الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
5 - ذات عرق:
يقع عن مكة شرقاً بمسافة قدرها 100 كيلو، وهذا الميقات مهجور الآن؛ لعدم وجود الطرق عليها، واليوم حجاج المشرق الذين يأتون عن طريق البر يحرمون من السيل أو من ذي الحليفة (1)، فعن عائشة رضي الله عنها:((أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وقت لأهل العراق ذات عرق)). هذا لفظ أبي داود، وأما لفظ النسائي فذكر المواقيت الخمسة، قالت عائشة رضي الله عنها:((وقت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل الشام ومصر الجحفة، ولأهل العراق ذات عرق، ولأهل نجد قرناً، ولأهل اليمن يلملم)) (2).
وعن أبي الزبير أنه سمع جابر بن عبد اللَّه رضي الله عنه يُسأل عن المهلّ فقال: سمعته [أحسبه رفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم] فقال: ((مُهلُّ أهل المدينة من ذي الحُليفة، والطريق الآخر الجحفة، ومُهلَّ أهل العراق من ذات عرق، ومُهلَّ أهل نجدٍ من قرنٍ، ومُهلُّ أهل اليمن من يلملم)) (3).
وعن الحارث بن عمرو السهمي رضي الله عنه أنه قال: أتيت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وهو
بمنى، أو بعرفات، وقد أطاف به الناس، قال: فتجيء الأعراب، فإذا رأوا وجههُ قالوا: هذا وجهٌ مباركٌ، قال: ووقَّت ذات عرقٍ لأهل العراق (4).
(1) انظر هذا التحديد لجميع مسافات المواقيت في توضيح الأحكام في بلوغ المرام للبسام،3/ 285 - 288).
(2)
أخرجه أبو داود بلفظه، كتاب المناسك، بابٌ في المواقيت، برقم 1739، والنسائي بذكر المواقيت الخمسة، كتاب مناسك الحج، باب ميقات أهل العراق، برقم 2655، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/ 488، وفي صحيح سنن النسائي، 2/ 247.
(3)
مسلم، كتاب الحج، باب مواقيت الحج والعمرة، برقم 18 - (1183).
(4)
أبو داود، كتاب المناسك، بابٌ في المواقيت، برقم 1742، وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/ 488.
وعن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ((لما فُتِحَ هذان المِصْرَان (1) أتوا عمر فقالوا: يا أمير المؤمنين إن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حدَّ لأهل نجد قرناً، وهو جور عن طريقنا (2)، وإنَّا إن أردنا قرناً شقَّ علينا، قال: فانظروا حذوها (3) من طريقكم فحدَّ لهم ذات عرق)) (4).
ولم يبلغ عمر بن الخطاب رضي الله عنه حديث عائشة، ولا حديث جابر، ولا حديث الحارث بن عمرو السهمي في تحديد النبي صلى الله عليه وسلم ذات عرق لأهل العراق، فحدد رضي الله عنه لأهل العراق ذات عرق، وهذا من اجتهاداته الكثيرة التي وافق فيها السنة (5).
وسمعت شيخنا ابن باز رحمه الله يقول: ((جاء أهل البصرة إلى عمر رضي الله عنه فوقَّت لهم ذات عرق وهو لم يبلغه الحديث، وهو موفّقٌ رضي الله عنه، له
اجتهادات كثيرة وافق فيها السنة)) (6).
(1) المراد بالمصرين: الكوفة والبصرة، وهما سرَّتا العراق. فتح الباري لابن حجر، 3/ 389، وجامع الأصول لابن الأثير، 3/ 18.
(2)
جور عن طريقنا: أي مائل عن طريقنا الذي نسلكه ونقصده. انظر: فتح الباري لابن حجر،
3/ 389، وجامع الأصول، 3/ 18.
(3)
انظروا حذوها: اعتبروا ما يقابل الميقات من الأرض التي تسلكونها من غير ميلٍ، فاجعلوه ميقاتاً. [فتح الباري لابن حجر، 3/ 389].
(4)
البخاري، كتاب الحج، باب ذات عرق لأهل العراق، برقم 1531.
