المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب حد الزاني - فضل رب البرية في شرح الدرر البهية

[علي الرملي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة الشارح

- ‌تعريف الفقه

- ‌‌‌الفقه لغةً‌‌واصطلاحاً:

- ‌الفقه لغةً

- ‌واصطلاحاً:

- ‌فالفقه في الشرع:

- ‌وأما الفقه عند الأصوليين:

- ‌وأما الفقه عند الفقهاء

- ‌ترجمة الشوكاني

- ‌«الدُّرَرُ البَهيَّة» للشوكاني

- ‌كتاب الطهارة

- ‌ باب حكم المياه

- ‌(الماءُ طاهرٌ مُطَهِّرٌ)

- ‌(فصل باب النجاسات)

- ‌(بابُ قضاءِ الحاجةِ)

- ‌(بابُ الوضوءِ)

- ‌(فصل: ويستحبُّ التثليثُ)

- ‌(فصلٌ: وينتقضُ الوضوءُ بما خرجَ من الفَرْجَيْنِ من عَيْنٍ أو ريحٍ)

- ‌(بابُ الغُسْلِ)

- ‌(فصلٌ: والغُسْل الواجب هو: أن يُفيضَ الماءَ على جميع بَدَنِهِ، أو يَنْغَمِس فيه مع المضمضةِ والاستنشاقِ)

- ‌(فصلٌ: ويُشْرَعُ لصَلاةِ الجُمُعة)

- ‌(باب التَّيَمُّمِ)

- ‌(بابُ الحَيْضِ)

- ‌(فصل: والنِّفاسُ أكثرُهُ أربعونَ يوماً، ولا حدَّ لأقلّه وهو كالحيضِ)

- ‌كتابُ الصلاةِ

- ‌(باب الأذان)

- ‌(بابُ شروطِ الصلاةِ)

- ‌(بابُ كيفيةِ الصلاةِ، لا تكونُ شرعيةً إلا بالنيَّةِ)

- ‌(باب متى تبطل الصلاة؟ وعمّن تسقط

- ‌(فصل: وتبطل الصلاة بالكلام)

- ‌(فصل: ولا تجبُ على غَيْرِ مُكَلَّفٍ)

- ‌(بابُ صلاة التَّطَوُّعِ)

- ‌(باب صلاة الجماعة)

- ‌(باب سجودِ السهوِ، وهو سجدتانِ قبل التسليمِ أو بعدهُ، وبإحرامٍ، وتشهدٍ، وتحليلٍ)

- ‌(بابُ القضاءِ للفوائتِ)

- ‌(بابُ صلاةِ الجمعةِ، تَجِبُ على كُلِّ مُكَلَّفٍ إلا المرأةَ والعبدَ والمسافرَ والمريضَ)

- ‌(بابُ صلاةِ العيدينِ)

- ‌(بابُ صلاةِ الخوفِ)

- ‌(باب صلاةِ السَّفَرِ، يَجِبُ القَصْرُ)

- ‌(باب صلاة الكسوفين)

- ‌(باب صلاة الاستسقاء)

- ‌كتاب الجنائز

- ‌(فصلٌ: غسل الميت)

- ‌(فصلٌ: تكفينُ الميت)

- ‌ فصل صلاة الجنازة

- ‌(فصل: ويكون المشي بالجِنازةِ سريعاً)

- ‌(فصلٌ: دَفْنُ الميت، ويجبُ دفن الميتِ في حفرة تَمْنَعُهُ السِّباعَ)

- ‌كتاب الزكاة

- ‌(باب زكاةِ الحيوانِ)

- ‌(فصل: إذا بلغت الإبلُ خمساً، ففيها شاةٌ، ثم في كلِّ خمسٍ شاةٌ، فإذا بلغت خمساً وعشرين، ففيها ابنة مَخاضٍ، أو ابن لبونٍ، وفي ستٍّ وثلاثين ابنة لبون، وفي ستٍّ وأربعين حِقّة، وفي إحدى وستين جَذَعة، وفي ستٍّ وسبعين بنتا لبون، وفي إحدى وتسعين حِقّتان إلى

- ‌أولاً: الزكاة واجبة في هذه الحيوانات بثلاثة شروط

- ‌ثانياً: كم المقدار الذي يجب أن يخرج إذا بلغت الإبل النصاب

- ‌(فصلٌ: ولا شيء فيما دُونَ الفريضةِ، ولا في الأوْقاصِ)

- ‌(باب زكاة الذهب والفضة)

- ‌(باب زكاة النبات)

- ‌(باب مصارف الزكاة)

- ‌(باب صدقة الفطر)

- ‌كتاب الخُمُس

- ‌كتاب الصيام

- ‌(باب صوم التطوع)

- ‌(باب الاعتكاف)

- ‌كتاب الحج

- ‌شروط الحج:

- ‌(فصل: ولا يَلْبَسُ المُحْرِمُ القميصَ، ولا العمامة، ولا البُرْنُسَ، ولا السراويل، ولا ثوباً مَسّه وَرْس، ولا زعفران، ولا الخُفَّين إلا أنْ لا يجد نعلين، فليقطعهما حتى يكونا أسفل من الكعبين)

