الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وسمعت شيخنا ابن باز رحمه الله يقول على قول البخاري: ((رواه أنس وابن عباس)) قال: ((
…
وكذا جابر وابن عمر، كلهم ذكروا بأنه صلى الله عليه وسلم أهل بعدما ركب، فقد صلَّى ثم ركب على راحلته ولبّى حين استوت به، أما حديث أنه أوجب بعد صلاته، ثم أوجب عندما ركب، ثم عند الاستواء على البيداء فهو ضعيف)) (1).
ويلبي بتلبية النبي صلى الله عليه وسلم: ((لبيك اللَّهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك)) (2).
ثالثاً: مسائل في الإحرام:
1 - إذا كان من يريد الإحرام خائفاً من عائق يعوقه عن إتمام نسكه
شُرِعَ له أن يشترط فيقول عند إحرمه بالنسك: ((
…
فإن حبسني حابس فمحلِّي حيث حبستني))؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر ضباعة بنت الزبير حين أرادت أن تحرم وهي مريضة أن تشترط، فمتى اشترط المحرم ذلك عند
إحرامه ثم أصابه ما يمنعه من إتمام نسكه فإن له التحلل ولا شيء عليه.
فعن عائشة رضي الله عنها قالت: دخل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على ضباعة بنت الزبير فقال لها: ((لعلك أردت الحج؟)) قالت: واللَّه لا أجدني إلا وجعة (3)، فقال لها:((حجِّي واشترطي (4)، قولي: اللَّهم محلِّي حيث حبستني)) (5). وكانت تحت المقداد بن الأسود (6).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أن ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب رضي الله عنها، أتت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقالت: إني امرأة ثقيلة، وإني أريد الحج فما تأمرني؟ قال: ((أهلي بالحج واشترطي أن محلِّي حيث
(1) سمعته منه أثناء تقريره على صحيح البخاري، الحديث رقم 1515.
(2)
متفق عليه، البخاري، برقم 1549، ومسلم، برقم 19 - (1184) وتقدم تخريجه في منافع الحج.
(3)
ما أجدني إلا وجعه: أي ما أجد نفسي إلا ذات وجع، تعني: أجد في نفسي ضعفاً من المرض، لا أدري أقدر على إتمام الحج أم لا.
(4)
حجي واشترطي: أي أحرمي بالحجي واجعلي شرطاً في حجك عند الإحرام، وهو اشتراط التحلل متى احتجتِ إليه.
(5)
محلي حيث حبستني: أي موضع إحلالي من الأرض حيث حبستني: أي هو المكان الذي عجزت عن الإتيان بالمناسك وانحبست عنها بسبب قوة المرض، ومحلِّي بكسر الحاء: اسم مكان، بمعنى: موضع التحلل من الإحرام.
(6)
متفق عليه: البخاري، كتاب النكاح، باب الأكفاء في الدين، برقم 5089، ومسلم، كتاب الحج، باب جواز اشتراط المحرم التحلل بقدر المرض ونحوه، برقم 1207.
حبستني)) (1)، ولفظ أبي داود:((قولي لبيك اللَّهم لبيك، ومحلِّي من الأرض حيث حبستني)) (2).
وفي لفظ للنسائي: ((قولي: لبيك اللَّهم لبيك ومحلِّي من الأرض
حيث حبستني؛ فإن لك على ربك ما استثنيت)) (3).
وعن ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب رضي الله عنها قالت: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: ((احرمي وقولي: إن محلِّي حيث تحبسني، فإن حُبِسْتِ، أو مرضت فقد أحللتِ من ذلك شَرْطَكِ على ربِّك عز وجل)) (4).
وما دلت عليه هذه الأحاديث ورواياتها الصحيحة هو الصواب
(1) مسلم، كتاب الحج، باب جواز اشتراط المحرم التحلل بقدر المرض ونحوه، برقم 1208.
(2)
سنن أبي داود، كتاب الحج، باب الاشتراط في الحج، برقم 1776، والترمذي، كتاب الحج، باب ما جاء في الاشتراط في الحج، برقم 941.