(5)
انظر: فتح الباري لابن حجر، 3/ 389.
(6)
سمعته رحمه الله أثناء تقريره على صحيح البخاري، الحديث رقم 1531، وقال العلامة الشنقيطي رحمه الله:((وأما الميقات الخامس الذي اختلف العلماء فيه، هل وقَّته رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أو وقته عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فهو: ذات عرق لأهل العراق، فقال بعض أهل العلم: توقيت ذات عرق لأهل العراق من النبي صلى الله عليه وسلم، وقال بعضهم بتوقيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه))، ثم ذكر رحمه الله أدلة كل فريق، ثم قال:((أظهر القولين عندي دليلاً أن ذات عرق وقتها النبي صلى الله عليه وسلم لأهل العراق)). أضواء البيان، 5/ 319 - 326.
وأما تحديد موقع ذات عرق فقد حددته هيئة كبار العلماء بقرارهم الآتي (1):
(1) بسم اللَّه الرحمن الرحيم. قرار رقم (177) وتاريخ 29/ 3/1414هـ، الصادر عن هيئة كبار العلماء بشأن ميقات (ذات عرق).
الحمد لله رب العالمين، وصلى اللَّه وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه. وبعد:
فإن مجلس هيئة كبار العلماء قد اطَّلع في دورته الأربعين على الرسالة المقدمة من بعض سكان الضريبة المتضمنة طلب بناء مسجد في ميقات ذات عرق يكون مَعْلماً للميقات يُحرم منه من يمر بهذا الميقات ممن يريد الحج أو العمرة؛ لأن عدم وجود مسجد في الميقات أدَّى إلى تجاوز الميقات من بعض مريدي الحج والعمرة من غير أهل المنطقة قبل الإحرام لعدم وجود ما يرشد إليه؛ ولأهمية الموضوع ومسيس الحاجة إلى إيضاح هذا الميقات رأى المجلس تكليف أصحاب الفضيلة الشيخ عبد اللَّه بن عبد الرحمن البسام، والشيخ عبد اللَّه بن سليمان المنيع عضوي المجلس، والشيخ عبد العزيز بن محمد العبد المنعم الأمين العام للهيئة بزيارة موقع الميقات المذكور والعناية بتحديده وبيان ما يحتاج إليه من مسجد ومرافقه، وقد قاموا بالمهمة وأعدوا التقرير اللازم، وفي الدورة الحادية والأربعين للمجلس المنعقدة في الطائف في الفترة من 18/ 3/1414هـ إلى 29/ 3/1414هـ عرض الموضوع واطلع المجلس على التقرير الذي أعده المشايخ الذي نصه:
((الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول اللَّه، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه. أما بعد:
فلما كان ميقات ((ذات عرق)) مُدرجاً في جدول أعمال الدورة الأربعين لمجلس هيئة كبار العلماء المنعقدة في الرياض ابتداء من تاريخ 10/ 11/1413هـ. وقد رأى المجلس - كما ورد في المحضر الأول من محاضر هذه الدورة - تكليف كل من فضيلة عضوي المجلس الشيخين عبد اللَّه بن عبد الرحمن البسام وعبد اللَّه بن سليمان المنيع، وأمين عام الهيئة عبد العزيز بن محمد العبد المنعم بزيارة ميقات ((ذات عرق)) وكتابة تقرير بشأنه يتضمن وصفاً له، وبيان حدوده، وتقديمه للمجلس في دورته الحادية والأربعين.
وإنفاذاً لما رآه المجلس توجهت اللجنة المكلفة بالمهمة في يوم السبت الموافق 12/ 2/1414هـ إلى ميقات ((ذات عرق))، وقد سلكت في ذهابها الطريق الموازي لوادي العقيق المتجه شمالاً من (عشيرة) إلى بلدة (المحاني)، وعند محاذاتها ((ذات عرق)) من الشرق تركت الطريق المزفت، واتجهت غرباً مارة بوادي العقيق عرضاً مع خط ترابي ممسوح يصل ما بين الطريق المزفت وبين ذات عرق، وقد حسبت المسافة من وادي العقيق إلى ذات عرق فبلغت ثمانية وعشرين كيلو متراً حسب عداد السيارة.