- ‌(فصلٌ: وعند قدوم الحاجّ مكة، يطوف للقدوم سبعة أشواط، يَرمُلُ في الثلاثة الأولى، ويمشي فيما بقي، ويُقَبِّل الحجر الأسود أو يستلمه بِمِحْجَنٍ ويُقَبِّل المحجن ونحوه، ويستلم الركن اليماني)

- ‌(فصل: ويسْعى بين الصفا والمروة سبعة أشواط داعياً بالمأثور)

- ‌(فصل: ثم يأتي عرفة صُبح يوم عرفة مُلبياً مُكبراً ويَجمع العصرين فيها، ويخطُب، ثم يُفيض من عرفة بعد الغروب)

- ‌(باب العمرة المفردة)

- ‌كِتابُ النِّكاحِ

- ‌حكم النكاح:

- ‌مسألة:

- ‌بابُ المُحرَّماتِ في النِّكاحِ

- ‌(بابُ العُيُوبِ وَأَنْكِحَةِ الكُفَّارِ)

- ‌بابُ المَهرِ والعِشرَةِ

- ‌كتابُ الطَّلاقِ

- ‌باب الخلع

- ‌باب الإيلاء

- ‌باب الظهار

- ‌بابُ اللِّعَانِ

- ‌بابُ العِدَّةِ والإحدِادِ

- ‌باب استِبْرَاءِ الإِمَاءِ

- ‌بابُ النَّفقةِ

- ‌بابُ الرَّضَاعِ

- ‌بابُ الحَضَانَةِ

- ‌كتابُ البيوعِ

- ‌ باب الربا

- ‌(باب الخِيارَات)

- ‌باب السَّلَم

- ‌باب القَرْض

- ‌باب الشُّفْعة

- ‌باب الإِجارة

- ‌بابُ الإحيَاءِ والإِقْطَاعِ

- ‌بابُ الشَّرِكة

- ‌بابُ الرَّهْنِ

- ‌بابُ الوَدِيْعَةِ والعَارِيَّة

- ‌بابُ الغَصْبِ

- ‌بابُ العِتْقِ

- ‌بابُ الوقْفِ

- ‌بابُ الهَدَايا

- ‌بابُ الهِبات

- ‌كتاب الأَيمَان

- ‌كتابُ النَّذرِ

- ‌كتاب الأطعِمَة

- ‌بابُ الصَّيدِ

- ‌بابُ الذَّبحِ

- ‌بابُ الضِّيافَةِ

- ‌بابُ آدابِ الأكلِ

- ‌كتابُ الأشرِبةِ

- ‌كتابُ اللِّباسِ

- ‌كتابُ الأُضحِيةِ

- ‌بابُ الوَلِيمةِ

- ‌فصلٌ

- ‌كتابُ الطِّبِّ

- ‌كتابُ الوَكالةِ

- ‌كتابُ الضَّمَانَةِ

- ‌كِتابُ الصُّلحِ

- ‌كتابُ الحَوَالةِ

- ‌كتابُ المُفلسِ

- ‌كتابُ اللُّقطةِ

- ‌كتابُ القَضاءِ

- ‌كِتابُ الخُصُومُةِ

- ‌كِتابُ الحُدُودِ

- ‌بَابُ حَدِّ الزَّانِي

- ‌بابُ حَدِّ السَّرقةِ

- ‌بابُ حَدِّ القَذفِ

- ‌بَابُ حَدِّ الشُّرْبِ

- ‌فَصلٌ

- ‌بَابُ حَدِّ المُحَاربِ

- ‌بابُ مَنْ يَستحقُّ القَتلَ حَدّاً

- ‌كِتابُ القِصاصِ

- ‌كتابُ الدِّياتِ

- ‌بَابُ القَسَامَةِ

- ‌كتابُ الوَصِيَّةِ

- ‌كِتابُ المَوَاريثِ

- ‌كتابُ الجِهادِ والسِّيَرِ

- ‌فَصلٌ

- ‌فصلٌ

- ‌فَصلٌ

- ‌فَصلٌ

الفصل: ‌باب حد الزاني

امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها»، قال له: إن اعترفت فارجمها، والاعتراف يحصل بمرة واحدة، فلم يقل له إن اعترفت أكثر من مرة.

‌كِتابُ الحُدُودِ

الحدود جمع حَدّ، والحد لغة هو: المنع. واصطلاحاً: عقوبة مقدَّرة شرعاً؛ كحد الزاني المحصن؛ الرجم، هذه عقوبة ثبتت بالشرع.

‌بَابُ حَدِّ الزَّانِي

أول الحدود التي بدأ بها المؤلف رحمه الله: حد الزنا

ص: 582

الزاني هو فاعل الزنا، والزنا الذي يوجب الحد هو: تَغييب الحَشَفَةِ- هي رأس الذكر- في فرجٍ محرَّمٍ، مشتهىً بالطبع، من غير شبهة نكاح.

