الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اللَّه لهم الدين تمت عليهم النعمة (1).
وقد ذُكِرَ أن عمر بكى عندما نزلت هذه الآية في يوم عرفة، فقيل له: ما يبكيك؟ قال: أبكاني أَنَّا كنا في زيادة من ديننا، فأما إذا أُكمل فإنه لم يكمل شيء إلا نقص (2)، وكأنه رضي الله عنه توقع موت النبي صلى الله عليه وسلم قريباً.
2 - خطبته صلى الله عليه وسلم ووداعه ووصيته لأمته يوم النحر:
قال جابر رضي الله عنه: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يرمي على راحلته يوم النحر ويقول: ((لتأخذوا مناسككم فإني لا أدري لعلِّي لا أحُجُّ بعد حجتي هذه)) (3).
وعن أم الحصين رضي الله عنها قالت: حججت مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فرأيته حين رمى جمرة العقبة وانصرف وهو على راحلته ومعه بلال وأسامة
…
فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قولاً كثيراً ثم سمعته يقول: ((إن أُمِّر عليكم عبد مجدَّع أسود يقودكم بكتاب اللَّه تعالى فاسمعوا له وأطيعوا)) (4).
وعن أبي بكرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قعد على بعيره وأمسك إنسان بخطامه - أو بزمامه - وخطب الناس [وفي رواية: خطبنا النبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر] فقال: ((أتدرون أيُّ يوم هذا؟))، قالوا: اللَّه ورسوله أعلم [فسكت]
(1) تفسير ابن كثير، 2/ 12.
(2)
ذكره ابن كثير في تفسيره 2/ 12 وعزاه بإسناده إلى تفسير الطبري. وهذا يشهد له قوله صلى الله عليه وسلم: ((بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريبًا كما بدأ
…
)). [مسلم، برقم 145].
(3)
مسلم، برقم 1297، وتقدم تخريجه.
(4)
مسلم، كتاب الحج، باب استحباب رمي جمرة العقبة يوم النحر، برقم 1298.
حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، فقال:((أليس بيوم النحر؟))، قلنا: بلى يا
رسول اللَّه! قال: ((فأي شهر هذا؟))، قلنا: اللَّه ورسوله أعلم [فسكت] حتى ظننا أنه سيسمه بغير اسمه، فقال:((أليس بذي الحجة؟))، قلنا: بلى يا رسول اللَّه. قال: ((فأي بلد هذا؟))، قلنا اللَّه ورسوله أعلم [فسكت] حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه. قال:((أليست البلدة الحرام؟))، قلنا: بلى يا رسول اللَّه، قال:((إن دماءكم، وأموالكم، وأعراضكم، وأبشاركم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا [وستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم، فلا ترجعوا بعدي كفاراً] [أو ضُلَاّلاً] يضرب بعضكم رقاب بعض، ألا ليبلغ الشاهد [منكم] الغائب [فَرُبَّ مُبلَّغ أوعى من سامع] أَلَا هل بلَّغت))، وفي رواية لمسلم:((ثم انكفأ (1) إلى كبشين أملحين فذبحهما، وإلى جُزيعةٍ من الغنم (2) قسمها بيننا، وفي رواية للبخاري ومسلم:((إن الزمان قد استدار (3) كهيئته يوم خلق اللَّه السموات والأرض: السنة اثنا عشر شهراً، منها أربعة حرم، ثلاثة
متوالياتٌ: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب مُضَرَ الذي بين
(1) انكفأ: أي انقلب. انظر: شرح النووي، 11/ 183.
(2)
جزيعة من الغنم: الجزيعة: القطعة من الغنم، تصغير جِزْعة بالكسر، وهو القليل من الشيء، يقال: جزع له جِزْعةً من المال، أي: قطع له منه قطعة. [النهاية في غريب الحديث لابن الأثير، باب الجيم مع الزاي، 1/ 269].