(3)
النسائي، كتاب مناسك الحج، باب كيف يقول إذا اشترط، برقم 2765،وقال العلامة الألباني في صحيح سنن النسائي،2/ 278:((حسن صحيح)) وانظر: إرواء الغليل للألباني، برقم 1010.
(4)
أحمد في المسند، 45/ 347، برقم 27358، وقال محققو المسند:((حديث صحيح)) والحديث في مسند أحمد الطبعة القديمة، 6/ 419.
من أقوال العلماء (1).
(1) اختلف العلماء رحمهم اللَّه تعالى في الاشتراط عند الإحرام، على ثلاثة أقوال على النحو الآتي:
القول الأول: الاشتراط عند الإحرام سنة مطلقاً، وهو مذهب الحنابلة، قال في الفروع، لابن مفلح، 5/ 328:((ويستحب أن يشترط)) ((ومحلي حيث حبستني))، وقال في الإنصاف،
8/ 187: ((
…
يقول ذلك بلسانه
…
وهو صحيح، فلا يصح الاشتراط بقلبه على الصحيح من المذهب، وعليه أكثر الأصحاب، وقطع به كثير منهم، وقيل يصح؛ لأنه تابع للإحرام، وينعقد بالنية فكذا الاشتراط، وهما احتمالان مطلقان في المغني، 5/ 94، وانظر: مسائل أحمد رواية ابن هاني، 1/ 152، ورواية عبد اللَّه، 2/ 685، واستدلوا بقصة ضباعة رضي الله عنها.
القول الثاني: الاشتراط عند الإحرام ليس بسنة مطلقاً، ولا يشرع ولا يصح، واستدلوا بقوله تعالى:{فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الهَدْيِ} [البقرة: 196]، وبقول ابن عمر رضي الله عنهما، فعن سالم قال: كان ابن عمر ينكر الاشتراط في الحج، ويقول:((أليس حسبكم سنة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إن حُبس أحدكم عن الحج طاف بالبيت، وبالصفا والمروة، ثم حلَّ من كل شيء حتى يحج عاماً قابلاً، ويهدي ويصوم إن لم يجد هدياً)). وفي لفظ: ((فإن حبس أحدكم حابس فليأتِ البيت فليطف به، وبين الصفا والمروة، ثم ليحلق، أو يقصر، ثم ليحلل وعليه الحج من قابل)). هذا لفظ النسائي في كتاب مناسك الحج، باب ما يفعل من حبس عن الحج ولم يكن اشترط، برقم 2768، 2769، والبخاري، كتاب المحصر، باب الإحصار في الحج، برقم 1810. ونسب هذا القول: للحنفية، والمالكية ابن مفلح في الفروع، 5/ 329.
القول الثالث: الاشتراط عند الإحرام سنة لمن يخاف المانع من إتمام النسك، من حصر مرض أو غيره، وتركه سنة لمن لم يخف، واستدلوا بقصة ضباعة، وأن النبي صلى الله عليه وسلم: إنما أمرها أن تشترط على ربها لما كانت مريضة شاكية، فخاف أن يصدَّها المرض عن البيت. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:((ويستحب للمحرم الاشتراط إن كان خائفاً، وإلا فلا، جمعاً بين الأخبار)). [الأخبار العلمية من الاختيارات الفقهية، لشيخ الإسلام ابن تيمية، ص 173]، وقال في موضع آخر:((لكن المقصود بهذا اللفظ أنه أمرها بالاشتراط في التلبية، ولم يأمرها أن تقول قبل التلبية شيئاً، لا اشتراطاً ولا غيره))، وقال:((وإن اشترط على ربه خوفاً من العارض فقال: وإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني، كان حسناً؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمر ابنة عمه ضباعة بنت الزبير أن تشترط على ربها، لما كانت شاكية، فخاف أن يصدها المرض عن البيت ولم يكن يأمر بذلك كل من حج)). [مجموع فتاوى ابن تيمية، 26/ 105، 106، 107]، وقال ابن مفلح في الفروع، 5/ 329:((واستحب شيخنا الاشتراط للخائف خاصة جمعاً بين الأدلة، ونقل أبو داود: إن اشترط فلا بأس))، ويعني بشيخه: ابن تيمية رحمه الله.
