الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تركه
…
)) (1)، وقد رجح اختيار الإمام ابن جرير العلامة الجهبذ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله (2).
ثالثاً: مضاعفة الصلوات في الحرم من المنافع العظيمة
؛
فإن الصلاة فيه أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((
…
وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف فيما سواه)) (3)، وهذا
…
ثوابه عظيم؛ فإن من صلّى يوماً واحداً خمس صلوات، كانت أفضل من خمسمائة ألف صلاة، فتكون أفضل من الصلاة في مائتين وإحدى وثمانين
سنة وستة أشهر تقريباً؛ لأن المصلي إذا صلَّى خمس صلوات، كان ذلك عدد الصلوات في اليوم، فيكون بمائة ألف يوم تقسيم ثلاثمائة وخمسة وخمسين يوماً، عدد أيام السنة القمرية، والناتج يكون عدد السنين هكذا 100000 يوم ÷ 355 يوماً = 281،69 سنة، وهذا فضل عظيم، وثواب كبير جليل، لمن وفقه اللَّه تعالى للخير (4).
(1) جامع البيان عن تأويل أي القرآن، 4/ 222 - 224.
(2)
أضوء البيان، 5/ 490 - 492.
(3)
ابن ماجه، برقم 1406، وأحمد، 3/ 343، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه، 1/ 236، وتقدم تخريجه.
(4)
أيهما أفضل: الطواف بالبيت أو صلاة النافلة في المسجد الحرام؟
اختلف العلماء في ذلك على قولين:
القول الأول: الطواف بالبيت أفضل، وبه قال بعض علماء الشافعية، واستدلوا بأن اللَّه قدَّم الطواف على الصلاة في قوله:{وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [البقرة: 125]، وقوله:{وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [الحج: 26].
والقول الثاني: الصلاة أفضل لأهل مكة، والطواف أفضل للغرباء، وممن قال بهذا القول: ابن عباس، وعطاء، وسعيد بن جبير، ومجاهد، كما نقله عنهم النووي في شرح المهذب. [أضواء البيان، 5/ 229].
قال شيخنا ابن باز رحمه الله: ((في التفضيل بين كثرة النافلة وكثرة الطواف خلاف، والأرجح أن يكثر من هذا وهذا، ولو كان غريباً، وذهب بعض أهل العلم إلى التفضيل، فاستحبوا الإكثار من الطواف في حقِّ الغريب، ومن الصلاة في حقِّ غيره، والأمر في ذلك واسع ولله الحمد)). [مجموع فتاوى ابن باز، 16/ 138 - 139، 367، و17/ 225، ومجموع فتاوى ابن تيمية، 26/ 248].
قال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى، 26/ 290:((جمهور أهل العلم على أن الطواف بالبيت أفضل من الصلاة بالمسجد الحرام)).
وقد جعل اللَّه هذا المسجد أول بيت وُضِع للعبادة، وهو أفضل المساجد مطلقاً؛ لقول اللَّه تعالى: {ِإِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدىً لِلْعَالَمِينَ * فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ
آمِناً وَللَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} (1).
وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول اللَّه: أيُّ مسجدٍ وضع في الأرض أول؟ قال: ((المسجد الحرام)) قال: قلت: ثم أيٌّ؟ قال: ((المسجد الأقصى))، قلت: كم كان بينهما؟ قال: ((أربعون سنة))، ثم قال:((حيثما أدركت الصلاة فصلِّ، والأرض لك مسجد))، وفي لفظ مسلم:((ثم الأرض لك مسجد، فحيثما أدركت الصلاة فصل)) (2).
(1) سورة آل عمران، الآيتان: 96 - 97.
(2)
متفق عليه: البخاري، كتاب أحاديث الأنبياء، باب: حدثنا موسى بن إسماعيل، برقم 3366، وباب قول اللَّه تعالى:{وَوَهَبْنَا لِدَاوُدَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} [سورة ص:30]، برقم 3425، ومسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب المساجد ومواضع الصلاة برقم 520.
فقوله تعالى: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ} يخبر تعالى عن شرف هذا البيت العظيم الحرام، وأنه أول بيت وضعه اللَّه للناس يتعبدون فيه لربهم سبحانه وتعالى، ويطوفون به، ويُصلُّون إليه (1)، وقوله:{لَلَّذِي بِبَكَّةَ} بكة: من أسماء مكة، قال الإمام ابن كثير رحمه الله:((بكة من اسماء مكة على المشهور، قيل: سُمِّيت بذلك؛ لأنها تبكّ أعناق الظلمة والجبابرة، بمعنى أنهم يذلون بها، ويخضعون عندها، وقيل: لأن الناس يتباكّون فيها: أي يزدحمون)) (2)، وقال رحمه الله: ((وقد ذكروا لمكة أسماء كثيرة: مكة، وبكة،
والبيت العتيق، والبيت الحرام، والبلد الأمين، والمأمون، وأم رحم، وأم القرى، وصلاح، والعَرَش على وزن بدر، والقادس؛ لأنها تطهِّر من الذنوب، والمقدّسة، والناسة - بالنون والباء أيضاً -، والنسَّاسة، والحاطمة، والرأس، وكوثا، والبلدة، والبنية، والكعبة)) (3).
وقوله تعالى: (مُبَارَكَاً):أي فيه البركة الكثيرة في المنافع الدينية والدنيوية)) (4).
وقوله: {فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ} أي أدلة واضحة، ودلالات ظاهرة، وبراهين قاطعات على أن اللَّه تعالى عظَّمه وشرَّفه)) (5).
(1) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان للسعدي، ص138، وانظر: تفسير القرآن العظيم، لابن كثير، 3/ 115.
(2)
تفسير القرآن العظيم، 3/ 115.
