المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

بالتتابع فتبقى على إطلاقها ولا نقيدها بشيء من عندنا نحن، - فضل رب البرية في شرح الدرر البهية

[علي الرملي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة الشارح

- ‌تعريف الفقه

- ‌‌‌الفقه لغةً‌‌واصطلاحاً:

- ‌الفقه لغةً

- ‌واصطلاحاً:

- ‌فالفقه في الشرع:

- ‌وأما الفقه عند الأصوليين:

- ‌وأما الفقه عند الفقهاء

- ‌ترجمة الشوكاني

- ‌«الدُّرَرُ البَهيَّة» للشوكاني

- ‌كتاب الطهارة

- ‌ باب حكم المياه

- ‌(الماءُ طاهرٌ مُطَهِّرٌ)

- ‌(فصل باب النجاسات)

- ‌(بابُ قضاءِ الحاجةِ)

- ‌(بابُ الوضوءِ)

- ‌(فصل: ويستحبُّ التثليثُ)

- ‌(فصلٌ: وينتقضُ الوضوءُ بما خرجَ من الفَرْجَيْنِ من عَيْنٍ أو ريحٍ)

- ‌(بابُ الغُسْلِ)

- ‌(فصلٌ: والغُسْل الواجب هو: أن يُفيضَ الماءَ على جميع بَدَنِهِ، أو يَنْغَمِس فيه مع المضمضةِ والاستنشاقِ)

- ‌(فصلٌ: ويُشْرَعُ لصَلاةِ الجُمُعة)

- ‌(باب التَّيَمُّمِ)

- ‌(بابُ الحَيْضِ)

- ‌(فصل: والنِّفاسُ أكثرُهُ أربعونَ يوماً، ولا حدَّ لأقلّه وهو كالحيضِ)

- ‌كتابُ الصلاةِ

- ‌(باب الأذان)

- ‌(بابُ شروطِ الصلاةِ)

- ‌(بابُ كيفيةِ الصلاةِ، لا تكونُ شرعيةً إلا بالنيَّةِ)

- ‌(باب متى تبطل الصلاة؟ وعمّن تسقط

- ‌(فصل: وتبطل الصلاة بالكلام)

- ‌(فصل: ولا تجبُ على غَيْرِ مُكَلَّفٍ)

- ‌(بابُ صلاة التَّطَوُّعِ)

- ‌(باب صلاة الجماعة)

- ‌(باب سجودِ السهوِ، وهو سجدتانِ قبل التسليمِ أو بعدهُ، وبإحرامٍ، وتشهدٍ، وتحليلٍ)

- ‌(بابُ القضاءِ للفوائتِ)

- ‌(بابُ صلاةِ الجمعةِ، تَجِبُ على كُلِّ مُكَلَّفٍ إلا المرأةَ والعبدَ والمسافرَ والمريضَ)

- ‌(بابُ صلاةِ العيدينِ)

- ‌(بابُ صلاةِ الخوفِ)

- ‌(باب صلاةِ السَّفَرِ، يَجِبُ القَصْرُ)

- ‌(باب صلاة الكسوفين)

- ‌(باب صلاة الاستسقاء)

- ‌كتاب الجنائز

- ‌(فصلٌ: غسل الميت)

- ‌(فصلٌ: تكفينُ الميت)

- ‌ فصل صلاة الجنازة

- ‌(فصل: ويكون المشي بالجِنازةِ سريعاً)

- ‌(فصلٌ: دَفْنُ الميت، ويجبُ دفن الميتِ في حفرة تَمْنَعُهُ السِّباعَ)

- ‌كتاب الزكاة

- ‌(باب زكاةِ الحيوانِ)

- ‌(فصل: إذا بلغت الإبلُ خمساً، ففيها شاةٌ، ثم في كلِّ خمسٍ شاةٌ، فإذا بلغت خمساً وعشرين، ففيها ابنة مَخاضٍ، أو ابن لبونٍ، وفي ستٍّ وثلاثين ابنة لبون، وفي ستٍّ وأربعين حِقّة، وفي إحدى وستين جَذَعة، وفي ستٍّ وسبعين بنتا لبون، وفي إحدى وتسعين حِقّتان إلى

- ‌أولاً: الزكاة واجبة في هذه الحيوانات بثلاثة شروط

- ‌ثانياً: كم المقدار الذي يجب أن يخرج إذا بلغت الإبل النصاب

- ‌(فصلٌ: ولا شيء فيما دُونَ الفريضةِ، ولا في الأوْقاصِ)

