الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
«الدُّرَرُ البَهيَّة» للشوكاني
الدُّرر، جمع درة، وهي: اللؤلؤة العظيمة الكبيرة.
البهية: الحسنة الجميلة.
قال المؤلف رحمه الله: (بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ)
ابتدأ المؤلف بالبسملة، اقتداء بكتاب الله تبارك وتعالى، وبسنة النبي صلى الله عليه وسلم فإنه عليه الصلاة والسلام كان يقتصر عليها في مراسلاته من دون الحمد، كما في كتابه لهرقل عظيم الروم (1).
وأما في خطبه صلى الله عليه وسلم فكان يبدأ بالحمد (2).
ومعنى البسملة هنا: أكتب مستعيناً بالله ذي الرحمة.
ثم قال رحمه الله: (أحمدُ مَنْ أمَرَنا بالتَّفَقُّه في الدين)
الذي أمرنا بالتفقه في الدين هو الله تبارك وتعالى، فقال سبحانه {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة: 122].
وقال صلى الله عليه وسلم: «طلبُ العلمِ فريضةٌ على كل مسلمٍ» (3)
وقول النبي صلى الله عليه وسلم وحي من الله، فأمره أمر من الله؛ لأن الله تبارك وتعالى يقول:{وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى} .
والفقه في الدين يشمل علم العقيدة، وعلم الفقه، وعلم الأخلاق والآداب.
يحمدُ المؤلفُ اللهَ تبارك وتعالى، وقد عدل عن قوله (أحمدُ الله تبارك وتعالى إلى قوله:(أحمدُ من أمرنا بالتفقه في الدين) مع حمده لله في بداية تأليفه، إشارة منه رحمه الله إلى
(1) أخرجه البخاري (2941) عن أبي سفيان بن حرب رضي الله عنه.
(2)
أخرجه البخاري (86) و (467) و (923)، ومسلم (901) و (905) و (1017) عن جمع من الصحابة.
(3)
أخرجه ابن ماجه (224) عن أنس رضي الله عنه، وروي عن جمع من الصحابة، أفضلها حديث أنس رضي الله عنه.
قال الإمام أحمد: «لا يثبت عندنا فيه شيء» «المنتخب من علل الخلال» (62)
وقال البيهقي: «متنه مشهور، وأسانيده ضعيفة، لا أعرف له إسناداً يثبت بمثله الحديث» . المدخل إلى السنن الكبرى (325).
وانظر: «المقاصد الحسنة» (660) للسخاوي.
موضوع الكتاب، وهو ما يسمى عند العلماء «براعة الاستهلال» ، وهي أن يقدِّم المصنفُ في ديباجة كتابه - أي في فاتحة كتابه - جملة من الألفاظ يشير بها إلى موضوع كتابه.
و«الحمد» الثناء على المحمود بجميل صفاته وأفعاله مع المحبة والتعظيم، ويكون هذا الثناء بالقلب واللسان.
ثم قال رحمه الله: (وأشكرُ من أرْشَدَنا إلى اتباعِ سُنَن سيدِ المرسلين)
هذا شكر من المؤلف رحمه الله لله تبارك وتعالى، فإنه هو من وضح وبيّن لنا طريق النبي صلى الله عليه وسلم وأمرنا باتباعه.
ولعل المؤلف يشير بذلك إلى أن كتابه الفقهي هذا سيكون مبنيا على الكتاب والسنة، فإنه لم يذكر فيه من المسائل الفقهية إلا التي صحّ دليلها عنده أو أجمع عليها العلماء، وترك من المسائل ما استنبطه العلماء استنباطاً، أي المسائل الاجتهادية.
فقد حاول رحمه الله أن يسير على طريقة أهل الحديث في الفقه، التي تقدم الكتاب والسنة على كل شيء مع اعتبارهم للمعاني.
وهذه مدرسة من مدارس الفقه، وهي أول مدرسة وأكثر مدرسة تعظم الكتاب والسنة بطريقة صحيحة، وذلك لأنهم أخذوا هذه الطريقة عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
ومن المدارس الفقهية أيضا، مدرسة أهل الرأي، وهذه تعتمد على الرأي كثيراً في بناء فقهها، بل يصل الحال بالبعض إلى تقديم الرأي على النقل، أي على الكتاب والسنة، ومن هنا جاء ذم السلف للرأي.
وتعجبني كلمة قالها الإمام الأوزاعي رحمه الله في بعض أهل الرأي، قال: «ما نقمنا على فلان أنه يرى، كلنا يرى - يشير إلى أن القياس واستعمال الرأي في حال الضرورة كلنا نحتاج إليه، لكن هذا عند الضرورة، عندما لا يوجد في المسألة كتاب ولا سنة ولا إجماع - قال: ولكنا نقمنا عليه أنه يجيئه الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم فيخالفه إلى غيره. انتهى
هنا جاء الإنكار، فمصيبة أن تترك الكتاب والسنة، وتقدم رأيك، هذا ضلال وأيما ضلال، أن تلويَ أعناق النصوص كي تتماشى مع رأيك، وعقلك، كما يفعل كثير من أهل الأهواء اليوم.
هذه مدرسة ثانية، تسمى عند الفقهاء: مدرسة أهل الرأي، من أئمتها أبو حنيفة وتلاميذه.
وأما مدرسة أهل الحديث فمن أئمتها: صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأئمة التابعين كفقهاء المدينة السبعة، والحسن البصري، ومحمد بن سيرين، وغيرهم.
وكذلك فقهاء بلادهم في أزمانهم كالأوزاعي في الشام، ومالك في المدينة، والليث في مصر، وعبد الله بن المبارك في خراسان، والثوري في الكوفة، وابن عيينة في مكة، ومنهم الأئمة الثلاثة مالك والشافعي وأحمد، كل هؤلاء من أئمة أهل الحديث، كانوا يعظّمون الكتاب والسنة، ويقدمونهما، ولا يستعملون القياس إلا عند الضرورة، حين لا يوجد كتاب ولا سنة في المسألة.
و«الشكر» : ظهور أثر النعمة على اللسان والقلب والجوارح، بأن يكون اللسان مُقِرّاً بالمعروف مثنياً به، ويكون القلب معترفاً بالنعمة، وتكون الجوارح مسْتَعْمِلَةً النعمةَ فيما يرضاه المشكور.
والشكر لله يكون بذلك كله، فلا بد من صرف النعمة التي أنعم الله بها عليك في طاعته كي تكون شاكراً.
قال تعالى {اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ: 13].
وقال المغيرة بن شعبة: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تورّمت قدماه، فقيل له: غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، قال «أفلا أكون عبداً شكوراً» (1).
فالشكر يكون بالعمل كما يكون باللسان والقلب، وأما الحمد فلا يكون بالعمل، فالشكر أعم من هذا الوجه.
والحمد يكون من غير سبق إحسان من المحمود، أو مع الإحسان، وأما الشكر فلا يكون إلا على الإحسان، فالحمد أعم من هذا الوجه.
ثم قال المؤلف رحمه الله: (وأُصلّي وأُسلِّم على الرسولِ الأمينِ وآله الطّاهرين وأصحابه الأكرمين)
(وأصلي وأسلم) أي أسأل الله أن يصلي ويسلم على سيدنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم.
(1) أخرجه البخاري (1130)، ومسلم (2819) عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه.