الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الخامس والعشرون: الطواف بالبيت العتيق
أولاً: شروط صحة الطواف بالبيت العتيق على النحو الآتي:
الشرط الأول: الطهارة من الحدث الأكبر والأصغر
؛ لعموم (1) حديث ابن عباس رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((الطواف حول البيت مثل الصلاة، إلا أنكم تكلّمون فيه، فمن تكلم فيه فلا يتكلم إلا بخير)) (2).
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ((أقلُّوا الكلام في الطواف فإنما أنتم في الصلاة)) (3).
وعن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم ((أنه أول شيء بدأ به حين قدم أنه
(1) قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في شرح العمدة، 2/ 582 - 589: ((يشترط لصحة كل طواف في الحج والعمرة، وفي غير حج وعمرة عشرة أشياء: أحدها النية، وهي أن يقصد الطواف بالبيت
…
الشرط الثاني: أن يكون طاهراً من الحدث
…
الشرط الثالث: أن يكون طاهراً من الخبث
…
الشرط الرابع: السترة
…
الشرط الخامس: أن يطوف سبعة أشواط
…
الشرط السادس: الترتيب، أن يبتدئ بالحجر الأسود
…
الشرط السابع: أن يجعل البيت عن يساره
…
الشرط الثامن: الموالاة، وهو أن لا يطيل قطعه فإن أطال قطعه لمكتوبة أقيمت أو جنازة حضرت لم يقطع موالاته، لأنه فرض يخاف فوته
…
الشرط التاسع: أن يطوف بالبيت جميعه فلا يطوف في شيء منه، لأن اللَّه يقول:{وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيق} [الحج: 29]. فإن اخترق الحجر في طوافه أو الشاذروان لم يصح)). [والشاذروان: هو ما فضل من عماد البيت خارج حيطانها وتربط فيه أستار الكعبة. انظر: مجموع فتاوى ابن تيمية، 26/ 121].
[وقال الأزرقي في أخبار مكة، 1/ 309: ((عدد حجارة الشاذروان التي حول الكعبة ثمانية وستون حجراً في ثلاثة وجوه وطول الشاذروان في السماء ستة عشر أصبعاً وعرضه ذراع))].
(2)
ابن خزيمة برقم 2739، والترمذي برقم 960، وصححه الألباني في صحيح الترمذي
1/ 492، وتقدم تخريجه في صفة دخول مكة.
(3)
النسائي، برقم 2923،وصححه الألباني من قول ابن عمر رضي الله عنهما في صحيح النسائي، 2/ 320.
توضأ ثم طاف بالبيت)) (1)؛ ولقول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها: ((افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري)) (2).
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: حججنا مع النبي صلى الله عليه وسلم، فأفضنا يوم النحر، فحاضت صفية فأراد النبي صلى الله عليه وسلم ما يريد الرجل من أهله، فقلت: يا رسول اللَّه إنها حاضت، فقال:((أحابستنا هي؟)) قالت عائشة رضي الله عنها: يا رسول اللَّه: إنها قد كانت أفاضت، وطافت بالبيت، ثم حاضت بعد الإفاضة، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:((فلتنفر [إذاً])) (3)، وهذه الأدلة تبيِّن أن الطواف لا يصح إلا بالطهارة، قال شيخنا ابن باز رحمه اللَّه تعالى:((الوضوء شرط في صحة الطواف في أصح قولي العلماء)) (4). وقال في موضع آخر: ((لا يصح الطواف بغير طهارة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما أراد أن يطوف توضأ، وقد قال: ((خذوا عني مناسككم)) (5))) (6).
وهذه الأدلة المذكورة صريحة في أن الطهارة شرط (7) لصحة
(1) متفق عليه: البخاري، برقم 1641، ومسلم، برقم 1235، وتقدم تخريجه في صفة دخول مكة.
(2)
متفق عليه: البخاري برقم 1650، ومسلم، برقم 120 - (1211)، وتقدم تخريجه في صفة دخول مكة.
(3)
متفق عليه: البخاري، برقم 1733، ومسلم، برقم 1211، وتقدم تخريجه في أركان الحج.
(4)
مجموع فتاوى ابن باز، 16/ 136.
(5)
مسلم، برقم 1297، بلفظ:((لتأخذوا مناسككم فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه)). وهذا اللفظ في المتن للبيهقي، 5/ 125.