- ‌(باب زكاة الذهب والفضة)

- ‌(باب زكاة النبات)

- ‌(باب مصارف الزكاة)

- ‌(باب صدقة الفطر)

- ‌كتاب الخُمُس

- ‌كتاب الصيام

- ‌(باب صوم التطوع)

- ‌(باب الاعتكاف)

- ‌كتاب الحج

- ‌شروط الحج:

- ‌(فصل: ولا يَلْبَسُ المُحْرِمُ القميصَ، ولا العمامة، ولا البُرْنُسَ، ولا السراويل، ولا ثوباً مَسّه وَرْس، ولا زعفران، ولا الخُفَّين إلا أنْ لا يجد نعلين، فليقطعهما حتى يكونا أسفل من الكعبين)

- ‌(فصلٌ: وعند قدوم الحاجّ مكة، يطوف للقدوم سبعة أشواط، يَرمُلُ في الثلاثة الأولى، ويمشي فيما بقي، ويُقَبِّل الحجر الأسود أو يستلمه بِمِحْجَنٍ ويُقَبِّل المحجن ونحوه، ويستلم الركن اليماني)

- ‌(فصل: ويسْعى بين الصفا والمروة سبعة أشواط داعياً بالمأثور)

- ‌(فصل: ثم يأتي عرفة صُبح يوم عرفة مُلبياً مُكبراً ويَجمع العصرين فيها، ويخطُب، ثم يُفيض من عرفة بعد الغروب)

- ‌(باب العمرة المفردة)

- ‌كِتابُ النِّكاحِ

- ‌حكم النكاح:

- ‌مسألة:

- ‌بابُ المُحرَّماتِ في النِّكاحِ

- ‌(بابُ العُيُوبِ وَأَنْكِحَةِ الكُفَّارِ)

- ‌بابُ المَهرِ والعِشرَةِ

- ‌كتابُ الطَّلاقِ

- ‌باب الخلع

- ‌باب الإيلاء

- ‌باب الظهار

- ‌بابُ اللِّعَانِ

- ‌بابُ العِدَّةِ والإحدِادِ

- ‌باب استِبْرَاءِ الإِمَاءِ

- ‌بابُ النَّفقةِ

- ‌بابُ الرَّضَاعِ

- ‌بابُ الحَضَانَةِ

- ‌كتابُ البيوعِ

- ‌ باب الربا

- ‌(باب الخِيارَات)

