الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والإحصار شرعاً:
المنع من المضي إلى بيت اللَّه الحرام (1).
وقيل: المنع عن إتمام الحج والعمرة، أوهما، لا الواجبات (2).
ثانياً: من أحرم بحج أو عمرة ثم مُنِعَ من الوصول إلى البيت
بحصر عدوّ، أو بمرضٍ، أو ضياع نفقة، أو كسر، أو حادث، ولم يستطع أن يذهب من طريق آخر، فعليه أن يبقى على إحرامه إذا كان يرجو زوال هذا الحابس أو المانع قريباً، كأن يكون المانع سيلاً، أو عدوّاً يمكن التفاوض معه في الدخول وأداء الطواف والسعي، وبقية المناسك ولا يعجل في التحلل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة الحديبية لم يعجل، بل مكث هو وأصحابه للمفاوضات مع أهل مكة مدة يوم الحديبية لعلهم يسمحون لهم بالدخول؛ لأداء العمرة بدون قتال، فلمَّا لم يتيسر ذلك وصمَّموا على المنع إلا بالحرب، وفرغ رسول اللَّه من قضية الكتاب قال لأصحابه: ((قوموا فانحروا ثم احلقوا
…
)) قال الراوي: ((فواللَّه ما قام منهم رجل حتى قال ذلك ثلاث مرات، فلما لم يقم منهم أحد، دخل على أم سلمة فذكر لها ما لقي من الناس، فقالت أم سلمة: يا نبي اللَّه أتحب ذلك؟ اخرج ثم لا تكلم أحداً منهم كلمة حتى تنحر بُدْنَك، وتدعو حالقك فيحلقك، فخرج فلم يكلم أحداً منهم حتى فعل ذلك، نحر بُدْنَه، ودعا
حالقه فحلقه، فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا، وجعل بعضهم يحلقوا
(1) معجم لغة الفقهاء، لمحمد روَّاس، ص 159.
(2)
حاشية ابن قاسم على الروض المربع، 4/ 206.
بعضاً، حتى كاد بعضهم يقتل بعضاً غمًّا
…
)) (1).
وكان تأخر الصحابة رضي الله عنهم عن النحر والحلق رغبة في أداء العمرة، وغيظاً على الكفار، ويرجون أن ينزل اللَّه الوحي على رسوله صلى الله عليه وسلم فيغيِّر ما صمَّم عليه من المعاهدة، وليس ذلك بمعصية منهم رضي الله عنهم، فلما رأوا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم نحر ثم حلق أيقنوا أنه لا عمرة، ولا قتال، فنحروا ثم حلقوا.
وإذا قدر المحصر على الهدي فليس له الحلّ قبل ذبحه، ثم يحلق، فإن كان معه هدي قد ساقه أجزأه، وإن لم يكن لزمه شراؤه إن أمكنه، وله نحره في موضع حصره (2).
وبيَّن شيخنا ابن باز رحمه الله: أن المحصر يذبح هديه في المكان الذي أُحْصِرَ فيه، ولو خارج الحرم، ويُعطى للفقراء (3).
وكذلك إذا كان المانع من إكمال الحج أو العمرة: مرض، أو حادث، أو ضياع نفقة، فإنه إذا أمكنه الصبر لعله يزول المانع، أو أثر الحادث، ثم يكمل صبر، وإن لم يتمكن من ذلك فهو محصر على الصحيح، يذبح، ثم
يحلق، أو يقصر، ويتحلل (4)، كما قال سبحانه: {وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ للَّهُ
(1) انظر: قصة صلح الحديبية والمفاوضة العظيمة في صحيح البخاري، كتاب الشروط، باب الشروط في الجهاد والمصالحة مع أهل الحرب، وكتابه الشروط، برقم 2731.
(2)
المغني، لابن قدامة، 5/ 196 - 198، ومجموع فتاوى ابن باز، 18/ 18.