(6)
مجموع فتاوى ابن باز، 16/ 150 - 151، وانظر: مجموع فتاوى ابن باز، 10/ 142، 160، 16/ 136، 140، 151، 17/ 64، 213 - 229، 328، 29/ 117.
(7)
وإذا تيقَّن الحدث وشك في الطهارة وهو في الطواف بنى على ما تيقَّنه فلم يصح طوافه، أما إذا تيقَّن الطهارة وشك في الحدث فكذلك يبني على ما تيقنه، فهو على طهارة، كالصلاة، وأما بعد الطواف فإذا حصل له شك فلا يضره؛ لأن الشك في شرط العبادة بعد الفراغ منها لا يؤثر، وهذه قاعدة عظيمة وهي استصحاب الحال المعلوم وإطراح الشك؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم للرجل الذي يُخيَّل إليه أنه يجد الشيء في صلاته:((لا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً)) [البخاري، برقم 137، ومسلم، برقم 361]. [وانظر: المغني لابن قدامة، 5/ 224، وشرح العمدة لابن تيمية، كتاب الطهارة، ص 83، والمقنع مع الشرح الكبير والإنصاف، 9/ 115، وصلاة المؤمن للمؤلف، 1/ 19].
الطواف (1).
(1) اختلف العلماء رحمهم اللَّه تعالى في اشتراط الطهارة في الطواف على قولين:
القول الأول: أن الطهارة من الحدث الأكبر والأصغر، ومن النجاسة، وستر العورة من شروط صحة الطواف، وبه قال أكثر علماء الإسلام، قال العلامة الشنقيطي رحمه الله في أضواء البيان،
5/ 202: ((
…
اعلم أن اشتراط الطهارة من الحدث، والخبث، وستر العورة في الطواف هو قول أكثر أهل العلم، منهم: مالك، وأصحابه، والشافعي، وأصحابه، وهو مشهور مذهب الإمام أحمد)). واستدلوا بأدلة منها ما ذكرته في متن هذه الرسالة.
القول الثاني: لا تشترط الطهارة، ولا ستر العورة، فلو طاف من عليه جنابة أو حدث، أو عليه نجاسة، أو طاف عرياناً صح طوافه، وبهذا القول قال الإمام أبو حنيفة. قال العلامة الشنقيطي رحمه الله:((وخالف الإمام أبو حنيفة رحمه الله الجمهور في هذه المسألة فقال: لا تشترط للطواف طهارة، ولا ستر عورة، فلو طاف جنباً أو محدثاً، أو عليه نجاسة، أو عرياناً صح طوافه عنده، واختلف أصحابه في وجوب الطهارة للطواف مع اتفاقهم على أنها ليست بشرط فيه، ومن أشهر الأقوال عندهم: أنه إذا طاف طواف الإفاضة جنباً فعليه بدنة، وإن طاف محدثاً فعليه شاة، وأنه يعيد الطواف بطهارة مادام بمكة، فإن رجع إلى بلده فالدم على التفصيل المذكور. [أضواء البيان، 5/ 202]. ثم ذكر الشنقيطي رحمه الله: أدلة الجمهور بالتفصيل، فذكر حديث عائشة: ((أن أول شيء بدأ به النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم أنه توضأ، ثم طاف)) ثم بين أن وضوءه لطوافه المذكور في هذا الحديث قد دل دليلان على أنه لازم ولا بد منه:
أحدهما أنه صلى الله عليه وسلم قال في حجة الوداع: ((خذوا عني مناسككم)) وهذا الأمر للوجوب والتحتم، فلما توضأ للطواف لزمنا أن نأخذ عنه الوضوء للطواف امتثالاً لأمره في قوله:((خذوا عني مناسككم)).