- ‌باب السَّلَم

- ‌باب القَرْض

- ‌باب الشُّفْعة

- ‌باب الإِجارة

- ‌بابُ الإحيَاءِ والإِقْطَاعِ

- ‌بابُ الشَّرِكة

- ‌بابُ الرَّهْنِ

- ‌بابُ الوَدِيْعَةِ والعَارِيَّة

- ‌بابُ الغَصْبِ

- ‌بابُ العِتْقِ

- ‌بابُ الوقْفِ

- ‌بابُ الهَدَايا

- ‌بابُ الهِبات

- ‌كتاب الأَيمَان

- ‌كتابُ النَّذرِ

- ‌كتاب الأطعِمَة

- ‌بابُ الصَّيدِ

- ‌بابُ الذَّبحِ

- ‌بابُ الضِّيافَةِ

- ‌بابُ آدابِ الأكلِ

- ‌كتابُ الأشرِبةِ

- ‌كتابُ اللِّباسِ

- ‌كتابُ الأُضحِيةِ

- ‌بابُ الوَلِيمةِ

- ‌فصلٌ

- ‌كتابُ الطِّبِّ

- ‌كتابُ الوَكالةِ

- ‌كتابُ الضَّمَانَةِ

- ‌كِتابُ الصُّلحِ

- ‌كتابُ الحَوَالةِ

- ‌كتابُ المُفلسِ

- ‌كتابُ اللُّقطةِ

- ‌كتابُ القَضاءِ

- ‌كِتابُ الخُصُومُةِ

- ‌كِتابُ الحُدُودِ

- ‌بَابُ حَدِّ الزَّانِي

- ‌بابُ حَدِّ السَّرقةِ

- ‌بابُ حَدِّ القَذفِ

- ‌بَابُ حَدِّ الشُّرْبِ

- ‌فَصلٌ

- ‌بَابُ حَدِّ المُحَاربِ

- ‌بابُ مَنْ يَستحقُّ القَتلَ حَدّاً

- ‌كِتابُ القِصاصِ

- ‌كتابُ الدِّياتِ

- ‌بَابُ القَسَامَةِ

- ‌كتابُ الوَصِيَّةِ

- ‌كِتابُ المَوَاريثِ

- ‌كتابُ الجِهادِ والسِّيَرِ

- ‌فَصلٌ

- ‌فصلٌ

- ‌فَصلٌ

- ‌فَصلٌ

الفصل: بالتتابع فتبقى على إطلاقها ولا نقيدها بشيء من عندنا نحن،

بالتتابع فتبقى على إطلاقها ولا نقيدها بشيء من عندنا نحن، فيجوز أن تصومها متتابعة أو متفرقة. هذا هو الصحيح إن شاء الله. والله أعلم.

‌كتابُ النَّذرِ

أصل النذر: الإنذار، بمعنى التخويف والإيجاب، هذا أصله اللغوي.

وأما شرعاً: فإيجاب ما ليس بواجبٍ لحدوث أمرٍ.

هذا قول في تعريفه، والقول الثاني أدق: إلزام المكلف نفسه عبادة لم تكن لازمة بأصل الشرع.

مثلاً صيام الإثنين والخميس، يستحب صيامهما؛ لكن إذا نذر الشخص أن يصومهما يكون بذلك قد ألزم نفسه بعبادة هي في الأصل لم تكن واجبة عليه، ولكنه أوجبها على نفسه.

هذا معنى النذر.

قال المؤلف رحمه الله: (إنَّما يصِحُّ إذا ابتُغِيَ به وَجهُ اللهِ، فلا بُدَّ أن يكونَ قُربةً. ولا نَذرَ في مَعصيةِ اللهِ)

النذر يصح إذا كان قربة لله تبارك وتعالى؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا نذر إلا فيما ابتُغي به وجه الله» (1) فإذا كان النذر قربة لله تبارك وتعالى فهو صحيح، وإذا لم يكن قربة فلا يكون صحيحاً؛

للحديث المتقدم، وقال صلى الله عليه وسلم كما جاء في الصحيح-:«من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصيه فلا يعصه» (2).

في هذا أمر بالوفاء بنذر الطاعة، ونهي عن نذر المعصية، أي الذي فيه معصية لله تبارك وتعالى.

وجاء في الصحيحين عن ابن عمر قال: نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن النذر، وقال:«إنه لا يَردُّ شيئاً، وإنما يُستخرج به من البخيل» (3).

هذا النذر هو النذر المعلق أو نذر المقابلة، يسمى النذر المعلق أو نذر المقابلة يعني أن تعمل هذا العمل في مقابلة أمر يحصل لك، تعلق نذرك هذا بأمرٍ يحصل لك.

يعني تقول مثلاً: إذا شفى الله مريضي فسأذبح شاة، هذا نذر معلق بشيء معيَّن لذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم:«إنه لا يرد شيئاً» هذا لن يغير شيئاً من القدر، يعني لن يشفي الله مريضك لأجل ذبحك للشاة، إنما يستخرج به من البخيل، الذي يفعل هذا الشيء لا ينفق إلا بمقابل، هذا هو البخيل الذي يبخل عن الإنفاق في طاعة حتى يكون هناك مقابل في ذلك، لذلك ذمه النبي صلى الله عليه وسلم فهذا النذر مكروه؛ لكن إذا فعله أحد فيجب عليه أن يوفي به، هذا نذر المقابلة أو النذر المعلق.

(1) أخرجه أحمد (6732)، وأبو داود (3273) من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه.

(2)

أخرجه البخاري (6696)، من حديث عائشة رضي الله عنها.

(3)

أخرجه البخاري (6608)، ومسلم (1639) من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه.

ص: 482

قال المؤلف رحمه الله: (ومِنَ النَّذرِ في المَعصِيةِ)

لا نذر في معصية الله، النذر إذا كان نذراً فيه معصية غير منعقد، للحديث المتقدم.

سيبدأ المؤلف هنا بذكر بعض صور نذر المعصية.

فقال: (ما فيه مخالفةٌ للتَّسويةِ بين الأولادِ، أو مُفاضَلةٌ بين الوَرَثةِ مُخالِفَةٌ لما شَرَعهُ اللهُ)

هذه صور من النذر المحرم نذر المعصية.

الصورة الأولى: نذرٌ فيه عدم التسوية بين الأولاد، وقد تقدم معنا وجوب التسوية بين الأولاد في العطية، فمن نذر نذراً يقتضي عدم التسوية بينهم فنذره نذر معصية لا يصح.

