الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هذا لفظ البخاري وأهل السنن الأربع، ولفظ أحمد:((مع الغُلام عقيقتُهُ، فأهريقوا عنه دماً، وأميطوا عنه الأذى))، وقال:((الصدقة على المسكين صدقة، وهي على ذي الرحم صلةٌ وصدقة)) (1).
الحديث الثاني: حديث سمرة بن جُندبٍ رضي الله عنه
-، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:((كل غُلَام رهينةٌ بعقيقته، تذبح عَنهُ يَوْم سابعه، وَيُسَمَّى فِيهِ، ويُحلقُ رَأسُهُ)) (2).
قال الإمام ابن الأثير رحمه الله: ((كل غُلام رَهِينة بعَقيقته)) الرَّهينة: الرَّهْن، والهاءُ للمبالغة، كالشَّتِيمة والشتْم، ثم استُعْمِلا بمعنى المَرْهُون، فقيل: هو رَهْن بكذا، ورَهِينَة بكذا، ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم:((رهينة بعقَيِقته)) أن
العقَيِقَة لازِمةٌ له لا بُدَّ منها، فشبَّهه في لُزومها له، وعَدم انْفِكاكه منها بالرَّهن في يَدِ المُرْتَهن، قال الخطابي: تكلَّم الناسُ في هذا، وأجْودُ ما قيل
(1) البخاري، كتاب العقيقة، باب إماطة الأذى عن الصبي في العقيقة، برقم 5471، 5472، وأحمد في المسند، 26/ 970، برقم 6231، وقد أخرجه أحمد في مواضع بأرقام، هي: 16226، 16229، 16230، 16232، 16240، 16241، 17871، 17873، 17875، 17885، 17886، وأبو داود، برقم 2839، والترمذي، برقم 1515، والنسائي، برقم 4214.
(2)
أحمد في المسند، 33/ 271، برقم 20083، ورقم 20193، ورقم 20194، وأبو داود، كتاب الضحايا، بابٌ في العقيقة، برقم 2838، والترمذي، كتاب الأضاحي، باب من العقيقة، برقم 1522، والنسائي، كتاب العقيقة، باب متى يعق، برقم 4220، وابن ماجه، كتاب الذبائح، باب العقيقة، برقم 3165، وقد صح سماع الحسن من سمرة بن جندب، فإنه صرَّح بالسماع، فقد روى البخاري في إثر حديث سلمان بن عامر الضبّي عن عبد اللَّه بن أبي الأسود، حدثنا قريش بن أنس، عن حبيب بن الشهيد، قال: أمرني ابن سيرين أن أسأل الحسن ممن سمع حديث العقيقة؟ فسألته فقال: من سمرة بن جندب)) [صحيح البخاري، قبل الحديث رقم 5473]، وقال محققو مسند أحمد، 33/ 271:((إسناده صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين، وقد صرّح الحسن البصري بسماعه لهذا الحديث من سمرة)). والحديث صححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 2/ 196، وفي سائر السنن.
فيه ما ذَهب إليه أحمدُ بن حنْبَل، قال: هذا في الشفاعَةِ، يريدُ أنه إذا لم يُعَقَّ عنه فمات طِفلاً لم يَشْفَع في والدَيه، وقيل: معناه أنه مَرهون بأذَى شَعَره، واستدَلُّوا بقوله:((فأمِيطُوا عنه الأذَى)) وهو ما عَلق به من دَم الرَّحِم)) (1)(2).
وقال العلامة ابن القيم رحمه الله: ((والرهن في اللغة: الحبس، قال تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} (3)،وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنّهُ رَهِينَةٌ فِي نَفْسِهِ، مَمْنُوعٌ مَحْبُوسٌ عَنْ خَيْرٍ يُرَادُ بِهِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يُعَاقَبَ عَلَى ذَلِكَ فِي الْآخِرَةِ، وَإِنْ حُبِسَ بِتَرْكِ أَبَوَيْهِ الْعَقِيقَةَ عَمّا يَنَالُهُ مَنْ عَقّ عَنْهُ أَبَوَاهُ، وَقَدْ يَفُوتُ الْوَلَدَ خَيْرٌ بِسَبَبِ تَفْرِيطِ الْأَبَوَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ كَسْبِهِ، كَمَا أَنّهُ عِنْدَ الْجِمَاعِ إذَا سَمّى أَبُوهُ لَمْ يَضُرّ الشّيْطَانُ وَلَدَهُ، وَإِذَا تَرَكَ التّسْمِيَةَ لَمْ يَحْصُلْ لِلْوَلَدِ هَذَا الْحِفْظُ، وَأَيْضًا؛ فَإِنّ هَذَا إنّمَا يَدُلّ عَلَى أَنّهَا لَازِمَةٌ لَا بُدّ مِنْهَا، فَشَبّهَ لُزُومَهَا وَعَدَمَ انفكاك المولود عنها بالرهن، وقد
يستدل بهذا من يرى وجوبها: كَاللّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيّ، وَأَهْلِ الظّاهِرِ، وَاللَّه أَعْلَمُ)) (4).
(1) النهاية في غريب الحديث والأثر، 2/ 285.
(2)
وقال الإمام السندي في حاشيته على سنن النسائي، 7/ 166: ((وقال التوربشتي: أي إنه كالشيء المرهون، لا يتم الانتفاع به دون فكّه، والنعمة إنما تتم على المنعم عليه بقيامه بالشكر، ووظيفته، والشكر في هذه النعمة: ما سنَّه النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أن يعق عن المولود شكراً لله تعالى، وطلباً لسلامة المولود، ويحتمل أنه أراد بذلك: أن سلامة المولود، ونشوؤه على النعت المحمود رهينة بالعقيقة
…
)).
وقال الشوكاني في نيل الأوطار، 3/ 503: ((
…
وقيل: إنه مرهون بالعقيقة، بمعنى: أنه لا يُسمَّى، ولا يحلق شعره إلا بعد ذبحها، وبه صرّح صاحب المشارق
…
)).
(3)
سورة المدثر، الآية:38.
(4)
زاد المعاد، 2/ 326، وسمعت شيخنا ابن باز رحمه الله يقول أثناء تقريره على زاد المعاد، لابن القيم، 2/ 326:((المقصود بقوله: ((كل غلام رهينة بعقيقته)): اللَّه أعلم بمراده، وتفسيره بأنه محبوس عن الشفاعة لوالديه لا دليل عليه، فهو مرتهن، وقد يكون كما قال المؤلف: محبوس عن خير يُراد به، أو غيره، والعلم عند اللَّه، المهم أنه مرتهن بعقيقته حتى يُعقّ عنه)).