الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فيجوز أكل الخيل. والله أعلم
بابُ الصَّيدِ
قال رحمه الله: (ما صِيدَ بالسِّلاحِ الجارِحِ والجَوارحِ كانَ حَلالاً إذا ذُكرَ اسمُ اللهِ عليه، وما صِيدَ بغيرِ ذلك فلا بدّ مِن التَّذكِية)
جواز الصيد أمرٌ متفق عليه لا خلاف فيه، دلت أدلة كثيرة على جوازه في الكتاب والسنة، وسيأتي بعضها.
ما صيد: من الصيد.
بالسلاح الجارح؛ كالسهم والرمح والمسدس والبندقية النارية.
عندهم قديماً بندقية لكن ليست هي الموجودة اليوم، البندقية التي كانت عندهم عبارة عن طين مجفف يابس يُضرب به الحيوان، هذه لا يجوز أكل الصيد الذي يُصاد بها إذا لم يدرك قبل موته ويذكى، أما البندقية النارية الموجودة اليوم فهذه يجوز أكل الصيد الذي يصاد بها، وما شابه ذلك من أنواع الأسلحة مما يَخزُق الصيد أي ينفذ فيه ويجرحه، هذا ضابطه، السلاح إذا كان يخزق الصيد ينفذ فيه فهذا يجوز الصيد به، إذا ذُكر اسم الله عليه يعتبر صيداً حلالاً.
وكذلك ما صيد بالجوارح، والمقصود بالجوارح: الحيوانات التي يُصطاد بها كالكلاب والفهود والصقور وما شابه، سميت جوارح من الجَرْح وهو الكسب؛ لأنها تجرح لأهلها أي تكسب لأهلها كسباً.
والدليل على أن آلة الصيد لا بد أن تخزق، حديث عدي بن حاتم قال: قلت: يا رسول الله: إنا نرسل الكلاب المعلمة؟ - الكلب المعلم هو المدرب على الصيد، وليس المقصود به الكلب المعروف فقط، بل الجوارح التي تصلح للصيد، الكلاب الجارحة؛ كالفهد والأسد وغيرها إذا كانت تستعمل للصيد هذه تسمى كلاباً، والمعلمة يعني المدربة التي إذا أرسلتها للصيد انطلقت وإذا دعوتها أقبلت - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«كُلْ ما أمسكن عليك» قلت: وإن قتلن؟ قال: «وإن قتلن» قلت: وإنا نرمي بالمِعراض. قال: «كل ما خزق، وما أصاب بعَرضه فلا تأكل» (1) متفق عليه.
الشاهد هنا في آخره قوله: وإنا نرمي بالمعراض؟ قال: «كل ما خزق وما أصاب بعرضه فلا تأكل» المعراض سهمٌ يرمى به بلا ريش، ليس له ريش، فيمضي أحياناً بالعرض ولا
(1) أخرجه البخاري (5477)، ومسلم (1929).
يصيب برأسه لكن يصيب بالعرض، فقال له:«كل ما خزق» يعني ما نفذ في الصيد، «وما أصاب بعرضه» لم يدخل في الصيد بل ضربه ضرباً بالعرض فلا تأكل.
يعني إذا ضربه ومات من أثر الضربة لا تأكله؛ لأنه لم ينفذ في الصيد، فهذا دليل على حل الصيد إذا حصل الخزق، وعدم حله إذا لم يحصل.
ما صيد بغير هاتين الطريقتين فلا يحل حتى يُدرَك الصيد ويذبح.
الطريقة الأولى طريقة الآلات التي تخزق، والطريقة الثانية طريقة الكلاب المعلمة.
وأما الدليل على وجوب التسمية؛ فحديث أبي ثعلبة الخشني في الصحيحين نذكره تاماً حتى لا
نعيده مرة أخرى تاماً، قال: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّا بِأَرْضِ قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ نَأْكُلُ فِي آنِيَتِهِمْ، وَأَرْضِ صَيْدٍ أَصِيدُ بِقَوْسِي وَأَصِيدُ بِكَلْبِي الْمُعَلَّمِ، أَوْ بِكَلْبِي الَّذِي لَيْسَ بِمُعَلَّمٍ، فَأَخْبِرْنِي مَا الَّذِي يَحِلُّ لَنَا مِنْ ذَلِكَ؟ قَالَ:«أَمَّا مَا ذَكَرْتَ أَنَّكُمْ بِأَرْضِ قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ تَأْكُلُونَ فِي آنِيَتِهِمْ، فَإِنْ وَجَدْتُمْ غَيْرَ آنِيَتِهِمْ، فَلَا تَأْكُلُوا فِيهَا، وَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَاغْسِلُوهَا، ثُمَّ كُلُوا فِيهَا، وَأَمَّا مَا ذَكَرْتَ أَنَّكَ بِأَرْضِ صَيْدٍ، فَمَا أَصَبْتَ بِقَوْسِكَ، فَذَكَرْتَ اسْمَ اللهِ فَكُلْ، وَمَا صِدْتَ بِكَلْبِكَ الْمُعَلَّمِ، فَذَكَرْتَ اسْمَ اللهِ فَكُلْ، وَمَا صِدْتَ بِكَلْبِكَ غَيْرَ الْمُعَلَّمٍ، فَأَدْرَكْتَ ذَكَاتَهُ، فَكُلْ» .
فالكلب المُعلَّم هو الذي يجوز أن تأكل مما يصطاده إذا ذكرت اسم الله عليه، عند إرساله تذكر اسم الله عليه.