الصورة الثانية: المفاضلة بين الورثة بقسمة تخالف ما شرعه الله، هذه أيضاً معصية كالذين يمنعون الإناث من الإرث أو يعطون الإناث قليلاً من حقهن في الإرث.

والصورة الثالثة:

قال المؤلف: (ومِنهُ النَّذرُ على القُبُور)

كالنذر الذي فيه تقرب لصاحب القبر كالنذر بالذبح لصاحب القبر، أو النذر الذي فيه مخالفة لشرع الله كرفع القبور أو البناء عليها وما شابه، كل هذا من نذر المعصية فلا ينعقد النذر بهذه الأمور.

الصورة الرابعة من صور نذر المعصية:

قال المؤلف رحمه الله: (وعَلى ما لم يَأذنْ بهِ اللهُ)

كالنذر على المساجد لزخرفتها أو على أهل المعاصي ليستعينوا به على معاصيهم، كل هذا داخل في النذر المحرم، نذر المعصية.

ثم قال المؤلف رحمه الله: (ومَن أوَجَبَ على نفسهِ فِعلاً لم يشرَعْهُ الله لم يجِب عليه)

ومن أوجب على نفسه فعلاً لم يشرعه الله ولم يوجبه الله عليه ولا استحبه له؛ لم يجب عليه، فلا وفاء فيه.

حديث ابن عباس عند البخاري يدل على ذلك: قال: بينما النبي صلى الله عليه وسلم يخطب إذا هو برجل قائم فسأل عنه فقالوا: أبو إسرائيل نذر أن يقوم ولا يعقد ولا يستظل ولا يتكلم ويصوم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«مره فليتكلم وليستظل وليقعد وليتم صومه» (1).

في هذا الحديث الأشياء المباحة التي ألزم نفسه بها أبطلها النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنها ليست قُرَب ليست طاعات لله سبحانه وتعالى، أبطلها بقوله: مره فليتكلم وليستظل وليقعد، وليتم صومه.

فألزمه بأن يتم ما هو طاعة وقربة لله سبحانه وتعالى.

وفي الحديث المتقدم في سنن أبي داود قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا نذر إلا فيما ابتغي به وجه الله» فعلى هذا فالنذر الذي يجب الوفاء به هو ما كان طاعة لله، وما ليس بطاعة فهو غير معتبر

(1) أخرجه البخاري (6704) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.

ص: 483

ولا كفارة فيه سواء كان في معصية أو مباح؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يلزم أبا إسرائيل بالكفارة في النذر الذي نذره في الأمور المباحة.

قال المؤلف رحمه الله: (وكذلكَ إنْ كانَ ممَّا لم يَشرعْهُ اللهُ وهو لا يُطِيقُهُ)

أيُّ نذرٍ فعله الشخص وهو لا يطيقه فهذا النذر لا يلزمه، إذا كان النذر طاعة وهو لا يطيقه لزمه فيه كفارة يمين كما سيأتي إن شاء الله، فمن نذر أن يفعل فعلاً لم يشرعه الله وهو يقدر عليه كأن ينذر الرجل المشي وهو لا يقدر عليه، ففي الصحيحين من حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى شيخاً يُهادَى بين ابنيه -أي يمشي بينهما معتمداً عليهما من ضعفه-فقال:«ما هذا؟ » قالوا: نذر أن يمشي. قال: «إن الله عن تعذيب هذا نفسه لغني» (1) وأمره أن يركب.

هذا الرجل نذر نذراً في أمرٍ ليس هو طاعة في أصله وهو لا يقدر عليه أيضاً، فأبطل النبي صلى الله عليه وسلم هذا النذر.

قال المؤلف: (ومَن نذَرَ نذراً لم يُسمِّه أو كان مَعصِيةً أو لا يُطيقُهُ فعليهِ كفارةُ يَمينٍ)

من نذر نذراً لم يسمه فكفارته كفارة يمين، تلزمه كفارة يمين؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«كفارة النذر كفارة اليمين» (2).

وأما حديث: «من نذر نذراً لم يسمِّه فكفارته كفارة يمين» (3)؛ فضعيف.

صورة ذلك: أن يقول الشخص مثلاً: نذرٌ عليّ لله تعالى. فقط

لا يُعيِّن شيئاً؛ فهذا نذر لم يسمَّ لم يسم النذر لاصوم ولا صلاة ولا غير ذلك.

