الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقت الثانية فيصلي جمع تأخير في وقت الثانية (1)، فهذا هو الجمع الذي ثبت
في الصحيحين من حديث أنس، وابن عمر، كما تقدم، وهو نظير جمع مزدلفة.
الدرجة الثانية: إذا كان المسافر نازلاً في وقت الصلاة الأولى
ويكون سائرًا في وقت الصلاة الثانية؛ فإنه يصلي جمع تقديم في وقت الأولى، وهذا نظير الجمع بعرفة، وهذا الذي ثبت من حديث أنس رضي الله عنه في رواية الحاكم ومستخرج مسلم لأبي نعيم، وثبت من حديث معاذ رضي الله عنه في سنن الترمذي وأبي داود كما تقدّم.
الدرجة الثالثة: إذا كان المسافر نازلاً في وقت الصلاتين جميعًا
نزولاً مستمرًا، فالغالب من سنة النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا يجمع بينهما وإنما يصلي كل صلاة في وقتها مقصورة كما فعل صلى الله عليه وسلم في منى وفي أكثر أسفاره، ولكن قد يجمع أحيانًا أثناء نزوله نزولاً مستمرًا كما جاء عن معاذ رضي الله عنه أنهم خرجوا مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، ((فكان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يجمع بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء، فأخّر الصلاة يومًا ثم خرج فصلى الظهر والعصر جميعًا، ثم دخل، ثم خرج فصلى المغرب والعشاء جميعًا)) (2)، قال
(1) وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية: أن الجمع جائز في الوقت المشترك، فتارة يجمع في أول الوقت، كما جمع صلى الله عليه وسلم بعرفة، وتارة يجمع في وقت الثانية كما جمع صلى الله عليه وسلم بمزدلفة: وفي بعض أسفاره، وتارة يجمع فيما بينهما في وسط الوقتين، وقد يقعان معًا في آخر وقت الأولى، وقد يقعان معًا في أول وقت الثانية، وقد تقع هذه في هذا وهذه في هذا، وكل هذا جائز؛ لأن أصل هذه المسألة أن الوقت عند الحاجة مشترك، والتقديم، والتوسط، والتأخير بحسب الحاجة والمصلحة، ففي عرفة ونحوها يكون التقديم هو السنة، وكذلك جمع المطر: السنة أن يجمع للمطر في وقت المغرب، حتى اختلف مذهب أحمد هل يجوز أن يجمع للمطر في وقت الثانية؟
…
انظر مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية،24/ 56.
(2)
النسائي، كتاب المواقيت، باب الوقت الذي يجمع فيه المسافر بين الظهر والعصر، برقم 587، وأبو داود، كتاب الصلاة، باب الجمع بين الصلاتين، برقم 1206، وموطأ الإمام مالك، كتاب قصر الصلاة، باب الجمع بين الصلاتين في الحضر والسفر،1/ 143 - 144 وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/ 330، وفي صحيح سنن النسائي،1/ 196.
شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ((ظاهره أنَّه كان نازلاً في خيمة في السفر، وأنه أخّر الظهر ثم خرج فصلى الظهر والعصر جميعًا، ثم دخل إلى
بيته ثم خرج فصلى المغرب والعشاء جميعًا، فإن الدخول والخروج إنما يكون في المنزل، وأما السائر فلا يقال: دخل وخرج بل نزل وركب
…
وهذا دليل على أنه صلى الله عليه وسلم كان يجمع أحيانًا في السفر وأحيانًا لا يجمع، وهو الأغلب على أسفاره
…
وهذا يبيّن أن الجمع ليس من سنة السفر كالقصر، بل يفعل للحاجة، سواء كان في السفر أو الحضر؛ فإنه قد جمع أيضًا في الحضر؛ لئلا يحرج أمته، فالمسافر إذا احتاج إلى الجمع جمع، سواء كان ذلك سيره وقت الثانية، أو وقت الأولى وشقَّ النزول عليه، أو كان مع نزوله لحاجة أخرى: مثل أن يحتاج إلى النوم والاستراحة وقت الظهر، ووقت العشاء، فينزل وقت الظهر وهو تعبان، سهران، جائع محتاج إلى راحة وأكل ونوم، فيؤخر الظهر إلى وقت العصر، ثم يحتاج أن يقدم العشاء مع المغرب وينام بعد ذلك؛ ليستيقظ نصف الليل لسفره، فهذا ونحوه يباح له الجمع. وأما النازل أيامًا في قرية أو مصر وهو في ذلك كأهل المصر: فهذا وإن كان يقصر؛ لأنه مسافر فلا يجمع)) (1).
واستُدِلَّ على أن المسافر يجمع بين الصلاتين عند الحاجة في نزوله في
(1) مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، 24/ 64 - 65، وأما تلميذه ابن القيم فلا يرى الجمع وقت النزول، انظر: زاد المعاد في هدي خير العباد، 1/ 481، وأما شيخنا عبد العزيز ابن باز، فيرى أن الجمع للمسافر وقت النزول لا بأس به، ولكن تركه أفضل. انظر: مجموع فتاوى ابن باز، 12/ 297.
السفر بحديث أبي جحيفة رضي الله عنه:أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو نازل بمكة بالأبطح في حجة الوداع في قبة له حمراء من أدم، قال: فخرج النبي صلى الله عليه وسلم بالهاجرة عليه حلة حمراء، فتوضأ وأذن بلال، ثم رُكِزَت له عنزة فتقدم فصلى بهم بالبطحاء
الظهر ركعتين، والعصر ركعتين
…
)) (1)،قال النووي رحمه الله:((فيه دليل على القصر والجمع في السفر، وفيه أن الأفضل لمن أراد الجمع وهو نازل في وقت الأولى أن يقدم الثانية إلى الأولى، وأما من كان في وقت الأولى سائرًا فالأفضل تأخير الأولى إلى وقت الثانية)) (2)،واللَّه تعالى أعلم (3).
(1) متفق عليه: البخاري، كتاب الوضوء، باب استعمال فضل وضوء الناس، برقم 187، ومسلم، كتاب الصلاة، باب سترة المصلي، برقم 503.
(2)
شرح النووي على صحيح مسلم، 4/ 468.
(3)
ذكر العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله خلاف العلماء في مسألة جمع المسافر أثناء السير والنزول: قال:
أ - فمنهم من يقول: لا يجوز الجمع للمسافر إلا إذا كان سائرًا لا إذا كان نازلاً، وذكر أدلتهم.
ب - والقول الثاني: أنه يجوز الجمع للمسافر سواء كان نازلاً، أم سائرًا واستدلوا بما يلي:
1 -
أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بغزوة تبوك وهو نازل.
2 -
ظاهر حديث أبي جحيفة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم كان نازلاً بالأبطح في حجة الوداع فصلى الظهر ركعتين والعصر ركعتين.
3 -
عموم حديث ابن عباس: ((جمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء في المدينة من غير خوف ولا سفر)).
4 -
أنه إذا جاز الجمع للمطر ونحوه فجوازه في السفر من باب أولى.
5 -
أن المسافر يشق عليه أن يفرد كل صلاة في وقتها: إما للعناء أو قلة الماء أو غير ذلك.
قال رحمه الله: ((والصحيح أن الجمع للمسافر جائز لكنه في حق السائر مستحب وفي حق النازل جائز غير مستحب، إن جمع فلا بأس وإن ترك فهو أفضل)) الشرح الممتع، 4/ 550 - 553.