الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث العاشر: مواقيت الحج والعمرة
أولاً: مفهوم المواقيت:
جمع ميقات وهو ما حُدِّد ووُقِّت للعبادة: من زمان ومكان. والتوقيت: التحديد، وهو أن يجعل للشيء وقتٌ يختصُّ به، وهو بيان مقدار المدة، ثم اتُّسع فيه فأُطلق على المكان، فقيل للموضع: ميقات: والمراد بالميقات هاهنا: الوقت والمكان اللذان يحرِمُ منهما الحاج أو المعتمر، وينشئ النية.
وهو في الاصطلاح موضع العبادة وزمانها:
والمقصود في هذا المبحث ما حدد الشارع للإحرام من المكان والزمان (1).
ثانياً: المواقيت نوعان: المواقيت الزمانية، والمكانية:
النوع الأول: المواقيت الزمانية:
فالميقات الزماني بالنسبة للحاج من أول شهر شوال إلى العاشر من ذي الحجة، فيكون الميقات الزماني للحج: شوال (2)، وذو القعدة (3)، والعشر الأول من ذي الحجة (4). قال تعالى:
{الحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا
(1) انظر: القاموس المحيط، ص 208، والمصباح المنير، 2/ 667، والنهاية في غريب الحديث لابن الأثير، 5/ 212، وجامع الأصول لابن الأثير، 3/ 12.
(2)
شوال: اسم للشهر الذي يلي رمضان، وهو أول أشهر الحج، وسُمِّي بذلك؛ لتشويل لبن الإبل فيه، وهو تولِّيه وإدباره، وقال الفرَّاء: وسمِّي بذلك؛ لشولان الناقة فيه بذنبها، ويجمع على شواويل، وشواول، وشوالات [لسان العرب لابن منظور، 2/ 385].
(3)
ذو القعدة: سُمِّي بذلك؛ لقعودهم فيه عن القتال، والترحال، وهي بالسكر ((قِعْدَة)) والفتح ((ذو القعدة)) والجمع ذوات القعدات، والمثنى منه ذوات القَعْدة، وقيل جمعه: ذوات القَعدة [مختار الصحاح للرازي، ص 57، والمصباح المنير للفيومي، ص 615].
(4)
ذو الحجة: سُمِّي بذلك؛ لإقامتهم الحج فيه [المصباح المنير، ص 147].
جِدَالَ فِي الحَجِّ} (1).
وقال ابن عمر رضي الله عنهما: ((أشهر الحج: شوال، وذو القعدة، وعشر من ذي الحجة)) (2).
وقال ابن عباس رضي الله عنهما: ((من السنة أن لا يحرم بالحج إلا في أشهر الحج)) (3).
فالإحرام بالحج يبدأ في أول ليلة من شوال، وينتهي بطلوع الفجر من ليلة النحر (4)، فقوله تعالى:{الحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} وهي: شوال، وذو القعدة، والعشر الأول من ذي الحجة، وقد قيل: وذو الحجة مع الإجماع على فوات الحج بعدم الوقوف بعرفة قبل الفجر من ليلة النحر (5)، فإن قيل: كيف يكون النحر يوم الحج الأكبر والحج يفوت
بطلوع فجر يوم النحر (6)، فالجواب: أن الذي فاته وقت الوقوف لا
(1) سورة البقرة، الآية:197.
(2)
البخاري، كتاب الحج، باب قول اللَّه تعالى:{الحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الحَجِّ} [البقرة: 189] قبل الحديث رقم 1560، قال الحافظ في الفتح (3/ 420):((وصله الطبري والدارقطني))، وقال الألباني في مختصر صحيح البخاري، 1/ 462:((بسند صحيح عنه))، ومعنى السنة هنا: أي الطريقة والشريعة. انظر: شرح الزركشي، 3/ 71.
(3)
البخاري، في الكتاب والباب السابقين، قبل الحديث رقم 1560، قال الحافظ في الفتح،
3/ 420: ((وصله ابن خزيمة، والحاكم، والدارقطني))، وقال الألباني في مختصر صحيح البخاري، 1/ 462:((بسند صحيح عنه)).
(4)
شرح العمدة لابن تيمية، 1/ 399.
(5)
تبصير الناسك بأحكام المناسك، لعبد المحسن بن حمد العباد البدر، ص 45.
(6)
أضواء البيان للشنقيطي، 5/ 318.
الحج (1)؛ لحديث ابن عمر رضي الله عنهما، قال: وقف النبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر بين الجمرات في الحجة التي حجَّ، بهذا، وقال:((هذا يوم الحج الأكبر)) (2).
فَعُلِم بهذا أن يوم النحر من أشهر الحج وهو يوم الحج الأكبر (3)، وأن أشهر الحج: شهران وبعض الثالث (4)(5)، وأما ميقات العمرة الزماني
(1) سمّي بيوم النحر، لنحرهم الهدايا والضحايا فيه، والنحر أعلى الصدر وموضع القلادة وهو مصدر جمعه نحور، الصحاح للجوهري، باب نحر، ص 824.
(2)
البخاري، كتاب الحج، باب الخطبة أيام منى، برقم 1742.
(3)
شرح العمدة، لابن تيمية، 1/ 377، والفروع لابن مفلح، 5/ 318.