لم يعين نوع النذر، فهذا نذر لم يسم، فتلزمه كفارة يمين فيه فقط.

وأما نذر المعصية فكأن ينذر أن يشرب الخمر.

قال المؤلف: فيه كفارة يمين، والصحيح أنه نذر غير منعقد ولا يصح، فليس فيه شيء لا كفارة يمين ولا غيرها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصيه فلا يعصه» (4) ولم يذكر كفارة، أما الحديث الذي يستدلون به على وجوب الكفارة، «لا نذر في معصية وكفارته كفارة يمين» (5) فهو حديث ضعيف لا يصح، والصحيح الذي في

(1) أخرجه البخاري (1865)، ومسلم (1642) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.

(2)

أخرجه مسلم (1645)، من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه.

(3)

أخرجه الترمذي (1528)، وابن ماجه (2127) وغيرهما عن عقبة بن عامر رضي الله عنه، وهو وهم والصواب رواية مسلم كما بين ذلك البيهقي وغيره.

وأخرجه أبو داود (3322) وابن ماجه (2128) وغيرهما عن ابن عباس رضي الله عنه مرفوعاً والصواب وقفه على ابن عباس رضي الله عنه بين ذلك أبو داود والبيهقي وغيرهما.

(4)

تقدم تخريجه.

(5)

أخرجه أحمد (26098)، وأبو داود (3290)، والترمذي (1524)، والنسائي (3837)، وابن ماجه (2125)، وغيرهم عن عائشة رضي الله عنها. هذا الحديث معل بعلة خفية بينها الإمام أحمد والبخاري والدارقطني والنسائي والبيهقي وهي أن الزهري يرويه عن سليمان بن أرقم وهو متروك، انظر الجامع لعلوم الإمام أحمد والعلل الكبير للترمذي وعلل الدارقطني والسنن الكبرى للبيهقي (10/ 118 فما بعدها)، وذكره البيهقي من حديث عمران بن حصين وبين ضعفه.

ص: 484

الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في نذر المعصية: «من نذر أن يعصي الله فلا يعصه» ولم يذكر كفارة في ذلك.

فنذر المعصية لا ينعقد وليس فيه كفارة.

وأما النذر فيما لا يطيقه فهذا فيه كفارة يمين؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «من نذر نذراً لم يسمه فكفارته كفارة يمين، ومن نذر نذراً لم يطقه فكفارته كفارة يمين» (1).

لكن انتبه لابد من التفريق بين النذر الذي لا يطيقه ويكون طاعة، والنذر الذي لا يطيقه ويكون مباحاً، النذر الذي لا يطيقه ويكون مباحاً أو يكون فيه تعذيب لنفسه هذا ليس فيه كفارة يمين، فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يلزم الشيخ في الحديث المتقدم بكفارة يمين، ولكن نذر الطاعة الذي لا يطيقه الشخص هو الذي فيه كفارة يمين. والله أعلم

قال المؤلف رحمه الله: ومَن نَذرَ بِقُربةٍ وهو مُشرِكٌ ثُمّ أَسلمَ لَزِمهُ الوَفاءُ)

شخص نذر أن يعتكف لله تبارك وتعالى ليلة أو يوماً أو يومين

إلخ في الجاهلية في حال الكفر، بعد أن أسلم يلزمه أن يوفي بنذره، أصل هذا ما جاء في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له عمر: يا رسول الله: إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام، فقال صلى الله عليه وسلم:«أَوْف بنذرك» (2) فألزمه النبي صلى الله عليه وسلم بالوفاء بالنذر مع أن عمر كان قد نذر ذلك في الجاهلية.

قال المؤلف رحمه الله: (ولا يَنفُذُ النَّذرُ إلا مِنَ الثُّلُثِ)

لا أعلم دليلاً صحيحاً على ما ذكره المؤلف في هذه الفقرة، واختلف العلماء في من نذر أن يخرج ماله كله، فبعضهم ألزمه بذلك فقال: يلزمه أن يخرج جميع ماله، وبعضهم قال: لا يلزمه شيء، ولا شيء عليه، والبعض قال: يلزمه كفارة يمين، والبعض فصَّل، قال: إن كان يقوى على ذلك ويصبر عليه يفعل؛ لأن أبا بكر عندما خرج من كل ماله أقره النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك (3)، دل ذلك على أن هذا الفعل طاعة فيُلزَم به، لكن هذا إذا قدر عليه، وإلا فيكون من النذر الذي لا يطاق فكفارته كفارة يمين؛ لأنه ربما لا يقدر على مثل هذا ويشق عليه وربما يكون فتنة عليه في دينه، فيكون فيه كفارة يمين لأنه داخل في النذر الذي لا يطاق، وهذا الأخير على هذا التفصيل هو الأقرب للصواب إن شاء الله.

