الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث: منافع الحج وفوائده ومقاصده والحكمة من مشروعيته:
النفع: ضدُّ الضرِّ، نفعه ينفعه نفعاً ومنفعة، يقال: نفعه بكذا فانتفع به، والاسم المنفعة، [وجمعه: المنافع]، ويقال: نفّاعٌ: كثير النفع، فالمنفعة: اسم ما انتفع به (1).
والنفع: الخير: وهو ما يتوصَّل به الإنسان إلى مطلوبه (2).
وقيل: النفع: ما يُستعان به في الوصول إلى الخيرات، وما يتوصَّل به إلى الخير فهو خير، فالنفع خير، وضدّه الضر (3).
ومنافع الحج، وفوائده، ومقاصده، والحكمة من مشروعيته كثيرة، لا تُحصر ولا تُعَدُّ، ولكن على وجه الاختصار منها ما يأتي:
أولاً: تعظيم شعائر اللَّه وحرماته
، فمن أعظم المنافع للحج تعظيم شعائر اللَّه تعالى وحرماته، وهذه المنفعة من أعظم العبادات لله تعالى، قال اللَّه عز وجل:{ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوب} (4)، وقال جل وعلا:{ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ} (5).
قال ابن الأثير رحمه الله: ((قد تكرر في الحديث ذكر (الشعائر)
(1) لسان العرب، لابن منظور، 8/ 358، ومختار الصحاح، للرازي، ص 280، وأضواء البيان، للشنقيطي، 5/ 489.
(2)
المصباح المنير، للفيومي، 2/ 618.
(3)
مفردات ألفاظ القرآن، للأصفهاني، ص 819.
(4)
سورة الحج، الآية:32.
(5)
سورة الحج، الآية:30.
وشعائر الحج: آثاره، وعلاماته، جمع شعيرة، وقيل: هو كل ما كان من أعماله: كالوقوف، والطواف، والسعي، والرمي، والذبح، وغير ذلك، وقال الأزهري: الشعائر: المعالم التي ندب اللَّه إليها، وأمر بالقيام عليها، ومنه سُمِّي المشعر الحرام؛ لأنه معلم للعبادة وموضع، ومنه حديث [زيد بن خالد الجهني، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: ((جاءني جبريل، فقال: يا محمد، مر أصحابك فليرفعوا أصواتهم بالتلبية؛ فإنها من شعار الحج))](1) .. ومنه: (إشعار البدن)، وهو أن يشقَّ أحد جَنْبَتَي سنام البدنة حتى يسيل دمها، ويجعل ذلك لها علامة تعرف بها أنها هديٌ
…
)) (2)، والشعار: علامة القوم في الحرب، وهو ما ينادون به؛ ليعرف بعضهم بعضاً، والعيد شعار من شعائر الإسلام، .. والشعائر: أعلام الحج، وأفعاله .. والمشاعر: مواضع المناسك، والمشعر الحرام: جبل بآخر مزدلفة، واسمه قُزَح
…
)) (3).
وقيل: شعائر اللَّه: يعني مناسك الحج، وقال الزجاج في شعائر اللَّه: يعني بها جميع متعبدات اللَّه التي أشعرها اللَّه: أي جعلها أعلاماً لنا، وهي كل ما كان من موقف، أو سعي، أو ذبح، وإنما قيل: شعائر اللَّه لكل علم مما تُعبِّد به؛ لأن قولهم: شعرت به: علمته؛ فلهذا سميت الأعلام
التي هي مُتَعَبَّدات اللَّه تعالى شعائر، والمشاعر مواضع المناسك (4).
(1) ابن ماجه، كتاب المناسك، أباب رفع الصوت بالتلبية، برقم 2923، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه، 3/ 16، وفي سلسلة الأحاديث الصحيحة، برقم 830.
(2)
النهاية في غريب الحديث، 2/ 479، ببعض التصرف.
(3)
انظر: المصباح المنير، للفيومي، 1/ 315.