تغييب الحَشفةِ في فرجٍ محرَّمٍ: أخرج تغييب رأس الذكر في فرجٍ حلال؛ كالزوجة والأمة، فهذا لا يعد من الزنا.

مشتهىً بالطبع: أي يدخل الرجل رأس ذكره في فرج يشتهيه الرجل بطبيعته التي خلقه الله عليها؛ كقبل المرأة مثلاً، أخرج بذلك فروج الحيوانات.

من غير شبهة نكاح: يعني عندما جامع المرأة لم يكن يظن أنها زوجته؛ كمن يتزوج أخته من الرضاع وهو لا يدري، أو يجامع امرأة نكحها بغير ولي، وجود شبهة النكاح تنفي حد الزنا، فلا يقام على شخص حد الزنا.

قال المؤلف رحمه الله: (إن كانَ بِكراً حُرّاً جُلِد مِائةَ جَلدةٍ، وَبعدَ الجَلدِ يُغرَّبُ عَامَاً، وإن كَانَ ثَيِّباً جُلدَ كما يُجلَدُ البِكرُ ثُمَّ يُرجَمُ حَتَّى يَمُوتُ)

الزاني وهو الذي تقدم وصفه، إما أن يكون بِكراً أو ثيباً.

البكر هو: الذي لم يتزوج، رجلاً كان أو امرأة، فيقال: رجل بكر وامرأة بكر.

فالذي لم يتزوج يسمى بكراً.

والثيب خلاف البكر، يعني مَنْ ليس بكراً فهو ثيب، وهو الذي تزوج، رجلاً كان أو امرأة.

وحد الزاني البكر يختلف عن حد الزاني الثيب.

يقول المؤلف: إذا كان الزاني بكراً أي غير متزوج، حُرّاً أي ليس عبداً مملوكاً؛ جُلد مائة جلدة.

هذا حده في الشرع، أن يُجلد مائة جلدة، وبعد أن يُجلد يغرَّب عاماً.

التغريب: أن يُبعد عن البلاد التي يعيش فيها. إذا كان مثلاً يعيش في عَمّان - عاصمة الأردن- نغرِّبه إلى العقبة مثلاً، لا يلزم أن يُخرج من كل الأردن، لا، لو أُبعد إلى العقبة - مدينة ساحلية جنوب الأردن- يكفي هذا يسمى تغريباً.

هذا معنى التغريب، ومدته: سنة كاملة؛ لقول الله تبارك وتعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} [النور/2]. هذا دليل الجلد.

ص: 583

وأما دليل التغريب فثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في رجلٍ زنى بامرأة رجلٍ آخر، وكان الزاني بِكراً والمرأة متزوجة، قال النبي صلى الله عليه وسلم لوالد الزاني:«على ابنك جلد مائة وتغريب عامٍ، واغدُ يا أُنَيِّس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها» متفق عليه.

الشاهد: قال: على ابنك جلد مائة وتغريب عام، تغريب عام زيادة من السُّنة عن النبي صلى الله عليه وسلم. وأخرج مسلم من حديث عبادة بن الصامت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«خُذُوا عَنِّي، خُذُوا عَنِّي، قَدْ جَعَلَ اللهُ لَهُنَّ سَبِيلًا، الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَنَفْيُ سَنَةٍ، وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ، وَالرَّجْمُ» (1).

وأما إذا كان الزاني ثيباً-أي متزوجاً- وحراً ليس عبداً، جُلد كما يجلد البكر، أي مائة جلدة ثم بعد الجلد يُرجم، أي يضرب بالحجارة حتى يموت.

هذا كلام المؤلف، قال: وإن كان ثيباً جُلد كما يُجلد البكر، يعني يُجلد مائة جلدة ثم يرجم حتى يموت، فيُجمع عليه الجلد والرجم.

هذا ما ذكره المؤلف، والصحيح أنه يُرجم فقط ولا يُجلد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم رجم ولم يجلد مَنْ زنى وكان متزوجاً، والأحاديث في الصحيحين، أحاديث كثيرة في الصحيحين أن أناساً قد زنوا وهم متزوجون ورجمهم النبي صلى الله عليه وسلم ولم يجلدهم، منها حديث ماعز والغامدية، فهذه أدلة تدل على أن الزاني الثيب لا يُجمع عليه الجلد والرجم، وإنما يُرجم فقط.

وكذلك في الحديث المتقدم قال لأُنَيِّس: «واغدُ يا أُنيِّس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها» ، لم يقل له: إن اعترفت فاجلدها وارجمها، قال له: إن اعترفت فارجمها.

هذه الأحاديث واضحة الدلالة في أن الثيب لا يُجمع عليه الجلد والرجم.

والحديث الذي يستدل به المؤلف هو حديث عبادة بن الصامت الذي تقدم، قال:«الثيب بالثيب جلد مائة والرجم» هذا الحديث الصحيح أنه منسوخ بالأحاديث السابقة، هذا الحديث في أول الإسلام، عند نزول حد الزنا، فأول ما شرع الحد شرع بهذا الحديث قال:«قد جعل الله لهن سبيلاً، البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم» فهذا كان متقدماً، ثم جاءت الأحاديث الأخرى التي فيها أن النبي صلى الله عليه وسلم رجم ولم يجلد، فعندنا ناسخ

(1) أخرجه مسلم (1690).

