الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ففي هذه الرواية الأخيرة تقديم اليدين على الوجه، وهو الصحيح.
وتنوي بذلك رفع الحدث، لحديث:«إنما الأعمال بالنيات» ، وأما التسمية فلم يصح فيها شيء لا في الوضوء ولا في التيمم. والله أعلم.
قال المؤلف رحمه الله: (ونواقِضُهُ نواقضُ الوضوءِ)
اتفق أهل العلم على أن التيمم ينتقض بما ينتقض به الوضوء والغُسل (1).
ويضاف إلى ذلك وجود الماء أو القدرة على استعماله، لأنه بدل الماء، فإذا وُجد الأصل بطل البدل.
والمسح يكون بالصعيد، بعضهم قال هو التراب فقط، والبعض قال: التراب وكل ما كان من جنس الأرض كالرمل والحجر والحصا.
والصعيد في اللغة: وجه الأرض تراباً كان أو غيره.
قال رحمه الله:
(بابُ الحَيْضِ)
الحيض لغة: السيلان.
وشرعاً: دم جبلّة يخرج من أقصى رحم المرأة بعد بلوغها على سبيل الصحّة من غير سبب في أوقات معلومة، وقد تقدّم تعريفه.
قال المؤلف: (لم يأتِ في تَقْديرِ أقلِّهِ وأكثرِهِ ما تقومُ به الحُجَّةُ وكذلك الطُّهْرُ).
حدّد بعض العلماء وقتاً لأوّل الحيض وآخره، وكذلك لأول الطهر وآخره، فمنهم من قال: أقل الحيض يوم وليلة، وقال البعض ثلاثة أيام، وقالوا في أكثره: خمسة عشر، وبعضهم قال: عشرة أيام، وقالوا ما كان أكثر من ذلك فاستحاضة، والخلاف في هذا التحديد كثير، لأنه لم يصحّ فيه شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم، واعتمد كثير من أهل العلم في أقوالهم على الواقع، أي واقع النساء، وكل تكلّم بما علم، والبعض اعتمد على أحاديث ضعيفة.
(1) انظر «بداية المجتهد» (1/ 610) لابن رشد.
وقال جماعة من العلماء بما قاله الشوكاني رحمه الله، وهو أنه ليس لأقل الحيض بالأيام حدّ ولا لأكثره وقت، والحيض عندهم إقبال الدم المنفصل عن دم الاستحاضة، والطهر إدباره.
قال رحمه الله: (فذاتُ العادةِ المتقرِّرَةِ تعملُ عليها، وغيرُها ترجِعُ إلى القرائنِ، فدمُ الحيضِ يتميَّزُ من غيره، فتكونُ حائضاً إذا رأت دمَ الحيضِ، ومستحاضةً إذا رأتْ غيرَهُ، وهي كالطاهرةِ، وتغسل أثر الدمِ، وتتوضأ لكل صلاةٍ)
إذا كانت دورة المرأة منتظمة في وقتها المعلوم عندها، وانقطعت في وقتها، فإنها تمسك عن الصلاة والصيام، وتثبت لها أحكام الحائض، ولا إشكال في ذلك.
أما إذا كان الدم ينزل منها باستمرار، ولا ينقطع، فهذه تسمى مستحاضة.
والاستحاضة هي: استمرار نزول الدم في غير وقته.
فكيف تفعل المستحاضة مع استمرار الدم ومع اختلاط الأمر عليها؟ ! ، هل الدم النازل دم حيض، أم دم استحاضة؟
قال المؤلف: (فذات العادة المتقررة تعمل عليها)، فإذا كانت امرأة ما تحيض مثلاً سبعاً وتطهر ثلاثاً وعشرين يوماً، فهذه عادتها متقررة، فإذا استمر الدم واستحاضت تعمل على عادتها المتقررة، فتحيَّضُ سبعة أيام ثم تغتسل وتصلي ثلاثاً وعشرين يوماً وهكذا.
ودليل ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم للمستحاضة: «إذا أقبلت الحيضة فاتركي الصلاة، فإذا ذهب قدرها فاغسلي عنك الدم وصلي» أخرجه البخاري (1).
وأما التي ليس لها عادة مقرّرة، كالصغيرة، والتي نسيت عادتها، فهذه تعمل بالقرائن، فتميّز بين دم الحيض ودم الاستحاضة بالرائحة واللون، واستدل على هذا بحديث ضعيف، وهو قوله صلى الله عليه وسلم:«دم الحيض أسود يُعْرف» (2) استنكره أبو حاتم.
وأما الحالة الثالثة: إذا لم تكن لها عادة متقررة ولا تميز بين الدمين، فهذه تنظر إلى عادة نسائها؛ كأختها وأمها وتعمل عليها.
(1) البخاري (306، 320)، ومسلم (333) واللفظ للبخاري عن عائشة رضي الله عنها.
(2)
رواه أبو داود (304)، والنسائي (215).
انظر العلل لابن أبي حاتم (117)، والعلل للدارقطني (14/ 103)، والبدر المنير (3/ 117).
قوله: (وتغسل أثر الدم) لقوله صلى الله عليه وسلم: «فاغسلي عنك الدم وصلي» وهو في «الصحيح» (1).
وقوله: (تتوضأ لكل صلاة)، ورد في «صحيح البخاري» من حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت:«جاءت فاطمة بنت حبيش إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إني امرأة أستحاض فلا أطهر، أفأدع الصلاة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا إنما ذلك عرق، وليس بحيض، فإذا أقبلت حيضتك فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم ثم صلي» (2).
قال - أي هشام -: وقال أبي - أي عروة -: ثم توضئي لكل صلاة حتى يجيء ذلك الوقت (3).
اختلف أهل العلم في هذه الزيادة الأخيرة، فبعضهم قال: هي من قول النبي صلى الله عليه وسلم، والبعض قال: هي مدرجة من قول عروة، لذلك أشار مسلم إلى أنه حذفها عمداً، ولم يذكرها.
ونحن مع مسلم فيما ذهب إليه، فقد روى الحديث جهابذة أصحاب هشام ولم يذكروا هذه الزيادة فيه، والبعض زادها بلفظ:«وتوضئي» ولم يقل «لكل صلاة» .
فالذي يظهر لي أنها فتوى لعروة كان يفتي بها بعض من حدثها الحديث. والله أعلم.
وبناء على ذلك فلا يجب على المستحاضة ومن به سلس بول الوضوء لكل صلاة، قال بهذا ربيعة شيخ مالك، ومالك، وهو الصواب إن شاء الله.
قال رحمه الله: (والحائضُ لا تصلِّي ولا تصومُ)
لما ورد في «الصحيحين» أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في المرأة: «أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم» (4)، ولم يخالف في ذلك غير الخوارج، لأنهم أصحاب غلو وتنطّع.
وقال رحمه الله: (ولا تُوْطَأُ حتى تَغْتَسِلَ بعد الطُّهر).
(1) سبق تخريجه.
(2)
سبق تخريجه.
(3)
هي عند البخاري برقم (228).
(4)
أخرجه البخاري ((204)، ومسلم (889) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.