الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أن يرد على المصّدّق الجبران، وهو ما جاء تحديده في الحديث، إما شاتان أو عشرون درهماً وهذا جبر لفرق السن، إن أخرج الأكبر.
أما إن أخرج المصّدّق الأصغر سناً، كأن يخرج بنت مخاض وهي أصغر من بنت اللبون، فهنا يجب عليه أن يجبر النقص، فيخرج هذا المصدق شاتين أو عشرين درهماً، يدفعها لجامع الصدقة تعويضاً عن فرق السن، لإخراجه الأصغر.
والدرهم المقصود هنا، ما كانوا يتعاملون به وهو درهم الفضة، وأما الدينار فدينار الذهب.
وعند وزن الدرهم من الفضة وُجِدَ أنه يساوي غرامين وتسعمائة وخمساً وسبعين، أي ثلاثة غرامات إلا قليلاً،
فبناء على هذا فإن عشرين درهماً تساوي من الغرامات:
20× 2.975 = 60 غم تقريباً، ثم
60× سعر غرام الفضة اليوم = المبلغ بالأوراق النقدية في زمننا هذا.
وهو ما يعادل العشرين درهماً التي ستخرجها لتعوض فرق السن، وهذا إن أخرجت دراهم، أما إن أخرجت شاتين، فلا تحتاج لهذا الحساب، وهكذا يكون دفع الفارق تأخذه من جامع الصدقة أو تدفعه له.
قال المؤلف رحمه الله:
(باب زكاة الذهب والفضة)
قال: (هي - إذا حالَ على أحدهما الحولُ - رُبْعُ العُشْرِ)
بدأ المؤلف أول ما بدأ في مسألة زكاة الذهب والفضة بالقَدْرِ الواجب فيها، فقال هو ربع العشر.
زكاة الذهب والفضة مُجْمَعٌ عليها إذا بلغت النِّصابَ وحال عليها الحولُ (1)، فهي واجبة.
(1)«الإجماع» لابن المنذر (ص 46).
قال سبحانه وتعالى: {والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم * يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون} [التوبة: 34 - 35].
وجاء كذلك في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم «ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار فأحمي عليها في نار جهنم فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره كلما بردت أعيدت له في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين العباد فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار» (1).
وقيمة ما يُخرَج منها ربع العشر، وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم:«ليس عليك شيء» - يعني في الذهب - «حتى يكون لك عشرون ديناراً، فإذا كانت لك عشرون ديناراً وحال عليها الحول، ففيها نصف دينار، فما زاد فبحساب ذلك» (2).
فبيَّن بهذا الحديث نصاب الذهب، وأنه يجب أن يحول عليه الحول وبيَّن القيمة الواجبة فيها.
فالنصاب عشرون ديناراً.
وُزِن الدينار من الذهب فوجد أن وزنه أربعة غرامات وربع (25. 4 غم).
هذا الدينار الواحد الذي يزن (4.25) × 20 ديناراً الذي هو النصاب = 85 غم، وهذا أصل نصاب الذهب.
فإذا بلغ الذهب خمساً وثمانين غراماً، فقد بلغ النصاب، وإذا حال عليه الحول وجبت فيه الزكاة.
والقيمة الواجبة في هذه العشرين ديناراً من الذهب على ما في الحديث هي نصف دينار، وهذه تساوي ربع عشر العشرين ديناراً، فالواجب ربع العشر من قيمة الذهب الذي تملكه وحال عليه الحول.
(1) أخرجه مسلم (987) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
(2)
أخرجه أحمد في «مسنده» (711)، وأبو داود (1572)، والترمذي (620)، والنسائي (2477)، وابن ماجه (1790) عن علي رضي الله عنه.
قال المؤلف رحمه الله: (ونصاب الذهب عشرون ديناراً، ونصاب الفضة مائتا درهم)
ونصاب الذهب عشرون ديناراً للحديث الذي تقدم، وأما نصاب الفضة فمائتا درهم.
ووزن الدرهم فوجِدَ أنه يزن (2.975) غم
(2.975) غم × 200 درهم نصاب الفضة = 595 غم نصاب الفضة.
ودليله قوله صلى الله عليه وسلم: «قد عفوت لكم عن صدقة الخيل والرقيق، فهاتوا صدقة الرِّقة من كل أربعين درهماً درهماً، وليس في تسعين ومائة شيء، فإذا بلغت مائتين ففيها خمسة دراهم» (1).
وقوله: «قد عفوت لكم عن صدقة الخيل والرقيق» يدل على أن الخيل والرقيق لا زكاة فيهما إلا إذا اتُّخِذَت للتجارة.
و«الرقة» هي الفضة.
فهذا الحديث بين لنا نصاب الفضة والقدر الواجب فيها.
والقدر الواجب في الفضة هو نفسه القدر الواجب في الذهب، وهو ربع العشر، لأن عُشر المائتين عشرون درهماً، وربع العشرين خمسة دراهم، فربع عُشر المائتين خمسة دراهم.
