعام) أي أن الخلطة مؤثرة في الأنعام فقط، لا في بقية الأموال، فالأموال الثانية كالدنانير والفضة والذهب، فهذه لا علاقة لها بالاختلاط، وكل واحد وماله منفصل عن الآخر، سواء كان مجتمعاً أو متفرقاً، والاختلاط يؤثر فقط في الحيوانات المذكورة، وهو الصحيح من كلام أهل العلم، ودليله أن الجمع والتفريق مؤثر قِلّة وكثرة في الماشية ولا يؤثر في غيرها، والخلط يؤثر في الماشية بالنفع تارة، وبالضرر تارة أخرى، وأما في غيرها فيؤثر دائماً بالضرر على صاحب المال، فلا تعتبر في غير الماشية لأنها دائماً مضرة على صاحب المال.
قال رحمه الله:
(فصلٌ: ولا شيء فيما دُونَ الفريضةِ، ولا في الأوْقاصِ)
(1) أخرجه البخاري (1450).
(لاشيء فيما دون الفريضة): أي فيما دون النصاب، أي ما هو أقل من النصاب لا شيء فيه، وقد ذكرنا أن الإبل نصابها خمس، فإذا ملك الشخص أربعاً من الإبل أو أقل فلا شيء عليه، وأما البقر فنصابها ثلاثون فإذا ملك الشخص تسعاً وعشرين أو أقل فلا شيء عليه، وأما نصاب الغنم فأربعون فإذا ملك الشخص تسعاً وثلاثين أو أقل فلا شيء فيها.
وقوله: (ولا في الأوقاص): أي ولا شيء فيما بين الفريضتين، والأوقاص، جمع وَقَص، وأصله في اللغة قِصَر في العنق، وسمي وَقَص الزكاة، لنقصه عن الزكاة، أي لأنه لا يصل إلى النصاب.
ففي الإبل مثلاً من خمس وعشرين إلى خمس وثلاثين بنت مخاض أو ابن لبون، وأما من ملك ستاً وعشرين أو سبعاً وعشرين إلى خمسٍ وثلاثين، فلا شيء فيه سوى ما تقدم، فتسمى أوقاصاً، ويُخْرِجُ كما يُخْرِجُ من ملك خمساً وعشرين، لأنها جاءت بين الفريضة الأولى وهي خمس وعشرون والفريضة الثانية وهي ست وثلاثون.
وهذا ما يدل عليه حديث أنس رضي الله عنه.
قال المؤلف رحمه الله: (وما كان مِنْ خَلِيطَيْنِ فيتراجعان بالسَّويّةِ)
لحديث أنس في «صحيح البخاري» ، قال:«وما كان من خليطين فيتراجعا بالسوية» (1) مثلاً: لي ولك أربعون رأساً من الشياه مختلطة، فجاء عامل الصدقة وأخذ من هذه الشياه الأربعين المختلطة شاة واحدة - وهي زكاة نصاب الغنم -، فهذه الشاة المأخوذة زكاة للنصاب تحسب على مَنْ، عليك أم عليّ؟
الجواب: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في هذا: «فليتراجعا بالسويّة» ، أي يدفع كل واحد النسبة التي عليه، فلو كان كل واحد منّا يملك عشرين شاة، فعلى كل منّا نصف ثمن الشاة، ولو كنت تملك الثلثين وأملك الثلث، فعليك ثلثا ثمن الشاة وعلي الثلث.
ما هو ضابط المجتمِع والمتفَرِّق
الاجتماع نوعان، اجتماع أعيان واجتماع أوصاف.
فأما اجتماع الأعيان: فهو الاشتراك بالتملك في أعيان بهيمة الأنعام، فلا يتميز ملك أحدهما عن الآخر.
(1) تقدم تخريجه.
مثلاً: أشترك أنا وأنت في أربعين شاة، لا تتميز شياهي عن شياهك، وهذا اشتراك شيوع لا تمييز فيه، هي أربعون شاة لي ولك، ليس فيها أن تلك الشاة الحمراء مثلاً لك والبيضاء لي، بل كلها لي ولك، فهذا اجتماع الأعيان.
ويحدث في حالات الميراث، فمثلاً مات رجل وترك ولدين ذكرين وعنده أربعون رأساً من الشياه، فللأول عشرين وللثاني عشرين، لكنها غير متميزة.
وأما الاجتماع الثاني، وهو اجتماع الأوصاف، وتكون الشياه فيها متميِّزة، فأنا وأنت مشتركون، لكن شياهك معروفة لها أوصاف معلومة وشياهي معروفة لها أوصاف وعلامات معلومة.
فإن اجتمعت هذه الشياه - التي جاء النهي من النبي صلى الله عليه وسلم في تفريق المجتمع وتجميع المفترق - فما هو ضابط الاجتماع الذي تعدّ فيه مجتمعة أو تعد متفرقة؟
بالنسبة لاجتماع الأعيان فلا إشكال فيها لأنها غير متميزة أصلاً.
لكن الإشكال في اجتماع الأوصاف، متى تعدّ مجتمعة ومتى تعد متفرقة؟
قال أهل العلم: إذا اشتركت في أشياء تعتبر مجتمعة، فما هي هذه الأشياء؟
أن تشترك:
1.