ص: 584

ومنسوخ هذا الحديث كان في البداية ثم الأحاديث التي بعده كانت متأخرة عنه فتعتبر ناسخة له.

ورجم أبو بكر وعمر رضي الله عنهما ولم يجمعا بين الجلد والرجم.

وكما قال السلف رضي الله عنهم قاعدة في ذلك أنك إذا أردت أن تعلم آخر الأمرين من أفعال النبي صلى الله عليه وسلم وأقواله وتشريعاته فانظر إلى ما كان يفعل أبو بكر وعمر تعرف ما استقرت عليه الشريعة.

قال المؤلف رحمه الله: ويَكفِي إِقرارُهُ مرّةً، وما وَردَ مِن التّكرَار في وَقائِعِ الأَعيانِ؛ فَلِقصدِ الاستِثباتِ)

يكفي اعتراف الزاني بالزنا مرة واحدة ليقام عليه الحد، إذا أقر على نفسه أنه زنى مرة واحدة كفانا ذلك، وأقيم عليه الحد بهذا الإقرار، ولا يجب أن يكرر الاعتراف أكثر من مرة.

وقال بعض أهل العلم: يجب أن يعترف أربع مرات حتى يقام عليه حد الزنا، لكنه قول ضعيف، استدلوا له بحديث ماعز أنه اعترف على نفسه أربع مرات عند النبي صلى الله عليه وسلم بأنه زنى حتى أقام عليه الحد.

لكن حديث إرسال أنيِّس لإقامة الحد يدل على أن الاعتراف يكون مرة واحدة وهو الحجة.

يقول المؤلف رحمه الله: ويكفي إقراره مرة، وردّ على من استدل بمثل حديث ماعز بقوله: وما ورد من التكرار في وقائع الأعيان فلقصد الاستثبات، يعني نقول في حديث ماعز أن التكرار الذي حصل فيه فقط للتثبت، وليس شرطأً لإقامة الحد لحديث أنيس.

وقائع الأعيان جمع واقعة عين. واقعة العين هي: الحادثة التي تقع لشخصٍ معيَّن، تسمى واقعة عين، فيقال مثلاً: واقعة عين لا عموم لها، أي أنها خاصة بالشخص بعينه، كما في حادثة خزيمة بن ثابت، هذه تسمى واقعة عين حدثت لشخص معين، جعل النبي صلى الله عليه وسلم شهادته بشهادة رجلين.

هذه واقعة عين لا عموم لها أي خاصة بخزيمة بن ثابت. هذا معنى واقعة العَيْن.

قال المؤلف رحمه الله: (وأمّا الشهادةُ فلا بُدّ مِن أربعةٍ)

ص: 585

الإقرار يكفي مرة واحدة، ولكن الشهادة لا بد من أربعة شهود، أربعة شهود يشهدون على الشخص بأنه زنى حتى يثبت عليه حكم الزنا.

قال الله تبارك وتعالى في كتابه الكريم: {وَاللَاّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعةً مِّنكُمْ فَإِن شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّىَ يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللهُ لَهُنَّ سَبِيلاً} [النساء/15]، إذا ثبت عليهن الزنا وشهد عليهن أربعة شهود بأنهن قد زنين قال:{فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ} [النساء/15]، يحبسن في البيوت حتى يمتن أو يجعل الله لهن سبيلا.

ثم جاء حديث عبادة بن الصامت المتقدم «خُذُوا عَنِّي، خُذُوا عَنِّي، قَدْ جَعَلَ اللهُ لَهُنَّ سَبِيلًا، الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَنَفْيُ سَنَةٍ، وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ، وَالرَّجْمُ» شاهدنا من هذا قول الله تبارك وتعالى: {فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعةً مِّنكُمْ} [النساء/15]، أربعة شهود منكم، فلا بد من أربعة شهود يشهدون على حادثة الزنا، كيف تكون شهادتهم؟

قال المؤلف رحمه الله: (ولا بدّ أن يَتضمَّنَ الإقرارُ والشَّهادةُ التَّصريحَ بِإيلاجِ الفَرجِ في الفَرجِ)

الإقرار بالزنا أو الشهادة به؛ شهادة خطيرة يترتب عليها إقامة حد شديد رادع، ربما يكون فيه إزهاق نفس، ربما يكون فيه جلد وربما رجم حتى الموت، فالمسألة خطيرة تحتاج إلى تثبت وتصريح في الألفاظ، لا تنفع الكنايات والإشارات من بعيد لاحتمال الخطأ فيها.