وفي «صحيح البخاري» : «ليس فيما دون خمس أواق من الوَرِق صدقةٌ» (2).
«الوَرِق» : الفضة.
والأوقية: تساوي أربعين درهماً.
والخمس أواق: مائتا درهم.
فنصاب الفضة 200 درهم، وتساوي 595 غراماً، فهذا أصل نصاب الفضة.
والخلاصة، نحتاج إلى حفظ شيئين اثنين: نصاب الذهب 85 غم، ونصاب الفضة 595 غم.
(1) سبق تخريجه من حديث علي رضي الله عنه.
(2)
أخرجه البخاري (1405)، ومسلم (979) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
قال المؤلف: (ولا شيء فيما دون ذلك)
أي لا شيء فيما هو أقل من عشرين ديناراً من الذهب والذي يساوي 85 غم.
ولا شيء فيما هو أقل من مائتي درهم من الفضة والذي يساوي 595 غم.
قال: (ولا زكاة في غيرِهِما من الجَواهِرِ)
كالدُّرِّ والياقوتِ والماسِ واللؤلؤ، ونحوها، فلا زكاة فيها، لعدم ورود دليل يدل على وجوب الزكاة فيها، والبراءة الأصلية مستصحبة، فالأصل عدم الزكاة إلا فيما ثبت به الدليل.
مسألة: وأما الحلي من الذهب والفضة، فاختلف أهل العلم فيه والصحيح أن فيه زكاة لأمرين:
الأول: دخوله في عموم الأدلة التي توجب الزكاة في الذهب والفضة، ولم يخرجه شيء، فإن الله لما قال:{والذين يكنزون الذهب والفضة .. } لم يخرج هذا الحلي من هذه الآية.
ثانياً: حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، أن امرأة أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعها ابنة لها، وفي يد ابنتها مَسَكَتان غليظتان من ذهب، فقال:«أتؤدّين زكاة هذا؟ » قالت: لا، قال:«أيسُرُّك أن يسوّرك الله سوارين من نار؟ » فخلعتهما وألقتهما إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
والمَسَكَتان: سواران غليظان.
أخرجه أحمد وأبو داود وغيرهما وهو صحيح (1).
رواه ثلاثة عن عمرو بن شعيب، وله شواهد.
فهذا دليل على وجوب زكاة الحلي.
ولا يصحّ حديث في نفي الزكاة عن الحلي، ورويت أحاديث في نفيه، لكنّها ضعيفة.
مسألة: الأوراق النقدية التي بين أيدينا اليوم، فإنهم كانوا يتعاملون فيما مضى بالذهب والفضة، ولا وجود لها اليوم إلا ما ندر، وإنما يتعاملون بالأوراق النقدية، فهل في هذه الأوراق النقدية زكاة؟
(1) أخرجه أحمد (6667)، وأبو داود (1563)، والترمذي (637).
في هذه الأوراق النقدية زكاة أيضاً، لأنها أموال الناس اليوم، وقد قال الله تبارك وتعالى {خذ من أموالهم صدقة} ، وقال صلى الله عليه وسلم لمعاذ:«أعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم» (1).
والأوراق النقدية اليوم هي أثمان الأشياء وهي أموالنا، فلو أبطلنا الزكاة فيها، لبطلت الزكاة والحكمة التي من أجلها شرع الله الزكاة، ولبقي الفقير فقيراً والغني ازداد غناً على غناه.
مسألة: كم نصاب الأوراق النقدية.
اختلف أهل العلم في نصابها، هل هو نصاب الذهب أم نصاب الفضة، أم يؤخذ بأعلى النصابين، أم يؤخذ بأدناهما؟
أما الذين قالوا يؤخذ بنصاب الفضة، فقالوا هو أرفق بالفقير، وأنفع له، فنعتبر مصلحة الفقير.
وأما الذين قالوا بأدنى النصابين، فنظروا أيضاً إلى ما هو أنفع للفقير، فاجتماع الأدنى عند الغني يوجب عليه الزكاة، بخلاف لو أخذوا بالأعلى، فإنها لن تجب الزكاة إلا عند من اجتمع عنده النصاب الأعلى، لذا قالوا هو الأنفع للفقير.
وبناء على أن الأوراق النقدية غير مغطاة بالذهب والفضة.
وأما الذين قالوا يؤخذ بنصاب الذهب، فقالوا هو الأصل في التعامل، وهو غطاء النقود، وهو أساس تقدير الدِّياتِ.
والذي يترجّح عندي أنه نصاب الذهب، لأن الأصل براءة الذمّة، ولا نستطيع أن نحكم بالإيجاب فيما هو أدنى، ولكن ما هو أعلى اسْتَيْقَنَّا أن فيه زكاة، فتبقى براءة الذمّة مُسْتَصْحَبَةً حتى يأتي دليل واضح، فلا نحمل الأمور على ما هو مشكوك فيه، بل على ما استيقنّا منه، فإنه أولى.
