الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وسمعت شيخنا ابن باز رحمه اللَّه تعالى يقول: ((وفيه من الفوائد: أن الإنسان إذا نسي فلبس جبة أو عمامة أو ثوباً جاهل أو ناسٍ وهو محرم فلا شيء عليه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمره بفدية لجهله، وهكذا لو تضمَّخ بطيب بعد الإحرام وهو جاهل فلا شيء عليه، والناسي من باب أولى (1).
وقال في المحرم الذي وقصته ناقته: ((ولا تحنطوه)) وفي رواية: ((ولا تمسوه بطيب)) (2)؛ ولقوله صلى الله عليه وسلم: ((لا تلبسوا من الثياب شيئاً مسه الزعفران ولا الورس)) (3).
أما الطيب الذي تطيب به قبل الإحرام في رأسه ولحيته فلا يضر بقاؤه بعد الإحرام؛ لأن الممنوع في الإحرام ابتداء الطيب لاستدامته كما تقدم.
المحظور السادس: قتل صيد البر الوحشي المأكول، واصطياده
؛ لقوله
تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لَا تَقْتُلُواْ الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ} (4). وقوله سبحانه: {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} (5).
وقوله: {غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنتُمْ حُرُمٌ} (6).
(1) سمعته أثناء تقريره رحمه الله على صحيح البخاري، الحديث رقم (4329).
(2)
متفق عليه: البخاري، برقم 1265، 1839، 1849، ومسلم، برقم 1206، وتقدم تخريجه في المحظور الثالث.
(3)
متفق عليه: البخاري، برقم 1838، ومسلم، برقم 1177، وتقدم تخريجه في المحظور الثالث.
(4)
سورة المائدة، الآية:95.
(5)
سورة المائدة، الآية:96.
(6)
سورة المائدة، الآية:1.
وقوله تعالى: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُواْ} (1)؛ ولحديث الصَّعب بن جثامة الليثي رضي الله عنه: أنه أهدى لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حماراً وحشياً، وهو بالأبواء أو بودَّان (2) فردَّه عليه، فلما رأى ما في وجهه قال:((إنا لم نردُّه إلا أنا حرمٌ)). وفي لفظ للبخاري: ((أما إنا لم نرده عليك إلا أنا حرم)). وفي لفظ للبخاري أيضاً: قال الصعب: فلما عرف ما في وجهي ردَّهُ هديتي، قال:((ليس بنا ردٌّ عليك ولكنا حرم)). وفي رواية لمسلم: ((أهديت له من لحم حمارِ وحشٍ)) (3).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أهدى الصعب بن جثَّامة إلى النبي صلى الله عليه وسلم حما روحش وهو محرم فرده عليه، وقال:((لولا أنا محرمون لقبلناه منك)).
وفي لفظ: ((أهدى الصعب بن جثَّامة رجل حمار وحشٍ)). وفي لفظ: ((عجز حمار وحشٍ يقطر دماً)). وفي لفظ: ((أهدي للنبي صلى الله عليه وسلم شقُّ حمارٍ وحشٍ فردَّه)) (4).
وعن أبي قتادة الأنصاري في قصة صيده الحمار الوحشي، وهو غير محرم، قال: فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لأصحابه - وكانوا محرمين -: ((أمنكم
(1) سورة المائدة، الآية:2.
(2)
مكان في طريق الذاهب من المدينة إلى مكة. شرح النووي على صحيح مسلم، 8/ 354.
(3)
متفق عليه: البخاري، كتاب جزاء الصيد، باب: إذا أهدي للمحرم حماراً وحشياً حياً لم يقبل، برقم 1825، وكتاب الهبة، باب قبول الهدية، برقم 2573، وباب: من لم يقبل الهدية لعله، برقم 2596، ومسلم، كتاب الحج، باب تحريم الصيد للمحرم، برقم 1193.
(4)
مسلم، كتاب الحج، باب تحريم الصيد للمحرم، برقم 1193.
أحد أمره أن يحمل عليها، أو أشار إليها؟)) قالوا: لا، قال:((فكلوا ما بقي من لحمها)) (1). وفي لفظ: فقال للقوم: ((كلوا)) ومنهم محرمون (2). وفي لفظ للبخاري: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((معكم منه شيء؟)) فقلت: نعم، فناولته العضد فأكلها حتى نفَّدها وهو محرم)) (3)، وفي لفظ للبخاري، قال معنا رجلها، فأخذها النبي صلى الله عليه وسلم فأكلها (4). وفي لفظ للبخاري:((إنما هي طعمة أطعمكموها اللَّه)) (5). وفي لفظ لمسلم: ((هو حلال فكلوه)) (6). وفي لفظ لمسلم: ((هل منكم أحد أمره، أو أشار إليه بشيء؟)). وفي لفظ للنسائي:
((هل أشرتم، أو أعنتم؟)) قالوا: لا، قال:((فكلوا)) (7).
وذكر الإمام النووي رحمه الله روايات مسلم لحديث الصعب ثم قال: ((وهذه الطرق التي ذكرها مسلم صريحة في أنه مذبوح، وأنه إنما أهدى بعض لحم صيد لا كله، واتفق العلماء على تحريم الاصطياد على المحرم، وقال الشافعي: يحرم عليه تملك الصيد، والهبة، ونحوهما، وفي ملكه إياه بالإرث خلاف، وأما لحم الصيد: فَمَنْ صاده، أو صِيد له، فهو
(1) متفق عليه: البخاري، كتاب جزاء الصيد، باب لا يشير المحرم إلى صيد لكي يصداده الحلال برقم 1824، ومسلم كتاب الحج، باب تحريم الصيد للمحرم، برقم 1196.