(3)
مجموع فتاوى ابن باز، 16/ 154، و18/ 7، 9، 12.
(4)
اختلف العلماء رحمهم اللَّه تعالى في معنى الإحصار على ثلاثة أقوال:
القول الأول: أن المراد به حصر العدو خاصة دون المرض ونحوه، وهذا قول ابن عباس، وابن عمر، وأنس، وابن الزبير، وهو قول سعيد بن المسيب، وسعيد بن جبير رضي الله عنهم، وبه قال مروان وإسحاق، وهو الرواية المشهورة الصحيحة عن أحمد بن حنبل، وهو مذهب مالك والشافعي رحمهم الله، وعلى هذا القول: فمن أحصر بمرض ونحوه لا يجوز له التحلل حتى يبرأ من مرضه، ويطوف بالبيت، ويسعى، ويحلق أو يقصر فيكون متحللاً بعمرة، وحجة هذا القول متركبة من أمرين:
الأمر الأول: أن الآية الكريمة وهي قوله تعالى: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} . [البقرة: 196] نزلت في صد المشركين النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وهم محرمون بعمرة عام الحديبية عام ست من الهجرة بإجماع العلماء.
الأمر الثاني: ما جاء في ذلك من الأحاديث والآثار، ومنها حديث ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يقول:((أليس حسبكم سنة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم)) إن حُبس أحدكم عن الحج طاف بالبيت وبالصفا والمروة ثم يحل من كل شيء حتى يحج عاماً قابلاً فيهدي، أو يصوم إن لم يجد هدياً)) [البخاري، برقم 1810]، ومن الآثار ما رواه الشافعي في مسنده والبيهقي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال:((لا حصر إلا حصر العدو)) [أضواء البيان للشنقيطي، 1/ 186 - 187، والمغني لابن قدامة، 5/ 194 - 203، والشرح الكبير والإنصاف مع المقنع، 8/ 312 - 326].
القول الثاني: المراد بالإحصار أنه يشمل ما كان من عدو، ومرض ونحو ذلك من جميع العوائق المانعة من الوصول إلى الحرم، وممن قال به: ابن مسعود، ومجاهد، وعطاء وقتادة، وعروة بن الزبير، وإبراهيم النخعي، وعلقمة والثوري، والحسن، وأبو ثور، وداود، وهو مذهب أبي حنيفة، ورواية عن أحمد. وحجة هذا القول من جهة شموله لإحصار العدو قد تقدمت في حجة الذي قبله، وأما من جهة شموله للإحصار بمرض، فحديث الحجاج بن عمر رضي الله عنه، قال: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: ((من كُسِرَ أو عرج، فقد حلَّ وعليه حجة أخرى)). وفي لفظ أبي داود، وابن ماجه:((من عرج أو كسرَ أو مرض)) [أحمد، 3/ 450، وأبو داود، برقم 1862، والترمذي، برقم 940، والنسائي، 5/ 199، وابن ماجه، برقم 3077، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/ 349، 350]. ولأنه محصر، يدخل في عموم الآية، ولقصة ضباعة بنت الزبير في الاشتراط، فلو كان المرض يبيح الحل ما احتاجت إلى شرط.
القول الثالث: المراد بالإحصار: أنه ما كان من المرض، ونحوه خاصة، دون ما كان من العدو، قال الشنقيطي:((ولا يخفى سقوط هذا القول لما قدمناه من أن الآية الكريمة نزلت في إحصار العدو عام الحديبية)) [أضواء البيان، 1/ 190]. وانظر: المغني، 5/ 203 - 204، والشرح الكبير مع المقنع والإنصاف، 9/ 312 - 326.
