الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بابُ اللِّعَانِ
اللعان لغة: مصدر لاعَنَ، مشتق من اللعن، وهو الطرد والإبعاد.
وأما شرعاً: فهو شهادات مؤكَّدات بأيمانٍ من الجانبين، من جانب الزوج والزوجة، مقرونة بلعن من الزوج وغضبٍ من الزوجة، كما سيأتي تفصيله إن شاء الله.
قال المؤلف رحمه الله: (إذا رمى الرجلُ امرأته بالزنا، ولم تُقِرَّ بذلك، ولا رجع عن رميه؛ لاعنها، فيَشهدُ الرجلُ أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين، والخامسة أنّ لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين، ثم تشهد المرأةُ أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين، والخامسة أنّ غضب الله عليها إن كان من الصادقين)
ذكر المؤلف رحمه الله هنا سبب اللعان وكيفيته.
أما سببه فأن يرمي الرجل زوجته بالزنا، فإن أقرَّت رُجمت؛ لأنها متزوجة، والزانية المتزوجة الثيب تُرجم، وإن أنكرت لزِم الزوج أن يأتي بأربعة شهود، فإن لم يفعل؛ فإما أن يتراجع، وعندئذ يُجلد حد القاذف، أو لا يتراجع ولا يأتي بالشهود فيلزمه أن يلاعنها.
وأما كيفية الملاعنة: فأن يقول الزوج أولاً عند الحاكم: أَشهد بالله إني لمن الصادقين فيما رميت به زوجتي هذه من الزنا، ويشير إليها إن كانت موجودة، فإن لم تكن موجودة يسمِّها باسمها بما تُعرف به، يفعل ذلك أربع مرات، وفي المرة الخامسة يقول: لعنة الله عليّ إن كنتُ من الكاذبين.
ثم تقول المرأة بعده أربع مرات: أَشهد بالله إنه لمن الكاذبين فيما رماني به من الزنا، وتقول في الخامسة: غضَب اللهِ علي إن كان من الصادقين، ثم يفرَّق بينهما.
وكذلك يفعلون إذا نفى الرجل حمل امرأته، إذا كانت زوجته حامل ونفى الحمل؛ قال: هذا الحمل ليس لي كذلك يلاعن الرجل زوجته.
ودليل اللعان قول الله تبارك وتعالى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاء إِلَّا أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ *وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ * وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ * وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِن كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ} [النور 6 - 9].
ووردت فيه عدة أحاديث في الصحيحين، منها حديث ابن عمر، قال سعيد بن جبير: قلت: أبا عبد الرحمن المتلاعنان أيفرق بينهما؟ قال: سبحان الله! نعم، إن أول من سأل عن ذلك فلان بن فلان، قال: يا رسول الله، أرأيت أن لو وجد أحدنا امرأته على فاحشة، كيف يصنع؟ إن تكلم تكلم بأمر عظيم، وإن سكت سكت على مثل ذلك، قال: فسكت النبي صلى الله عليه وسلم فلم يجبه، فلما كان بعد ذلك أتاه، فقال: إن الذي سألتك عنه قد ابتليت به، فأنزل الله عز وجل هؤلاء الآيات في سورة النور: {والذين يرمون أزواجهم
…
} [النور: 6 - 9] فتلاهن عليه، ووعظه وذكره، وأخبره: أن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة، قال: لا، والذي بعثك بالحق ما كذبت عليها. ثم دعاها فوعظها وذكرها، وأخبرها أن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة. قالت: لا، والذي بعثك بالحق إنه لكاذب، فبدأ بالرجل، فشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين، والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين، ثم ثنى بالمرأة، فشهدت أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين، والخامسة أنّ غضَب الله عليها إن كان من الصادقين، ثم فرق بينهما (1).
قال المؤلف رحمه الله: (وإذا كانت حَامِلاً أو كانت قد وضَعتْ أَدخَل نفيَ الوَلدِ في أَيْمانِه)
إذا كانت زوجة الرجل الذي لاعنها حاملا؛ ينكر الولد الذي في بطنها، أو كانت قد وضعت الولد ويتهمها بالزنا وأن هذا الولد ليس ولده، قال المؤلف: يدخل الزوج نفي الولد في أيمانه، أي أنه يقول أيضاً الولد ليس ابني.
لكن هذا الذي ذكره المؤلف ليس عليه دليل صحيح، فالأدلة في الصحيحين تدل على خلاف ما ذكره رحمه الله، فحديث ابن عمر المتقدم ليس فيه الانتفاء من الولد، مع أن المرأة كانت حاملاً كما في بعض الروايات، ففي رواية:«وكانت حاملاً، فكان ابنها يُدعى إلى أمه، ثم جرت السُّنة أنه يرثها وترث منه ما فرض الله لها» (2) وفي رواية ابن عمر نفسه قال:
(1) أخرجه البخاري (5306)، ومسلم (1493).
(2)
أخرجه البخاري (4746)، ومسلم (1492) من حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه.
«ففرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما وألحق الولد بأمه» (1)، عندما سئل ابن عمر عن ذلك، قال: نعم، فهذا يرد على ما ذكره المصنف رحمه الله.
والرجل يجب أن ينتفي من الولد كما في رواية ابن عمر كي لا يُنسب إليه إذا كان يتهم المرأة بالزنا وأن الولد الذي في بطنها ليس له، فلا بد أن يعلن انتفاءه من الولد، وأما الإدخال في الأيمان فهذا الذي لا نعرف عليه دليلاً.
قال المؤلف رحمه الله: (ويفرِّق الحاكمُ بينهما، وتَحرُمُ عليه أبداً)
تفريق الحاكم بينهما ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم فرّق بين المتلاعنين، وقد تقدم في حديث ابن عمر، وأما أنها تحرم عليه أبداً؛ ففي رواية أبي داود في حديث سهل قال:«حضرت هذا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمضت السُّنة بعدُ في المتلاعنَيْن أن يفرَّق بينهما ثم لا يجتمعان أبدا» (2)
…
وفي الصحيحين: أنه طلقها ثلاثا قبل أن يأمره النبي صلى الله عليه وسلم، قال الزهري راوي الحديث:«فكانت تلك سنة المتلاعنين» (3). فلا ترجع إليه أبداً ولا يمكنه أن يتزوج بها مرة أخرى.
قال المؤلف رحمه الله: (ويُلحقُ الولدُ بأمَّهِ فقط، ومَن رَمَاهَا به فهو قاذِف)
يُلحق الولد بأمه فقط ولا يُنسب إلى أبيه، ففي البخاري من حديث سهل المتقدم قال:«وكان ابنها يُدعى إليها» (4)، وفي حديث ابن عمر:«وألحق الولد بأمه» (5).
ومن رماها به فهو قاذف، من رماها بالزنا أو قال: إن الولد ولد زنا فهو قاذف، والقاذف هو الذي يرمي آخر بالزنا، والقاذف عليه حد القذف إذا لم يأت ببينة: جلد ثمانين جلدة، لأن المرأة تدخل في ضمن المحصنات، فهي داخلة في عموم قول الله تبارك وتعالى (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) [سورة النور: 4] الشاهد أنه قال: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ) وهذه المرأة محصنة لأنه لم يثبت عليها الزنا فلذلك لا يجوز رميها به.
(1) أخرجه البخاري (6748)، ومسلم (1494).
(2)
«سنن أبي داود» (2250).
(3)
أخرجه البخاري (5259)، ومسلم (1492).
(4)
أخرجه البخاري (4746)، ومسلم (1492).
(5)
أخرجه البخاري (5315)، ومسلم (1492).