(4)
لسان العرب، لابن منظور، 4/ 114 - 415.
وقال الراغب الاصفهاني رحمه الله: ((ومشاعر الحج: معالمه الظاهرة للحواس، والواحد مشعر، ويقال: شعائر الحج، الواحد: شعيرة، قال اللَّه تعالى: {ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ} (1) وقال: {فَاذْكُرُواْ اللَّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ} (2)، {لا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ} (3)،أي ما يُهدى إلى بيت اللَّه، وسُمِّي بذلك؛ لأنها تشعر: أي تُعلَّم بأن تُدْمَى بشعيرة: أي حديدة يشعر بها (4).
وقال الإمام الطبري رحمه اللَّه تعالى: (({ذلك ومن يعظِّم شعائر اللَّهِ فإنها من تقوى القلوب}: يقول تعالى ذكره: هذا الذي ذكرت لكم أيها الناس، وأمرتكم به، من اجتناب الرجس من الأوثان، واجتناب قول الزور حنفاء لله، وتعظيم شعائر اللَّه، وهو استحسان البدن، واستسمانها، وأداء مناسك الحج على ما أمر اللَّه جل ثناؤه من تقوى قلوبكم))، ثم قال: ((وأولى الأقوال في ذلك بالصواب: أن يقال: إن اللَّه تعالى ذِكْرُهُ أخبر أن تعظيم شعائره: وهي ما جعله أعلاماً لخلقه فيما تعبَّدهم به من مناسك حجِّهم من الأماكن التي أمرهم بأداء ما افترض عليهم منها عندها، والأعمال التي ألزمهم عملها في حجهم من تقوى قلوبهم لم يخصص من
ذلك شيئاً، فتعظيم ذلك من تقوى القلوب
…
وحقٌّ على عباده المؤمنين تعظيم جميع ذلك
…
فإن تلك التعظيمة: من اجتناب الرجس من الأوثان من تقوى القلوب: .. أي فإنها من وجل القلوب من خشية اللَّه،
(1) سورة الحج، الآية:32.
(2)
سورة البقرة، الآية:198.
(3)
سورة المائدة، الآية:2.
(4)
مفردات ألفاظ القرآن، ص 456.
وحقيقة معرفتها، وإخلاص توحيده)) (1).
وقال الإمام القرطبي رحمه الله: (({ومن يعظم شعائر اللَّه}: الشعائر جمع شعيرة، وهو كل شيء لله تعالى فيه أمرٌ أشعر به وأعلم، ومنه شعار القوم في الحرب: أي علاماتهم التي يتعارفون بها، ومنه إشعار البدنة، وهو الطعن في جانبها الأيمن حتى يسيل الدم، فيكون علامة، فتسمَّى شعيرة، بمعنى المشعورة، فشعائر اللَّه: أعلام دينه، لاسيما ما يتعلق بالمناسك .. وأضاف التقوى إلى القلوب؛ لأن حقيقة التقوى في القلب؛ ولهذا قال عليه الصلاة والسلام في صحيح الحديث: ((التقوى ها هنا)) (2)، وأشار إلى صدره (3).
وقال الإمام البغوي رحمه الله: ((قال ابن عباس: شعائر اللَّه: البُدْن، والهدي، وأصلها من الإشعار، وهو إعلامها، ليُعلم أنها هدي، وتعظيمها استسمانها واستحسانها، وقيل: شعائر اللَّه: أعلام دينه، فإنها من تقوى القلوب: أي: إن تعظيمها من تقوى القلوب)) (4).
وقال ابن كثير رحمه الله: (({ومن يعظم شعائر اللَّه} : أي أوامره {فإنها
من تقوى القلوب}، ومن ذلك تعظيم الهدايا والبدن، كما قال الحكم عن مقسم، عن ابن عباس: تعظيمها: استسمانها، واستحسانها)) (5).
(1) جامع البيان، 18/ 621.