وقد وصلت اللجنة منطقة ذات عرق، وتجولت فيها وفيما حولها من وديان ومزارع، ثم كتبت ما انتهت إليه من معلومات وحقائق معتمدة في ذلك على:
1 -
ما ذكره بعض أهل العلم من مفسرين وفقهاء ومؤرخين عن هذا الميقات حيث استعرضت اللجنة وهي في رحلتها قراءة كثير من أقوال أهل العلم في وصف هذا الميقات، وذكر بعض معالمه.
2 -
مشاهدة معالم هذا الميقات من أودية وجبال، وتطبيق ما ذكره أهل العلم عليها لاسيما ممن كتبوا في وصف طرق الحاج، وأشاروا إلى كثير من المواضع مع ضبطها بالوصف والمسافات.
3 -
الاستعانة ببعض أهل الخبرة من سكان تلك الجهة، فقد اتصلت اللجنة بثلاثة من كبار السن من أهل تلك المنطقة، واصطحبتهم معها في جولاتها، ووقوفها على مختلف المعالم من جبال وأودية وآبار وخرائب، وتعرَّفت منهم على أسمائها، وعلى كل ما يعرفونه عنها في القديم حينما كان الحاج يستخدم الإبل في سفره، ويحرم بالنسك من هذا الميقات، وفي الحاضر حيث تغيرت وسائل المواصلات، فأصبح الإحرام منه منقطعاً، وذلك من أكثر من أربعين عاماً حيث ذكروا ذلك.
وتوصلت اللجنة إلى الحقائق التالية:
1 -
أن (عرقاً) قمة جبل مرتفع ولونه متميز عن بقية الجبل بلون إلى السواد أقرب واقع على كامل قمة الجبل، وهذا الجبل مرتفع عما حوله ممتد من الشرق إلى الغرب بطول ألفي متر تقريباً، يحده من الشرق وادي (الحنو)، ومن الغرب وادي (العصلاء الشرقية)، وهذا الجبل هو الحد الجنوبي للميقات.
2 -
أن ميقات ((ذات عرق)) ريع بين جبلين، فيه مجرى سيل كبير متجه من الشرق إلى الغرب يُدعى ((وادي الضريبة)) يتسع هذا الريع في بعض نواحيه ويضيق في نواحي أخرى بين مائتي متر، وخمسمائة متر، وطوله من الشرق إلى الغرب ألفا متر تقريباً.
ويطلق عليه اسم ((الطرفاء)) وفي منتصفه بئر قديمة فيها ماء تسمى ((الخضراء)) يحرم عندها من يريد الإحرام من أهل البلد أو من يمر بها ممن هم حولها حسب إفادة المرافقين للجنة من أهل المنطقة، وفي هذا المحدود يوجد آثار خرائب، وأساسات مباني قديمة لم يبق منها إلا ما هو ملاصق للأرض، وفي غربيه شمال مجرى الوادي آثار مقبرة قديمة، وتغطي أشجار السلم والطلح والسمر عامة أرض الميقات.
حدود الميقات: أما حدود هذا الميقات كما وَضُحَ للجنة:
فيحده من الشرق ملتقى وادي (الحنو) مع وادي (أنخل) عند مصبهما ليتكون منهما وادي ((الضريبة))، وعند ملتقى هذين الواديين يبتدئ العرق المنسوب إليه هذا الميقات. ويوجد في هذا الحد ثلاث نصائب: إحداها في جنوبيه في سفح العرق المذكور عند ابتدائه من الشرق حيث مجرى وادي (الحنو)، والثانية فوق ملتقى وادي الحنو ووادي أنخل في المثلث الفاصل بينهما قُبيل التقائهما، والثالثة في سفح الجبل الشمالي المقابل لجبل ((عرق)) من الشمال، وهذه العلامات الثلاث ذكر المرافقون من أهل تلك الجهة أنها وُضِعت منذ حوالي ثلاثين سنة من قبل لجنة خرجت من مكة بقصد تحديد الميقات، ومَنْع التعدي عليه.
ويحده من الغرب وادي العصلاء الشرقية، المتجه من الجنوب إلى الشمال حيث يصب سيله في وادي الضريبة. ويمتد الحد الغربي شمالاً على مسامتة وادي العصلاء حتى يصل إلى الجبل المقابل من الناحية الشمالية، ويوجد مجرى سيل متجه من الجنوب إلى الشمال موازٍ للعصلاء الشرقية من الغرب يدعى ((العصلاء الغربية)) وبينهما حوالي خمسمائة متر، ويصب سيله في وادي الضريبة. وقد وضعت نصائب من قبل اللجنة السابقة في الضفة الشرقية للعصلاء الغربية، وقال المرافقون: إن هذا متجاوز للحد، وإنما وضعت هذه الأنصاب لتكون حمى للميقات، إذ أن حد الميقات من الغرب هو العصلاء الشرقية - كما أوضحناه آنفاً - لوجود الآثار شرقيها؛ ولأن العرق المنسوب إليه هذا الميقات ينتهي عند هذا الحد.
ونوصي بأن يبقى ما بين العصلاء الشرقية والعصلاء الغربية حمى للميقات كما وضعته اللجنة السابقة، ولا يسمح لأحد بإحيائه أو تملكه؛ لئلا يضيق الميقات بالتعدي على حدوده.
ويحد الميقات من الجنوب قمة جبل عرق ابتداء من طرفه الشرقي عند مجرى وادي الحنو إلى طرفه الغربي حيث ينتهي بمجرى العصلاء الشرقية.
ويحده من الشمال الجبال المتصلة الواقعة شمال وادي الضريبة من مصب وادي أنخل في وادي الضريبة شرقاً ممتداً حتى ملتقى وادي الضريبة بوادي العصلاء الشرقية غرباً.
وطول الميقات شرقاً وغرباً ألفا متر تقريباً وهو طول العرق المذكور.
وعرض الميقات يختلف باختلاف ما بين الجبلين ضيقاً واتساعاً، ويتراوح ذلك ما بين مائتي متر وخمسمائة متر كما سبقت الإشارة إليه.
أما موقع إقامة مسجد الميقات ومرافقه، فترى اللجنة أن يقام في المتسع الواقع شمال شرق بئر ((الخضراء)) لتوسطه؛ ولأن جميع من سألناهم أجمعوا على أن الإحرام في الماضي والحاضر هو قرب هذه البئر التي يوجد حولها بقية الآبار المندفنة، والغرف المتهدمة، والمقابر في سفح الجبال الشمالية الغربية مما يلي وادي الضريبة.
هذا ما توصلت إليه اللجنة فيما يتعلق بميقات ((ذات عرق)) ونسأل اللَّه إصابة الحق في القول والعمل. وصلى اللَّه على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم)).
ولمزيد التأكد طلب المجلس حضور الشريف شاكر بن هزاع قائم مقام مكة سابقاً واطلاعه على تقرير اللجنة ومعرفة ما لديه من معلومات عن الميقات المذكور لما له من خبرة في ذلك، وقد حضر عند هيئة كبار العلماء في يوم السبت الموافق 25/ 3/1414هـ، وأفاد أن ما تضمنه تقرير اللجنة موافق لما قررته اللجنة التي شكلت في عام 1387هـ لتحديد ذات عرق وكان عضواً فيها ووضعت علامات حدود الميقات في ذلك الوقت التي لا تزال باقية إلى الآن وهي نفس العلامات التي رأتها اللجنة التي شكلها المجلس.