في المُراح: وهو مأواها ليلاً، فإن كانت تأوي إلى مكان واحد تكون قد اشتركت في المُراح.
2.
في المسرح: وهو المرتع الذي ترعى فيه.
3.
في المَحْلَب: وهو الموضع الذي تُحلب فيه.
4.
في المشرب: وهو مكان شربها، بأن تسقى من ماء واحد، نهر أو عين أو بئر أو حوض أو غير ذلك.
5.
في الفَحْلِ: وهو الذكر الذي يجامع الإناث.
6.
في الراعي
فإذا اشتركت في هذه الأوصاف الستة كانت هذه الأنعام مجتمعة لا يجوز تفريقها، وهذه الأشياء التي ذكرت فيها تخفيف مؤنة على الطرفين، لذلك اعتبرت عند التجميع والتفريق.
قال المؤلف رحمه الله: (ولا تُؤخَذ هَرِمَة، ولا ذاتَ عَوَار، ولا عَيْبٍ، ولا صغيرةٍ، ولا أكولَةٍ، ولا رُبَّى، ولا ماخِض، ولا فَحْل غنم)
لا يجوز أخذ هذه الأشياء في الزكاة، لأن فيها ضرراً على صاحب المال أو على الفقير.
(الهرمة): هي الكبيرة التي سقطت أسنانها.
(ذات عوار) تُقال بالفتح: عَوار، وبالضم: عُوار، وقيل هي العوراء، وقيل هي المَعيبة التي فيها عيب.
(ولا عيب): وهي ما فيها عيب يُعَدُّ عند العارفين بالمواشي نقصاً، فالنَّعم التي فيها هذا العيب لا تؤخذ في الزكاة.
(الصغيرة): أي في السن.
(الأكولة): وهي الشاة التي يسمّنها أهلها لأكلها، وقيل هي الخصي والهرمة والعاقر من الغنم.
(الرُبّى): التي تربّى في البيت ليأخذ أهلها لبنها، وقيل: هي التي وضعت حديثاً.
(الماخض): التي أخذها المخاض لتضع، والمخاض الطلق عند الولادة.
(فحل الغنم): الذكر الذي أُعد لضراب الإناث، أي لجماعهنَّ.
وهذه الأشياء التي ذكرها وردت فيها آثار ضعيفة لا تصحّ.
وقد ورد حديث في «صحيح البخاري» من حديث أنس، قال: قال عليه السلام: «ولا يخرج في الصدقة هرمة، ولا ذات عوار ولا تيس إلا أن يشاء المُصَّدِّقُ» (1).
فالهرمة وذات العوار أي ذات العيب - فتدخل فيها أي شاة معيبة بعيب معروف عند أهل العلم بالمواشي أنه عيب مؤثر -، وكذلك التيس الذي هو الفحل، لا تأخذ في الزكاة.
(1) أخرجه البخاري (1495) عن أنس بن مالك رضي الله عنه.
وقوله: «إلا أن يشاء المصدق» أي إلا أن يشاء المُصّدِّقُ - وهو صاحب المال - إخراج التيس، لأن في أخذه ضرراً على المصَّدِّق، والمنع من أخذه لمصلحته، فإن أذن فيه أو رأى أن لا ضرر عليه في ذلك، أُخِذ.
وتقاس عليه الأشياء التي ذكرها المصنّف مما يعود بالضرر على صاحب المال.
وقد ورد أيضا في «البخاري» و «مسلم» من حديث معاذ المعروف، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «وأعلمهم أن الله افترض عليهم زكاة تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم
…
» ثم قال في نهاية الحديث: «وإياك وكرائم أموالهم» (1).
هذا يدل على أن الكريم من مال الشخص لا يُؤخذ في الزكاة، بل يُؤخذ الشيء المعتدل المتوسط، لا النفيس ولا الرديء.
وأما بالنسبة للهرمة وذات العوار، فلا تؤخذ لأن الضرر فيها عائد على الفقير.
وأما الصغيرة فقد بوب البخاري في «صحيحه» : «باب أخذ العناق في الصدقة» وذكر فيه حديث أبي بكر قوله: «والله لو منعوني عَنَاقاً لقاتلتهم عليه» (2).
والعناق من أولاد المعز، وهي التي لم تستكمل السنة.
قال الحافظ: «وكأن البخاري أشار بهذه الترجمة السابقة إلى جواز أخذ الصغيرة في الصدقة» .
فالصحيح أنها تؤخذ.
مسألة: إذا لم يوجد عند صاحب الإبل السن المطلوبة، فماذا يفعل؟
جاء في نفس حديث أنس في «صحيح البخاري» ما يفعل عند ذلك، فقال في الحديث بأنه يؤخذ منه الأعلى أو الأدنى.
فلنقل مثلاً بأن مالكاً قد ملك أربعين رأساً من الإبل، ووجبت عليه بنت لبون، ولا يملكها، فإنه بالخيار بين أمرين، إما أن يخرج ما هي أعلى من بنت اللبون، وهي الحقة، وهنا لا بد على جامع الصدقة - وهو الشخص الذي يخرجه ولي الأمر ليجمع الصدقة - يجب عليه
(1) سبق تخريجه.
(2)
أخرجه البخاري (1456) عن أبي هريرة رضي الله عنه.