الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثانياً: سبب مشروعية السعي بين الصفا والمروة:
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أوَّل ما اتخذ النساء المِنْطَق (1)، من قِبلِ أم إسماعيل، اتخذت منطقاً لتعفي أثرها على سارة (2)، ثم جاء [وفي رواية: لما كان بين إبراهيم وبين أهله ما كان خرج] (3) بها إبراهيم وبابنها إسماعيل وهي ترضعه حتى [قدم مكة، فـ](4) وضعهما عند البيت عند دوحةٍ (5) فوق الزمزم في أعلى المسجد (6) وليس بمكة يومئذ أحد، وليس بها ماء فوضعهما
هنالك، ووضع عندهما جراباً فيه تمر وسقاء فيه [وفي رواية: شنَّة فيها] (7)
(1) المنطق: وهو ما تشدُّ به المرأة وسطها عند عمل الأشغال؛ لترفع ثوبها؛ لئلا تعثر في ذيلها، وهو أيضاً النطاق جامع الأصول، لابن الأثير، 1/ 320.
(2)
لتعفي أثرها على سارة: أي لتخفيه عليها، بالترائي لها بزي الخادمة، مختصر البخاري حاشية الألباني، 2/ 412.
(3)
من طرف الحديث رقم 3365.
(4)
من طرف الحديث عند البخاري برقم 3365.
(5)
دوحة: الدوحة الشجرة العظيمة، وجمعها الدوح، جامع الأصول لابن الأثير، 1/ 302.
(6)
عند البيت: أي عند المكان الذي بني عليه البيت، وكذلك قوله:((في أعلى المسجد)) أي مكان المسجد.
(7)
من طرف الحديث رقم 3365.
ماء (1)[فجعلت أم إسماعيل تشرب من الشنة فيدرُّ لبنها على صبيِّها](2)، ثم قفَّى (3) إبراهيم منطلقاً [إلى أهله] فتبعته أم إسماعيل [حتى لمَّا بلغوا كداء نادته من ورائه] (4) فقالت: يا إبراهيم، أين تذهب وتتركنا في هذا الوادي الذي ليس فيه أنيس ولا شيء؟ فقالت له ذلك مراراً، وجعل لا يلتفت إليها [وفي رواية: إلى من تتركنا؟ قال: إلى اللَّه]، فقالت له: اللَّه أمرك بهذا؟ قال: نعم، قالت: إذن لا يضيعنا، [وفي رواية: قالت: رضيت باللَّه]، ثم رجعت، فانطلق إبراهيم حتى إذا كان عند الثنية (5) حيث لا يرونه استقبل بوجهه البيت (6)، ثم دعا بهؤلاء الدعوات ورفع يديه فقال:{رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ} حتى بلغ: {يَشْكُرُون} (7). وجعلت أم إسماعيل تُرضع إسماعيل وتشرب من ذلك الماء [ويدرُّ لبنها] حتى إذا نفد ما في السقاء عطشت وعطش ابنها فجعلت تنظر إليه يتلوَّى،
أو قال: يتلبَّط (8)[قالت: لو ذهبت فنظرت لعلِّي أحسُّ أحداً] فانطلقت كراهية أن تنظر إليه، فوجدت الصفا أقرب جبل في الأرض يليها،
(1) شنة: الشنة: القربة البالية يكون فيها الماء، جامع الأصول، 10/ 302.
(2)
من طرف الحديث رقم 3365.
(3)
قفى الرجل: إذا ولَاّك قفاه راجعاً عنك، جامع الأصول، 10/ 302.
(4)
كداء: بالفتح والمد: الثنية من أعلى مكة، مما يلي المقابر، وبالضم والقصر (كُدى) من أسفلها مما يلي باب العمرة، جامع الأصول، 10/ 303.
(5)
الثنية: الطريق في العقبة، وقيل: هو المرتفع من الأرض فيها، جامع الأصول، 10/ 302.
(6)
البيت: أي موضع البيت.
(7)
سورة إبراهيم، الآية:37.
(8)
التلبط: الاضطراب، والتقلب ظهراً لبطن، جامع الأصول، 10/ 302.
فقامت عليه ثم استقبلت الوادي تنظر هل ترى أحداً فلم تر أحداً، فهبطت من الصفا حتى إذا بلغت الوادي رفعت طرف درعها ثم سعت سعي الإنسان المجهود حتى جاوزت الوادي، ثم أتت المروة فقامت عليها فنظرت هل ترى أحداً فلم تر أحداً، [ثم قالت: لو ذهبت فنظرت ما فعل؟ (تعني الصبي) فذهبت فنظرت فإذا هو على حاله كأنه ينشغ للموت، فلم تقرُّها نفسها، فقالت: لو ذهبت فنظرت لعلي أحسُّ أحداً فذهبت فصعدت الصفا فنظرت ونظرت فلم تحس أحداً]، ففعلت ذلك سبع مرات، قال ابن عباس: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((فذلك سعي الناس بينهما))، فلما أشرفت على المروة سمعت صوتاً فقالت: صهٍ (1)، تريد نفسها، ثم تسمَّعت فسمعت أيضاً، فقالت: قد أسمعت إن كان عندك غواث (2)، [وفي رواية: فقالت: أغث إن كان عندك خير] فإذا هي بالمَلَك [وفي رواية: فإذا جبريل] عند موضع زمزم فبحث بعقبه [هكذا، وغمز عقبه على الأرض] أو قال: بجناحه - حتى ظهر الماء [فدهشت أم إسماعيل] فجعلت تُحوِّضه (3) وتقول بيدها هكذا، وجعلت تغرف من الماء في
سقائها وهو يفور بعدما تغرف. قال ابن عباس: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((يرحم اللَّه أم إسماعيلَ لو تركت زمزم - أو قال: لوْ لم تغرفْ من زمزم [وفي رواية: لولا أنها عَجِلت] لكانت زمزم عيناً معيناً))، [وفي رواية: لو تركته
(1) صهٍ: اسكت، وقوله:((تريد)) تعني نفسها، معناه: لما سمعت الصوت سكتت نفسها لتتحققه، جامع الأصول، 10/ 302.
