الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث السابع عشر: فدية المحظورات
أولاً: فاعل محظورات الإحرام له ثلاث حالات:
الحالة الأولى: أن يفعل المحظور بلا عذر ولا حاجة
فهذا آثم وعليه الفدية.
الحالة الثانية: أن يفعل المحظور لحاجته إلى ذلك
مثل: أن يحتاج إلى لبس القميص؛ لدفع برد يخاف منه الضرر، فله فعل المحظور وعليه فديته؛ لحديث كعب بن عجرة رضي الله عنه.
الحالة الثالثة: أن يفعل المحظور وهو معذور:
إما جاهلاً، أو ناسياً، أو مكرهاً، أو نائماً فلا إثم عليه. أما الفدية فمحل خلاف بين أهل العلم والأقرب إن شاءاللَّه تعالى أنه لا شيء عليه (1)؛ لقوله تعالى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ
(1) اختلف العلماء رحمهم اللَّه تعالى فيمن فعل محظوراً غير متعمدٍ على النحو الآتي:
القول الأول: أن جميع المحظورات تسقط بالجهل، أو النسيان، أو الإكراه، وأن المعذور بهذه الأعذار لا يترتب على فعله شيء إطلاقاً؛ واستدل من قال بذلك بالأدلة الآتية:
1 -
قوله تعالى: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة: 286] فقال اللَّه تعالى: ((قد فعلت)) [مسلم من حديث أبي هريرة، برقم 125]، ومن حديث ابن عباس عند مسلم، برقم 126بلفظ:((نعم)).
2 -
قوله تعالى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} . [الأحزاب:5].
3 -
قوله تعالى: {مَن كَفَرَ بِاللَّه مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلَاّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللَّه} [النحل:106]. فالكفر إذا كان يسقط موجبه بالإكراه فما دونه من باب أولى.
4 -
قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن اللَّه تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان، وما استكرهوا عليه)) [ابن ماجه، برقم 2043، وغيره، وحسنه الإمام النووي في الأربعين، وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه 2/ 178، وفي إرواء الغليل، 1/ 133].
5 -
أن هذا لم يتعمد المخالفة، فلا يعد عاصياً، وإذا لم يكن عاصياً لم يترتب عليه الإثم ولا الفدية [الشرح الممتع، 7/ 224].
قال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله في الشرح الممتع، 7/ 231: ((والصحيح أن جميعها تسقط، وأن المعذور بجهل، أو نسيان، أو إكراه لا يترتب على فعله شيء إطلاقاً، لا في الجماع، ولا في الصيد، ولا في التقليم، ولا في لبس المخيط ولا في أي شيء
…
)).
القول الثاني: أن العمد والنسيان في الوطء، والحلق، والتقليم، والصيد سواء، وأما اللبس، والطيب وتغطية الرأس فتسقط بالنسيان، والجاهل بالتحريم والمكره في حكم الناسي؛ لأنه معذور، وممن قال: إن عمد الواطئ ونسيانه سواء: أحمد، وأبو حنيفة، ومالك، والشافعي في القديم، وقال في الجديد: لا يفسد الحج، ولا يجب مع النسيان شيء، وحكى ابن عقيل في الفصول رواية عن الإمام أحمد مثل قول الشافعي الجديد أنه لا يفسد حج الناسي والجاهل والمكره. قال المرداوي في الإنصاف، 8/ 334: ((
…
وذكر في الفصول رواية لا يفسد حج الناسي، والجاهل، والمكره، ونحوهم، وخرجها القاضي في كتاب الروايتين، واختاره الشيخ تقي الدين، وصاحب الفائق، ومال إليه في الفروع، وقال: هذا متجه، ورد أدلة الأصحاب، وقال فيه نظر
…
)). انظر: الفروع لابن مفلح، 5/ 447، والمقنع والشرح الكبير مع الإنصاف، 8/ 334، وانظر: شرح العمدة في بيان مناسك الحج والعمرة، لابن تيمية، 2/ 395 - 404.
وقال شيخنا ابن باز رحمه الله: ((تلزم الفدية من تعمد قتل الصيد وهو محرم، أو قتله في الحرم؛ لقول اللَّه تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لَا تَقْتُلُواْ الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاء مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} [المائدة:95]. والجمهور من أهل العلم ألحقوا المخطئ بالمتعمد؛ لأن الإتلاف عندهم يستوي فيه المتعمد وغيره، ولكن صريح القرآن يدل على أن الفدية لا تلزم إلا المتعمد، وهذا هو الأظهر)) [مجموع فتاوى ابن باز، 17/ 204]. وانظر: أضواء البيان للشنقيطي، 2/ 143، والمغني لابن قدامة، 5/ 397.
جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} (1).
وقوله سبحانه: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} (2). فقال اللَّه:
((قد فعلت)) (3).
(1) سورة الأحزاب، الآية:5.
(2)
سورة البقرة، الآية:286.
(3)
مسلم، كتاب الإيمان، باب تجاوز اللَّه تعالى عن حديث النفس والخواطر، بالقلب إذا لم تستقر، وبيان أنه صلى الله عليه وسلم لم يكلف إلا ما يطاق، من حديث أبي هريرة، برقم 125.
وفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما: ((نعم)) بدلاً من: ((قد فعلت)) (1).
ولقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي ذر رضي الله عنه: ((إن اللَّه تجاوز لي عن أمتي الخطأ، والنسيان، وما استكرهوا عليه)) (2).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن اللَّه وضع عن أمتي الخطأ والنسيان، وما استكرهوا عليه)) (3).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: ((إن اللَّه تجاوز لأمتي عما توسوس به صدورها، ما لم تعمل أو تتكلم، أو استكرهوا عليه)) (4).
وقال اللَّه تعالى في خصوص الصيد الذي هو أحد محظورات الإحرام: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لَا تَقْتُلُواْ الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاء مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} (5). فقيد وجوب الجزاء بكون القاتل، متعمداً، والتعمد وصف مناسب للعقوبة والضمان، فوجب اعتباره
وتعليق الحكم به، وإن لم يكن متعمِّداً فلا جزاء عليه ولا إثم، لكن متى زال العذر: فعلم الجاهل، وذكر الناسي، واستيقظ النائم، وزال الإكراه، فإنه يجب التخلي عن المحظور فوراً، فإن استمر عليه مع زوال العذر فهو
(1) مسلم، في الكتاب والباب السابقين، برقم 126.
(2)
ابن ماجه، كتاب الطلاق، باب طلاق المكره والناسي، برقم 2043، والبيهقي في السنن الكبرى، 7/ 356، والحاكم، 2/ 198، وحسنه النووي في الأربعين، وصححه ابن حبان في صحيحه، برقم 7175، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه، 2/ 178، وفي إرواء الغليل، 1/ 133.
(3)
ابن ماجه، كتاب الطلاق، باب طلاق المكره، برقم 2044، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه، 2/ 17، وفي إرواء الغليل، برقم 82.
(4)
ابن ماجه، كتاب الطلاق، باب المكره، برقم 2045،وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه، 2/ 187.
(5)
سورة المائدة، الآية:95.