الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لأن المراد من صدقة الفطر إغناء الفقراء عن طلب القوت في يوم العيد، فلا يصحّ أن نقول لمن لا يملك إلا قوته وقوت من يعول أخرج ما عندك، فهذا معارض للحكمة التي لأجلها فرضت هذه الزكاة.
قال المؤلف رحمه الله: (ومصرفها، مصرف الزكاة)
أراد بذلك أنها تعطى لمن تعطى لهم زكاة المال.
ولا يظهر لي ذلك، لعدم ورود ما يدلّ على ذلك، ومجرّد تسميتها زكاة لا يفيد ذلك، فلها أحكام تخصّها، وقول النبي صلى الله عليه وسلم:«طعمة للمساكين» يدل على أن مصرفها الفقراء والمساكين فقط، والله أعلم.
كتاب الخُمُس
قال المؤلف رحمه الله: (كتاب الخُمُس)
المراد بالخمس خمس المال، وسيبدأ المؤلف ببيان أحكام الخمس، ومتى يؤخذ؟
قال المؤلف رحمه الله: (يَجِبُ فيما يُغْنَمُ في القِتالِ)
أي يؤخذ الخمس من مال الغنيمة، والغنيمة هي المال المأخوذ من الكفار في الحرب.
فيؤخذ هذا المال ويقسم خمسة أقسام، ثم يؤخَذُ قسم من هذه الأقسام الخمس ويقسم إلى خمسة أقسام أخرى، فيصير عندنا خُمْسَ الخُمُسِ.
قسم منه لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، وهذا القسم يرجع إلى بيت مال المسلمين ويُنفق في مصالحهم لقوله صلى الله عليه وسلم:«والذي نفسي بيده مالي مما أفاء الله إلا الخمس، والخمس مردود فيكم» (1)، فبين بذلك أن الخمس الأول الذي هو لله ولرسوله يرجع إلى بيت مال المسلمين وينفقه ولي أمر المسلمين في مصالحهم.
وأما القسم الثاني فيُعطى لذوي القربى وهم قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم بنو هاشم وبنو المطلب.
وقسم يعطى لليتامى، واليتيم هو الذي مات أبوه وهو دون سن البلوغ، فإذا بلغ لم يعد يتيماً، وإذا ماتت أمه وأبوه باق فليس بيتيم.
وقسم يُعطى للمساكين، والمسكين هو الذي لا يملك كفايته وكفاية من يعول.
وقسم يعطى لابن السبيل، وابن السبيل هو المسافر الذي انقطعت به السبل. وأما باقي السهام الأربعة، فتقسم على الجيش ممن شهد الوقعة، فيُعطى الراجل سهماً واحداً، ويُعطى الفارس ثلاثة أسهم، واحداً له واثنين لفرسه.
وأصل ذلك قول الله تبارك وتعالى: {واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل} [الأنفال: 41]، هذه الآية هي أصل هذا الذي ذكرناه.
قال المؤلف رحمه الله: (وفي الرِّكازِ)
هذا هو الشيء الثاني الذي يؤخذ منه الخُمُسُ، وهو الرِّكاز.
والركاز، دَفْنُ الجاهلية سواءً كان ذهباً أو فضةً أو نحاساً أو حديداً أو غير ذلك، على ظاهر قول النبي صلى الله عليه وسلم:«وفي الركاز الخمس» (2).
ويُعْرَفُ دَفْنُ الجاهليَّة، إما بكتابة أسمائهم عليه، أو بنقوش معينة لهم تكون منقوشة عليه، أو صور وعلامات، فأما إن كان عليه علامات المسلمين فهذا لا يعتبر رِكازاً بل يدخل في حكم اللقطة وهذه سيأتي حكمها منفصلاً إن شاء الله.
(1) أخرجه أبو داود (2694) من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده.
(2)
أخرجه البخاري (1499)، ومسلم (1710) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
فدفن الجاهلية هذا إذا أُخرج ففيه الخمس وهذا يسمى الركاز وسواء كان الذي وجده حراً أو عبداً أو امرأة أو صبياً أو ذمياً، فيُخرج منه الخمس، وسواء وجد منه في موات أرض المسلمين أي أرض هي لأهل الإسلام ولكنها ليست ملكاً لأحدٍ، أو وُجد في أرض الحرب كله فيه الخمس، وأربعة أخماسه لمن وجده.
قال الإمام مالك رحمه الله: «الأمر الذي لا اختلاف فيه عندنا والذي سمعت أهل العلم يقولون، إن الركاز إنما هو دفن يوجد من دفن الجاهلية ما لم يُطلب بمال ولم يُتكلف فيه نفقة ولا كبير عمل ولا مؤنة، فأما ما طُلب بمال وتُكُلِّف فيه كبير عمل فأصيب مرة وأخطأ مرة فليس بركاز» (1).
فالذهب الذي يُستخرج اليوم غير داخل في حكمنا الذي نذكره بناءً على ما ذكر الإمام مالك رحمه الله، فالذين يستخرجون الذهب الآن يتكلفون له تكلفة كبيرة وتصيب تارة وتخيب تارات كثيرة.
ثم إن كثيراً من هذا الذهب هو عبارة عن دفن تركي والأتراك مسلمون فحكمه حكم اللقطة وليس حكم الركاز.
قال رحمه الله: (ولا يَجِبُ فيما عدا ذلك)
يعني أنَّ الخُمُسَ إنما هو واجب في الأمرين اللذين ذكرناهما فقط ولا يجب فيما عدا ذلك.
قال رحمه الله: (ومَصْرِفُهُ مَنْ في قوله تعالى: {واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل})
أي أين يصرف الخُمس؟
أما خُمْسُ الغنيمة، فنسلِّم به لأن الآية وردت فيه أصلاً.
وأما خمس الركاز ففيه خلاف، فالبعض قال: مصرفه كمصرف خمس الغنيمة، والبعض قال: لا، مصرفه مصرف الزكاة، وهذا ما ذهب إليه الشافعي رحمه الله، وأما مالك وأحمد وغيرهما فقالوا: مصرف الركاز كمصرف الغنيمة تماماً، أي مصرف خمس الركاز كمصرف خمس الغنيمة تماماً.
(1)«موطأ مالك رواية أبي مصعب الزهري» (655)