الثاني: أن فعله في الطواف: من الوضوء له، ومن هيئته التي أتى بها عليها كلها بيان وتفصيل لما أجمل في قوله:{وليَطَّوَّفُوا بالبَيْتِ العَتيق} [الحج: 29]. قال: وقد تقرر في الأصول أن فعل النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان لبيان نص من كتاب اللَّه فهو على اللزوم والتحتم، ولذا أجمع العلماء على قطع يد السارق من الكوع؛ لأن قطع النبي صلى الله عليه وسلم للسارق من الكوع بيان وتفصيل لما أجمل في قوله تعالى:{فاقطَعُوا أيديهِما} [المائدة: 38]، لأن اليد تطلق على العضو إلى المرفق، وإلى المنكب)). ثم ذكر من أدلتهم حديث عائشة ((افعلي ما يفعل الحاج غير ألا تطوفي بالبيت حتى تطهري)) متفق عليه. وفي لفظ لمسلم:((افعلي ما يفعل الحاج غير ألا تطوفي بالبيت حتى تغتسلي)). ومنها: ((الطواف بالبيت صلاة)). وفي لفظ: ((مثل الصلاة)) ثم بين أن درجة الحديث لا تقل عن درجة الحسن، ثم قال: لو سلمنا أنه موقوف فهو قول صحابي، ولم يعلم له مخالف من الصحابة، فيكون حجة، لاسيما وقد اعتضد بما ذكرنا قبله من الأحاديث الصحيحة، وبينا وجه دلالتها على اشتراط الطهارة للطواف. [أضواء البيان، 5/ 202 - 207].
وقال الإمام الخرقي في مختصر المطبوع مع المغني، 5/ 222 عن الطائف بالبيت العتيق:((ويكون طاهراً في ثياب طاهرة)) من الحدث، والنجاسة، والستارة شرائط لصحة الطواف في المشهور عن أحمد، وهو قول مالك، والشافعي، وعن أحمد أن الطهارة ليست شرطاً، فمتى طاف للزيارة غير متطهِّر أعاد ما كان بمكة، فإن خرج إلى بلده جبره بدم، وكذلك يخرج في الطهارة: من النجس، والستارة، وعنه في من طاف للزيارة وهو ناسٍ للطهارة: لا شيء عليه.
وقال أبو حنيفة: ((ليس شيء من ذلك شرطاً، واختلف أصحابه، فقال بعضهم: هو واجب، وقال بعضهم: هو سنة؛ لأن الطواف ركن للحج، فلم يشترط له الطهارة، كالوقوف)). قال ابن قدامة: ((
…
ولنا ما روى ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الطواف بالبيت صلاة إلا أنكم تتكلمون فيه)) رواه الترمذي، برقم 960، والأثرم، وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن أبا بكر الصديق بعثه في الحجة التي أمَّره عليها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قبل حجة الوداع يوم النحر يؤذن: ((لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عُريان)) [البخاري، برقم 1622، ومسلم، برقم 1347]، ولأنها عبادة متعلقة بالبيت فكانت الطهارة والستارة فيها شرطاً، كالصلاة، وعكس ذلك الوقوف)) [المغني، 5/ 222 - 223].
واختار شيخ الإسلام: أن الطهارة لا تجب للطواف [انظر: مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام،
21/ 273، 26/ 123، 124، والأخبار العلمية من الاختيارات الفقهية، ص 176]، وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله بعد أن ذكر رأي شيخ الإسلام ابن تيمية: ((وعليه فالقول الراجح الذي تطمئن إليه النفس، أنه لا يشترط في الطواف: الطهارة من الحدث الأصغر، لكنها بلا شك أفضل وأكمل، واتباعاً للنبي صلى الله عليه وسلم، ولا ينبغي أن يخل بها الإنسان لمخالفة جمهور العلماء في ذلك، ولكن أحياناً يضطر الإنسان إلى القول بما ذهب إليه شيخ الإسلام
…
)) [الشرح الممتع، 7/ 299 - 300].
والقول الأول: وهو قول الجمهور من علماء الإسلام هو الراجح كما تقدم في تفصيل الأدلة عند العلامة الشنقيطي في أضواء البيان، وكما رجحه الإمام ابن قدامة، وهو الذي لا يرى شيخنا ابن باز غيره، بل يأمر من طاف محدثاً، أو عليه نجاسة وهو يعلمها وأحدث أثناء الطواف أن يعيد الطواف للأدلة الصريحة الصحيحة المذكورة في متن هذه الرسالة، وفي ما تقدم من رد العلامة الشنقيطي على أصحاب القول الثاني، فعلى هذا يجب على المسلم أن لا يطوف إلا على طهارة كما أنه لا يصلي إلا على طهارة. [انظر: المراجع السابقة، وانظر: مجموع فتاوى شيخنا ابن باز رحمه الله، 10/ 142، 160، و16/ 136، 140، 151، و17/ 64، 213 - 219، 328،
و29/ 117]. [وانظر: مجموع فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، 11/ 237 - 238، و11/ 241 - 249].