(4)
سمعت شيخنا ابن باز رحمه الله يقول أثناء تقريره على صحيح البخاري، قبل الحديث رقم 1560:((أشهر الحج شهران وبعض الثالث)). وانظر مثل هذا، شرح العمدة لابن تيمية،
1/ 383، وعند الإمام مالك: أن أشهر الحج ثلاثة: شوال، وذو القعدة، وذو الحجة، واختاره ابن هبيرة، وقال ابن عثيمين:((الصواب ما ذهب إليه مالك رحمه الله من أن أشهر الحج ثلاثة)) الشرح الممتع، 7/ 62، والفروع لابن مفلح، 5/ 319.
(5)
اختلف العلماء في حكم الإحرام قبل أشهر الحج:
فقيل: يكره الإحرام بالحج قبل أشهره؛ لأنه أحرم به قبل وقته؛ ولأن في صحته اختلافاً، فإن أحرم به قبل أشهره صح، وإذا بقي على إحرامه إلى وقت الحج جاز. نصَّ عليه أحمد، وهو قول النخعي، ومالك، والثوري، وأبي حنيفة، وإسحاق، واستدلوا بقول اللَّه تعالى:{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالحَجِّ} [البقرة: 189] فدل على أن جميع الأشهر ميقات.
وقيل: لا يجوز تقديم إحرام الحج عن أشهره؛ لقوله تعالى: {الحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الحَجِّ} [البقرة: 197]. وقالوا: يجعل إحرامه بالحج قبل أشهره عمرة، وممن قال بذلك: عطاء، وطاوس، ومجاهد، والشافعي [المغني لابن قدامة، 5/ 74].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في شرح العمدة، 1/ 394:((وقد احتج جماعة من أصحابنا وغيرهم بقوله: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالحَجِّ} فقالوا: وهذا عام في جميع الأهلة، فيقتضي أن تكون جميعاً ميقاتاً للحج، وهذا غلط محقق؛ لأن الهلال إنما يكون وقتاً للشيء إذا اختلف حكمه به وجوداً وعدماً)).
والرواية الثانية عن الإمام أحمد: أن الإحرام لا ينعقد بالحج قبل أشهره. [شرح العمدة،
1/ 389، وانظر: الفروع لابن مفلح، 5/ 316].
قال الإمام الشنقيطي رحمه الله: ((اعلم أن جماعة من أهل العلم قالت: لا ينعقد الإحرام بالحج في غير أشهر الحج، وأكثر من قال بهذا يقولون: إنه إن أحرم بالحج في غير أشهره ينعقد إحرامه بعمرة لا حج، وهذا هو مذهب الشافعي
…
)) إلى أن قال: ((قال مقيده عفا اللَّه عنه وغفر له: ومن العجيب عندي أن يستدل عالم بمثل هذه الأدلة التي هي في غاية السقوط، كما ترى؛ لأن آية: {قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالحَجِّ} ليس معناها أن كل شهر منها ميقات للحج، ولكن أشهر الحج إنما تعلم بحساب جميع الأشهر؛ لأنه هو الذي يتميز به وقت الحج من غيره؛ ولأن هذه الأدلة التي لا يعوَّل عليها في مقابلة آية محكمة من كتاب اللَّه صريحة في توقيت الحج بأشهر معلومات، وهي قوله تعالى: {الحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الحَجِّ}. فتجاهل هذا النص القرآني ومعارضته بما رأيت من الغرائب كما ترى)). ثم قال رحمه الله: ((والتحقيق الذي يدل عليه القرآن هو قول من قال: إن الحج لا ينعقد في غير زمنه، كما أن الصلاة لا ينعقد إحرامها قبل وقتها، وانقلاب إحرامه عمرة له وجه من النظر، ويستأنس له بأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه المحرمين بالحج الذين لم يسوقوا هدياً أن يقلبوا حجهم الذي أحرموا به عمرة، وبأن من فاته الحج تحلل من إحرامه للحج بعمرة، والعلم عند اللَّه تعالى)). [أضواء البيان للشنقيطي، 5/ 341 - 342، وانظر: شرح العمدة لابن تيمية،
1/ 385 - 398، والمقنع، والشرح الكبير والإنصاف، 8/ 131 - 134، والفروع لابن مفلح، 5/ 316 - 317].
وقال العلامة ابن عثيمين رحمه الله في الشرح الممتع، 5/ 64: ((لا يجوز أن يحرم قبل الميقات الزماني
…
وأنه لو أحرم قبل دخول شوال صار الإحرام عمرة لا حجاً
…
)).
وسمعت شيخنا ابن باز رحمه الله يقول أثناء تقريره على المنتقى من أخبار المصطفى صلى الله عليه وسلم الأحاديث: (2351 - 2363): ((هذه الأحاديث تدل على أن أشهر الحج: شوال، وذو القعدة، وعشر من ذي الحجة، ولكن لو أحرم بالحج لزمه الحج {وَأَتِمُّوا الحَجَّ وَالعُمْرَةَ للهِ} فلو أحرم بالحج في رمضان لزمه، ولكن له أن يجعلها عمرة)).
قلت: كلام الشنقيطي على أدلة القائلين بالجواز كلام نفيس، فالأقرب للصواب ما رجحه رحمه الله، واللَّه تعالى أعلم.
فهو العام كله، يحرم بها المعتمر متى شاء لا يختص بوقتٍ، ولا يختصُّ إحرامها بوقت، فيعتمر متى شاء: في شعبان، أو رمضان، أو شوال، أو