الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث التاسع والعشرون: الفوات
أولاً: مفهوم الفوات
.
الفوات لغة:
مصدر فات يفوت فوتاً وفواتاً، وجمعه: أفوات، ومعناه: أن يُسبق فلا يُدرك، يُقال: فاتني كذا: أي سبقني (1).
وفوات الحج اصطلاحاً:
هو أن يطلع على الحاج فجر يوم النحر ولم يقف بعرفة، قال ابن المنذر:((وأجمعوا على أن الوقوف بعرفة فرض، لا حج لمن فاته الوقوف بها)) (2).
ثانياً: أحكام الفوات:
إذا طلع الفجر من يوم النحر ولم يقف الحاج بعرفة، فقد فاته الحج، فإن كان قد اشترط في ابتداء إحرامه فقال:((فإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني)) تحلَّل من إحرامه، ولا شيء عليه، والأفضل له أن يتحلَّل بعمرة، وإن لم يكن اشترط وفاته الوقوف بعرفة؛ فإنه يتحلَّل بعمرة، فيطوف، ويسعى، ويحلق أو يقصّر، وإذا كان معه هدي ذبحه ويحج عاماً قابلاً ويهدي (3)، كما أفتى بذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه، لأبي أيوب الأنصاري، وهبَّار بن الأسود رضي الله عنهما.
فعن سليمان بن يسار: ((أن أبا أيوب الأنصاري، خرج حاجَّاً، حتى
إذا كان بالنازية (4) من طريق مكة أضلَّ رواحله، وإنه قدم على عمر بن
(1) انظر: لسان العرب، لابن منظور، 2/ 69، فصل الواو، باب التاء، ومعجم لغة الفقهاء للرواس، ص319.
(2)
الإجماع لابن المنذر، ص 73.
(3)
المغني، 2/ 424، وشرح العمدة 2/ 655 - 668، والمنهج لمريد العمرة والحج، ص 58.
(4)
النازية من طريق مكة. هكذا في موطأ مالك، وأما في سنن البيهقي فبلفظ: ((حتى إذا كان بالبادية من طريق مكة
…
)). قال القاضي عياض في كتابه مشارق الأنوار، 2/ 34:((النازية: عين ثرة عل طريق الآخذ من مكة إلى المدينة قرب الصفراء، وهي إلى المدينة أقرب، قيل: مضيق الصفراء سُدّت بعد حروب جرت فيها، وضبطناها في السير بتشديد الياء)).
الخطاب يوم النحر، فذكر ذلك له، فقال عمر: اصنع كما يصنع المعتمر، ثُمَّ قد حللت، فإذا أدركك الحجُّ قابلاً فاحجج، واهدِ ما استيسر من الهدي)) (1).
وعن نافع عن سليمان بن يسار: ((أن هبَّار بن الأسود جاء يوم النحر، وعمر بن الخطاب ينحر هديه، فقال: يا أمير المؤمنين! أخطأنا العدة، كُنَّا نرى أن هذا اليوم يوم عرفة؟ فقال عمر: اذهب إلى مكة فطف أنت ومن معك، وانحروا هدياً إن كان معكم، ثم احلقوا أو قصِّروا، وارجعوا، فإذا كان عامٌ قابلٌ فحجّوا واهدوا، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيامٍ في الحجِّ وسبعةٍ إذا رجع)) (2).
وعن ابن عمر رضي الله عنه: أنه قال: ((من أدرك ليلة النحر من الحاجّ فوقف بجبال عرفة قبل أن يطلع الفجر، فقد أدرك الحج، ومن لم يُدرِك عرفة قبل أن يطلع الفجر فقد فاته الحج، فليأتِ البيت قبل أن يحلق فليطف به
سبعاً، ويطوف بين الصفا والمروة سبعاً، ثم ليحلق أو يقصِّر إن شاء، وإن كان معه هديه فلينحره قبلُ، فإذا فرغ من طوافه وسعيه فليحلق أو
(1) أخرجه الإمام مالك في الموطأ، كتاب الحج، باب هدي من فاته الحج، برقم 153، 1/ 383، والبيهقي 5/ 174، وصححه الألباني في الإرواء، 4/ 344.
وانظر: المغني لابن قدامة، 5/ 246، وشرح العمدة، 2/ 665.
(2)
مالك في الموطأ، كتاب الحج، باب هدي من فاته الحج، برقم 154، 1/ 154، والبيهقي،
5/ 174، وصححه الألباني في إرواء الغليل، 4/ 260، برقم 1068.
يقصّر، ثم ليرجع إلى أهله، فإن أدركه الحج من قابل فليحج إن استطاع، وليهدِ في حجه)) (1).
(1) البيهقي في السنن الكبرى، 5/ 174.
وانظر: مجموع فتاوى ابن باز، 8/ 11. فقد أفتى بذلك شيخنا ابن باز رحمه الله: بأن من فاته الحج تحلل بعمرة، وعليه قضاء الحج عاماً قابلاً.
وسمعت شيخنا ابن باز أثناء تقريره على منتقى الأخبار للمجد ابن تيمية، الحديث رقم 2674، يقول:((ومن فاته الحج تحلل بعمرة: طاف، وسعى، وقصر، وحل، ثم يشرع له أن يحج من عامٍ قابلٍ، ويهدي، فإن عجز عن الهدي صام ثلاثة أيام في الحجِّ وسبعة إذا رجع إلى أهله، كما أفتى بذلك عمر رضي الله عنه)). وذكر البيهقي في هذا الموضع ما يدل على وجوب الهدي عن ابن عمر، وابن الزبير ثم قال:((من نسي شيئاً من نسكه أو تركه، فليهرق دماً)). سنن البيهقي، 5/ 175.
قال الإمام مالك رحمه الله: ((ومن قرن الحج والعمرة، ثم فاته الحج، فعليه أن يحج قابلاً، ويقرن بين الحج والعمرة، ويهدي هديين: هديا لقرانه الحج مع العمرة، وهدياً لما فاته من الحج)) [موطأ الإمام مالك، 1/ 384]، وانظر: أضواء البيان للشنقيطي، 5/ 565 - 567.