(2)
مسلم، كتاب البر، باب تحريم ظلم المسلم، برقم 32 - (2564).
(3)
الجامع لأحكام القرآن، 11/ 61 - 62.
(4)
تفسير البغوي، 3/ 286.
(5)
تفسير القرآن العظيم، 10/ 53.
وقال العلامة السعدي رحمه الله: ((والمراد بالشعائر: أعلام الدين الظاهرة، ومنها المناسك كلها، كما قال تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} (1)، ومنها الهدايا والقربان للبيت، وتقدّم أن معنى تعظيمها: إجلالها، والقيام بها، وتكميلها، على أكمل ما يقدر عليه العبد، ومنها الهدايا، فتعظيمها باستحسانها، واستسمانها، وأن تكون مكملة من كل وجه، فتعظيم شعائر اللَّه صادر من تقوى القلوب، فالمعظِّم لها يُبرهن على تقواه وصحة إيمانه، لأنّ تعظيمها تابع لإعظام اللَّه وإجلاله)) (2).
وقال رحمه الله: (({إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} (3): يخبر تعالى: أن الصفا والمروة
…
من شعائر اللَّه: أي: أعلام دينه الظاهرة التي تعبَّد اللَّه بها عباده، وإذا كانا من شعائر اللَّه، فقد أمر اللَّه بتعظيم شعائره فقال:
{ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} (4)، فدلّ مجموع النصين أنهما من شعائر اللَّه، وأن تعظيم شعائره من تقوى القلوب، والتقوى واجبة على كل مكلَّف، وذلك يدلّ على أن السعي بهما فرض
لازم للحج والعمرة كما عليه الجمهور، ودلّت عليه الأحاديث النبوية، وفعله النبي صلى الله عليه وسلم وقال:((خذوا عني مناسككم)) (5))) (6).
(1) سورة البقرة، الآية:158.
(2)
تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، ص 538.
(3)
سورة البقرة: الآية: 158.
(4)
سورة الحج: الآية، 32.
(5)
أخرجه مسلم، كتاب الحج، باب استحباب رمي جمرة العقبة يوم النحر راكباً، برقم 1297.
(6)
تيسير الكريم الرحمن للسعدي، ص76.
وقال العلامة الشنقيطي رحمه الله: (({ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ} عام في جميع شعائر اللَّه، وقد نصَّ على أن البُدن فرد من أفراد هذا العموم داخل فيه قطعاً، وذلك في قوله: {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ
اللَّهِ} (1)، فيدخل في الآية تعظيم البُدن، واستسمانها، واستحسانها، كما قدمنا عن البخاري: أنهم كانوا يستسمنون الأضاحي، وكانوا يرون أن ذلك من تعظيم شعائر اللَّه، وقد قدمنا أن اللَّه صرح بأن الصفا والمروة داخلان في هذا العموم بقوله:{إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} (2) الآية: وأن تعظيمهما المنصوص في هذه الآية: عدم التهاون بالسعي بين الصفا والمروة
…
)) (3).
وأما حرمات اللَّه تعالى في قوله: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّه فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ} (4)، فقال الإمام ابن جرير رحمه الله: ((ومن يجتنب ما أمره اللَّه باجتنابه في حال إحرامه تعظيماً منه لحدود اللَّه أن يواقعها،
وحُرَمهُ أن يستحلَّها فهو خير له عند ربه في الآخرة)) (5).
وقال الإمام البغوي رحمه الله: (({ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ} أي معاصي اللَّه وما نهى عنه، وتعظيمها: ترك ملابستها
…
وذهب قوم إلى أن الحرمات هنا: البيت الحرام، والبلد الحرام، والشهر الحرام، والمسجد
(1) سورة الحج، الآية:36.
(2)
سورة البقرة الآية: 158.
(3)
أضواء البيان، 5/ 692 - 693، وانظر: جامع البيان للطبري، 3/ 226.
(4)
سورة الحج: الآية، 30.
(5)
جامع البيان، 18/ 617.