(2)
غواث: الغواث، والغياث، والغوث: المعونة، وإجابة المستغيث، جامع الأصول، 10/ 302.
(3)
تحوِّضه: أي تجعل له حوضاً يجتمع فيه الماء، جامع الأصول، 10/ 302.
كان الماء ظاهراً] قال: فشربت [من الماء] وأرضعت ولدها [وفي رواية: ويدرُّ لبنها على صبيِّها] فقال لها الملَكُ: لا تخافوا الضَّيعة، فإن هاهنا بيت اللَّه يبني هذا الغلام وأبوه، وإن اللَّه لا يضيع أهله، وكان البيت مرتفعاً من الأرض كالرابية تأتيه السيول فتأخذ عن يمينه وشماله، فكانت كذلك حتى مرَّت بها رفقةٌ من جرهم - أو أهل بيت من جرهم - مقبلين من طريق كَدَاء فنزلوا في أسفل مكة فرأوا طائراً عائفاً (1) فقالوا: إن هذا الطائر ليدور على ماء، لعهدنا بهذا الوادي وما فيه ماء، فأرسلوا جريًّا أو جريَّتين (2)، فإذا هم بالماء، فرجعوا فأخبروهم بالماء - فأقبلوا قال: وأم إسماعيل عند الماء - فقالوا: أتأذنين لنا أن ننزل عندك؟ قالت: نعم، ولكن لا حق لكم في الماء، قالوا: نعم، قال ابن عباس: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((فألفى (3) ذلك أمَّ إسماعيل وهي تحبُّ الأنس)) فنزلوا وأرسلوا إلى أهليهم فنزلوا معهم حتى إذا كان بها أهل أبيات منهم، وشبَّ الغلام وتعلم العربية منهم، وأنفسهم (4) وأعجبهم حين شب، فلما أدرك زوَّجوه
امرأة منهم، وماتت أم إسماعيل [ثم إنه بدا لإبراهيم فقال لأهله إني مطَّلع تركتي] فجاء إبراهيم بعدما تزوج إسماعيل يطالع تركته (5) فلم يجد
(1) عائفاً: العائف: المتردد حول الماء، جامع الأصول، 10/ 303.
(2)
الجري: الرسول والوكيل، جامع الأصول، 10/ 303.
(3)
فألفى ذلك أم إسماعيل: أي وجد أمَّ إسماعيل [بالنصب على المفعولية]، وهي تحب جنسها [فتح الباري، 6/ 403].
(4)
فأنفسهم: أي صار عندهم نفيساً، مرغوباً فيه، 10/ 303.
(5)
تركته: التركة بسكون الراء: ولد الإنسان، والتركة: اسم للشيء المتروك، جامع الأصول،
10/ 303.
إسماعيل، فسأل امرأته عنه فقالت: خرج يبتغي (1)[وفي رواية: يصيد] لنا، ثم سألها عن عيشهم وهيئتهم، فقالت: نحن بشَرٍّ، ونحن في ضيق وشدة، فشكت إليه، قال: فإذا جاء زوجك اقرئي عليه السلام وقولي له يغيِّر عتبة بابه، فلما جاء إسماعيل كأنه آنس (2) شيئاً فقال: هل جاءكم من أحد؟ قالت: نعم، جاءنا شيخ كذا وكذا فسألنا عنك فأخبرته، وسألني كيف عيشنا، فأخبرته أنَّا في جهد وشدة، قال: فهل أوصاك بشيء؟ قالت: نعم، أمرني أن أقرأ عليك السلام ويقول: غيِّر عتبة بابك. قال: ذاك أبي، وقد أمرني أن أفارقك، الحقي بأهلك فطلَّقها، وتزوج منهم امرأة أخرى، فلبث عنهم إبراهيم ما شاء اللَّه ثم [إنه بدا لإبراهيم، فقال لأهله: إني مطَّلع تركتي، قال: فـ] أتاهم بعدُ فلم يجده، فدخل على امرأته فسألها عنه فقالت: خرج يبتغي [وفي رواية: ذهب يصيد] لنا [فقالت: ألا تنزل فتطعم وتشرب؟] قال: كيف أنتم؟ وسألها عن عيشهم وهيئتهم؟ فقالت: نحن بخير وسعةٍ، وأثنت على اللَّه عز وجل، فقال: ما طعامكم؟ قالت: اللحم، قال: فما شرابكم؟ قالت: الماء، قال: اللَّهم بارك لهم في اللحم والماء. قال النبي صلى الله عليه وسلم: [بركةٌ بدعوة إبراهيم صلى الله عليه وسلم] ((ولم يكن لهم
يومئذ حب، ولو كان لهم دعا لهم فيه)). قال: فهما لا يخلو عليهما أحد بغير مكة إلا لم يوافقاه، قال: فإذا جاء زوجك فاقرئي عليه السلام ومريه يُثَبِّت عتبة بابه، فلما جاء إسماعيل قال: هل أتاكم من أحد؟ قالت: نعم، أتانا شيخ حسن الهيئة - وأثنت عليه - فسألني عنك؟ فأخبرته، فسألني
(1) يبتغي لنا: يطلب لنا الرزق ويسعى فيه، جامع الأصول، 10/ 303.
(2)
آنس شيئاً: أي أبصر شيئاً وأراد: كأنه رأى أثر أبيه وبركة قدومه، [جامع الأصول، 10/ 303].