الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدليل الثاني عشر: عمل جميع الصحابة بلا استثناء في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وبعد مماته
، فكلّهم يرمون في حجهم في أيام التشريق بعد الزوال، وقد حج مع النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة خلق كثير، بلغ عددهم كما ذكر العلماء: مائة وثلاثين ألفاً (1).
وقد بيّن جابر بن عبد اللَّه رضي الله عنهما في صفة حجة الوداع، أن أعدادهم كثيرة جداً حيث قال: ((مكث النبي صلى الله عليه وسلم تسع سنين لم يحج، ثم أذَّن في الناس في العاشرة: أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حاجٌّ فقدم المدينة بشرٌ كثيرٌ كلّهم يلتمس أن يأتمَّ برسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ويعمل مثل عمله، فخرجنا معه حتى أتينا ذا الحليفة
…
)) إلى أن قال: ((
…
فصلّى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في المسجد، ثم ركب القصواء حتى إذا استوت به ناقته على البيداء نظرت إلى مدِّ بصري بين يديه: من راكب وما شٍ، وعن يمينه مثل ذلك، وعن يساره مثل ذلك، ومن خلفه مثل ذلك، ورسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا، وعليه ينزل القرآن، وهو يعرف تأويله، وما عمل من شيء عملنا به
…
)) (2)، وكل هؤلاء
عملوا المناسك مع النبي صلى الله عليه وسلم وقال لهم: ((خذوا عني مناسككم، لعلي لا أراكم بعد عامي هذا)) (3)، فأخذوا عنه ذلك وطبَّقوه وعلَّموه من لم يسمع، وبلّغوه مَنْ بعدهم، فلم يرمِ واحدٌ من هؤلاء الصحابة الجمار أيام التشريق إلا بعد الزوال اقتداء بنبيِّهم صلى الله عليه وسلم، ولم يثبت عن صحابيٍّ واحدٍ أنه أفتى بالرمي قبل الزوال، أو رمى قبل الزوال لا في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، ولا بعد
(1) انظر: فتح الملك المعبود في شرح سنن أبي داود، 2/ 105.
(2)
مسلم، برقم 1218.
(3)
مسلم بنحوه، برقم 1297، والبيهقي بلفظه، 5/ 125.
وفاته، وحج الناس في زمن الصحابة ثلاثاً وثمانين حَجةً ولم يرمِ واحد منهم قبل الزوال؛ لمدة أربعٍ وثمانين سنةً، بالعام الذي حج فيه النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم مات وعمر أنس بن مالك رضي الله عنه عشرون سنة، وهو آخر من مات من الصحابة، وقد عُمِّر حيث عاش مائة وثلاث سنين، وتوفي على الصحيح سنة ثلاث وتسعين هـ رضي الله عنه وأرضاه كما قال الإمام النووي والحافظ ابن حجر، والذهبي رحمهم اللَّه تعالى (1).
وسمعت شيخنا ابن باز رحمه الله يقول: ((
…
والرمي بعد الزوال عند جمهور أهل العلم، والأئمة الأربعة، وخالف بعض التابعين، وهو قول شاذ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:((خذوا عني مناسككم))، ولو كان هناك رخصة لما أخَّرها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، ومعلوم أن الرمي أول النهار فيه سهولة، وفيه سعة، فلو كان جائزاً لبادر إليه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وقد تتبَّعتُ هذا كثيراً وزمناً طويلاً، فلم أجد عن صحابيٍّ واحدٍ ما يدل على الرمي قبل الزوال: لا من قوله، ولا من فعله، والصواب أن الرمي قبل الزوال لا يجزئ، ولو
قال به بعض التابعين، ولو قال به أبو حنيفة في يوم النفر، فهو فاسد، ومن ترك ذلك فعليه دم)) (2)(3).
(1) انظر: تهذيب الأسماء واللغات للإمام النووي، 1/ 127، وسير أعلام النبلاء للذهبي،
3/ 395 - 406، والإصابة في تمييز الصحابة، لابن حجر، 1/ 71 - 72.
(2)
سمعته أثناء تقريره على بلوغ المرام لابن حجر، الحديث رقم 781.
(3)
قال الإمام ابن قدامة في المغني، 5/ 328،:((ولا يرمي في أيام التشريق إلا بعد الزوال، فإن رمى قبل الزوال أعاد، نص عليه أحمد، وروي ذلك عن ابن عمر، وبه قال: مالك، والثوري، والشافعي، وإسحاق، وأصحاب الرأي، وروي عن الحسن وعطاء، إلا أن إسحاق، وأصحاب الرأي رخَّصوا في الرمي يوم النفر قبل الزوال ولا ينفر إلا بعد الزوال، وعن أحمد مثله، ورخص عكرمة في ذلك أيضاً، وقال: طاوس: يرمي قبل الزوال وينفر قبله .. )) ثم رد عليهم رحمه الله بالأدلة المذكورة وانظر: أيضاً كتاب الفروع لابن مفلح، 6/ 60.