فعندما يقر الزاني على نفسه لا بد أن يقر بأنه قد زنى بإدخال فرجه في فرجها، في حديث ماعز النبي صلى الله عليه وسلم قال له:«لَعَلَّكَ قَبَّلْتَ، أَوْ غَمَزْتَ، أَوْ نَظَرْتَ» قَالَ: لَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ:«أَنِكْتَهَا» . لَا يَكْنِي، قَالَ: فَعِنْدَ ذَلِكَ أَمَرَ بِرَجْمِهِ (1)

فأقام عليه الحد، فما قبل إلا بالتصريح.

وكذلك الشهادة، الشهود يشهدون بمثل هذا أنهم قد رأوا فرجه في فرجها، وإلا فلا تقبل، وهم لا يشهدون إلا إذا رأوا ذلك.

(1) أخرجه البخاري (6824)، وأصله متفق عليه.

ص: 586

قال المؤلف رحمه الله: (ويَسقُطُ بِالشُّبُهَاتِ المُحتَمِلَةِ)

يسقط الحد بوجود شبهة تمنع من إقامة الحد، فإذا وُجدت شبهة سقط الحد.

هذا يستدلون له بحديث «ادرءوا الحدود بالشبهات» (1) أي ادفعوا الحد عن الشخص بوجود شبهة، وهذا الحديث أخرجه ابن ماجه من حديث علي وهو ضعيف، ولا يصح في هذا الباب حديث.

والمسألة عندنا مبنية على وجود الأدلة والبينات، فإذا وُجدت الأدلة والبينات أقمنا الحد عليه وإلا فلا، نعم إذا اشتبهت الأدلة أو اشتبه وجود مانع كإكراه أو جهل فيدرأ الحد عنه؛ فالخطأ في العفو خير من الخطأ في العقوبة، صح عن عبد الله بن مسعود أنه قال:«ادْرَءُوا الْقَتْلَ وَالْجَلْدَ عَنِ الْمُسْلِمِينَ مَا اسْتَطَعْتُمْ» . والله أعلم

قال المؤلف رحمه الله: (وبالرُّجوعِ عن الإِقرارِ)

هنا محل خلاف، إذا أقر الشخص على نفسه بأنه زنى مثلاً ثم رجع عن هذا الإقرار، فقال: لم أزن، هل هذا الرجوع يؤخذ به أم لا يؤخذ به؟

المؤلف يقول: وبالرجوع عن الإقرار، أي يسقط الحد بالرجوع عن الإقرار.

يستدل المؤلف على ذلك بحديث ماعز أنه لما وجد مس الحجارة عندما كانوا يرجمونه صرخ فقال: يا قوم ردوني إلى رسول الله فإن قومي قتلوني، وغَرّوني من نفسي، وأخبروني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غير قاتل. فلما أخبروا النبي صلى الله عليه وسلم بذلك قال:«فهلا تركتموه وجئتموني به؟ » (2) من هنا أخذ المؤلف قوله.

وهذه الرواية أخرجها أبو داود وهي ضعيفة، فالثقات الأثبات الذين رووا قصة ماعز لم يذكروا هذه الزيادة فيه، وإن صحت فظاهرها إرادة التثبت فقط، وإلا فمن أين لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا جاءوه به كان سيسقط عنه الحد؟ ليس لنا أن ندَّعي هذا، فلو صحَّت هذه الرواية فليس فيها ما يدل على ما ذهب إليه المؤلف، مع أنها رواية ضعيفة.

وفي نفس الحديث قال حسن بن محمد بن علي بن أبي طالب حدثني ذلك من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فهلا تركتموه» من شئتم من رجال أسلم ممن لا أتهم، قال: ولم أعرف هذا الحديث،

(1) أخرجه أبو مسلم الكجي كما في البدر المنير، وابن عساكر كما في إرواء الغليل، وأخرجه البيهقي بالمعنى في الكبرى (8/ 413) من طرق معلة بالإرسال وضعف الإسناد والوقف، وقد بين ذلك البيهقي رحمه الله، وانظر البدر المنير (8/ 611)، وإرواء الغليل (2316).

(2)

أخرجه أحمد (15089)، وأبو داود (4420).

ص: 587

قال: فجئت جابر بن عبد الله، فقلت: إن رجالا من أسلم يحدثون، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهم حين ذكروا له جزع ماعز من الحجارة حين أصابته:«ألا تركتموه» ، وما أعرف الحديث، قال: يا ابن أخي، أنا أعلم الناس بهذا الحديث، كنت فيمن رجم الرجل، إنا لما خرجنا به فرجمناه، فوجد مس الحجارة صرخ بنا: يا قوم ردوني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن قومي قتلوني، وغروني من نفسي، وأخبروني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غير قاتلي، فلم ننزع عنه حتى قتلناه، فلما رجعنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخبرناه قال:«فهلا تركتموه وجئتموني به» ليستثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم منه، فأما لترك حد فلا، قال: فعرفت وجه الحديث. انتهى

فهذا فهم جابر رضي الله عنه للحديث.

والصحيح أنه لا يسقط الحد عنه بالرجوع عن الإقرار؛ لأن الحكم قد ثبت عليه بإقراره فلا يُرجع فيه؛ إلا إذا تبين أنه كان كاذباً في إقراره على نفسه.