ثم إن قيمة الذهب ثابتة، وهو أصل في التعامل، لذلك رجّحنا هذا القول. والله أعلم.
(1) سبق تخريجه من حديث معاذ بن جبل الطويل في قصة إرساله رضي الله عنه إلى اليمن
وعلى كل، فالأوراق النقدية وأحكامها سواء كانت في الربا أو كانت في الزكاة، فيها بحث طيب نفيس لهيئة كبار العلماء في كتاب أبحاث هيئة كبار العلماء، بحثوا هذا الأمر وذكروا أقوال أهل العلم فيه، وناقشوه نقاشاً طويلاً، حتى وصلوا فيه إلى أن الأوراق النقدية يدخلها الربا وفيها الزكاة كذلك، وهو الصحيح إن شاء الله.
وغالباً تكون الأبحاث الجماعية أدق وأقوى، وإن كان لا يلزم لهم أن يرجّحوا الصواب دائماً، لأن الحجة في الإجماع لا في الكثرة.
ثم إن هذه الأبحاث قامت بعد استشارة خبراء في الأموال والأوراق، ثم نظروا في الأدلة الشرعية، ثم استخرجوا الأحكام منها.
قال المؤلف رحمه الله: (وأموال التجارة)
أي ولا زكاة في أموال التجارة - فهي معطوفة على التي قبلها: «ولا زكاة في غيرهما من الجواهر» -، فقال، لا زكاة في أموال التجارة، وهذا ما ذهب إليه المؤلف تبعاً لبعض أهل الظاهر، لكن بعض العلماء قد نقلوا الاتفاق على أن أموال التجارة فيها زكاة، إلا أن هذا الإجماع فيه خلاف.
والصحيح عندنا أن عروض التجارة فيها زكاة.
والعُرُوض: جمع عَرَض أو عَرْض بفتح الراء أو بإسكانها.
وسميت عروض تجارة، لأنها تعرض وقتاً ثم تزول.
وهي كل ما أُعِدّ للبيع والشراء لأجل الربح.
وأخذ الزكاة منها واجب - خلافاً للمؤلف -، لأنها داخلة تحت عموم قوله تعالى {خذ من أموالهم صدقة} ، وعروض التجارة أموال، وهي أغلب أموال التجار.
واستَدَلّ البخاري بحديث: «أما خالد فقد احتبس أدراعه وأعتُده في سبيل الله» (1) وهو عندي أصح دليل في هذه المسألة.
ووجه الدلالة في هذا الحديث، أن جامعي الزكاة جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فشكوا إليه أن خالداً لم يدفع زكاة ماله، ومال خالد هو عتاد وأدرع غنمها في الحرب.
(1) أخرجه البخاري (1468)، ومسلم (983) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
ومما عرفناه أن الحديد لا زكاة فيه، فبأي وجه تؤخذ الزكاة من خالد على أدرعه وعتاده التي هي حديد؟
لا وجه لذلك إلا أن يكون جامعي الزكاة قد ظنوا أنها قد أعدت للتجارة، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم:«أما خالد فقد احتبس أدراعه وأعتُده في سبيل الله»
لذا استدلّ البخاري رحمه الله على أن في عروض التجارة زكاة.
ويشترط لوجوب الزكاة في عروض التجارة شروط:
1.
أن تبلغ النصاب.
2.
أن يحول عليها الحول.
3.
أن يملك العروض بفعله كشراء العروض، فتدخل في ملكه باختياره.
أما ما ورثه من أموال فليست من عروض التجارة، لأنها دخلت في ملكه من غير فعله، فبمجرد أن مات المورّث انتقلت إلى ملكه.
1.
أن يملكها بنية التجارة، فلو ملكها بنية الاقتناء فلا زكاة فيها، وكذا لو ملكها بنية الاقتناء أو بإرث ثم طرأت عليه نية التجارة فلا زكاة فيها، لأن الأصل القنية والتجارة عارض، فلا يصار إليها بمجرد النية.
وإن اشترى عَرَضاً للتجارة، فنوى الاقتناء، صار للقنية، وسقطت الزكاة فيه، لأنه اتخذه ليقتنيه ولم يعد يريد بيعه، فتحوّل من عرض للتجارة إلى شيء مقتنى.
فإذا بلغت عروض التجارة النصاب - ونصابها كنصاب الأوراق النقدية - وحال عليها الحول، قوّمه - أي قدَّرَ ثمنه - آخر الحول بقيمته وقت التقويم، وأخرج ربع عشر قيمته.
فلو كان عند تاجر بضاعة بلغت النصاب وحال عليها الحول، يبدأ بتقويم بضاعته في ذلك الوقت، ولا عبرة بقيمتها حين اشتراها، بل المهم هو قيمتها حين حال عليها الحول، فيقوّمها ثم يخرج ربع عشر قيمتها الحالية.
مسألة: هل يخرج زكاة عروض التجارة بضاعة أم مالاً؟