وفي هذه المسألة قرابة عشرة مذاهب أو أكثر. والله أعلم

قال المؤلف: (وإذا مَاتَ النَّاذِرُ بِقُربةٍ فَفَعَلَها عَنهُ وَلَدُهُ؛ أَجزَأَهُ ذلكَ)

يعني إذا نذر الشخص نذراً فيه قربة كأن ينذر أن يصوم أو أن يَحج مثلاً ومات، إذا فعل أحد أبنائه عنه ذلك أجزأه وسقط عنه النذر.

(1) هو حديث ابن عباس وقد تقدم أن الصواب فيه الوقف.

(2)

أخرجه البخاري (2043)، ومسلم (1656) من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.

(3)

أخرجه أبو داود (1678)، والترمذي (3675) من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

ص: 485

أصل هذه المسألة حديثان: حديث ابن عباس أن سعد بن عبادة استفتى النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن أمي ماتت وعليها نذر لم تقضه فقال صلى الله عليه وسلم: «اقضه عنها» (1) متفق عليه.

وحديث آخر لابن عباس: أن امرأةً من جهينة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إن أمي نذرت أن تحج فلم تحج حتى ماتت، أفأحج عنها؟ قال:«نعم، حجي عنها، أرأيت لو كان على أمك دين أكنتي قاضية؟ اقضوا الله فالله أحق بالوفاء» (2) أخرجه البخاري. فهذان الحديثان يدلان على أن الولد يقضي النذر عن والده أو عن والدته. والله أعلم

خلاصة موضوع النذر:

النذر خمسة أنواع:

1 -

النذر المطلق: مثل أن يقول: لله عليَّ نذرٌ، وهو الذي قلنا فيه بأنه النذر الذي لم يسمَّ، فيلزمه كفارة اليمين لقوله صلى الله عليه وسلم:«كفارة النذر كفارة يمين» .

2 -

نذر اللَّجَاج - وهو الذي لم يذكره المؤلف-: نذر اللَّجاج والغضب: نذر المخاصمة والمشاحنة، النذر الذي خرج نتيجة الغضب، يخرج مخرج اليمين، أي أراد به صاحبه إما الحث على الفعل أو المنع؛ كأن يقول: إن كلمتك فعليَّ كذا، يمنع نفسه من كلامك.

أو إن لم أذهب فعليَّ عتق رقبة.

أو إن لم أُخبرك أو أَخبرتك فعليَّ حج

ونحو ذلك.

مثل هذا النذر خرج للحثّ أو للمنع، حث على الفعل أو المنع من الفعل.

هذا يسمى نذر اللجاج والغضب.

قالوا: هذا أيضاً فيه كفارة يمين وأدخلوه في قول النبي صلى الله عليه وسلم: «كفارة النذر كفارة يمين «.

3 -

نذر المباح كما لو نذر أن يلبس ثوباً أو يركب دابة، هذا لا شيء عليه؛ لحديث أبي إسرائيل المتقدم.

4 -

نذر المعصية؛ كمن نذر أن يشرب خمراً أو أن يزني، فهذا لايجوز الوفاء به إجماعاً، وليس فيه كفارة على الصحيح.

5 -

نذر التبرُّر، نذر الطاعة، كنذر الصلاة أوالصيام ونحوه، سواء كان مطلقاً أم معلقاً.

المطلق ما ليس معلقاً بشيء، والمعلق هو نذر المقابلة يكون معلقاً على شيء، يكون نذراً بشرط كأن يقول: إن شفا الله مريضي فعليَّ صيام أو ذبح أو ما شابه.

هذا النذر المعلق، وسواءً كان نذراً معلقاً أم نذراً مطلقاً إذا كان في طاعة ويطاق فيجب الوفاء به، وأما إذا كان مما لا يطاق وهو طاعة فهذا فيه كفارة يمين.

وما لا يطاق من المباح يدخل في ضمن المباح ليس فيه شيء على الصحيح. والله أعلم.

(1) أخرجه البخاري (6698)، ومسلم (1638) من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما.

(2)

أخرجه البخاري (1852)، من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما.

ص: 486