قال المؤلف رحمه الله: (وبِكونِ المَرأةِ عَذراءَ أو رَتقَاءَ، وبِكونِ الرَّجُلِ مَجبُوبَاً أو عِنِّيناً)

يسقط حد الزنا بما ذُكر، هذه أدلة واضحة على عدم حدوث الزنا، فإذا وُجد الإقرار ووجدت علامة من هذه العلامات دل ذلك على أن الإقرار غير صحيح؛ لوجود هذه العلامة التي تدل على عدم حدوث الزنا.

فوجود هذه الأشياء يمنع من حصول الجماع، فلا يمكن معها حصول الزنا.

بكون المرأة عذراء، العذراء: البكر بأن تكون المرأة بكراً يعني لم تُفتض بكارتها، لكن هذه العلامة غير صحيحة فيمكن في بعض النساء أن يحصل الزنا وتبقى بكارتها.

بعض النساء عندهن غشاء يسمونه اليوم غشاء مطاطياً، لا يمزق بسهولة.

أما الرتقاء فهي التي التصق ختانها يعني مسدود الفرج عندها، التصق ختانها فلا يصل الرجل إليها لشدة انضمام فرجها، هذه لا يمكن جماعها أصلاً.

والمجبوب، بالنسبة للرجل الآن، المجبوب: مقطوع الذكر، هذا لا يمكن الجماع في حقه.

والعِنّين: الذي لا يقدر على الجماع، وقيل: هو الذي لا ينتصب ذكره أصلاً.

قال المؤلف رحمه الله: (وتَحرمُ الشَّفاعةُ في الحُدودُ)

الشفاعة تعني الواسطة، فلا يجوز التوسط لأحد عند الحاكم لإسقاط حد من حدود الله وجب عليه.

ص: 588

هذه الواسطة محرمة؛ لحديث عائشة في الصحيحين في قصة المخزومية التي سرقت، امرأة من بني مخزوم سرقت، فجاء أسامة بن زيد إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشفع فيها، كي لا يقام عليها الحد، لا تُقطع يدها بعد أن سرقت. فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«أتشفع في حد من حدود الله يا أسامة؟ » (1) هذا استفهام إنكاري، ينكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم هذا الفعل.

قال النووي رحمه الله: وقد أجمع العلماء على تحريم الشفاعة في الحد بعد بلوغه إلى الإمام وعلى أنه يحرم التشفيع فيه.

يعني يحرم على الإمام أن يقبل شفاعة أي أحد في حدٍّ من حدود الله.

قال: فأما قبل بلوغه إلى الإمام فقد أجاز الشفاعة فيه أكثر العلماء إذا لم يكن المشفوع فيه صاحب شر وأذى للناس، فإن كان فلا يُشفع فيه. انتهى

يعني تقبل الشفاعة بشرط أن لا يُرفع الأمر إلى الحاكم، إذا لم يرفع الأمر إلى الحاكم تجوز الشفاعة فيه عند أكثر العلماء، قال: إلا إذا كان الشخص المشفوع فيه شريراً معروفاً بالشر بين الناس فمثل هذا لا يُشفع فيه.

قال المؤلف رحمه الله: (ويُحفَرُ لِلمَرجُومِ إلى الصَّدرِ)

من أراد الحاكم رجمه، تُحفر له حفرة إلى حد صدره ويوضع فيها ثم يُرجم، هذا معنى ما ذكره المؤلف.

الروايات الصحيحة في الصحيحين ليس فيها الحفر للمرجوم.

ورد الحفر للمرجوم في حديث عند مسلم (2) من رواية بشير بن المهاجر عن عبد الله بن بريدة عن أبيه أنهم حفروا لماعز وللغامدية.

وبشير هذا الذي زاد زيادة الحفر، قال فيه ابن معين: ثقة. وقال أحمد بن حنبل: منكر الحديث، وقد اعتبرتُ أحاديثه فإذا هو يجيء بالعجب. وقال البخاري: يخالف في بعض حديثه.

قلت: فعلى هذا فالزيادة التي زادها زيادة منكرة لا تصح، لا تقبل منه هذه الزيادة خصوصاً أن غيره من الرواة يروون نفس الحديث بدون هذه الزيادة، ومع وجود هذا الذي ذكره

(1) أخرجه البخاري (6788)، ومسلم (1688).

(2)

أخرجه مسلم (1695).

ص: 589

الإمام أحمد والذي ذكره الإمام البخاري رحمه الله فيه فهذا دليل واضح على أن الرجل قد وهِم في هذه الزيادة، بل جاء في رواية أنهم كانوا يرجمون ماعزاً وفَرَّ منهم! فلا يوجد حفر ولا ربط، وجاء مُصَرَّحاً به في حديث أبي سعيد في قصة ماعز، قال: إنهم لم يحفروا له (1) -لماعز-. هذه الرواية عند مسلم من حديث أبي سعيد وهي أصح من رواية بشيرٍ هذا.