وأما الكلب غير المُعلَّم الذي لم يدرب على الصيد فهذا قال له: تأكل إذا أدركت ذكاته، يعني إذا قتله هو من غير أن تدرك ذكاته فلا تأكله؛ لأنه ليس كلباً معلماً، إنما الكلب المعلم فقط هو الذي يحل صيده إذا قتل، هذا بعد أن تذكر اسم الله عليه.
وفي حديث عدي بن حاتم المتفق عليه «إِذَا أَرْسَلْتَ كِلَابَكَ المُعَلَّمَةَ، وَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ، فَكُلْ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكَ، إِلَّا أَنْ يَأْكُلَ الكَلْبُ فَلَا تَأْكُلْ، فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَكُونَ إِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ، وَإِنْ خَالَطَهَا كَلْبٌ مِنْ غَيْرِهَا فَلَا تَأْكُلْ» .
التفصيل الآخر سيأتي إن شاء الله ذكره، لكن شاهدنا هنا قوله:«إِذَا أَرْسَلْتَ كِلَابَكَ المُعَلَّمَةَ، وَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ، فَكُلْ» .
هذا مفهومه أنك إذا لم تذكر اسم الله فلا تأكل منه.
فهذه الأحاديث تدل على وجوب ذكر اسم الله على الصيد.
والصحيح في التسمية على الصيد وعلى الذبيحة؛ إذا تركتها سهواً حلَّت الذبيحة والصيد، وإذا تركتها عمداً لم تحل. والله أعلم
ثم قال المؤلف رحمه الله: (وإذا شاركَ الكلبَ المُعلَّمَ كلبٌ آخرُ لم يَحِلَّ صيدُهُما)
لا يحل لا صيد الكلب المعلم ولا الكلب الآخر؛ لحديث عدي بن حاتم المتقدم، فيه:«وإن خالطها كلبٌ من غيرها فلا تأكل» ؛ لأنه لا يدري الذي قتل الصيد كلبه الذي سمى عليه، أم غيره من الكلاب؟
هنا ترد عندنا صورتان: الصورة الأولى أن يخالط الكلب أوكلابه المعلمة التي ذكر اسم الله عليها كلاباً أخرى معلمة مذكور عليها اسم الله أيضاً، ويُعرف هذا من حال الصائد، فإذا خالطها هذا النوع جاز له أن يأكل؛ لأنه لا فرق بين أن تقتلها كلابه أو الكلاب الأخرى؛ فكلها كلاب صيد ومذكور عليها اسم الله.
الصورة الثانية: أن تخالطها كلاب أخرى لم يُذكر عليها اسم الله أو ليست معلمة، فلا يجوز أكل صيدها للاشتباه بين ما حل صيده وما حرُم.
ثم قال المؤلف رحمه الله: (وإذا أكلَ الكلبُ المُعَلَّمُ ونَحْوُهُ مِن الصَّيدِ لم يَحِلَّ؛ فإنِّما أَمسكَ على نفسِهِ)
إذا أمسك الكلبُ المعلمُ وأكل من الفريسةِ؛ فلا يجوز أن يأكل صاحبُ الكلبِ لأنه أمسك الفريسة لنفسه لا لصاحبه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتقدم: «فكل مما أمسك عليك إلا أن يأكل الكلب فلا تأكل؛ فإني أخاف أن يكون أمسك على نفسه» .
ثم قال المؤلف رحمه الله: (وإذا وُجِدَ الصيدُ بعدَ وقوعِ الرَّميَّةِ فيهِ مَيِّتاً ولو بعدَ أيامٍ في غيرِ ماءٍ؛ كانَ حلالاً ما لم يُنتِنْ أو يَعلمْ أن الذي قَتَلهُ غيرَ سهمِهِ)
الرمية هي المرمية أي السهم ونحوه، يعني إذا رمى عليه سهماً مثلاً ووقع السهم في الصيد ثم مات الصيد، لكنه لم يجده إلا بعد يوم أو يومين أو ثلاث، ولم يجده غارقاً في ماءٍ- لأنه إذا وجده غارقاً في ماء يحتمل أن يكون موته بسبب الغرق وليس بسبب السهم- فوجده في مكانٍ جاف ليس في ماءٍ؛ كان حلالاً فله أن يأكله.
هذا إذا لم يجد فيه إلا سهمه، ولم يجد فيه أثراً لشيءٍ آخر قتله.
مالم ينتن يعني مالم يتغير بسبب الموت، أو يَعلم أن الذي قتله غير سهمه، إذا علم ذلك فلا يجوز له أكله، لكن إذا غلب على ظنه من خلال ما يرى من القرائن أن سهمه الذي قتله فيجوز له أكله.
دليل هذا الذي ذكره المؤلف حديث أبي ثعلبة المتقدم وفيه: «إذا رميت بسهمك فغاب عنك فأدركْتَه فكله ما لم يُنتِن» أخرجه مسلم بهذا اللفظ.
وفي رواية عنده في الذي يدرك صيده بعد ثلاثٍ قال: «فكُلْه ما لم يُنتِن» .
وفي رواية في حديث عدي ابن حاتم: «إذا أرسلت كلبك وسميت فأمسك وقتل فكل، وإن أكل فلا تأكل فإنما أمسك على نفسه، وإذا خالط كلاباً لم يُذكر اسم الله عليها فأمسكن وقتلن فلا تأكل؛ فإنك لا تدري أيها قتل، وإن رميت الصيد فوجدته بعد يوم أو يومين ليس به إلا أثر سهمك فكل، وإن وقع في الماء فلا تأكل» .