كما قام كل من عضوي المجلس فضيلة الشيخ محمد بن سليمان البدر، وفضيلة الشيخ بكر بن عبد اللَّه أبو زيد يوم الجمعة الموافق 24/ 3/1414هـ بزيارة لميقات ذات عرق، وأفادا المجلس بأنهما اطَّلعا على الميقات ومعالمه وسألا عدداً من سكان المنطقة عن الميقات واتضح لهما أن ما جاء في تقرير اللجنة التي كلفها المجلس فيه وصف دقيق لذات عرق يوافق واقعها على الطبيعة، وبناءً على ما تقدم فإن المجلس يرى ما يلي:
1 -
أن تهتم الحكومة بميقات ذات عرق الذي هو أحد المواقيت المكانية المعتبرة للحج والعمرة من حيث المحافظة عليه، وذلك بوضع علامات واضحة وبارزة في بدايته من الشرق ونهايته من الغرب حسب الحدود الموضحة في تقرير اللجنة المذكور ضمن هذا القرار حتى لا يتجاوزه أحد ممن يريد الحج أو العمرة قبل الإحرام.
2 -
يوصي المجلس بتكليف الجهة المختصة بالمبادرة بإنفاذ أمر خادم الحرمين الشريفين حفظه اللَّه ببناء مسجد ميقات ذات عرق وتأمين ما يحتاجه من خدمات ومرافق حسبما صرح به معالي وزير الحج والأوقاف السابق ونشر في جريدة الجزيرة في عددها (7470) الصادر في 19/ 9/1413هـ.
3 -
يقام المسجد في المكان الذي اقترحته اللجنة في تقريرها للأسباب التي ذكرتها. وباللَّه التوفيق، وصلى اللَّه وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه، [انظر: توضيح الأحكام من بلوغ المرام، للعلامة عبد اللَّه بن عبد الرحمن البسام، 3/ 278 - 282، وهو أحد أعضاء هيئة كبار العلماء، وأحد أعضاء اللجنةالتي خرجت ووقفت على ميقات ذات عرق].
والواجب على مَن مر على هذه المواقيت أن يحرم منها ويحرم عليه أن يتجاوزها بدون إحرام إذا كان قاصداً مكة يريد حجاً أو عمرة، سواء كان مروره عن طريق البر، أو البحر، أو الجو، والمشروع لمن توجه إلى
مكة عن طريق الجو بقصد الحج أو العمرة: أن يتأهَّب لذلك بالغسل ونحوه قبل الركوب في الطائرة، فإذا دنا من الميقات لبس إزاره ورداءه، ثم لبَّى بما يريد من حج أو عمرة، وإن لبس إزاره ورداءه قبل الركوب أو قبل الدنو من الميقات فلا بأس، ولكن لا ينوي الدخول في الإحرام ولا يلبِّي إلا إذا حاذى الميقات أو دنا منه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحرم إلا من الميقات.
وأما من كان مسكنه دون هذه المواقيت كسكان: جدة، وبحرة، والشرائع، وغيرها فمسكنه هو ميقاته فيحرم منه بما أراد من حج أو عمرة، أما أهل مكة فيحرمون بالحج وحده من مكة (1).
ومن أراد الإحرام بعمرة أو حج فتجاوز الميقات غير محرم، فإنه يرجع ويحرم من الميقات، فإن لم يرجع فعليه دم يجزئ في الأضحية؛ لقول ابن عباس رضي الله عنهما:((من نسي من نسكه شيئاً أو تركه فليهرق دماً)) (2).
أما من توجه إلى مكة ولم يرد حجاً ولا عمرة، وإنما أراد التجارة، أو القيام بعمل من الأعمال له أو لغيره، أو زيارة لأقربائه أو غيرهم ونحو ذلك، فالصواب أنه ليس عليه إحرام إلا أن يرغب في ذلك؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم حينما وقَّت المواقيت: ((
…
هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن لمن كان يريد الحج والعمرة
…
)) (3). فمفهومه أن من مر على المواقيت ولم يرد حجاً ولا عمرةً فلا إحرام عليه، ويدل على ذلك أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم، لما دخل مكة
(1) انظر: مجموع فتاوى سماحة الشيخ ابن باز الجزء الخامس، القسم الأول (5/ 251).
(2)
مالك في الموطأ، 1/ 419، والدارقطني، 2/ 244، والبيهقي، 5/ 152، قال الألباني: ثبت موقوفاً. وانظر: إرواء الغليل، 4/ 299.
(3)
وتقدم تخريجه. البخاري، برقم 1526، ومسلم، برقم 1181.