(3)
إن الزمان قد استدار: قال الإمام النووي في شرحه لصحيح مسلم، 11/ 181: ((
…
قال العلماء: معناه: أنهم في الجاهلية يتمسّكون بملة إبراهيم صلى الله عليه وسلم في تحريم الأشهر الحرم، وكان يشق عليهم تأخير القتال ثلاثة أشهر متواليات، فكانوا إذا احتاجوا إلى القتال أخَّروا تحريم المحرّم إلى الشهر الذي بعده وهو صفر، ثم يؤخرونه إلى السنة الأخرى إلى شهر آخر، وهكذا يفعلون في سنة بعد سنة حتى اختلط عليهم الأمر، وصادفت حجة النبي صلى الله عليه وسلم تحريمهم، وقد تطابق الشرع وكانوا في تلك السنة قد حرَّموا ذا الحجة لموافقة الحساب الذي ذكرناه، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الاستدارة صادفت ما حكم اللَّه به يوم خلق السموات والأرض)).
جُمادى وشعبان)) (1).
وسكوته صلى الله عليه وسلم بعد كل سؤال من هذه الأسئلة الثلاثة كان لاستحضار فهومهم؛ وليقبلوا عليه بكلِّيَّتهم؛ وليستشعروا عظمة ما يخبرهم عنه (2).
وعن عبد اللَّه بن عباس رضي الله عنهما أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم خطب الناس يوم النحر فقال: ((يا أيُّها الناس، أيُّ يَوْمٍ هَذا؟)) قالُوا: يَوْمٌ حَرَامٌ، قال:((فَأيُّ بَلَدٍ هَذا؟)) قالُوا: بَلَدٌ حَرَامٌ، قَالَ:((فَأيُّ شَهْرٍ هَذا؟)) قالُوا: شَهْرٌ حَرَامٌ، قال:((فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، في بَلَدِكُمْ هَذَا، في شَهْرِكُمْ هَذَا)) - فأعادها مرارًا - ثم رفع رأسه فقال: ((اللَّهمَّ هَلْ بَلَّغْتُ؟ اللَّهمَّ هَلْ بَلَّغْتُ)) قال ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: فَوَ الَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ! إنَّها لَوَصِيَّتُهُ إلى أمَّتِهِ، ((فَلَيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ، لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ)) (3).
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ((وقف النبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر بين الجمرات في الحجة التي حجَّ بها، وقال: ((هذا يوم الحجِّ الأكبر))، وطَفِق (4) النبي صلى الله عليه وسلم
يقول: ((اللَّهمّ اشْهَدْ))، وودَّع الناس فقالوا: هذه حجة الوداع)) (5).
(1) متفق عليه: البخاري، كتاب العلم، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم:((رُبَّ مبلغ أوعى من سامع))، برقم 67، وأطرافه في البخاري: 105، 1741، 3197، 4406، 4662، 5550، 7078، 7447، ومسلم، كتاب القسامة، باب تغليظ تحريم الدماء، برقم 1679، والألفاظ من هذه المواضع.
(2)
انظر: فتح الباري، 1/ 159.
(3)
البخاري، كتاب الحج، باب الخطبة أيام منى، برقم 1739، وطرفه، برقم 7079.
(4)
طفق: جعل وشرع يقول.
(5)
البخاري، كتاب الحج، باب الخطبة أيام منى، برقم 1742.
وعن عَمْرِو بْنِ الْأَحْوَصِ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ: ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَلَا أَيُّ يَوْمٍ أَحْرَمُ؟)) ثَلَاثَ مَرَّاتٍ قَالُوا: يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ، قَالَ:((فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ بَيْنَكُمْ حَرَامٌ؛ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، أَلَا لَا يَجْنِي جَانٍ إِلَّا عَلَى نَفْسِهِ، وَلَا يَجْنِي وَالِدٌ عَلَى وَلَدِهِ، وَلَا مَوْلُودٌ عَلَى وَالِدِهِ، أَلَا إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ أَيِسَ أَنْ يُعْبَدَ فِي بَلَدِكُمْ هَذَا أَبَدًا، وَلَكِنْ سَيَكُونُ لَهُ طَاعَةٌ فِي بَعْضِ مَا تَحْتَقِرُونَ مِنْ أَعْمَالِكُمْ، فَيَرْضَى بِهَا، أَلَا وَكُلُّ دَمٍ مِنْ دِمَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ، وَأَوَّلُ مَا أَضَعُ مِنْهَا دَمُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ - كَانَ مُسْتَرْضِعًا فِي بَنِي لَيْثٍ فَقَتَلَتْهُ هُذَيْلٌ - أَلَا وَإِنَّ كُلَّ رِبًا مِنْ رِبَا الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ، لَكُمْ رُوُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ، أَلَا يَا أُمَّتَاهُ! هَلْ بَلَّغْتُ؟)) ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ:((اللَّهمَّ اشْهَدْ)) ثَلَاثَ مَرَّاتٍ)) (1).