(2)
من طرف الحديث رقم 1821.
(3)
من طرف الحديث رقم 2570، 5407.
(4)
من طرف الحديث رقم 2854، ومسلم كذلك 63 - (1196).
(5)
من طرف الحديث رقم 5490، 5492، ومسلم كذلك برقم 57 - (1196).
(6)
مسلم، برقم 1196.
(7)
النسائي، برقم 2826.
حرام، سواء صيد له بإذنه أو بغير إذنه، فمن صاده حلال لنفسه، ولم يقصد المحرم، ثم أهدى من لحمه للمحرم، أو باعه لم يحرم عليه، هذا مذهبنا وبه قال مالك، وأحمد، وداود.
وقال أبو حنيفة: لا يحرم عليه ما صيد له بغير إعانة منه.
وقالت طائفة: لا يحل له لحم الصيد أصلاً: سواء صاده أوصاده غيره له، أو لم يقصده فيحرم مطلقاً، حكاه القاضي عياض عن علي وابن عمر، وابن عباس رضي الله عنهم،لقوله تعالى:{وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} (1). قالوا: المراد بالصيد المصيد؛ ولظاهر حديث الصعب بن جثامة؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم ردَّه، وعلل ردَّه بأنه محرم، ولم يقل: لأنك صدته لنا، واحتج الشافعي وموافقوه بحديث أبي قتادة المذكور في صحيح مسلم بعد هذا؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الصيد الذي صاده أبو قتادة وهو حلال قال
للمحرمين: ((هو حلال فكلوه)) وفي الرواية الأخرى قال: ((فهل معكم منه شيء؟)) قالوا: معنا رجله، فأخذها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فأكلها، وفي سنن أبي داود، والترمذي، والنسائي، عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:((صيد البر لكم حلال ما لم تصيدوه أو يُصاد لكم)) (2). هكذا الرواية: يصاد
(1) سورة المائدة، الآية:96.
(2)
أبو داود، كتاب المناسك، باب لحم الصيد للمحرم، برقم 1851، والترمذي، كتاب الحج، باب ما جاء في أكل الصيد للمحرم، برقم 846، والنسائي، كتاب المناسك، باب إذا أشار المحرم إلى الصيد فقتله الحلال، برقم 2830، قال الترمذي:((وفي الباب عن أبي قتادة وطلحة، قال أبوعيسى: حديث جابر حديث مفسِّر، والمطلب لا نعرف له سماعاً من جابر، والعمل على هذا عند بعض أهل العلم، لا يرون بالصيد للمحرم بأساً إذا لم يصطده أو يُصد من أجله، قال الشافعي: هذا أحسن حديث روي في هذا الباب، وأقيس، والعمل على هذا، وهو قول أحمد وإسحاق)). [سنن الترمذي، في آخر الحديث رقم 846]. والحديث ضعفه الألباني في ضعيف السنن المذكورة هنا، ولكن قال عبد القادر الأرنؤوط في تخريجه لجامع الأصول، 3/ 64: ((ولكن يشهد له حديث طلحة
…
[عن عثمان التيمي قال: كنا مع طلحة بن عبيد اللَّه ونحن حُرُمٌ فأُهدي له طيرٌ، وطلحة راقد فمنَّا من أكل، ومنا من تورَّع فلما استيقظ طلحة وفَّق من أكله، وقال: أكلناه مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم[مسلم، برقم 1197]. وحديث أبي قتادة الطويل الذي تقدم
…
)) انتهى كلام عبد القادر الأرنؤوط.
وسمعت شيخنا ابن باز رحمه الله يقول أثناء تقريره على حديث جابر في منتقى الأخبار لعبد السلام ابن تيمية، الحديث رقم 2490:((وهذا حديث جيد كما قال الشافعي رحمه الله).
وحديث جابر أخرجه أيضاً أحمد، 23/ 171، وقال محققو المسند:((صحيح لغيره، وهذا إسناد حسن إن صح سماع المطلب بن عبد اللَّه من جابر)) وذكروا جملة ممن خرجه، وانظر تمام البحث في فتح الباري لابن حجر، 4/ 22 - 34.
وعن عبد اللَّه بن عامر بن ربيعة قال: رأيت عثمان رضي الله عنه بالعرج [موضع من أول تهامة] في يوم صائف وهو محرم، وقد غطى وجهه، ثم أتي بلحم صيد، فقال لأصحابه: كلوا، فقالوا: أولا تأكل أنت؟ فقال: إني لست كهيئتكم، إنما صيد من أجلي)). [الموطأ 1/ 354، كتاب الحج، باب ما لا يحل للمحرم أكله من الصيد،] وقال عبد القادر الأرنؤوط في تخريجه لجامع الأصول: ((وإسناده صحيح)).
بالألف، وهي جائزة على لغة .... قال أصحابنا: يجب الجمع بين هذه الأحاديث وحديث جابر صريح في الفرق وهو ظاهر في الدلالة للشافعي، وموافقيه، وردٌّ لما قاله أهل المذهبين الآخرين، ويحمل حديث أبي قتادة على أنه لم يقصدهم باصطياده، وحديث الصعب أنه قصدهم باصطياده، وتحمل الآية الكريمة على الاصطياد، وعلى لحم ما صيد للمحرم؛ للأحاديث المذكورة، المبينة للمراد من الآية.
وأما قولهم في حديث الصعب أنه صلى الله عليه وسلم علل بأنَّه محرم فلا يمنع كونه