قال الإمام النووي رحمه اللَّه تعالى عن حديث ضباعة بنت الزبير: ((فيه دلالة لمن قال: يجوز أن يشترط الحاج والمعتمر في إحرامه أنه إن مرض تحلَّل، وهو قول عمر بن الخطاب، وعلي، وابن مسعود، وأخيرين من الصحابة رضي الله عنهم، وجماعة من التابعين، وأحمد، وإسحاق، وأبي ثور، وهو الصحيح من مذهب الشافعي، وحجتهم هذا الحديث الصحيح الصريح. وقال أبو حنيفة، ومالك، وبعض التابعين لا يصح الاشتراط، وحملوا الحديث على أنها قضية عين، وأنه مخصوص بضباعة، وفي الحديث دليل على أن المرض لا يبيح التحلل إذا لم يكن اشترط في حال الإحرام، واللَّه أعلم)). [شرح النووي على صحيح مسلم، 8/ 381 - 382].
وقال الإمام القرطبي رحمه الله: ((وبظاهر هذا الحديث قال جماعة من العلماء من الصحابة والتابعين، وغيرهم، منهم: عمر، وعلي، وابن مسعود، وهو قول أحمد، وإسحاق، وأبي ثور، وللشافعي قولان، فكل هؤلاء يجوز الاشتراط في الحج، وأنه له الفسخ إذا وقع شرطه، ومنع من ذلك جماعة أخرى، وقالوا: إنه لا ينفع، منهم: ابن عمر، والزهري، ومالك، وأبو حنيفة، متمسكين بقوله تعالى:{وأتِمُّوا الحَجَّ والعُمْرَةَ لله} [البقرة: 196] وبقوله: {ولا تُبْطِلُوا
أعْمَالَكُمْ} [محمد: 33]، واعتذروا عن الحديث بوجهين: أحدهما: ادّعاء الخصوص بهذه المرأة، وثانيهما: أنهم حملوه على التحلل بالعمرة؛ فإنها أرادت أن تحج، كما جاء مفسراً من رواية ابن المسيب، وهو أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أمر ضباعة أن تشترط، وتقول:((اللَّهم الحج أردت، فإن تيسر وإلا فعمرة)) [البيهقي، 5/ 223]، وروي عن عائشة أنها كانت تقول:((للحجِّ خرجتُ وله قصدت فإن قضيته فهو الحج، وإن حال دونه فهو العمرة)) [البيهقي، 5/ 222]، واللَّه أعلم. المفهم لما أشكل من تلخيص صحيح مسلم، 3/ 295 - 296.
وقال شيخنا ابن باز رحمه الله: ((وإن خاف المحرم ألا يتمكن من أداء نسكه؛ لكونه مريضاً أو خائفاً من عدو ونحوه استحب له أن يقول عند إحرامه: ((فإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني؛ لحديث ضباعة بنت الزبير
…
وفائدة هذا الشرط: أن المحرم إذا عرض له ما يمنعه من تمام نسكه: من مرض، أو صد عدو، جاز له التحلل ولا شيء عليه)). [مجموع فتاوى ابن باز 16/ 49]، وقال:((الاشتراط يكون وقت الإحرام إذا دعت الحاجة إليه؛ لحديث عائشة رضي الله عنها في قصة ضباعة بنت الزبير)). مجموع الفتاوى، 16/ 128.
ورجح العلامة ابن عثيمين ما رجحه شيخ الإسلام ابن تيمية وهو: أن الاشتراط سنة لمن كان يخاف المانع من إتمام النسك، ثم قال:((وهذا القول هو الصحيح والذي تجتمع به الأدلة)) [الشرح الممتع، 7/ 80].