قال المؤلف رحمه الله: (ولا تُرجَمُ الحُبلَى حتى تَضعَ وتُرضعَ ولدَهَا، إن لم يُوجد مَنْ يُرضِعُهُ)

إذا كانت الزانية حاملاً، فهذه لا ترجم بحملها؛ لأن الرجم بالحمل سيؤدي إلى قتل الحمل الذي في البطن، وهذا لا يجوز فلذلك تؤجَّل الحامل إلى أن تضع، ثم بعد أن تضع إن وُجد من يرضع الولد حتى لا يهلك، فيقام عليها الحد، وأما إذا لم يوجد فتبقى حتى يكمل رضاعه ثم بعد ذلك يقام عليها الحد.

دليل ذلك حديث سليمان بن بريدة عن أبيه عند مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم جاءته امرأة غامدية، يعني من قبيلة غامد، فاعترفت بالزنا، قالت: إني حبلى من الزنا، فقال لها النبي:«حتى تضعي ما في بطنك» ، فلما وضعت قال:«لا نرجمها وندع ولدها صغير السن ليس له من يرضعه» فقام رجلٌ من الأنصار فقال: إليّ رضاعه يا نبي الله. قال: فرَجَمها (2).

قال المؤلف رحمه الله: (وَيَجوزُ الجَلدُ حَالَ المَرضِ بعِثْكَالٍ وَنحَوِه)

العِثكال هو الذي يحمل البُسر في النخل، ثمار النخل في مرحلة قبل أن يصبح تمراً، يوجد مرحلة أثناء نموه يصل إليها يكون رُطباً، والمرحلة التي قبل الرُّطب يكون بَلحاً وبعد البلح يكون بُسراً.

هذا البسر يكون محمولاً على عروق، هذه العروق الصغيرة التي يكون معلق بها البسر تكون معلقة على مثل العنقود، مثل عنقود العنب تماماً ولكن في النخل، وله فروع، هذا يسمى عِثكالاً، هذا هو العثكال، هو الذي يحمل البسر في النخل مثل العنقود في العنب.

يُجلد المريض الذي لا يرجى برؤه بهذا العثكال ونحوه أي ما يقاربه.

(1) أخرجه مسلم (1694).

(2)

أخرجه مسلم (1695).

ص: 590

يجلد بهذا خشية أن يهلك؛ لأنه مريض ضعيف لا يقدر على الجلد بأكثر من هذا.

هذا العثكال يكون له فروع، هذه الفروع يجب أن تكون مائة واحدة فيجلد بها جلدة واحدة، فتكون بدلاً عن مائة جلدة بضربة واحدة.

دل على ذلك الحديث الذي أخرجه أحمد وأبو داود أن رجلاً ضعيفاً مُخْدَجاً-أي ناقص الخلقة، بطبيعته مريض ضعيف - زنى بأَمَة، فأُخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، فقال:«اضربوه حداً» . اضربوه الحد مائة جلدة، قالوا: يا رسول الله: إنه أضعف مما تظن. لو ضربناه مائةً قتلناه. فقال: «خذوا له عثكالاً فيه مائة شِمراخ» العثكال: الغصن الكبير الذي يكون عليه أغصان صغار ويسمى كل واحد من تلك الأغصان شمراخاً «ثم اضربوه به ضربة واحدة» (1) ففعلوا.

وأخرج مسلم من حديث علي أن أَمة لرسول الله زنت، فأمر النبي علياً أن يجلدها، فوجدها علي حديثة عهد بنفاس، فخشي إن جلدها أن يقتلها، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال:«أحسنت اتركها حتى تَماثَل» (2) يعني اتركها حتى تبرأ من مرضها.

هذا يدل على أن المرض الذي يرجى برؤه يختلف عن المرض الذي لا يرجى برؤه.

الأول أمر بجلده بالعثكال، أما هذه فقال له:«اتركها حتى تماثل» إلى أن تبرأ.

قال المؤلف رحمه الله: (ومَن لاطَ بِذكرٍ؛ قُتل ولو كان بِكراً، وكذلك المفعولُ بِهِ إذا كانَ مُختَاراً)

لاط من اللواط يعني من أدخل ذكره في دبر ذكرٍ يُقتل هو والذي لاط به، الفاعل والمفعول به يقتلان، إذا كان المفعول به راضياً مختاراً بذلك غير مكره، سواء كان الفاعل بكراً أم ثيباً لا فرق. هذا ما ذكره المؤلف رحمه الله.

جاء في ذلك أحاديث، منها حديث ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من وجدتموه يعمل عمل قوم لوطٍ فاقتلوا الفاعل والمفعول به» (3)، وحديث أبي هريرة قال النبي صلى الله عليه وسلم:«اقتلوا الفاعل والمفعول به، أُحصِنا أو لم يُحصنا» (4) تزوجا أم لم يتزوجا.

(1) أخرجه أحمد (21935)، وأبو داود (4472)، وابن ماجه (2574).

(2)

أخرجه مسلم (1705).

(3)

أخرجه أحمد (2732)، وأبو داود (4462)، والترمذي (1456)، وابن ماجه (2561).

(4)

أخرجه ابن ماجه (2562)، انظر عللها في البدر المنير (8/ 602).