قال في الإنصاف عن اختيار القول الثاني وأن الإحصار يشمل المرض: ((
…
ويحتمل أنه يجوز له التحلل كمن حصره عدو، وهو رواية عن أحمد، قال الزركشي: ولعلها أظهر، انتهى، واختاره الشيخ تقي الدين، وقال: مثله حائض تعذر مقامها، وحرم طوافها، أو رجعت ولم تطف لجهلها بوجوب طواف الزيارة أو لعجزها عنه، ولو لذهاب الرفقة، قال في الفروع: وكذا من ضل الطريق، الإنصاف، 9/ 325 - 326، ورجح شيخنا ابن باز رحمه الله أن الإحصار يشمل العدو والمرض، وعدم النفقة ونحو ذلك. انظر: مجموع الفتاوى له، 16/ 153، 18/ 7، 11، 18. وسمعته يقول أثناء تقريره على منتقى الأخبار، الحديث رقم 2678: ((أما قول ابن عباس رضي الله عنهما لا حصر إلا من عدو)) فقد خالفه غيره، والصواب أنه لا ينحصر في حصر العدو، بل من ضل السبيل، أو مرض أو ضاعت نفقته فإنه ينحر هدياً ويحلق أو يقصر ثم يحل فإن لم يجد هدياً صام عشرة أيام ثم حلق أو قصر ثم تحلل، أما إذا كان يستطيع الحاج أن يذهب إلى البيت ويتحلل بعمرة فهذا هو المطلوب)). وقال في مجموع فتاويه، 18/ 7، 9، 12:((إذا لم يستطع المحصر الهدي صام عشرة أيام ثم حلق)).
وقال العلامة ابن عثيمين في الشرح الممتع، 7/ 450:((والصحيح في هذه المسألة أنه إذا أحصر بغير عدو كما لو كان حصر بعدو لعموم الآية: {وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لله فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196] ولم يقيد اللَّه تعالى الحصر بعدو)).
واختار شيخ الإسلام ابن تيمية في الاختيارات الفقهية، ص 177 أن الحصر يكون بالعدو والمرض أو ذهاب النفقة.
فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} (1).
وعن عكرمة قال: سمعت الحجاج بن عمرو الأنصاري رضي الله عنه قال: قال
رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: ((من كُسِرَ أو عَرِجَ فقد حلَّ وعليه الحجّ من قابل)).
قال عكرمة: سألت ابن عباس وأبا هريرة عن ذلك، فقالا: صدق.
وعن الحجاج بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من كُسِرَ أو عَرِجَ، أو
(1) سورة البقرة، الآية:196.
مرض
…
)) (1).
لكن إذا كان المحصر قد قال عند إحرامه: ((فإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني)) (2). حل من إحرامه ولم يكن عليه هدي، ولا قضاء (3).
وهل يجب على المحصر إذا حلَّ من إحرامه، ولم يكن قد اشترط القضاء أم لا يجب عليه؟ الراجح أنه لا يجب عليه القضاء، إلا إذا كانت حجة الإسلام أو عمرته، فيؤدي الفرض بعد ذلك (4)(5).
(1) أخرجه أبو داود بلفظه، كتاب المناسك، باب الإحصار، برقم 1862، 1863، والترمذي، كتاب الحج، باب ما جاء في الذي يهلُّ بالحج فيكسر أو يعرج، برقم 940، بلفظ:((من كسر أو عرج فقد حل وعليه حجة أخرى))، والنسائي، بلفظ الترمذي، كتاب مناسك الحج، باب فيمن أحصر بعدو، برقم 2860، 2861، وابن ماجه، بلفظ الترمذي والنسائي، كتاب المناسك، باب المحصر، برقم 3077، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/ 481 - 482، وفي المواضع الأخرى المذكورة.
(2)
متفق عليه: البخاري، برقم 5089،ومسلم، برقم 1207،وتقدم تخريجه في الإحرام، مسائل في لإحرام.
(3)
انظر: مجموع فتاوى ابن باز، 18/ 10 - 11.