(3)
المرجع السابق: 3/ 116.
(4)
تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان للسعدي، ص138.
(5)
تفسير القرآن العظيم لابن كثير، 3/ 116، وتفسير البغوي، 1/ 328، وتيسير الكريم الرحمن للسعدي، ص 139.
وقوله تعالى: {مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ} ومن الآيات البينات (مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ) الذي لما ارتفع البناء استعان به على رفع القواعد منه والجدران، حيث كان يقف عليه ويناوله ولده إسماعيل، وكان أثر قدميه عليه، وكان ملصقاً بجدار الكعبة، حتى أخَّره عمر بن الخطاب في خلافته إلى ناحية الشرق، بحيث يتمكَّن الطائفون بالصلاة خلفه، ولا يشوِّشون على الطائفين بالبيت أثناء الصلاة (1).
ومن الآيات البينات: الحجر الأسود، والحطيم (2)، وزمزم، والمشاعر
كلها، وقيل: مقام إبراهيم: جميع الحرم (3).
قال الإمام الطبري رحمه الله بعد أن ذكر أقوال أهل العلم: ((وأولى الأقوال في تأويل ذلك بالصواب قول من قال: الآيات البينات: منهن مقام إبراهيم، وهو قول: قتادة ومجاهد الذي رواه معمر عنهما، فيكون الكلام مراداً فيه: (منهن) فترك ذكره اكتفاءً بدلالة الكلام عليها، فإن قال قائل: فهذا المقام من الآيات البينات، فما سائر الآيات التي من أجلها قيل:{آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ؟} ، قيل: منهن المقام، ومنهن الحجر، ومنهن الحطيم)) (4).
(1) تفسير القرآن العظيم، لابن كثير 3/ 116، وتفسير السعدي، ص139، وانظر: تفسير الطبري، 3/ 33، 37، و7/ 28 - 29.
(2)
الحطيم: هو ما بين الركن والباب. وقيل: هو الحِجْر المُخْرج منهاـ سمي به لأن البيت رُفع وتُرِك هو مَحْطوماً، وقيل: لأنَّ العرب كانت تطرَح فيه ما طافت به من الثياب، فَتَبْقى حتَّى تَنْحَطم بِطُول الزمان فيكونُ فعيلا بمعنى فاعل. [النهاية، مادة حطم].
(3)
تفسير البغوي: 1/ 328.
(4)
جامع البيان، 7/ 28.
قال الإمام ابن كثير رحمه الله عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: (مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ) قال: الحرم كله مقام إبراهيم)) (1).
وقال العلامة السعدي رحمه الله: ((ويحتمل أن المراد بمقام إبراهيم مفرد مضاف يراد به مقاماته في مواضع المناسك كلها، فيكون على هذا جميع أجزاء الحج ومفرداته آيات بينات: كالطواف، والسعي، ومواضعها، والوقوف بعرفة، ومزدلفة، والرمي، وسائر الشعائر والآيات في ذلك ما جعله اللَّه في القلوب من تعظيمها واحترامها، وبذل نفائس النفوس والأموال في الوصول إليها، وتحَمُّل كل مشقة لأجلها، وما في ضمنها من
الأسرار البديعة، والمعاني الرفيعة، وما في أفعالها من الحكم والمصالح التي يعجز الخلق عن إحصاء بعضها
…
)) (2).
قوله تعالى: {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِناً} يعني حرم مكة إذا دخله الخائف يأمن من كل سوء، وكذلك كان الأمر في الجاهلية، حتى أن الواحد من أهل الجاهلية يجد قاتل أبيه فلا يهيجه في الحرم (3).
وأما في الإسلام فإن الحرم لا يمنع من إقامة حدود اللَّه، فمن فعل ما يوجب حداً أقيم عليه فيه، ومن فعل حداً خارج الحرم، ثم لجأ إلى الحرم عائذاً به، فإنه يُخرَج من الحرم ثم يقام عليه الحدّ (4).
(1) تفسير القرآن العظيم، 3/ 117.
(2)
تيسير الكريم الرحمن، للسعدي، ص 139.
(3)
انظر: تفسير القرآن العظيم، لابن كثير، 3/ 117، وتفسير البغوي، 1/ 329، وتيسير الكريم الرحمن للسعدي، ص139.
(4)
تفسير الطبري،7/ 29 - 34،وتفسير القرآن العظيم لابن كثير،3/ 117،وتفسير البغوي، 1/ 329.
وذلك بدعاء إبراهيم عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة وأتم التسليم، حين قال:{رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} (1)، {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ} (2).
وقال الإمام البغوي رحمه اللَّه تعالى: (((ومن دخله كان آمناً) قال: وقيل: هو خبر بمعنى الأمر، تقديره: ومن دخله فأمِّنوه، كقوله: {فَلا
رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ) أي لا ترفثوا ولا تفسقوا)) (3).
وقد ذكر اللَّه منَّته على عباده فقال: {أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ} (4).
وقال تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ} (5).
وقد ثبت في الحديث الصحيح قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن إبراهيم حرّم مكة، ودعا لأهلها، وحرّمتُ المدينة كما حرَّم إبراهيم مكة، ودعوت لأهلها في مدِّها وصاعها مثل ما دعا إبراهيم [عليه السلام] لمكة)) (6).
وثبتت أحاديث أخرى تدلّ على أن اللَّه الذي حرّم مكة، ففي الصحيحين
(1) سورة البقرة، الآية:126.
(2)
سورة إبراهيم، الآية:35.
(3)
تفسير البغوي، 1/ 329.
(4)
سورة القصص، الآية:57.
(5)
سورة العنكبوت، الآية:67.
(6)
البخاري، برقم 2129، ومسلم، برقم 1360، ويأتي تخريجه إن شاء اللَّه في محظورات الحرم.