وقد فتح اللَّه أسماع جميع الحجاج بمنى حتى سمعوا خطبة النبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر، وهذا من معجزاته أن بارك في أسماعهم وقوَّاها حتى سمعها القاصي والداني حتى كانوا يسمعون وهم في منازلهم (2).فعن عبد الرحمن بن معاذ التيمي رضي الله عنه قال: ((خطبنا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ونحن بمنى فَفُتِحت
أسماعُنا حتى كُنَّا نسمع ما يقول ونحن في منازلنا
…
)) (3).
(1) ابن ماجه، كتاب المناسك، باب الخطبة يوم النحر، برقم 3055، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه، 3/ 57، وفي إرواء الغليل، 5/ 279.
(2)
انظر: عون المعبود، 5/ 436، وفتح الملك المعبود، 2/ 106.
(3)
أبو داود، كتاب المناسك، باب ما يذكر الإمام في خطبته بمنى، برقم 1957، وفي آخره قصة تدل على أنه يوم النحر، والحديث صححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، برقم 1724.
عن جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، قَالَ: قَامَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم بِالْخَيْفِ مِنْ مِنًى، فَقَالَ:((نَضَّرَ اللَّه امْرَأً سَمِعَ مَقَالَتِى فَبَلَّغهَا، فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ غَيرُ فقيهٍ، وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ، ثَلاثٌ لا يَغِلُّ عَلَيْهِنَ قَلْبُ مُؤْمِنٍ: إِخْلَاصُ الْعَمَلِ لله، وَالنَّصِيحَةُ لِولاةِ الْمُسلِمينَِ، وَلُزُومُ جَمَاعَتِهم؛ فَإِنَّ دَعْوَتَهُمْ تُحيطُ مِنْ وَرَائِهِم)) (1).
وعَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: خَطَبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم النَّاسَ بِمِنًى، وَنَزَّلَهُمْ مَنَازِلَهُمْ، فَقَالَ:((لِيَنْزِلِ الْمُهَاجِرُونَ هَاهُنَا - وَأَشَارَ إِلَى مَيْمَنَةِ الْقِبْلَةِ - وَالْأَنْصَارُ هَاهُنَا - وَأَشَارَ إِلَى مَيْسَرَةِ الْقِبْلَةِ - ثُمَّ لِيَنْزِلِ النَّاسُ حَوْلَهُم)) (2).
وعن الْهِرْمَاسِ بْنِ زِيَادٍ الْبَاهِلِيِّ، قَالَ:((رَأَيْتُ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ النَّاسَ عَلَى نَاقَتِهِ الْعَضْبَاءِ، يَوْمَ الأَضْحَى بِمِنًى)) (3).
وعن أَبي أُمَامَةَ قال: ((سَمِعْتُ خُطْبَةَ رَسُولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم بِمِنًى يَوْمَ النَّحْرِ)) (4).
وعن رَافِعِ بْنِ عَمْرٍو الْمُزَنِيِّ، قَالَ: ((رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ النَّاسَ بِمِنًى، حِينَ ارْتَفَعَ الضُّحَى، عَلَى بَغْلَةٍ شَهْبَاءَ، وَعَلِيٌّ رضي الله عنه يُعَبِّرُ عَنْهُ،
(1) ابن ماجه، كتاب المناسك، باب الخطبة يوم النحر، برقم 3056، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه، 3/ 58.
(2)
أبو داود، كتاب المناسك، باب النزول بمنى، برقم 1951، وصححه الألباني في صحيح أبي داود، 1/ 548.
(3)
أبو داود، كتاب المناسك، باب من قال خطب يوم النحر، برقم 1954، وصححه الألباني في صحيح أبي داود، 1/ 548 - 549.
(4)
أبو داود، كتاب المناسك، باب من قال خطب يوم النحر، برقم 1955، وصححه الألباني في صحيح أبي داود، 1/ 549.