(4)
انظر: زاد المعاد، 2/ 91،والفتاوى الإسلامية، 2/ 288 - 922، والمغني لابن قدامة، 5/ 194، وتوضيح الأحكام من بلوغ المرام للبسام، 3/ 402، والاختيارات الفقهية لشيخ الإسلام ابن تيمية، ص 177، وأضواء البيان، 1/ 191، وفتح الباري، 4/ 12، ومعالم السنن، 2/ 368، وشرح العمدة لابن تيمية، 2/ 379.
(5)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ((والمحصر بمرض أو ذهاب نفقة كالمحصر بعدو، وهو إحدى الروايتين عن أحمد، ومثلهما حائض تعذر مقامها وحرم طوافها ورجعت ولم تطف، لجهلها بوجوب طواف الزيارة، أو لعجزها عنه، أو لذهاب الرفقة، والمحصر يلزمه دم في أصح الروايتين، ولا يلزمه قضاء حجة، إن كان تطوعاً، وهو إحدى الروايتين)) الاختيارات الفقهية لشيخ الإسلام ابن تيمية، ص177.
وقال الإمام ابن قدامة في المغني، 5/ 196: ((فأما من لم يجد طريقاً أخرى فتحلل فلا قضاء عليه، إلا أن يكون واجباً يفعله بالوجوب السابق في الصحيح من المذهب، وبه قال مالك والشافعي، وعن أحمد أن عليه القضاء، روي ذلك عن مجاهد، وعكرمة، والشعبي، وبه قال أبو حنيفة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما تحلل زمن الحديبية قضى من قابل، وسميت عمرة القضية؛ ولأنه حلَّ من إحرامه قبل إتمامه فلزمه القضاء كما لو فاته الحج
…
)). ثم ردَّ هذا القول ابن قدامة رحمه الله فقال: ((ووجه الأول أنه تطوع جاز التحلل منه مع صلاح الوقت له، فلم يجب قضاؤه، كما لو دخل في الصوم يعتقد أنه واجب فلم يكن، فأما الخبر فإن الذين صدُّوا كانوا ألف وأربعمائة، والذين اعتمروا مع النبي صلى الله عليه وسلم كانوا نفراً يسيراً، ولم ينقل إلينا أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أحداً بالقضاء، وأما تسميتها عمرة القضية، فإنما يعني بها القضية التي اصطلحوا عليها واتفقوا عليها، ولو أرادوا غير ذلك لقالوا: عمرة القضاء، ويفارق الفوات؛ فإنه مفرِّط بخلاف مسألتنا)). المغني لابن قدامة، 5/ 196، وانظر: المقنع والشرح الكبير والإنصاف، 9/ 312 - 327، 328، وشرح العمدة في بيان مناسك الحج والعمرة، 2/ 274، وسمعت شيخنا ابن باز رحمه الله أثناء تقريره على سنن النسائي، الحديث رقم 1861، يبين أن قضاء المحصر على من لم يحج حجة الإسلام.
قال العلامة الشنقيطي رحمه الله في أضواء البيان، 1/ 191: ((
…
وجوب البدل بحجة أخرى أو عمرة أخرى لو كان يلزم لأمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يقضوا عمرتهم التي صدهم عنها المشركون)) قال الإمام البخاري رحمه الله: ((باب من قال ليس على المحصر بدل
…
عن ابن عباس رضي الله عنهما: إنما البدل على من نقض حجه بالتلذذ، فأما من حبسه عذر أو غير ذلك فإنه يحل ولا يرجع
…
وقال مالك وغيره: ينحر هديه، ويحلق في أي موضع كان، ولا قضاء عليه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بالحديبية نحروا وحلقوا، وحلوا من كل شيء قبل الطواف وقبل أن يصل الهدي إلى البيت، ثم لم يذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أحداً أن يقضوا شيئاً، ولا يعودوا له، والحديبية خارج من الحرم)) البخاري، قبل الحديث رقم 1813.