ص: 591

لكن لا يصح منها شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم، كلها أحاديث ضعيفة لا يُعمل بها.

واختلف أهل العلم في حكم اللوطي، والصحيح قتله ثيباً كان أم بكراً.

نقل بعض أهل العلم إجماع الصحابة على قتله، وجاء بإسنادٍ صحيح عن ابن عباس أنه يُرجم من دون تفريقٍ بين البكر والثيب.

وصح عن غير واحد من التابعين أنه كالزاني يفرَّق بين الثيب فيُرجم والبكر فيُجلد.

الخلاف معروف بين السلف، والصحابة منقول الاتفاق عنهم بأنه يقتل على جميع الأحوال.

قال الترمذي رحمه الله: واختلف أهل العلم في حد اللوطي، فرأى بعضهم: أن عليه الرجم أحصن أو لم يحصن، وهذا قول مالك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق.

وقال بعض أهل العلم من فقهاء التابعين منهم: الحسن البصري، وإبراهيم النخعي، وعطاء بن أبي رباح، وغيرهم، قالوا: حد اللوطي حد الزاني، وهو قول الثوري، وأهل الكوفة. انتهى

قال رحمه الله: (ويُعزَّرُ مَنْ نَكحَ بَهيمةً)

التعزير في اللغة له معنيان: التوقير والتعظيم، وليس هذا المعنى هو المراد هنا.

وبمعنى: التأديب، وهو المراد هنا.

وفي الاصطلاح: عقوبة غير مقدَّرة شرعاً.

التعزير يكون على ذنب شرعي ليس فيه حدٌّ في الشرع.

وقول المؤلف: ويعزَّر مَن نكح بهيمة أي مَنْ أتى بهيمة يعزر، الظاهرأنه لم يثبت عنده في ذلك حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم يُثبِت حداً من الحدود الشرعية لمن أتى البهيمة.

ورد حديث في ذلك عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من وقع على بهيمة فاقتلوه واقتلوا البهيمة» (1) أخرجه أحمد وأبو داود، وهو حديث ضعيف لا يحتج به.

(1) أخرجه أحمد (2420)، وأبو داود (4464)، والترمذي (1455)، وابن ماجه (2564). حكم عليه بالنكارة غير واحد من أهل العلم، وقال الترمذي في العلل الكبير: سألت محمداً عن حديث عمرو بن أبي عمرو، عن عكرمة ، عن ابن عباس فقال: عمرو بن أبي عمرو صدوق ، ولكن روى عن عكرمة مناكير، ولم يذكر في شيء من ذلك أنه سمع عن عكرمة. قلت له: فأبو رزين سمع من ابن عباس؟ فقال: قد أدركه. وروى عن أبي يحيى ، عن ابن عباس، قال محمد: ولا أقول بحديث عمرو بن أبي عمرو: أنه من وقع على بهيمة أنه يقتل. انتهى

ص: 592

فالقول ما قاله المؤلف رحمه الله، فقد نقل أهل العلم الإجماع على تحريم إتيان البهيمة (1)، ولم يثبت فيه حدٌ فلا يبقى إلا التعزير للردع عن هذا الفعل.

قال المؤلف رحمه الله: (ويُجلَدُ المَملوكُ نِصفَ جَلدِ الحُرِّ)

المؤلف في البداية في إقامة الحد على الزاني وضع قيداً وهو أن يكون حراً، قال: إن كان بكراً حراً جُلد مائة جلدة.

هنا جاء حكم العبد، فقال: ويُجلد المملوك نصف جلد الحر سواء كان ثيباً أم بكراً.

العبد والأَمة يجلدان خمسين جلدة إذا زنيا، سواء كانا بكرين أم ثيبين لا فرق؛ لقول الله تبارك وتعالى في الإماء:{فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء/25] فالأَمة إذا تزوجت ثم زنت، فعليها نصف ما على المحصنة - يعني الحرة - من العذاب، الحرة إذا زنت تجلد خمسين جلدة إذا كانت غير متزوجة، وإذا كانت متزوجة ترجم، لكن الرجم لا ينصَّف، لا يمكن أن نقول: أنها ترجم مثلاً بخمسين حجر أو بخمس وعشرين حجر فربما يموت الشخص من حجرين وربما يموت من مائة فلا ينصَّف الرجم؛ لذلك نقول بالتنصيف في الجلد على جميع الأحوال، ولا يوجد تفصيل في البكر والثيب بالنسبة للمملوك.

هذه الآية جاءت في الأَمة وقاسوا عليها العبد أيضاً.

قال المؤلف: (ويَحُدُّهُ سَيِّدُهُ أو الإمَامُ)

يعني الذي يقيم الحد على المملوك مالكه أو إمام المسلمين.

الأصل في الحدود أنه لا يقيمها إلا الإمام، وأما حد العبد أو الأَمة إذا زنيا فيجوز لسيدهما أيضاً أن يقيم عليهما الحد.

(1) انظر مراتب الإجماع لابن حزم (ص 131).

ص: 593